الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البشر وتداخلاتهم في رواية -لست وحدك- يوسف السباعي

رائد الحواري

2023 / 12 / 15
الادب والفن


البشر وتداخلاتهم في رواية
"لست وحدك"
يوسف السباعي
الأدب يعكس واقع الأمم/الشعوب، فعندما تكون الأمة حضارية متقدمة، سيكون أدبها كذلك، مصر أم الدنيا عندما كانت صناعتها متقدمة، أعطت دفعة للأدباء فيها ليصعدوا إلى السماء، ويكتبوا عما شاهدوه هناك، قليلة ومحدودة جدا هي الأعمال الروائية التي تحدثت عن السماء، وأذكر منها رواية "غوايات شيطانية" لمحمود شاهين، ورواية "جنة الشهبندر" لهاشم غرايبة، وهما تتحدثان عن الحياة بعد الموت، لكن رواية "لست وحدك" تتحدث عن عالم الفضاء، الكواكب، الحياة في السماء، وهذا ما أعطاها انفرادية على مستوى المنطقة العربية، فلم أقرأ أي عمل عربي يتحدث عن الحياة في كواكب أخرى، وكأن الواقع العربي الرسمي وما فيه من قمع واضطهاد للإنسان جعل الكتاب/الأديب (كائن أرضي) مغموس في التراب، بحيث لم ينظر/يلتفت إلى عالم السماء وما فيها، فكان محصورا ومحاصرا بالمكان الذي يعيش فيه وأسيرا له.
العالم الأرضي
بداية أحداث الرواية تنطلق من الأرض، من الواقع العربي وما فيه من فساد ومحسوبيات ووساطات، فمدير المطبعة "عبد العزيز" يقوم: "يسرق اللبن الذي يصرف لعمال المطبعة ويستبدل بع لبن زبادي يأخذه لأسرته" ص52، وهذه أحد مظاهر الفساد الذي يعاني منه القطاع العالم، ولم يقتصر الفساد على السرقة بل وصل إلى الإعلام والصحافة، "سرحان" الصحفي يقوم بنشر خبر عن مدير مؤسسة يسرق أموال المؤسسة، دون أن يرعي دقة الخبر وثبات التهمة، كان همه هو "السبق الصحفي" حتى لو كان على حساب سمعة الناس،: "ـ هذا الرجل له أولاد... في المدراس أو في الوظائف.. كيف يواجهون الناس؟ وإنك قد أثبت على أبيهم تهمة السرقة.. وإدانته.. بمجرد الشبهة" ص85، هذا الواقع لم يتغير أو يتبدل وما تناوله السارد عن الفساد إلا من باب الأذى الذي يتركه على الأفراد والمجتمع.
ومن مظاهر الفساد والواسطة والمحسوبية، فعندما تتقدم "شهيرة" للعمل كمذيعة ولا تنجح في الامتحان يقول "عبد اللطيف" صاحب العلاقات المتشعبة: " يبدو أني قد أخطأت التوصية؟
ـ وكيف؟
ـ كان علي أن أتجه مباشرة إلى الذين أسقطوك في الامتحان
...ستنجحين.. وتعينين في التلفزيون" ص182و183، هذا هو واقع التعينات في المنطقة العربية منذ أن تأسست الأنظمة وحتى كتابة هذه المداخلة.
عالم الفضاء
رحلة الفضاء طرحها والد "شهيرة" الدكتور "عبد الخبير" طالبا من ابنته أن تختار أشخاص يشاركونه الرحلة، فكان عبد اللطيف وعبد الراضي معها في الرحلة، تنطلق السفينة الفضائية وبعد أن تجتاز الأرض يتعطل فيها محرك مما يفقد السفينة القدرة على التقدم أو التراجع، وكذلك الاتصال بالأرض لطلب المساعدة، وهنا يصبح ركاب السفينة في الفضاء معزولين عن العالم.
في أحد الكواكب يشاهدون مجموعة من الأشجار، ويتم طرح أن يجعلوها تحمل صفات البشر، من منطلق أن هذا العالم رتيب ليس في أي إثارة، ومن منطلق حب السادية والسيطرة عند بعض أفراد السفينة، ومن أجل أن يكون هناك "سبق صحفي" تنشره "شهيرة وعبد اللطيف حال استطاعوا العودة إلى الأرض، من هنا يتم إعطاء عالم الأشجار صفة الحركة والتنازع على الوصول للغذاء يكون حالها بهذا الشكل: "ـ تحولت الجذور إلى سيقان
ـ والغصون إلى أذرع
ـ والجذوع إلى أجساد
ـ والأوراق إلى شعور
ـ بدت معالم الوجوه في قمة الجذوع.
وقال عبد القادر:
ـ إنهم يتطاحنون
ـ أجل .. يجب أن نفعل شيئا... قبل أن يدمر بعضهم البعض
ـ ولا يبقى لنا منهم شيء نحكمه" ص288، هذه بداية تدخل البشر على كائنات كان تعيش بشكل طبيعي، يأتي رزقها دون عناء، لكن إعطائها صفات البشر جعلها في حالة صراع ونزاع حتى أنها كاد أن تفني بعضها.
ولم يقتصر التدخل البشري عند الحركة فحسب، بل أعطوها "صفة الطموح والرغبة في التميز، والخروج من القطيع" ص320، ليكون حال هذه الأشجار كحال البشر تماما، وليكون ركاب السفينة كأرباب على هذه الكائنات التي أعطوها صفاتهم وخصائصهم: "تجربة السيطرة على الكوكب من السفينة.. وتحويل أهله من شجر إلى بشر.. والعصف بكل ما يسوده من سكينة وسلام.
لو أنها نجحت.. لأصبحت مادة للنشر لم تتوفر لأي بشري
هل استطاع بشر أن يحكم كوكبا؟
بحكمة من عل.. وكأنه إله.. يسيطر على أمره ويتحكم في مصيره؟" ص283، وهنا تحدث تغييرات في الكوكب، مما يجعله في حالة فوضى بعد أن فقد ركاب السفينة السيطرة على أفعل الأشجار التي أصبحت تتصرف كالبشر.
أول هذه التغييرات مسألة الحمل التي تقدر في الكوكب بخمس وأربعين دقيقة، وتبدأ عملية التكاثر في الكوكب، وتأخذ بعض الكائنات في السعي للتميز والتفرد عن بقية والخروج من فكرة "القطيع" مما يخلق حالة من الصراع وفوضى بين كائنات الكوكب، وهنا يتم طرح فكرة النبوة/المختار، ليقوم بدور الإصلاح في الكوكب: "ـ ولكن كيف سيواجه الناس.. وهو بشر عادي؟
ـ إنه ليس مجرد بشر عادي... إنه مرسل من قبلنا.
ـ وكيف يعرفون؟
ـ ربما لا يعرفون.. ولكنهم يحسون أن هناك شيئا فوقهم.. أقدر منهم" ص345، يبدو أن ركاب السفينة ينقلون تجربة البشر في الأرض إلى الكوكب، لهذا يتصرفون كإله مع الأشجار التي أخذت كل صفات البشر.
تفشل فكرة النبوة بقتل المختار/النبي، ويتم العمل بفكرة جديدة لتحقيق الاستقرار في الكوكب من خلال فكرة شيوعية العمل:
"ـ والذي يعمل أقل.؟
ـ يأخذ أقل.. والذي يعمل أكثر يأخذ أكثر.
ـ تعني أن يصبح العمل وحده وبطريقة مباشرة.. هو الشيء المجزي في الحياة..
ـ أجل.. فلكي ينعم الإنسان لا بد أن يعمل.. العمل فقط هو المستخرج لوسائل الرخاء" ص362، هذه فكرة الماركسية عن العمل ودوره في تحقيق (المساواة/العادلة) الاجتماعية/الاقتصادية بين الناس، فتم شيوعية مصادر الإنتاج على كل سكان الكوكب، بحيث لم يعد هناك تميز بين الكائنات ولا في حب الملكية ولا يوجد طموح عندها: "لم يعد احد منها يملك أي شيء.. وبات الكل يملك الكل.. والكل يعمل من أجل الكل.. والكل يوزع على الكل" ص366، رغم هذا الحل حد من الصراع بين الكائنات، إلا أنه أوجد مشكلة جديدة تتمثل في: "لقد فقد الفرد حافزه في العمل" ص371، وبهذا تفشل الماركسية/الشيوعية في حل مشاكل الكوكب.
وهنا يقترح "عبد الخبير" إعادة كل شيء كما كان، إلى طبيعته قبل أن يتدخل البشر في الكواكب، فكل تدخل فعله الناس في الكوكب كان سلبيا وأحدث خرابا وصراعا، وهذا تمثل دعوة من السارد إلى ترك كل شيء على حاله، وعدم تدخل البشر في الكون، لأن تدخلهم سيكون كارثيا.
واللافت في الرواية أنها تطرح مشكلة قلة الغذاء على الكوكب وضرورة الحد من الكائنات الحية فيه، وهذا يتماثل من نظرية "مالتوس" التي تقول بأن موارد الأرض الغذائية لن تكون كافية لإطعام كل الناس على الأرض، من هنا طرح فكرة تحديد النسل أو القضاء على البشر الذين يشكلون عبئا على الأرض.
الزمن
وبما أن الرواية تتحدث عن عالم آخر غير ارضي فقد تحدثت عن الزمن وأكيف أن هناك زمن آخر يحسب بطريقة مغايرة لما يحسب على الأرض، فحياة الكائنات على الكوكب تقاس بالزمن الأرضي بالساعات:
"ـ سبعين عاما.. تعني عندنا سبعين ساعة، أي ثلاثة أيام تصوروا.. يولد الإنسان.. ويكبر.. ويصبح شابا ويتزوج وينجب.. ويمر بدور الكهولة.. فالشيخوخة .. ثم يموت.. كل هذا في ثلاثة أيام .. أي عمر هذا؟" ص293، وهذا التعليل/التفسير هو من أعطا الحدث الروائي الزمن الكافي للتغييرات التي أحدثها ركاب السفينة على الأشجار ومشاهدة ومعرفة نتائج تلك التغييرات واستبدالها إلى أن تقرر سحب كل الصفات البشرية التي أعطوها للأشجار لتعود هانئة/هادئة/مسالمة كما كانت قبل العبث فيها وبصفاتها.
بعدها هذه الأحداث يعمل المحرك المعطل، ويقرر قائد الرحلة "عبد الخبير" العودة إلى الأرض، تركين "عبد المهيمن وعبد القادر" في الكواكب ليكونا أشجارا فيه، وكأن السارد بهذا الأمر أراد إن يقول أن حياة الأشجار الهانئة (العادية) أفضل بكثير من حياة الصراع والبحث عن التميز الذي يخلف الموت والخراب والدمار.
الرواية من منشورات مؤسسة الخانجي بمصر، الطبعة الأولى 1970.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا