الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الإرهاب تمهد لضرب الوحدة الوطنية

مهدي بندق

2006 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


يتأسس الإرهاب الفكري على نزعة أصولية قوامها التعامل مع الوجود من منطلق التمركز حول شخص أو حدث –واقعي أو متخيل- تتخذه معياراً للمعرفة، ودليلاً وحيداً للحقيقة. ومن ثم فلا مجال لاختبار صواب أو خطأ المعتقد. وإنما العمل على تثبيته بكل الوسائل بما فيها استخدام القوة أو التهديد بها.
وفي تاريخنا العربي الإسلامي مثال على ذلك،هو ما فعله الخليفة القائم العباسي (1040 ميلادي = 433 هـ) بتقنينه ما أسماه أبوه الخليفة القادر العقيدة الصحيحة، ومفادها تكفير كل من لا يُسلّم بأن كلام الله قديم، وأن أفعال الإنسان مُـقدرة سلفاً، وتكفير من يُقـَـِّدم الإمام عليّ بن أبي طالب على الشيخين، وتكفير تارك الصلاة، وإخراج كل من يتقول على عائشة من الملة، ونفي صفة المسلم عمن يجحد معاوية.. الخ، وبهذا الديكرتو السلطوي أصبحت الشيعة والمعتزلة والفلاسفة مارقين بنظر الدولة، فصار القتل والتعذيب والنفي أمراً شرعياً وقانونياً منذئذ وحتى سقوط الخلافة العباسية ذاتها عام 1258 ميلادي.
غير أن الأصولية ما لبثت حتى وجدت نصيراً لها في فكر الفقيه تقي الدين بن تيمية الدمشقي المتوفي عام 1328 ميلادي، وكان من فقهاء الحنابلة المتأخرين، فشدد النكير على الشيعة وعلماء الكلام والمتصوفة، وعارض "البدع" في كل أمر من أمور الدين والدنيا، ودعا إلى الأخذ بمرجعية واحدة هي القرآن والسنة حسب. وقد ظل فكره هذا قابعاً لدى المريدين والأتباع إلى أن قـُـيـّدَ له أن يجد جماعة سياسية تروج له، وسلطة تتبناه، وقد وقع ذلك بالتحالف بين محمد بن عبد الوهاب من شيوخ نجد، وبين زعيم من وسط الجزيرة العربية: محمد بن سعود (ت 1845 ميلادي) فكان أن ظهر التيار الوهابي، وظل قائماً رغم انكسار شوكته العسكرية أمام الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي الكبير.
كان لابد أن يمر قرن ونصف قرن من الزمان، قبل أن يجد التيار الوهابي فرصته للثأر الثقافي من المصريين. وقد وجدها في كارثة حزيران 1967 حيث ضربت مصر الأزمات السياسية والاقتصادية، مما اضطرها للاعتماد على المملكة السعودية ماليا ً لإعادة بناء قواتها المسلحة، ومما اضطر أبناء شعبها الفقراء للتسابق للعمل بالمملكة تحت وطأة الحاجة الشديدة، فكان شرط بقائهم في أعمالهم أن يقبلوا بثقافة الوهابيين المتزمتة، وأن يتعايشوا معها إلى درجة التماهي، وحال عودة العائدين منهم إلى الوطن، لم يكن أمامهم من سبيل للانسلاخ عن هذه الثقافة، لا سيما وأن الدولة المدنية في مصر كانت قد بدأت هي الأخرى في التآكل لحساب أصولية داخلية، أفسح لها السادات المجال واسعاً – بغرض تصفية الناصريين وضرب اليساريين- للظهور وللنمو والانتشار. وهكذا انفتحت النوافذ أمام رياح العنف المادي والفكري كي تقتلع "السنبلة" المصرية من تربتها الطيبة، ولتغرس بدلاً منها ثقافة "البلطة" التي تبحث عن رأس تشجه.
لكن ثقافة أخرى كانت – ولا تزال – تعمل في مصر على تجاوز المحنة، ثقافة تؤمن بالإبداع، وتؤمن بأن مصر وإن ظلت في قلب العالم العربي والإسلامي، إلا أنها تعد نفسها جزء لا يتجزأ من حضارة الإنسانية بفروعها القديمة والحديثة، ومن ثم فلا مناص أمامها من الأخذ بأسباب التحديث: علوماً طبيعية وإنسانية. وفنوناً وآداباً، فضلاً عن ضرورة اقتحامها الموجة الثالثة الاقتصادية – بحد تعبير إلفن توفللر- التي هي بناء الاقتصاد على معطيات المعرفة العلمية.
في هذا السياق سعى الوزير فاروق حسني بمبادرات تستهدف التطبيق العملي لرؤية العصر، والمتمثلة في إدماج الثقافة، باعتبارها رأس المال الرمزي للأمة ضمن المكون الاقتصادي للبلاد، بما يسمح لها بإنتاج القيمة Value والقيمة المضافة Added Value.
ذلك وغيره لم يكن مرضياً بالإطلاق للتيار الأصولي، بل على العكس كان حافزاً على أن يتصيد للرجل حين أبدى رأياً في مسألة ليست ركناً من أركان الدين الخمسة، ولا هي محل إجماع بالتأكيد. وبالمناسبة فإن الإجماع لم يعد حجة في أصول الفقه منذ رفضه الإمام "الباقلاني" كمسلك للعلة، وأيده في ذلك "الشوكاني" قائلاً: إن المخالفين في القياس هم بعض الأمة فلا تتم دعوى الاجماع بدونهم.
ومن هنا فإن اتهام وزير الثقافة بمناوئة الدين الحنيف إنما هو اتهام في غير موضع، فضلاً عن كونه أحد تجليات ثقافة الإرهاب الفكري الأصولي الوهابي القاصد إلى هدم كل إنجاز بحسبانه بدعة!
بيد أن المثير للتأمل حقاً، أن يلجأ هذا التيار لا إلى نقد الإنجاز الثقافي في حد ذاته، بل إلى الالتفاف حوله، والاندفاع إلى تصفية رمز من رموزه فكرياً وسياسياً بدعوى أنه أبدى رأياً مخالفاً (في قضية أرادوا لها أن ترتدي مسوح الدين، بينما هي محض اجتماعية) وهو رأي قد يصيب وقد يخطئ. والحق أن فاروق حسني لم يخطئ حين أبدى تخوفه من استقطاب الشعب إلى معسكرين عن طريق تعميم زيٍّ شبه رسمي للمسلمين دون الأقباط. ولو حدث هذا لكان المصريون أحرياء بدق أول مسمار في نعش وحدتهم الوطنية، لا سمح الله بهذا أبداً.
يتبقى بعد ذلك سؤال، ليت كل مصري –رجلاً كان أو امرأة- أن يطرحه على نفسه: ترى هل أنا راغب في اللحاق بركب المستقبل، ومن ثم أقبل بكل ما من شأنه أن يطورني علماً وفكراً وانتاجاً، بما يعود عليّ وعلى أبنائي رخاء ً وثراء ً ؟ أم أنني سأظل متمسكاً بثقافة الجمود لكي تعيدني إلى عصر الخليفة القائم وابنه الخليفة القادر، فأراني وفي يدي بلطة، وفي يد غريمي –الذي صنعته بذاتي ولذاتي- سيف يدافع به عن نفسه؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد لهجة خطاب القادة الأوروبيين حيال إسرائيل في قمة بروكسل


.. شاهد كيف ستختلف المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب عن 2020




.. تدريبات إسرائيلية تحاكي حربا على أرض لبنان.. وأميركا تحذر مو


.. رغم تهديد بايدن.. شحنات سلاح أميركية في الطريق لإسرائيل




.. في ظل شبح ترامب.. صناديق الاقتراع في إيران تستعد لتقول كلمته