الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب برني ساندرز، -لا بأس من الغضب على الرأسمالية-

محمد الأزرقي

2023 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يحتوي هذا الكتاب السياسي على عشرة فصول ومقدمة، وهو ليس مجرّد نقد للمجتمع الأمَريكي الحديث والرأسمالية التي تشكّل حياته. إنّه يقدّم مخطّطا للتغيير التدريجي على المستويين الإقتصادي والسياسي، ويدعو لثورة سياسية يجتمع فيها العمّال للنضال من أجل حكومة تمثّل جميع الأمَريكيين وليس فقط 1%. يريد ساندَرز حكومة تتبنّى اعتقاد روزڤَلت بأن تضمن الدولة الحقوق الإقتصادية لجميع مواطنيها. يبدأ في سرد قصة عدم المساواة في توزيع الثروة في البلاد. معزّزا بالأرقام والأدلة لوصف الحالة قبل وباء الكوڤِد، يمضي للقول بأنّه سيطر 3 أشخاص فقط من اصحاب المليارات، وهم جَف بيزَوس وبِل گَيتز ووارِن بُفِت، على ثروة تعادل مجموع ما يمتلكه النصف الأدنى من سكان الولايات المتحدة. وخلال الوباء ازدهرت حظوظ هؤلاء الإثرياء بالفعل بشكل هائل، حيث شهدت البلاد واحدة من أسرع حالات الإزدهار في إعادة توزيع الثروة الى أعلى في التاريخ العالمي. بينما كان معظم الأمَريكيين منخرطين في "التضحية المشتركة" التي فرضتها الأزمة الصحيّة العالمية، زادت ثروة ما يقرب من 725 مليارديرا أمَريكيا بمقدار 2.071 ترِليُن دولارا (حوالي 70.3%) بين 18 مارس 2020 لغاية 15 تشرين الأول من عام 2021، أي من حوالي 2.947 ترِليُن الى 5.019 ترِليُن دولارا. يرى ساندَرز أنّ في هذه الحقائق أسبابا كافية لغضب الأمَريكيين واستنهاضهم للتخلص من الرأسمالية الجامحة والفئة الأوليگاركية المتسلطة. وهو يريد تغيير ذلك لأنّه يعتقد أنّ العدالة الإقتصادية هي حقّ من حقوق الإنسان. هذا الى جانب حقّ الحصول على العناية الطبية للجميع والحصول على عمل مناسب يدفع اجورا لائقة تضمن حياة كريمة للعمال وأسرهم. كما يدعو لجعل التعليم مجانيا والعناية بكبار السنّ وذوي الإعاقات باعتبارهما من حقوق الإنسان ايضا. وينضوي تحت حقوق الإنسان هذه، توفير السكن والعيش في بيئة نظيفة ومكافحة التغيير المناخي للحدّ من التهديد الوجودي الذي يمثله تغيّر المناخ، وأخيرا تحويل انظمة الطاقة بعيدا عن الوقود الإحفوري ونحو كفاءة الطاقة المُستدامة. هذه خلاصة لحقوق الإنسان برأي النبيل ساندَرز.
شرح السّنَتُر بَرني ساندَرز في مقدمة كتابه دور القلّة الأوليگاركية للسيطرة على البلاد باسم مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير الفارغة. ومضي للقول بأنّ، "الواقع السياسي حتى هذه اللحظة التاريخية، ليس عادلا وبحاجة الى النضال من أجل مجتمع أكثر ديمقراطية وعدالة وإنسانية." [https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=778616]
ثمّ قطع الشيخ شوطا بعيدا في نقد الحزب الديمقراطي وحمّله مسؤولية التخلّي عن قضايا الفقراء والأقليات من أجل تخليصهم من الجور الطبقي الرأسمالي، ليصبح بدلا منه أداة تابعة لأجندة الأثرياء الذين يمّولون الحملات الإنتخابية، والبنوك التي تدفع آلاف الدولارات لندوات يعقدها بِل كلِنتُن وزوجته هِلَري كلِنتُن للحديث عن الشؤون العامة في البلد. تخلى الحزب عن الفقراء والسود والأقليات الأخرى لدرجة أنّ ترامپ أصبح "البطل الذي يمثلهم ويدافع عن قضاياهم!" وهذا برأيه جريمة لا [https://www.marefa.org/%D8%A7%D9%84] تُغتفَر. مضى شارحا، "أعتقد أنّ الإجابة الأكثر دقّة عن سبب حصول ترامپ على دعم الطبقة العاملة يكمن في اليأس والألم وسياسة العزلة، التي يعيشها ملايين الأمَريكيين من الطبقة العاملة. ويكمن أيضا في مدى تخلّي الحزب الديمقراطي عنهم لصالح المتبرعين الإثرياء للحملات الإنتخابية و"الأشخاص الجميلين" beautiful people!" وهذا للأسف ما يجعل ترامپ قادما في انتخابات الرئاسة لعام 2024 وكأنّه ضرورة ملحّة للعالم كلّه!
عن التفاوت في الحقوق، قال ما يلي، "نعم، يضمن لنا الدستور وقانون الحقوق المدنية، الحقّ في التصويت والحقّ في التعبير عن آرائنا والحقّ في ممارسة معتقداتنا الدينية والحقّ في التجمّع، والعديد من الحقوق السياسية الهامّة الأخرى. لكنّه لا يُضمن لنا حقّا في وظيفة لائقة ولا في الرعاية الصحية ولا التعليم ولا الغذاء ولا المأوى. ليس لنا الحقّ في الضروريات الأساسية التي تسمح للبشر بالعيش الكريم والحياة الآمنة. أعاد الى الأذهان ما قاله الرئيس الأمريكي روزڤَلت [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8] قبل 80 عاما بأنّ، "الحرية الفردية الحقيقية لا يمكن أن توجد بدون الأمن الإقتصادي والإستقلال."
أشار ساندرز الى دوره كرئيس للجنة الموازنة في مجلس الشيوخ وعن القانون التحويلي الذي سمّاه "خطة الإنقاذ الأمَريكية" لمساعدة العوائل الفقيرة والإقليات المقهورة. شاهدته أكثر من مرّة يحاور في ندوات تلفزيونية وهو يستشيط غضبا مندّدا بتمرّد عضوين في الحزب الديمقراطي، وهما جو مانشِن من ولاية ڤِرجينيا الغربية وكرِستِن سينِما من ولاية أريزونا. ألقى باللائمة عليهما للجم الزّخم من أجل التغيير السياسي في البلاد بسبب عوائقهما التي جعلت عملية إقرار قانون التغيير المذكور تستمرّ لأشهر. "كان تمويل حملتيهما الإنتخابيتين من قبل مصالح الشركات. وهو ما أدّى الى تقويض جهودنا عند كلّ منعطف. وبسبب عوائقهما استمرّت العملية لأشهر فتوقّف الزخم من أجل التغيير." مات مشروع أفضل قانون ومعه مات الكثير من الدعم السياسي الذي فاز به الرئيس بايدن والديمقراطيون عام 2020، بحسب ما صرّح به ساندَرز.
أثار السياسي القويم في نهاية مقدمته، عددا من الأفكار والقناعات، التي تمثّل رأيه في إحداث "التغيير التدريجي،" وليس الثوريّ المطلوب والتي تبدأ بكلمة "نعم."
نعم، يمكن أن تكون لدينا برامج وظائف مضمونة توفّر للناس اجورا صالحة للعيش الكريم وتلبية الإحتياجات الهائلة التي لم تتمّ لحدّ الآن تلبيتها في مجتمعنا. يمكننا أن نتحرّك نحو الديمقراطية الإقتصادية التي يتمتع فيها العمّال بسلطة متزايدة على الوظائف التي يؤدونها بحيث لا يعودون مضطرين للعمل مثل التروس التعيسة unhappy cogs في الآلات.
نعم، يمكننا خلق ملايين الوظائف من خلال قيادة العالم لمكافحة التهديد الوجودي الذي يمثله تغيّر المناخ وتحويل انظمة الطاقة لدينا بعيدا عن الوقود الإحفوري ونحو كفاءة الطاقة المُستدامة. يمكننا إعادة بناء بنيتنا التحتية المتداعية في الطرق والجسور وسكك الحديد والمدارس وشبكات المياه وشبكات الإتصال لجعل امّتنا أكثر أمانا وفعاليّة.
نعم، يمكننا تحسين نظام الرعاية الصحيّة المُختلّ والتحرك نحو نظام يغطّي الجميع بتمويل عام Medicare for All ويضمن الرعاية الصحيّة لكافة المواطنين كحقّ من حقوق الإنسان، وليس تفضّلا أو امتيازا.
نعم، يمكننا أن نضمن التعليم مدى الحياة من خلال التعليم المجّاني لكلّ أمَريكي من كافة الأعمار، حيث نقوم بإنشاء أفضل أنظمة تعليمية في العالم، بدءاً من رعاية الأطفال حتى الدراسات العليا.
نعم، يمكننا إنهاء مستوى توزيع الدخل والثروة البشع وجعله على قدم المساواة للجميع من خلال نظام ضريبي تصاعدي يتطلب من الشركات الغنية والكبيرة أخيرا أن تدفع حصصها العادلة من الضرائب.
نعم، يمكننا الحفاظ على حقوق الإنجاب وضمان تمتّع النساء بحريّة اتخاذ القرارات والخيارات الأفضل لهن ولسبل عيشهن.
نعم، يمكننا إنهاء التعصّب الأعمى بينما نتحرّك نحو المجتمع الذي يحتضن المفاهيم الرائعة التي تعلّمناها كأطفال؛ أمَريكا هي "أرض الحرية والعدالة للجميع."
نعم، يمكننا إنشاء ديمقراطية نابضة بالحياة وشاملة تنهي نظام تمويل الحملات الإنتخابية الفاسد لدينا، ويجعل الأمر أسهل على الناس من جميع مناحي الحياة وليس اصعب للمشاركة في العملية السياسية [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9].
لمزيد من التوضيح قال، "الاشتراكية لا تعني المفاهيم الكبيرة والنظرية الثقيلة. الاشتراكية تهتم بالمأوى اللائق لمن لا مأوى لهم. وبتوفير المياه لمن ليس لديهم مياه صالحة للشرب. انها تهتم بالرعاية الصحية، وبحياة كريمة لكبار السن. وبالتغلب على التباين الهائل بين المناطق الحضرية والريفية، وتهتم بتعليم لائق لجميع ابناء شعبنا”.
ذكر ساندرز في خطاب انسحابه من الترشيح للرئاسة ممثلا للحزب الديمقراطي، مفسحا الطريق لجو بايدن، "كما تعلمون جميعا، لم نكن أبدا مجرّد حملة. نحن حركة جماعية متعدّدة الأعراق والإجيال تؤمن دائما بأنّ التغيير الحقيقي لا يأتي أبدا من الأعلى الى الأسفل، ولكن من القاعدة الى أعلى القمّة." ثمّ أضاف، "قمنا بتشكيل حركة شعبية للطبقة العاملة، وطنية في طابعها وتسعى للتغلّب على الحواجز الساحقة للتقدّم في الحزب الديمقراطي والسياسة الأوسع للولايات المتحدة... لقد بنينا حركة قويّة يقودها الشباب الذين كانوا يطرقون أبواب البيوت لحثّ المواطنين للمشاركة في الإنتخابات في شمال ولاية نو هامشِر وسط هبوب العواصف الثلجية، وتصبّبواعرقا في درجات حرارة بلغت 90 في جنوب ولاية تَكسس، وهم ينتقلون من حارة لأخرى لنفس الغرض." [https://www.alaraby.co.uk/%D8%AE%D8]صحيح أنّه خسر الترشيح لكنّه لم يُهزَم.
لقد قلبت نُخب الحزب الديمقراطي لبرني ساندرز ظهر المجنّ. خانوه وتركوا عديدين من مؤيديه يبحثون عن مأوى جديد. لم يرغب الديمقراطيون التقليديون مطلقا في ساندرز، وتصرّفت المؤسسة ضدّه منذ اللحظة الأولى. والحقيقة أنّ بَرني ساندرز لم ينضم أبدًا إلى الحزب الديمقراطي، ولكنّ الحزب الديمقراطي هو الذي انضمّ إليه، واقترب من أفكاره الاشتراكية الديمقراطية، بينما لم يتبنّ ساندرز أيّا من أفكار الحزب التقليدية. ولا أحسب أنّ الرجل سوف يرشّح نفسه للرئاسة من جديد، ولكنّ روحه القتالية سوف تستمرّ. وسيذكر الأمَريكيون بَرني ساندَرز لأشياء كثيرة، فهو أوّل يهودي أمَريكي تقدّم للترشّح للرئاسة عن أحد الحزبين الكبيرين، وبنى حركةً ساعدت بالفعل على دفع مطالب العمال والفقراء إلى مركز الحزب الديمقراطي، ممّا ساعد على رفع الحدّ الأدنى للأجور، وحوّل أفكارا كانت تبدو قبل أربع سنوات فقط مستحيلة، مثل التأمين الصّحي للجميع والتعليم المجّاني، إلى أفكار مطروحة على طاولة المفاوضات وقابلة للنقاش. وحين ستتقدّم أمَريكا ذات يوم نحو عالمٍ أكثر مساواة وعدالة، يتميّز بالرعاية الطبية المجانية، فسوف يتذكّر الجميع أنّ الفضل في ذلك يعود إلى هذا العجوز، متجهم الوجه، قويّ الصوت، الذي لا تلين له قناة.
أعاد ساندَرز الى الواجهة قضايا الفقراء المنسيّين والمغيّبين والمعوزين، وأعاد سمات الزمن الذي مضى وولّى حين كانت العقائد والأحزاب تتنافس فيه على تقديم برامج اجتماعيّة لإنقاذ الفقراء من البؤس والعوز. الفقراء باتوا منسيّين مغيّبين، وهذا كان جزءاً من التطوّر الرأسمالي. الحرب الباردة تطلّبت دفن الفقراء كي لا ينغّصوا على أمَريكا دعايتها السياسيّة وأكاذيبها وحيَلها لاستمالة سكّان المعمورة. كان رونَلد رَيگِن يقول إنّ كلّ ما على هوليوود فعله في مواجهة المعسكر الاشتراكي هو أن تُظهر لشعوب الأرض كيف يعيش الشعب الأمَريكي في منازل منيفة تحيطها حدائق وبُرك سباحة. لعلّه كان يظنّ أنّ كل سكّان أمَريكا يعيشون مثل ساكني منطقة بِڤرلي هِلز!
زار ساندرز مناطق المحميّات المخصّصة لسكان البلاد الأصليين وزار مناطق المهاجرين اللاتينيين والآسيويين والفقراء من البيض، وتحدّث معهم بلغاتهم. ترجمت حملته أدبياتها ومنشوراتها الى 11 لغة، بما فيها الماندرينية الصينية واللغات الكورية والڤيتنامية والهندية والپنجابية والتاگَلَوگ Tagalog. واصطحب معه الى الإجتماعات متطوّعين من الشباب الذين يتحدثون لغات هؤلاء الأقوام ليقوموا بمهام الترجمة ونقل الأفكار، وأيضا الشكاوى والمعاناة.
فنّد المرشح القدير مخاوف قيادة الحزب الديمقراطي من فوزه واحدا تلو الآخر، خاصّة بعد أن رفعوا شعار "أيّ شخص ما عدا بَرني!" Anybody but Bernie، حين استعدّت تلك القيادة لإلقاء ما في جعبتها للوقوف ضدّه. كان ذلك بعد فوزه بأغلبية ساحقة في الإنتخابات الأولية الحاسمة لولاية نيڤادا وبنسبة 2 الى 1 مع أقرب المنافسين، جو بايدن. وحين حذّر بلومبَرگ أنّ ساندَرز ليس له حظّ بالفوز وسيكون ذلك كارثة على الحزب الديمقراطي، ردّ الشيخ قائلا، "من بين 50 استطلاعا تمّ إجراؤها على مستوى البلاد، هزمتُ ترامپ 47 مرّة من بين تلك المرّات الخمسين." [https://arabi21.com/story/1250845/%D9]. إلّا أنّ "القيادة التقليدية للحزب كانت مستعدّة للمغامرة بمستقبل الحزب من أجل كبح ساندَرز،" حسب ما نُشِر في النويورك تايمز. وفي الحقيقة، أنّ المؤامرة ضدّه كانت واضحة منذ عام 2016، حسب ما أكّدت تسريبات نشرتها "ويكيليكس" أنّ كلِنتُن حصلت مسبقا على الأسئلة التي طُرحت عليها في مناظرة انتخابية، لتتمكن من الاستعداد والتفوق على ساندَرز أمام الناخبين.
على كلّ حال، اكتملت خطة ماكنة قيادة الحزب الديمقراطي لإفشال حملة ساندَرز للفوز بترشيح الحزب لعام 2020، بانسحاب المرشحَين پيت بودجيج وأيمي كلوبوچَر من السباق وانضمامهما الى بايدن في "تمثيلية" حملة انتخابات في ولاية تكسَس. من جهة أخرى، استمرت إلِزابث وارِن في منافسة ساندَرز في انتخابات ولاية ماسَچوسِتس. يتذكّر السِنَتَر اليساري العنيد تلك اللحظات بألم قائلا، "كنت أقرب لأفكارها في العديد من القضايا من أيّ مرشّح آخر، وكان من الممكن أن تمنحني التأييد الكبير في عدد من ولايات الثلاثاء، لكنّها اختارت عدم تأييدي والإستمرار في السباق."
الموجود حينها هو تلك اللعبة السياسية التي دخل في إطارها الكثير من السياسيين للسباق، ثم انسحبوا لصالح بايدن، ممّا أظهره كمرشح توافقي. هذا فضلا عن مواقف قادة الحزب ولا سيما الرئيس السابق بَراك أوباما، فيما لا زال موقف التقدّمية إلِزابث وارِن محلّ شكّ، لأنّها لم تدعم ساندَرز رغم تقارب أفكارهما، كما ذكر. كانت بالتأكيد طبخة سياسيّة!
إختتم السنَتُر الأمين فصله الأول بتذكير المواطنين بحقوقهم مستعينا بإشارة الى المناضل نِلسُن مَندَيلا فيقول، "إذا كنّا لا نعتقد أنّه يحقّ لنا الحصول على الرعاية الصحية كبشر، فلن نحقّق أبدا رعاية صحيّة شاملة. إذا كنّا لا نؤمن أنّه يحقّ لنا الحصول على أجور وظروف عمل لائقة، سيظل الملايين منّا يعيشون في فقر. إذا كنّا لا نعتقد أنّه يحقّ لنا الحصول على التعليم الذي نحتاجه لتحقيق أحلامنا، سيترك الكثير منّا الدراسة وهم مثقلون بالديون الضخمة، ولن يحصلوا على التعليم الذي نحتاجه. إذا كنّا لا نعتقد أنّه يحقّ لنا أن نعيش في عالم يتمتّع ببيئة نظيفة لا يخرّبها تغيّر المناخ، سوف نستمرّ في رؤية المزيد من الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى البحار وخراب أجزاء من المعمورة بحيث تصبح غير صالحة للسكنى والعيش."
كرّس السنَتَر النبيل مطلع الفصل الثاني من كتابه لبيان نقاط التوافق والإختلاف في الرأي بينه وبين بايدن. ولا أخفي على القارئ سرّا أنّني شخصيّا معجب للغاية بنزاهة ساندَرز وأمانته ومتقزّز بقوّة [https://arabi21.com/story/1449914] من مناورات بايدن وصهيونيته الرخيصة، التي يتبجّح بها على رؤوس الأشهاد. ومثله رأيي في ترامپ، الذي خرج بالأمس بتعليقه المشين، "إذا لاحقوني، سالأحقهم!" If they come after me, I go after them. وهو منطق يكشف دونيته وسلوكه وأخلاقه. علّق الكثير من المراقبين، بأنّه منطق وتفكير رئيس عصابة للمافيا! ولكن من غريب أمَريكا أنّ كلّ اتهام موجّه لترامپ يزيد من شعبيته، وأنصاره يحبّون وقاحته وبدانته وتنمّره وكذبه.
لقد فاز بايدن في ولايتي پَنسِلڤَينيا ومِشِگَن بسهولة نسبيّا، ونال الفوز في ولاية وِسكونسُن بصعوبة. تلك كانت ثلاثة من الولايات الخمسة التي دعمت ترامپ في عام 2016 وانقلبت عليه لصالح الديمقراطيين في عام 2020. وفي رأي ساندَرز، "إنّ هذا الإنجاز قد تمّ بفعل التعبئة التاريخية للناخبين الشباب والجدد، الذين مكّنوا بايدن من الفوز على المستوى الوطني بفارق 7 ملايين ناخبا." [https://www.bbc.com/arabic/world-54843799] ثمّ جاء الحديث حول، "ضرورة إعادة انتخاب عضوات الفريق التقدّمي Squad. لقد أدركنا منذ البداية أنّه من المطلوب الحفاظ على المكاسب الهائلة التي حقّقها التقدميون في انتخابات الكونگرِس لعام 2018. لقد عقدنا العزم على حماية الشاغلات المؤيدات للإحتفاظ بمناصبهنَ، بما في ذلك عضوات الفريق Squad، الذي ضمّ الكزاندريا أوكاسيو كورتَيز من نو يورك وإلهان عمر من مِنِسوتا وأيانا پرِسلي من ماسَچوسَتس ورشيدة طلَيب من مِشِگَن."
لقد تعرّضن للهجمات الشرسة ليس من قَبل الجمهوريين فقط، بل أيضا من قِبل العديد من الصهاينة المُعشعشين داخل ماكنة الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري والكثير من وسائل الإعلام، خلال فترة ولايتهنَ الأولية في مناصبهن. السبب هو جنونهم من جرأة هؤلاء النسوة وانتقادهنَ لسياسات الإحتلال الإسرائيلي ووقوفهن الى جانب حقوق الشعب الفلسطيني. لقد أصبح انتقاد سياسات إسرائيل في أمَريكا جريمة يعاقب عليها القانون، باعتبار أنّ أيّ نقد لإسرائيل هو "معاداة للسامية"! بالمقابِل، وصفهن السَنَتُر الملتزم بأنّهنّ، "يمثلن النَفَس النقيّ في هواء واشنطن."
Ocasio-Cortez, Omar Pressley Tlaib
[https://en.wikipedia.org/wiki/The_Squad_(United_States_Congress)]

استعرض ساندَرز وفضح بامانته المعهودة ما تعرّضت له هؤلاء النسوة من ابتزاز من قبل الحزب الجمهوري ممثلا برئيسه المقيت ترامپ وماكنة الحزب الديمقراطي ذات التوجّه الصهيوني. ومع ذلك، وبتاريخ 23 حزيران فازت الكزاندريا بنسبة 74% من مجموع الأصوات في دائرتها، وتبعتها رشيدة بتاريخ 4 آب بالفوز بنسبة 66% من الأصوات. أمّا إلحهن، التي كانت أكثرهن تعرّضا للإبتزاز، الذي قابلته بالتحدّي الأكثر تصميما وتكلفة، فقد فازت بتاريخ 11 آب بنسبة 57%. لقد بعثت تلك الإنتصارات الحاسمة رسالة واضحة للعالم أنّ انتصارات "عضوات الفريق" عام 2018، ما كانت بمحض "الحظّ".
ومن الجدير بالذكّر أنّ الفريق Squad كان في الأصل يضمّ 8 أعضاء. إضافة للاربعة المذكورات في اعلاه، كان يوجد جمال بورمَن من نو يورك وكوري بُش من سَينت لِوس وگرَگ قيصر من ولاية تكسَس وسَمَر لي من ولاية پَنسِلڤَينيا. إنسحب الأربعة الأخيرون من الفريق إثر الحملة الشعواء، التي شنّها الصهاينة المُعشعشون في قيادة الحزبين، بدعوى اختطاف الأجندة الديمقراطية لصالح الأجندة اليسارية والشيوعية! هكذا بدون خجل أو حياء!
راقب المواطنون وهم في حالة ذعر مشهد اعدام علني خنقا suffocation، نُفّد بحقّ مواطن أسود من قِبَل شرطي عنصري أبيض. كان جورج فلويد ملقى على الأرض مقيّد اليدين، وقد وضع الشرطي ركبته وضغط بقوة على رقبة الضحيّة ليمنع تدفّق الدّم الى دماغه. وعلى مدى 8 دقائق و46 ثانية [https://en.wikipedia.org/wiki/Murder_of_George_Floyd]، سُمِع صوت فلويد البالغ من العمر 46 عاما وهو يستنجد كالطفل بإمّه لأنّه، لا يستطيع أن يتنَفّس "I can t breathe ". ظلّ المجرم جاثما على رقبته حتّى خفتَ الصوت وانقطع نداء الإستغاثة بالأمّ الحنون. أورد ساندَرز أنّه، "إنضمّ ما يصل الى 26 مليون مواطنا أمَريكيا في العديد من المدن في جميع أنحاء البلاد، الى ما وصفه الباحثون في استطلاعاتهم، بأنّه أكبر حشد شعبيّ احتجاجي في التاريخ الأمَريكي. جاء مقتل فلويد بعد مقتل أرِك گارنَر ومايكل براون وتامِر رايس ووالتر سكَوت وآلتُن ستَيرلِنگ وبريانا تَيلُر، وعشرات آخرين غيرهم على يد أفراد الشرطة" المُتنمّرين وعنصريتهم المقيتة.

ثمّ انتقل الحديث الى جائحة الكوڤِد وما نجم عنها من موت "عشرات الآلاف من المواطنين لأسباب غير طبيعية لأنّ ترامپ رفض نصائح الأطباء والعلماء.... لأنّ استجابتنا كانت اضعف وغير مركّزة وغالبا ما كانت غير نزيهة .... لقد حلّ الجوع والخوف واليأس في ربوع بلادي." لقد اعترف الرئيس الأرعن في مقابلة له مع الصحفي بوب وودورد في الواشنطن پَوست بأنّه، "قلّل من خطورة الوباء،" downplayed the pandemic في وقت كانت فيه حياة الملايين [https://www.bbc.com/arabic/world-54390006] على المحكّ، وفُقِدت الآلاف من الأرواح.

في خطاب لساندَرز في جامعة واشنطن في شهر أيلول من عام 2020 قبيل انتخابات الرئاسة، دقّ ناقوس الخطر محذّرا، "لدينا اليوم رئيس لا يحترم دستورنا أو سيادة القانون. الإنتقال السلمي للسلطة وهو الحجر الأساس للديمقراطية الأمَريكية، يتعرّض للتهديد بشكل لم يسبق له مثيل. وفي هذا الصدد، أعتقد أنّه من المهمّ للغاية أن نستمع جيّدا لما يقوله ترامپ وتنعامل معه بجديّة. .... وأن نكون متأكدين من أنّ رئيس الولايات المتحدة يجب أن يكون ملتزما بإرادة الناخبين، وسيترك مكتبه ويغادره بسلام، إذا خسر في الإنتخابات." ومعروف أنّ أعدادا من أنصار ترامپ، هاجموا في السادس من كانون الثاني 2021، مقر الكونگرِس سعيا لتعطيل عملية التصديق على فوز جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر تشرين الثاني 2020. [https://sputnikarabic.ae/20221223/]
تعرّض ساندَرز في ختام الفصل الثاني من كتابه القيّم الى المنطق الأعرج للرئيس الارعن، الذي كان يكرّره في خطاباته وتغريداته، "إذا فزت، فالإنتخابات جيدة، وإذا خسرت فهي حتماً مزوّرة." كما علّق على أحداث 6 كانون الثاني من عام 2021 حين هاجم مثيرو الشغب من انصاره لمقاطعة مراسيم تصديق الكونگرِس على نتائج الإنتخابات، وفوز بايدن بواقع 232 صوتا من أصل 306 صوتا. ذكر ساندَرز، "لقد أثّرت احداث 6 كانون الثاني من عام 2021 على أمَريكا، إذْ فازت الديمقراطية في ذلك اليوم، لكنّ الصراع على مستقبلها لا يزال مستمرا. إنّ ترامپ وأنصاره ما زالوا يرفضون نتائج انتخابات عام 2020، ويخطّطون لستراتيجيّات جديدة لقمع الناخبين وتهديدهم وتشويه انتخابات عام 2024." وهو حقّا مصيب. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%AD]

فضح الشيخ الجليل في فصله الثالث موضوع تقديم المساعدات الهائلة للشركات الكبرى مثل Amazon, IBM , Delta Airlines, Chevron, Netflix خلال فترة الجائحة. كما فضح كيف اسمات مِچ مَكانَل وزملاؤه الجمهوريون في مجلس الشيوخ في مقاومة مشروع قانون ساندَرز بتقديم 2000 دولارا لإعانة الأسر المعوزة خلال تلك الفترة.

"باعتباري الرئيس المقبل للجنة الميزانية، كنت مُصمّما على استخدام عملية المصالحة لكي لا تعود بالنفع على الأثرياء والأقوياء، ولكن للإستجابة لاحتياجات غير مسبوقة للأسر العاملة والأطفال وكبار السنّ والمرضى والفقراء." شرح السنّتُر واقع الحال الأمَريكي في تلك الأيام. كان شهر كانون الثاني الأكثر فتكا في الأرواح بسبب وباء الكوڤِد الذي سلب الحياة من حوالي 90000 مواطنا أمَريكيّا. أصيب الملايين بالمرض، وقت كان ما يقرب من 90 مليونا لا يملكون تأمينا طبّيا أو أن تأمينهم ليس كافيا ولا يستطيعون الذهاب الى الطبيب عندما يمرضون. كان 24 مليونا من المواطنين عاطلين عن العمل أو توقّفوا عن البحث عن عمل. "كان الجوع في بلادنا في أعلى مستوياته، ونقلت محطّات التَلَڤِزيون صور طوابير الملايين ولأوّل مرّة في حياتهم يقفون انتظارا لتسلم حصصهم من المواد الغذائية التي وفّرتها المنظمات الخيرية الأهلية لحالات الطوارئ. كان حوالي 15 مليون مواطنا يدينون بمتوسط قدره 5800 دولارا كإيجار متأخّر وكانوا يعيشون في هلع من طردهم قريبا من منازل سكنهم."
كان تشريع السّنَتَر ساندَرزعبارة عن خطة تقدّمية وتحويلية غير مسبوقة. "لم يقترب أيّ من الأعضاء الجمهوريين منها، كما كان لعدد من الديمقراطيين المحافظين اعتراضات عليها. أراد شومر تأجيل النقاش حول هذه القضايا، وتستّر بحجة الأولوية اللازمة لمعاجة الطوارئٍ." الخطوط العريضة للتشريع الذي اقترحه كرئيس للجنة المالية، كان من شأنه أيضا أن يُخفّض اسعار الأدوية الموصوفة طبيّا بشكل كبير ويطالب برنامج Medicare أن يتفاوض مع شركات الأدوية لهذا الغرض. إضافة الى ذلك، كان من شأن التشريع أن يجعل مرحلة ما قبل المدرسة ورعاية الأطفال مجّانية للأسر العاملة. وكان من الممكن أن يضمن إجازة عائلية وطبّية مدفوعة الأجر لجميع العمّال في البلد. وكما أيضا، من شأن التشريع أن يُسهّل على الشباب الأمَريكي الإلتحاق بالجامعات ويُلغي ديون الطلاب. [https://samanews.ps/ar/post/419865]
غير أنّ مشروعه لزيادة الحدّ الأدنى من الأجور الى 15 دولارا في الساعة، قوبل برفض الأعضاء الجمهوريين الخمسين كافة، وانضم اليهم 8 ديمقراطيين. وهؤلاء هم جو مانشِن وكِرستِن سينيما وتوم كارپَر وكرِس كونز وماگي حسن وجين شاهين وجون تستَر، الى جانب أنگُس كِنگ، المستقل الذي يصوّت في العادة الى جانب الكتلة الديمقراطية. لقد انضم هؤلاء جميعا الى الجمهوريين وصوتوا ضد المشروع بقولة "لا".
يعترف السّنتُر المثابر على أنّ المبلغ الذي خُصّص لمشاريع لجنته كان كبيرا. "مبلغ 6 ترِليُن دولارا رقما كبيرا وغير مسبوق، ولكنّنا عشنا ولا نزال في ظروف غير مسبوقة. لقد وصلنا [https://ar.wiki5.ru/wiki/Political_positions_of_Bernie_Sanders] الى النقطة في تاريخنا حين تتاح لنا الفرصة والقدرة على معالجة الأزمات الهيكلية طويلة المدى في بلد اصبح الأغنياء فيه أكثر ثراء بينما شهد العمّال فيه التدهور المستمرّ في مستوى معيشتهم. هذا هو الوقت المناسب ليكون العمل الحكومي لصالح جميع الأمَريكيين، وليس فقط من أجل القلّة القويّة."
وفي النهاية وبفعل موقف الديمقراطيين المُنتفعين من تبرعات 25 مليارديرا جمهوريا لحملاتهم الإنتخابية، لم يحصل ساندرز على ما يريد وهو مبلغ 6 ترِليُن دولارا لخطته الطموحة. "بتاريخ 11 أيلول من عام 2021 أقرّ مجلس الشيوخ تشريعات الميزانية، التي ساعدتُ في صياغتها. سمح هذا الإجراء بتمرير قانون المصالحة بمبلغ 3.5 ترٍليُن دولارا، أي النصف تقريبا وبتصويت 50 عضوا بدلا من 60. حظي المشروع بتأييد كلّ ديمقراطي في مجلس الشيوخ، بما فيهم مانشِن وسينيما." ثمّ يمضي للقول بحسرة عميقة صادقة، "كنّا في طريقنا لتحقيق نصر تاريخي للطبقة العاملة في أمَريكا، أو هكذا بدا الأمر." أخيرا وفي مطلع عام 2022، إعترف السّنَتُر مانشِن لمحطة تَلَڤِزيون فوكس صحّة ما اعتقده الآخرون لفترة طويلة، وهو إنّه لن يدعم أبداً استثمارا هادفا لمستقبل البلاد. أعلن أنّ مبادرة "إعادة البناء بشكل أفضل" Build Back Better قد ماتت. لقد اصبح هذا السّنَتُر المغمور نسبيا سياسيا ألمعيّا [https://aawsat.com/home/article/3287746] قضى على خطط ساندَرز التقّدمية وشلّها بالكامل.
جاهد السّنَتُر النبيل حتى آخر لحظة من إقرار قانون المصالحة، وقدّم 5 تعديلات مُنيت جميعا بهزيمة ساحقة إذ صوّت الديمقراطيون والجمهوريون ضدّها باستثناء عضو أو عضوين أو ثلاثة اعضاء. إختتم ساندَرز فصله الثالث بالقول، "حاول معظم اعضاء مجلس الشيوخ تقديم أفضل ما في الأمر لتلميع صورهم، لكنّني لم افعلْ. لست مهتمّا بتقديم الأعذار. أنا لا أطلب من المواطنين أن يكتفوا بما يحصلون عليه أو أن يتقبّلوا أنّ بعض الأشياء لا يمكن أن تحصل. أقول لهم أن يطالبوا بالمزيد. مع هذا التاريخ الذي شهدناه اليوم، حان الوقت للحديث عمّا يجب أن نطالب به أكثر. إنّه الوقت للتطلّع الى الأمام، لتقديم أجندة لقلب الرأسمالية الجشعة ونشير نحو ذلك النجم الشمالي المستقبلي، حيث تكون العدالة الإقتصادية والإجتماعية والعرقية ليست مجرّد وعود، بل حقيقة."
يرى السّنَتُر العنيد أنّ وجود فئة المليارديرات في حدّ ذاته لا يتعلق بمن يمتلك المال ومن لا يمتلك منه شيئا. إنّه مظهر من مظاهر النظام السياسي الفاسد. لقد حان الوقت بشكل أساسي لإعادة التفكير في التزاماتنا بنظام الرأسمالية غير المقيّدة/الجامحة، ومعالجة الضرر الذي لا يوصف بما يلحقه هذا النظام بنا جميعا. قد تبدو فكرة رفض الرأسمالية غير المقيّدة والتخلّص من فئة المليارديرات مسألة جذريّة. وهي ليست كذلك! يتساءل الشيخ ساخرا وهو يستعرض كيف تغرسُ المؤسسة في المواطنين من خلال النظام السياسي ووسائل الإعلام والمدارس ديمومة الأسطورة القائلة، "بانّنا مجتمع ديمقراطي حيث أنّ (الشّعب) هو صاحب السيادة ويتحكّم في مصير الأمة. أحقا هذا؟"
ثمّ يمضي لطرح مبّررات وضرورة تغيير الرأسمالية غير المقيدة، فيورد مثلين. "النجم الرياضي الذي يساعد مالك الفريق الملياردير ليزيد من صافي أرباحه، يستحق راتبا يعادل راتب أكثر من 1000 معلّما يساعدون الأطفال على الهروب من واقعهم الفقير. كما أنّ أعلى 25 من مديري صناديق التحوّط hedge fund managers في الولايات المتحدة يتلقّون رواتب أعلى من مجموع رواتب 350000 معلمة في رياض الأطفال."
فيما يتعلّق بمسألة الرعاية الصحية، التي ركّز عليها السّنتُر في الفصل الخامس من الكتاب، أشار الى أنّ البلاد تُنفق أكثر من 12530 دولارا سنويا لكلّ رجل وإمرأة وطفل، ليصل المجموع الى 4 ترِليُن دولارا، أو حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي لأمَريكا. "وهذا إنفاق فلكي، ولا يزال يتزايد بسرعة ويلتهم موارد الأفراد والأسر والشركات والحكومة بمعدل غير مستدام." بالمقارنة، تُنفق المملكة المتحدة 5268 دولارا فقط للفرد على الرعاية الصحية وتُنفق كندا 5370 دولارا وتنفق فرنسا 5564 دولارا وتنفق ألمانيا 6731 دولارا. "بجزء بسيط من مبلغ إنفاقنا، تضمن هذه الدول الرعاية الصحية لكافة شعوبها."
ثمّ عرّج على خسارة ما يقرب من مليون مواطنا أمَريكيا بسبب كوڤِد-19 "التي كانت خسارة مدمّرة." اعطى مثالا على مسألة طول العمر وعلاقتها بمحل سكنى الفرد. فإذا كنت رجلا عاديّا يعيش في منطقة ماكدويل في ولاية غرب ڤِرجينيا، وهي إحدى أفقر المقاطعات في هذا البلد، ستعيش الى سن 64 عاما في المتوسط. إذا كنت رجلا من الطبقة الوسطى وتعيش في منطقة فَيرفاكس في ولاية ڤِرجينيا المجاورة، وهي إحدى أغنى المقاطعات في أمَريكا، ستعيش [https://web.archive.org/web/20220607011925/https://hdr.undp.org/sites/default/files/hdr2020.pdf] حتى سنّ 82 عاما.
وبصدد جريمة ارتفاع اسعار الأدوية، ذكر أنّه ركب حافلة محمّلة بالناس من ديترويت في ولاية مِشِگَن وعبرت بهم الجسر الى مدينة وِندسُر في مقاطعة أونتاريو في كندا. "كان هؤلاء الناس مصابين بمرض السّكّري ويحتاجون الى دواء الأنسولين للبقاء على قيد الحياة. تعرّفت خلال رحلة الحافلة التي استغرقت ساعة واحدة على حياتهم. كان أحد الذين تحدّثت معهم شابّا يلعب كرة القدم ورفض إخبار عائلته التي تعاني من ضائقة مالية أنّه لا يستطيع شراء كميّة الأنسولين التي يحتاجها. وحين قام بتقنين هذه الكميّة، كما يفعل الملايين في أمَريكا، مرض وكاد أن يموت. وفي صيدلية الحي الصغيرة في وِندسُر، تمكّن هو والآخرون في رحلة الحافلة شراء نفس منتجات الأنسولين بالضبط بمقدار 1/10 من الثمن الذي كان عليهم دفعه في الولايات المتحدة." وفي رأي السّنَتَر، أنّ السّبب في هذا الرخص الشاسع أنّ كندا تتفاوض، مثل أيّة دولة كبرى أخرى، على اسعار الأدوية الموصوفة طبيّا مع الشركات التي تصنعها. "نحن لا نفعل [https://www.reuters.com/article/oegin-united-states-drugs-mn4-idARAKCN0S70IN20151013] ذلك ونحن ندفع ما يصل الى 10 أضعاف ما يدفعه الكنديون."
أتّى بعدها الى أنّ معظم المواطنين لا يعرفون هذه الحقيقة التي يعيشها الجيران الكنديون ولا حتى الإصدقاء الأوروپيين. طرح فكرة التجهيل المُتعمَّد. أعطى مثالين على ذلك من خلال الحديث عمّا توفره دولتا النرويج والدنيمارك لشعبيهما من السعادة عن طريق اعتبار الرعاية الصحية والسكن والضمان الإجتماعي باعتبارها حقوقا إنسانية. الشعب الأمريكي يجهل ذلك [https://arabic.euronews.com/my-europe/2019/09/04/healthcare]. لماذا هذا التجهيل وكيف يحصل؟ برأي الكاتب، "يرافق هذا التجهيل كذب القول بأنّ الولايات المتحدة لا تستطيع تحمّل تكاليف توفير الرعاية الصحية عالية الجودة لكلّ أمَريكي."

إختتم الشيخ برني ساندَرز فصله الخامس بصرخة مدويّة غاضبة، "يمكننا التغلب على النظام الرأسمالي الذي يحقق الأرباح على حساب الصحة العامة." عقّب شارحا، "على الرغم من المبالغ الهائلة التي أنفِقت وتُنفَق لمنع مناقشة الرعاية الطبية للجميع، وعلى الرغم من شراء السياسيين من كلي الحزبين، وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الذي ترعاه الشركات، وعلى الرغم من فشل وسائل الإعلام نفسها في اخبار قصة كيفية عمل التغطية الصحية الشاملة في بلدان أخرى، فإنّه يمكن للأمَريكيين أن يفهموا من خلال تجاربهم اليومية، أنّ نظام الرعاية الصحية في البلاد كارثة ويجب تغييره. لقد أظهر الإستطلاع الذي أجرته مؤسسة Hill-HarrisX أنّ مشروعي قد حظي بتأييد المواطنين بنسبة 67%."
لكنّ مشروعه النبيل هذا لتحسين حياة العمال والفقراء والمعوزين لإنقاذهم من الموت، قد مات هو نفسه في دهاليز مجلس الشيوخ ومكاتبه المفتوحة لزيارات ممثلي جماعات الضغط. ومع ذلك، لن تخمد تلك المحاولات الخبيثة جذوة أنفاسِه المتفائلة، فيمضي للتنبؤ بذلك اليوم! "سيأتي يوم، يتمكّن فيه الأمَريكيون من دخول المُستشفى والحصول على العناية، التي يحتاجونها. وسيكونون قادرين على التركيز على تعافيهم في أقرب وقت، بدون الضغط الناتج عن القلق بشأن إذا كان تحسن صحتهم سيؤدّي بهم الى الإفلاس."
سيأتي يوم، سيتمكّن فيه الأمَريكيون، بغضّ النظر عن دخلهم، من تأمين الأدوية التي يصفها لهم اطباؤهم. لن تكون هناك حاجة للتقنين في الأدوية والعلاجات التي يحتاجونها، بسبب ما لا يستطيعون تحمّله من كلفتها. وسيجهد العلماء بحرية للتركيز على تطوير الأدوية الخارقة breakthrough drugs، بدلا من تصميم ابحاثم التي تمكّن شركات الأدوية من تحقيق الأرباح القياسية. سيكون هناك ما يكفي من الأطباء والممرضات وأطباء الأسنان في كلّ جزء من البلاد لتقديم الرعاية الجيدة التي يحتاجها الشعب، ولن يضطّر الشباب الى الغرق في الديون الدراسية، لأنّهم يبغون رعاية زملائهم ومواطنيهم من الرجال والنساء والأطفال.
سيأتي يوم، يكون فيه لدى المواطنين نظام رعاية صحية يعتمد على حاجة الإنسان وليس على التربّح الرأسمالي. سيبدأون حينها في الحصول على صحة جيّدة للأمّة، وسيبدأون العيش لفترة أطول من الحياة الناجحة السعيدة، التي يفهمها العالم على أنّها حقهم الطبيعي كأمَريكيين. [https://www.ohchr.org/ar/what-are-human-rights]

ومن قبيل الصدفة أنّه خلال ترجمتي لهذا الفصل، جرى إضراب هو الأكبر من نوعه في قطاع الرعاية الصحية في تاريخ الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل. وسيكون أيضاً أوّل إضراب وطني على الإطلاق في "كايزر پَرمَننتَ"، التي تُعدّ واحدة من أكبر مقدمي الخدمات الصحية في البلاد. يطالب تحالف النقابات هذا بزيادات شاملة للأجور، وتحديثات للمزايا الطبية للموظفين المتقاعدين. وتأتي أزمة الموظفين في قطاع الرعاية الصحية في وقت تشهد فيه البلاد حراكاً عمالياً متصاعداً في قطاع السيارات العملاق، في حين انتهى مؤخراً إضراب كتاب هوليوود الذي استمر خمسة أشهر. وتتصاعد الإضرابات منذ تموز [https://www.npr.org/2023/10/04/1203225614/kaiser-permanente-historic-strike-health-care-workers-nationwide] الماضي، حيث يسعى العمال إلى زيادة الأجور لمواكبة التضخّم. وتطالب النقابات من شركة كايزر پَرمَننتَ توظيف ما لا يقل عن 10 آلاف موظفا جديدا بحلول نهاية عام 2023، وأعربت عن غضبها من اقتراح الشركة الذي يعرض زيادات سنوية في الأجور تتراوح بين 2% و4%، قائلة إنّها لا تتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة. في حين قالت الشركة في بيان لها مطلع الأسبوع إنّها والنقابة "تواصلان إحراز تقدم في القضايا الرئيسية".
افتتح ساندرز فصله السادس بالتصريح في التزامه السياسي، " أنا لا أعبر خطوط الإعتصام I don’t cross picket lines. ثمّ اعرب عن غضبه حول الكيفية التي تمّ بها التعتيم على أكبر القصص في عصرنا على مدى 50 عاما الماضية. "لقد شهدت البلاد سرقة هائلة بنقل الثروة من الأسر ذات الدخل المنخفض والأسر ذات الدخل المتوسط الى الطبقة الغنية. لدينا الآن أكبر قدر من عدم المساواة في الدخل والثروة، من أيّ وقت مضى من قبل." [https://www.prnewswire.com/ae/ar/news-releases/301748920.html]

لخّص ساندَرز وعد الرخاء المسروق في الصورة التالية، "في الخمسينات، عندما كان والدي يبيع الطلاء لكسب لقمة العيش، كان الرؤساء التنفيذيون يتقاضون حوالي 20 مرّة أكثر ممّا يتقاضى العمّال من الأجور. في الثمانينات، عندما كنت عمدة بِرلِنگتُنِ كان الرؤساء التنفيذيون يكسبون 42 مرة أكثر من أجر العامل العادي. في عام 2000، وبعد 10 سنوات في مجلس النواب ممثلا عن ولايتي، اصبح دخل الرئيس التنفيذي يعادل 120 مرّة أكثر من متوسط دخل العامل. اليوم، اصبح معدل ما يكسبه الرئيس التنفيذي يعادل ما يقرب من 400 مرّة أكثر ممّا يكسبه العامل العادي." [https://www.marefa.org/%D8%AA%D9%81%D8]
إنتقل الشيخ بعده لمناقشة موضوع الحرية الشخصية والحرية الإقتصادية . قال، "نحن ندرك أنّه لا يمكن أن تكون هناك حرية سياسية أبدا، ما لم نتحرّر من الإستبداد الإقتصادي. لقد مرّ وقت طويل دون معالجة الجشع المُتفشّي وعدم المساواة والتدمير الذي تسبّبه الرأسمالية المنفلتة/الجامحة التي نعيشها الآن. نحن بحاجة الى نظام اقتصادي يخدم الإنسانية بدلا من استغلالها. لا بدّ من نقاشات صريحة وأمينة لتحقيق هذا الهدف." ومن وجهة نظر المؤلف هناك 4 خطوات [https://share.america.gov/ar/%D9%85%D8%B3%] على الأقلّ، من التي يجب اتخاذها.
أتى االنقاش بعدها الى مسيرة واشنطن والخطاب عند نصب لِنكن بتاريخ 28 آب من عام 1963. في منظور ما قام به المنظّمون، فُهِمت المسيرة الى واشنطن على أنّها محاولة "لإيقاف الشّرّ المزدَوج المتمثّل في التمييز العنصري والحرمان الإقتصادي." يرى ساندَرز أنّه إذا أنشيء ضمانٌ وظيفيّ يتمتع برؤية كافية ومموّلٌ بما فيه الكفاية، فإنّ الهدف هو القضاء على فقر العاملين، كما شرحه دارِك كامِلتُن، في مقالته، "البطالة غير الطوعية تماما." وكامِلتُن هذا خبير اقتصادي في المدرسة الجديدة The New School، وهو الذي يقدّم له النصح لعدد من السنوات، والقائل "هذه فرصة لمشروع تحويلي يتجاوز الترقيع الذي قمنا به خلال 40 سنة الماضية، حيث ذهبت جميع مكاسب الإنتاجية الى جيوب النُخبة في مجتمعنا."
عرّج الشيخ ساندَرز بعدها على الميزانية العسكرية التي تنفق حاليا أكثر من 775 مليار دولارا سنويّا على الجيش. وهذا يعادل أكثر من نصف الميزانية التقديرية لحكومة الولايات المتحدة، حسب قوله. وعلى الرغم من حجم الميزانية الهائل، "تظل الپِنتَگَون هي المؤسسة الفيدرالية الوحيدة، التي لم تنجح في إكمال عملية تدقيق مستقلّة واحدة. ولا أحد يشكّ في أنّ ميزانية الپِنتَگَون فيها قدر هائل من الهدر والإحتيال وانظمة الأسلحة غير الضرورية والتجاوزات الفاحشة في التكاليف. يمكننا خفض الإنفاق العسكري عشرات المليارات من الدولارات سنويا واستخدامها للإستثمار في الإحتياجات الإجتماعية لبلدنا."
خلال حملته الإنتخابية لعام 2020، قال السّنَتُر، "إنّني لن أكون رئيسا وقائدا أعلى فقط، ولكن أيضا المُنظّم الرئيسي للنقابات. ساستخدم مكتب الرئيس ليكون القاعدة الشعبيّة في هذا البلد ضدّ جشع الشركات، ودعم جهود التنظيم النقابي ومساعدة العمّال للحصول على عقود عمل لائقة. وهذا يعني تحويل السلطة السياسية بعيدا عن فئة 1% من الإثرياء، وجعلها في أيدي [https://www.youtube.com/watch?v=9XEnTxlBuGo&ab_channel=MarkParker] العمّال. ثمّ استشهد بأغنية "أيّ جانب أنت فيه؟"
تطرق بألم الى سياسات المُبتذل بِل كلِنتُن وزوجته الشريرة، وكيف وبسببهما، "في مجتمع تلو مجتمع واتحاد تلو اتحاد، تخلّى جزء كبير من العمّال عن الحزب الديمقراطي واصبحوا جمهوريين." بين الأعوام 2001 و2015 فقط تلقى الزوجان الملايين التي بلغ [https://www.cnn.com/2016/02/05/politics/hillary-clinton-bill-clinton-paid-speeches/index.html]
مقدارها 153،669،961 دولارا ثمنا للخيانة ولقاء احاديثهما مع منتسبي مؤسسة Morgan Stanley وغيرها من مؤسسات وول ستريت. تحدّث بِل 637 مرة وتحدّثت هِلَري 92 مرة.
إستعرض الشيخ سانَدرز بعده تعرّض "النقابات والنقابيين الى الضغوط، ممّا أثر على اغلاق الكثير منها وانخفاض نسب المنتمين اليها. بحلول عام 2022، انخفضت مستويات الإنضمام الى النقابات في الولايات المتحدة الى أقلّ من تلك الموجودة منذ أن كان رَوزڤَلت رئيسا حين تبنّى مشروع الصفقة الجديدة في عام 1932. يضمّ اتحاد النقابات العمالية AFL-CIO اليوم في البلاد 57 نقابة وينضوي تحت لوائها ما يقرب من 12 مليون عضوا." ثم عاد فاستعرض تاريخ الحركة العمالية [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7] واعترف بدورها، "وبأنّ النقابات كانت القوة الدافعة في القضاء على استغلال شقاء الأطفال eliminating child labor. لقد وفّرت الحركة النقابية لأعضائها من الملايين القوّة السياسية التي قادت الى ظهور الضمان الإجتماعي والرعاية الطبيّة والمساعدة الطبيّة والحدّ الأدنى من الأجور، ومجموعة أخرى من التشريعات التقدّميّة." ولا ذكر لهذا التاريخ في المناهج المدرسية.
ومن الطبيعي أنّ هذا التعتيم يولد الجهل بتاريخ الطبقة العاملة، وهو ليس من قبيل الصدفة. إنّه مُصمّم من أجل إضعاف الناس وجعلهم يعتقدون أنّه لا يوجد بديل للوضع الراهن وللرأسمالية غير المُقيّدة. لقد تمّ التأكيد على هذين الأمرين لجعلهم يشعرون بالعجَز والإنقياد.
إختتم السّنَتُر ساندَرز فصله السادس بالتأكيد على ضرورة تقوية حركة النقابات العمّالية [https://en.wikipedia.org/wiki/Robert_F._Wagner] في هذه البلاد. قال،"ليس علينا اختراع العجلة مُجدّدا! فقط ينبغي علينا أن نتذكّر ما فعله فرانكلِن رَوزڤَلت خلال فترة الكساد الكبير، عندما نجح هو والديمقراطيون، من قبيل روبَرت ڤاگنَر، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نو يورك، في تمرير التشريعات التي اسقطت أفظع الجرائم المتمثّلة في معوّقات التنظيم النقابي في عام 1932." كما عاد وأكّد قناعته باراء يوجين ڤِكتُر دَبس Eugene Victor Debs حين تنبّأ وقال، "ولكن على الرغم من كلّ هذا وكلّ شيء، فالحركة العمّالية حيوية والإمكانات التي تمتلكها معروفة على سطح هذا الكوكب. إنّ مهمتها التاريخية هي تحرير عمّال العالم من عبودية العصور thraldom of the ages. وهذا يقين سيتحقق كما شروق الشمس."


حجم مبالغ الرشوة المتأخرة/المضمونة التي تلقاها بِل وهِلَري كلِنتُن خلال 15 عاما
يرى ساندرز في مطلع الفصل السابع أنّ المناقشات حول مستقبل العمل، خاصّة عندما تجبرنا على النظر في الدور الذي ستلعبه الأتمتة والذكاء الإصطناعي في تحديد هذا المستقبل، يمكن أن تكون أمرا شاقّا. "يتوجّب على الطبقة العاملة أن تخوض الآن معارك المستقبل، قبل أن يستعدّوا ضدّنا." في رأيه، "أنّ المعركة الأهم سيكون معظمها هو السيطرة على التقدّم التكنولوجي، الذي يشكّل حياتنا جميعا. علينا أن نتأكّد من أنّ الثورة التكنولوجية التي نشهدها تخدم العمّال وليست مقصورة على خدمة نسبة 1% فقط."
بحلول الوقت، الذي فهم فيه معظم الأمَريكيين ما كان يحدث، كان عشرات الآلاف من المصانع الأمَريكية قد تمّ تفكيكها وشُحِنت آلاتها الى المكسيك والصين وڤيتنام. فُقِدَت الملايين من الوظائف الحالية والمستقبلة وتمّ تدمير المجتمعات العمّالية. سيطر تراجع التصنيع في هذه البلاد على الطبقة العاملة، التي تلقّت وهي مشدوهة ضربة موجعة مُدمّرة، حسب قوله. كان كلّ هذا بفعل سياسة العولمة غير المدروسة التي تبناها البيت الأبيض والشركات التي تعامل العمّال على أنّهم التروس المُستهلكة في آلة الرأسمالية. إضافة إلى ذلك، وفي القرن الحادي والعشرين، لا يتنافس العمّال في الولايات المتحدة مع العمّال في المكسيك والصين على الفتات الذي ترميه لهم الشركات فحسب، بل أنّهم يتنافسون مع الآلات نفسها. "إنّها (سياسة العولمة) تستثمر المليارات في التكنولوجيا الجديدة، التي تؤدّي الى إزاحة العمّال وتشكيل مستقبل الإقتصاد الجديد. [https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8119] إنّ إهتمامهم الوحيد هو زيادة أرباحهم، وهم ملتزمون بشدّة بالإستفادة من كلّ ميزة في أسرع وقت ممكن. كما أنّ الوعد بأنّ من شأن التكنولوجيا الجديدة أن تجعل الحياة العملية أسهل بالنسبة للغالبية العظمى من العاملين الأمَريكيين، ببساطة لم يتحقّق."
إستشهد المؤلف بتقديرات معهد مَكَنزي العالمي، "أنّ ما يقرب من نصف الوظائف الحالية سيتم فقدانها بمفعول الأتمتة بحلول عام 2055........ . لهذا السبب، أعتقد أنّ الرؤساء المُستقبليين والكونگرِس ينبغوا أن يكونوا على أهبة الإستعداد لممارسة سلطاتهم من أجل مواجهة أيّة انتهاكات وحصرها والقضاء عليها لتحقيق المصلحة العامة." ثم يمضي للقول بأنّه إذا كان سيتمّ استبدال العمّال بالروبوتات، كما سيكون الحال في العديد من الصناعات، سنحتاج الى تكييف السياسات الضريبية والتنظيمية لضمان ألّا يصبح التغيير مجرّد ذريعة للسباق نحو القاع من قِبَل الشركات متعددة الجنسية. استشهد ساندرز باقتراح بِل گَيتس، صاحب شركة مايكروسَوفت، أن تفرض الحكومات ضريبة على استخدام الشركات للروبوتات. "بالنسبة للشخص العامل الذي يقوم بعمل ما ويتلقّى أجرا قيمته 50 ألف دولارا في العام، يتمّ في المصنع فرض ضريبة للدخل عليه، واقتطاعها من إجوره. إذا جاءت الروبوتات للقيام بنفس العمل، ينبغي أن نفرض نفس الضريبة عليها وفي مستوى مماثل." يضيف گَيتس أنّ عائدات "ضريبة الروبوتات" يمكن استخدامها لدفع تكلفة إعادة تدريب العمّال المسرّحين من وظائفهم بسبب تلك الأتمتة. وعلى وجه الخصوص، يقترح گَيتس إنّ إعادة تأهيل يمكن أن تركّز على إعداد [https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1442063] العمّال للعمل في وظائف "حيث التعاطف الإنساني لا يزال فهمه فريدا جدّا، مثل رعاية كبار السنّ وتقليص حجم الصفوف الدراسية ومساعدة ذوي الإحتياجات الخاصّة."

أتى السّنَتُر التقدمي بعدها الى مسألة تملّك العمّال اسهما في الشركات التي يعملون بها، ويكون لهم تمثيل نقابي في مجالس إدارة تلك الشركات. وهذه مسألة يطير لها عقل الرأسماليين والإثرياء. "من الواضح أنّنا بحاجة الى قوانين تعزّز الديمقراطية في أماكن العمل. ولهذه الغاية وكعضو في مجلس الشيوخ، اقترحت تشريعا يتطلب أن يكون نصيب العمّال 45% من مقاعد مجالس الشركات، التي يتمّ تداول اسهمها علنا. إنّ مثل هذه الخطوة ستجلب أكثر ممن 100 مليار دولارا من الإيرادات السنوية." ثمّ ذهب الى ابعد من ذلك بضرورة تملك العمّال للمصانع التي يعملون بها معلّلا قوله بالأبحاث التي، "اجراها معهد ملكية العاملين وتقاسم الأرباح في جامعة رِتگَرز، حيث وجد أنّ ملكية العاملين للعمل قد عزّزت إنتاجية الشركات بنسبة 4% وعوائد المساهمين بنسبة 2% والأرباح بنسبة 14%." شرح السّنَتُر خطته قائلا، "حين اصدرنا هذه الخطة في عام 2019، حسبنا أنّ 56 مليون عاملا في أكثر من 22000 شركة مملوكة للعمّال في الولايات المتحدة سيستفيدون منها. اعتمدت الخطة على بيانات من أكثر من 1000 [https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=25032014] شركة، أظهرت أنّ تملك 20% من الأسهم، يمكن أن يوفّر توزيع الأرباح على العمّال بمعدّل أكثر من 5000 دولارا لكلّ عامل في السنة."
إختتم السّنَتُر ساندَرز الفصل السابع بتذكير القرّاء بصاحبه يوجين ڤِكتُر دِبس، الذي فاز بما يقرب من مليون صوتا عام 1920 كمرشّح للحزب الإشتراكي في الإنتخابات الرئاسية، التي خاضها من زنزانة سجن مدينة أتلانتا، حيث سُجِن بسبب معارضته للتربّح وذبح الناس في الحرب العالمية الأولى. "ربّما تكون الآلات قد تغيّرت، لكنّ اختلال التوازن بين النُخب الإقتصادية والطبقة العاملة لم يتغيّر، ولم يتغيّر الظلم الذي يمتدّ من ذلك الخلل." ثم يمضي لتوجيه نداء يقول، "لقد حان الوقت أخيرا لوضع الأمور في نصابها الصحيح. ينبغي على النشطاء التقدميين والنقابيين وكلّ من يؤمن بكرامة العمّال أن يبنوا حركة قويّة وذات رؤية لإعادة تشكيل حياتنا العماليّة. وللقيام بذلك، نحتاج الى سياسة مستعدّة للنهوض بقضية تلك الحركة. عندها فقط، يمكننا التأكّد من أنّ الوجود البائس في كثير من الأحيان للمُستغَلّين من العمّال المُنهكين، سيتحول الى خلق طبقة عاملة جريئة ومتمكّنة."
إلتفت ساندَرز في الفصل الثامن الى مسألة التعليم واستشهد برأي هوراك مان، الداعي لإلغاء العبودية abolitionist ومصلح نظام التعليم في القرن التاسع عشر. وهو القائل، "التعليم إذن يتجاوز الإنقسامت البشرية بأعراقها المختلفة وهو المعادل العظيم لتوازن ظروف الرجال في عجلة الآلة الإجتماعية." بعد توضيح الواقع غير المناسب للتعليم في الولايات المتحدة في [https://www.studygram.me/ar/%D8] هذه الأوقات، طرح خطة من عشر نقاط لإصلاح العيوب فيه.
"هل هذه أفكار طوباوية؟ لا،على الإطلاق إذا كنّا نهتمّ بمستقبل أولادنا واحفادنا. هل هذا هدف طموح جدّا؟ نعم، فقط وفق المعايير الأمَريكية. لقد تمّ بالفعل تنفيذ الكثير ممّا اقترحته في عام 2019 في بلدان أخرى، من التي تحتلّ مرتبة أعلى بكثير من الولايات المتحدة من حيث التحصيل العلمي/المدرسي. لقد كنّا متخلّفين عن الركب قبل ظهور جائحة ڤايرُس الكورونا، فزاد من تخلّفنا بعد أن ضرب اطنابه في بلدنا. لقد أجبِرت المدارس على الإغلاق وعانى الطلاب بسبب اللجوء الى التعليم عن بُعد. أريد اللحاق بالرّكب، ولكن بعد ذلك أريد أن نتخذ الخطوة التالية، التي ستضع الولايات المتحدة في صدارة التصنيف."
عبّر ساندَرز عن اعجابه بالنموذج الفنلندي للتعليم، وطرح آراء لي سِگرِد أندِرسُن، عضوة مكتب حزب تحالف اليسار ووزيرة التعليم في فِنلّندا. وصفت أندِرسُن ما أشارت اليه باعتباره "بعض الركائز الأساسية لسياسة التعليم الفنلندية." وشدّدت بشكل خاصّ على 6 مواضيع هي؛ الثقة بالمعلمين ورفض الإختبارات الموحّدة في نظام التعليم الإبتدائي وأنّ كلّ مدرسة يجب أن تكون مدرسة عظيمة والحفاظ على نظام التعليم العام بأغلبية ساحقة وأنّ التعليم يجب أن يكون مجّانيّا ويُمنَح الجميعُ خيار مواصلة تعليمهم. ثم أضافت، "نحن نعمل أيضا وفق ما نسميه التمويل القائم على الإحتياجات أو تمويل تكافؤ الفرص. وهو يعني أنّ رياض الأطفال والمدارس في المناطق المحرومة، ستحصل على موارد مالية إضافية لتوفير [https://www.infofinland.fi/ar/education/the-finnish-education-system]
مزيد من المعلمين أو التدريس الإضافي أو الصفوف الأصغر حجما."
إختتم الشيخ النبيل فصله الثامن بطرح سؤال مرير، لماذا لا تكون المدارس الأمريكية هي الأفضل؟ يعود هنا للتذكير، "بأنّ فنلندا لم تنظر للتعليم على أنّه مشكلة أو فوضى أو أزمة يجب التعامل معها،" كما يفعل العديد من صنّاع السياسة في الولايات المتحدة. إنّها ترى في المدارس أماكن للأمل والفرص. "نعم، هناك فرق شاسع ما بين البلدين، ولكن لا يوجد سبب وراء عدم قدرة الولايات المتحدة للحصول على أفضل المدارس. ونعم أيضا، نحن نطمح الى أن يكون الطلاب والمعلمون وأولياء الأمور من أسعد سكان العالم. هناك كلّ الأسباب التي تجعلنا أن نضع هذا الهدف نصب أعيننا. إنّ أطفالنا وأحفادنا لا يستحقّون أقلّ من ذلك."
خصّص ساندَرز الفصل التاسع لمناقشة واقع وسائل الإعلام في الولايات المتحدة. أشار الى إنّ حوالي 90% من مؤسسات الإعلام في أمَريكا مملوكة من قِبَل 8 تكتّلات إعلامية كبرى هي، كومكاست ودِزني ووارنر برذرز ودِسكوڤَري ونَتفلَكس وسي بي أس وفَيسبُك وفوكس نيوز وهيرست. "إنّ حفنة من التكتلات الإعلامية الضخمة مملوكة لأغنى الأشخاص في الولايات المتحدة، من الذين يحتفظون بالسيطرة الساحقة على ما نراه ونسمعه ونقرأه. سيكون من السخافة أن نتصوّر أنّ اصحاب المليارات هؤلاء ينفقون مبالغ كبيرة لشراء وصيانة التكتلات الإعلامية الضخمة من أجل الخدمة العامة. لديهم اجندات متجذّرة للرغبة في توسيع سيطرتهم على الثروة والسلطة. وهذه الأجندات لا علاقة لها بالظروف الأفضل للأسر العاملة في أمَريكا."
إستشهد ساندَرز بتحليل نعوم چَومسكي، اللغوي والناشط المعروف على نطاق واسع بأنّه أعظم مثقّف في وقتنا الحاضر، الذي وصف الموقف في الولايات المتحدة، بأنّه "اصطناع التوافق" manufacturing consent في وسائل الإعلام المملوكة للشركات اليوم بما فيها من آلاف محطات التلڤِزيون والراديو والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية. "هناك تعتيم افتراضي virtual blackout عندما يتعلّق الأمر بالقضايا الطبقية والسلطة في الولايات المتحدة. فليس من المُستغرَب أنّ الذين يملكون الثروة والسلطة غير مهتمّين في مناقشة ثرواتهم وسلطاتهم وكيفية ممارساتها علنا. إنّهم يعلمون أنّه من الأفضل لهم أن يتعاملوا مع هذه المواضيع خلف ابواب المكاتب الموصدة، لأنّه إذا فهم الأمَريكيون كيف تقوم الشركات المتعدّدة الجنسية بما تفعل، فسيواجهون غضبا ساحقا."
تناول ساندَرز بعدها دور الإعلام في تغطية الإنتخابات. بدلا من التركيز على الأسئلة ذات الأهمية الحيوية، التي تؤثّر في المجتمع بما في ذلك تأثير الثروة والسلطة في صنع القرارات، تركّز وسائل الإعلام الخاصّة بالشركات في أغلب الأحيان على القيل والقال والتوافه وأخبار الشخصيات. هل من المهم أن يعرف المواطنون عن حياة أولئك الذين يسعون للحصول على منصب عام، صدق الشخص وخبرته وصحته وعائلته وتاريخ علاقاته الشخصية؟ يجيب ساندرز قائلا، "نعم، هذه المسائل مهمة. ولكن في نهاية المطاف، يجب أن تكون الإنتخابات أكثر بكثير من مجرّد مسابقات شخصية. "لن يتمّ إحراز أيّ نوع من التقدّم في هذا البلد إذا ظلت وسائل الإعلام مهووسة بقضايا مثل من هو المحبوب أكثر، ومن هو من نُحب أن نتناول البيرة معه. أظنّ أنّنا لن نعود قريبا الى فترة الثلاث ساعات من مناظرات لِنكُن- دَوگلَس، التي جرت عام 1885." ويقترح أنّه يجب أن يكون تركيز الحملات الإنتخابية على ما يمثّله المرشّحون وما الذي سيفعلونه لتحسين أداء حياة المواطنين والعالم الذي يعيشون فيه. "ينبغي أن تتمحور [https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%] الإنتخابات على احتياجات الشعب، وليس الأخطاء الشخصية التافهة للمرشحين."

أعاد الشيخ ساندَرز الى الأذهان موقف المؤسسات الإعلامية من ترشيحه لمنصب الرئاسة عام 2016 وكيف وُصِف بأنّه، "مُشتعل كالنار ومثير للرعاع ومتطرّف صاخب مزعج ووقح وغير مهذّب، firebrand, rabble-rouser, radical, loud, gadfly, rude, unkempt وأسوأ من ذلك. لم أحظّ بأيّ دعم سياسي تقريبا من الديمقراطيين البارزين، وبالتأكيد بين الديمقراطيين المرتبطين بعالم الشركات." واشتكى بشكل واضح من الطريقة التي أطلقت فيها صحيفة الواشنطن پَوست هجوما لاذعا على حملته، "كشف عن التطرّف الذي تذهب اليه وسائل الإعلام حين تبغي سحق المرشحين وافكارهم، التي تتحدّى نظرة النُخب على المستوى العالمي ومصالحها الإقتصادية." في غضون 24 ساعة ومن خلال 16 خبرا، "تمكّنوا من الإشارة اليّ ضمنا بأنّني عنصري ومتحيّز جنسيّا ومحب للسلاح ورفيق مثقف مساير فكريّا لِلآيديولوجيين اليمينيين racist, a sexist, a gun-lover, and an intellectual fellow traveler with right-wing ideologues ،مثل دَونَلد ترامپ وتَد كروز."
ثمّ أتى الحديث على "موت" الصحافة المحلية، الذي اعتبره بشكل أساسي يعود الى تخلّي الطبقة الرأسمالية عنها تماما لأنّها لم تعد مربحة. "ولهذه الحقيقة تبعات عميقة على المجتمع بشكل عام وعلى الديمقراطية بشكل خاصّ." ثمّ يمضي ساندَرز للقول، بأنّه من المؤسف أنّ صنّاع السياسات يواصلون ممارسة "الحلول" التي تعادل وضع الضمادات على الجروح الكبيرة والغائرة. وهم يقترحون إعفاءات ضريبية صغيرة لتكتلات وسائل الإعلام التي تُبقي الصحفيين في وظائفهم، ويواصلون قناعتهم بأنّ "السوق" سوف يتوصّل الى حلّ بطريقة أو بأخرى. "المليارديرات المستنيرون enlightened billionaires سوف يعوّضون الفارق." ولكن هذا برأيه لن يحدث. وبناء عليه، اقترح صفقة جديدة لإنقاذ الصحافة.
روّج ساندَرز لمقترح ڤِكتُر پيكارد، أستاذ الإعلام بجامعة پَنسِلڤَينيا، بأنّه يمكن استخدام التمويل الفيدرالي لتطوير "مراكز إعلامية عامة" Public Media Centers في المجتمعات المحلية كي تعمل كتعاونيات للأخبار news cooperatives. ستتم إدارتها من قِبَل صحفيين يستجيبون بشكل مباشر للمجتمعات التي يخدمونها. "باعتبارها مؤسسات مجتمعية، الى جانب المدارس والمستشفيات، يمكن أن تكون مراكز PMC هذه بمثابة اللبنات الأساسية لوسائل الإعلام ما بعد التجارية لبناء نظام يتسم بالديمقراطية ومنيع ضدّ فشل الأسواق." وعبّر ساندَرز عن تبرّمه في ختام الفصل التاسع لوجود أكثر من "40 دولة متقدّمة علينا في مجال مؤشرات الصحافة." [https://democraticac.de/?p=50171]

أفرد ساندَرز فصله الأطول والأخير ليستنهض عزيمة الشعب من أجل خوض حرب طبقية لهزيمة نظام فاسد مُتلاعب به. "دعونا نتوقّف عن الثرثرة ونبدأ في التركيز على كيفية جعل نظامنا السياسي أكثر ديمقراطية وشمولية، حتى نتمكّن أخيرا من معالجة القضايا الحقيقية التي تهمّ الأسر العاملة والمحرومين working families and the dispossessed من أجل أجور لائقة ورعاية صحيّة والحماية من الجوع وتوفير السكن والتعليم ونبذ التعصّب والحاجة لإنقاذ الكوكب من ويلات تغيّر المناخ."
إستشهد المؤلف بنتائج استطلاع أجري في شهر ايلول من عام 2022، بواسطة صحيفة USA Today بالإشتراك مع موقع Ipsos. وجد الإستطلاع، "أنّ نسبة التصويت لساندَرز بلغت 46%، وهي نسبة عالية أفضل من الآخرين. ويرجع هذا الفوز الى أنّ نسبة شعبيته بين الديمقراطيين قد بلغت 78%، إضافة الى نسبة جاذبيته بين صفوف الناخبين الآخرين من خارج الحزب الديمقراطي. إنّه الديمقراطي الأعلى تصنيفا بين المستقلّين (بنسبة 41%) واعلى الديمقراطيين قبولا في صفوف الجمهوريين (18%)." ثمّ أضاف، "إنّهم (المواطنين) يعرفون أنّ النظام السياسي الحالي فاسد والنظام الإقتصادي ألعوبة في يد الأثرياء. يريد المواطنون التغيير."
تقوم أجندة السّنَتُر ساندَرز على المبادئ العشرين التالية؛ إبعاد التمويل عن الإنتخابات السياسية، وضمان حقوق التصويت، وجعل الدستور ملائما للقرن الحادي والعشرين وإلغاء المجمّع الإنتخابي وإعادة النظر في تشكيلة مجلس الشيوخ الأمَريكي وإعادة النظر في تشكيلة المحكمة العليا الأمَريكية وتنشيط وسائل الإعلام الأمَريكية ووضع حدّ لجميع اشكال التعصّب والتعامل مع حقوق العمال على أنّها من حقوق الإنسان وإضفاء الطابع الديمقراطي على مستقبل العمل، كما ينبغي أن نضمن بأنّ الرعاية الصحية هي حقّ من حقوق الإنسان واقتراح نموذج عمل جديد لصناعة الأدوية وحماية أطفالنا وحماية كبار السن والمعاقين وزيادة فوائد الضمان الإجتماعي وتفكيك الإحتكارات وجعل المليارديرات يدفعون ضرائبهم والواجب [https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1685176] المفروض علينا لإنقاذ الكوكب.
عمد ساندَرز الى اطلاق محاولة لتسجيل انتصارات يمكن أن تفسح المجال للصفقة الجديدة القادمة أو المجتمع العظيم، كما حدث في أيام روزڤَلت. غير أنّ مشروعه هذا قد قوبل بالرفض القاطع من قبل الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي. كما أنّ تمرّد العضويين جو مانشِن من ولاية ڤِرجينيا الغربية وكرِستِن سينِما من ولاية أريزونا وخروجهما عن الإجماع الديمقراطي، قد أفشل المشروع التقدمي، فوضِع على الرفوف العالية. وتجدر الإشارة الى أنّ العضوين المذكورين لهما تاريخ يشهد بأنّهما يتلقيان في حملاتهما الإنتخابية التبرّعات السخية من قبل شركات الصناعة الطبية وشركات الوقود الأحفوري.
يعود ساندَرز الى إنتقاد الحزب الذي أضاع بوصلته وفقد الإتصال في كثير من الحالات وفي العديد من الأماكن بالطبقة العاملة الأمَريكيّة. إنّه لم يعد يعرف كيف يتحدّث معها، لأنّه لا يعرف ما يحدث لأعضائها. "في الحقيقة، إنّ أعضاء الطبقة العاملة في هذا البلد غاضبون وهناك سبب لهذا الإستياء. ومن المؤسف للغاية أنّ الديمقراطيين قد تجاهلوا هذا الغضب." يمضي ساندَرز لتبرير غضب الطبقة العاملة من الحزب الديمقراطي الذي تخلّى عن قضاياهم. "من حقّ العمّال أن يغضبوا لأنّه رغم الزيادات الهائلة في الإنتاجية، ظلّت اجورهم راكدة لمدّة 50 عاما. هم غاضبون لأنّهم فقدوا وظائف ذات رواتب عالية جيدة عندما أغلقت الشركات معاملها ونقلت آلاتها الى الصين. إنّهم غاضبون لأنّ اجور العمل تضعهم على حافّة المجاعة، وأنّ الحدّ الأدنى للأجور على المستوى الفدرالي لم يتغيرّ منذ عام 2009. إنّهم غاضبون لأنّهم لا يستطيعون تحمّل تكاليف الرعاية الصحية أو الأدوية الموصوفة. إنّهم غاضبون لأنّهم ينفقون الكثير من دخلهم على السكن، ويفتقر صغارهم الى رعاية الأطفال ولا يمتلكون المال لإرسال ابنائهم الشباب الى الكليات، بسبب أجور الدراسة العالية. إنّهم غاضبون لأنّه لا يمكنهم التقاعد وهم في حالة نفسية آمنة مضمونة ماليّا. إنّهم غاضبون لأنّه خلال انتشار وباء الكوڤِد، كان عليهم الذهاب الى العمل في ظروف غير آمنة، بينما كان رؤساؤهم يعملون بشكل مريح من منازلهم. إنّهم غاضبون، لأنّه رغم الأرباح القياسية التي جنتها الشركات، فقد عمدت الى تخفيض اجورهم وتقليص مزاياهم، وكان الرؤساء يتسلمون رواتب تعادل مئات المرّات ممّا يكسبونه."
بعد أن هاجم قيادة الحزب الديمقراطي وتخلّيها عن الطبقة العاملة، ندّد بسياسته بفضل بِل وهَلَري كلِنتُن، التي أصبحت طوع المؤسسات المالية والأثرياء. توجّه ساندَرز مباشرة لجماهير الحزب وحثها، "لأنّه ينبغي على الديمقراطيين أن يوضحوا أنّهم مستعدّون لتحدّي الأغنياء والأقوياء نيابة عن الطبقة العاملة. سيكون لهذا صدى عند الشعب الأمَريكي، بحيث لا يمكن للحزب الجمهوري أن يخدع المواطنين ويكذب عليهم أبدا."
يُعاد على مسامعنا كلّ يوم أنّ الإقتصاد الأمَريكي قائم على المشاريع الحرّة والمنافسة. وهذا هو الكذب بعينه، حسب قول ساندَرز. "اقتصادنا اليوم تهيمن عليه حفنة من الشركات العملاقة المتعددة الجنسية، التي تجني سنويا أرباحا فلكيّة وتنخرط في التلاعب بالأسعار بشكل منتظم، ولها تأثير هائل على حياتنا السياسية. هذه هي الرأسمالية الفائقة التي تعيش على المُنشّطات uber capitalism on steroids. يجب وضع حدّ لهذا التركيز الخطير على الملكية وإنهائه. لم تمتلك الإدارات الديمقراطية ولا الإدارات الجمهورية الشجاعة لتفكيك هذه الشركات، وإنّ ذلك بالضبط ما يجب علينا القيام به."
يختتم السّنتُر كتابه بالاِشارة الى الثورة المُبتغاة فيقول، "الثورة السياسية، هي التي تخبرنا استطلاعات الرأي العام، أنّ الشعب الأمَريكي يريدها. الخطر على الحزب الديمقراطي أنّه ليس جريئا جدّا، وهو حذر للغاية. لقد حان الوقت الآن أنّ يُدرك الديمقراطيون أنّ هذه هي السياسة الجيدة. إنّها جيدة للحزب وللشعب، وحتى للعالم. دعونا ننهض ونعلنها ثورة ساحقة!"
ومتى كانت استطلاعات الرأي العام صادقة والى جانب الثورة والطبقة العاملة!؟ إنّها تُبشّر بعودة ترامپ، والكتابات على الجدران واضحة بسبب فشل سياسات الرئيس الصهيوني، الذي يمشى ويقف ويتحدث كأنّه جثة محنّطة. بدأ بايدن مشواره السياسي قبل 50 عاما، أي في عام 1973 بالحجّ الى تل أبيب واللقاء برئيسة الوزراء گولدا مائير. أخبرها حينها أنّه يفكّر ويعمل وفق نصيحة ذلك الأب اللعين الذي علّمه بأنّه، "ليس من الضروري أن يكون الشخص يهوديا، لكي يصبح صهيونيّا!" فباركتْ الشريرة قوله. لقد سمعته وشاهدته يقول تلك الرواية بنفسي، وفضحتَها جرائم الصهاينة والمذابح التي أنزلوها بغزة أمام مسامع العالم ونظراته، وما زالت حتّى هذه الساعة. كلّ هذا بدعم غير محدود من قبل المجرم شريك الإبادة الجماعية، واعضاء حكومته المتواطئين. أعاد بالأمس فقط التزامه بأمن إسرائيل وافتخاره بكونه صهيونيا خلال الإحتفال، الذي اقيم في البيت الأبيض بمناسبة العيد اليهودي الهوناكا، إيقاد جذوة المنورة، القائمة على إحدى [https://twitter.com/i/status/1734374781519065581] سخافات اليهود واساطيرهم القديمة. دُعي للحفل 800 ضيفا، وضجّت القاعة بالتصفيق المُتحمّس حين نطق بايدن، "أنا صهيوني!"
وماذا بعده؟ سوف تشغل مشاعر الأمَريكيين الإهانات المتلاحقة لسياسي أزلي الغضب والصخب والصراخ. مُقلق "صرّاخ المشاعر"، كما سماه عالم هارڤَرد دومِنيك مويسي، لأنّه مليء باالحِقد والإنتقام والتربّص. وموعدهم لذلك انتخابات الرئاسة لعام 2024.

د. محمد الأزرقي
قرية مونِگيو، غرب ماسَچوسِتس في الولايات المتحدة
12/12/ 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت