الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فخ الأسماء

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2023 / 12 / 16
الادب والفن


1- أنجزتُ فيما مضى نصاً روائياً. أعود إليه بين فترة وأخرى ، لأختار أسماءً جديدة لشخصياته. ولا أظن أنني قانع بأي اسم سأعثر عليه. وقد أقوم أخيراً ، يتجريد الشخصيات من أسمائها ، كما فعل ساراماغو.
2- لم يقدم الروائي الحائز على نوبل جوزيه ساراماغو في روايته (العمى) أي أسماء لشخصيات الرواية ، واكتفى بالإشارة إلى الشخصية عن طريق التسمية الوصفية مثل "زوجة الطبيب"، "لص السيارة"، "الأعمى الأول"، "الرجل ذو السلاح"، "المحاسب الأعمى".
وكذلك فعل في روايته (كل الأسماء) التي استخدم فيها اسم جوزيه للشخصية الرئيسية ، وترك الشخصيات الاخرى دون أسماء. مثل "مدير المحفوظات العامة"، "السيدة التي تسكن الشقة اليمنى في الطابق فوق الأرضي".
3-يبدو ساراماغو متفقاً تماماً مع المحاضرة ألقاها ريتشارد فاينمان عالم الفيزياء النظرية والحائز على نوبل ، سنة 1966 والتي تحدث فيها عن الفرق بين معرفة الشيء ذاته و معرفة اسمه:
"قال لي أحد الأطفال: أترى ذلك الطير هناك؟ ما اسمه؟ أجبته: ليس لدي أدي فكرة. فقال: إنه brown-throated thrush. أبوك لا يعلمك الكثير عن العلم.
ابتسمت لنفسي، لأن والدي قد علمني بالفعل أن [الاسم] لا يخبرك أي شيء عن ماهية الطير. علمني: “هل ترى هذا الطير؟ إنه brown-throated thrush، لكن في ألمانيا يسمى halsenflugel، وبالصينية chung ling. لكن حتى لو كنت تعرف كل تلك الأسماء فما زلت لاتعرف شيئا عن هذا الطير! أنت فقط تعرف شيئا عن الناس و الأسماء التي يطلقونها عن هذا الطير. هناك فرق بين اسم الشيء وماهية هذا الشيء.
5-ويبدو أن الروائي السوداني أمير تاج السر يقف على النقيض من ساراماغو ومن ريتشارد فاينمان. فقد كتب منشوراً على صفحته قبل فترة أقتطف منه:
وأذكر أنني حين كنت أكتب روايتي مهر الصياح، استوقفني اسم أحد المجندين في كتيبة الظهوريين التي تختص بحماية السلطان رغد الرشيد. كنت أبحث عن اسم قوي يحمله رجل قوي، واستغرق الأمر أياما من دون أن أعثر على اسم مناسب، ثم جاء رجل اسيوي ليعالج ابنه البالغ من العمر ثماني سنوات في ذلك الحين. كان اسمه عجيب تمبولي، وكان اسما مطابقا لشخصية الظهوري بشكل لا يصدق، ولو كان ذلك المجند حقيقيا لما كان اسمه غير عجيب تمبولي. استلفت الاسم على الفور، وأخبرت الرجل، الذي هنأ ابنه بقبلة كبيرة.
6-يستخدم الشعراء أيضاً الأسماء في قصائدهم . ويميلون إلى الأسماء ذات الحمولة التاريخية أو الأسطورية أو السياسية. كما فعل درويش وأمل دنقل حين كتبا عن سرحان الشاب المقدسي المهاجر ، الذي اتُهم بقتل السيناتور الأمريكي روبرت كيندي، الشقيق الأصغر لجون كيندي عام 1968 . وكما فعل أدونيس (تيمور- الحلاج- أوديس-الحجاج-أورفيوس..الخ)، وكما فعل البياتي مع عائشته الحبيبة المفتقدة، والتي جعل منها رمزاً محلقاً في جميع الفضاءات الشعرية، وكما فعل سعدي يوسف مع عائشة التاريخية الدينية.
يميل الشعراء أيضاً إلى استخدام الأسماء إذا جاءت في ذات السياق الذي استخدمه ساراماغو لاسم جوزيه. فجوزيه اسم شائع، وهو دالة بلا شك على نموذج يحمل ما يحمل من دلالات. وهذا بالضبط ما فعله شاعر سوري راحل يدعى خالد محيي الدين البرادعي. لقد قدم الراحل عملاً شعرياً متكاملاً رائعاً عنوانه (عبد الله والعالم). إن دلالة اسم عبد الله غير جدالية في الوجدانين العربيين، الفكري والاجتماعي.
7- تبدو قصيدة درويش " أنا لست لي" خارجة عن مسارات الشعر العربي ، فهو يناقش فيه الحروف التي تشكل اسمه، وعن انتمائه إلى اسمه. " ميمُ / المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى"
فهذا انتماء غريب للاسم! فنحن لم نختر أسماءنا، وهي بشكل ما ، هوية الوالدين ، وهوية الثقافة السائدة.
ويشبه الفخر بالاسم، الفخر بالدين والقومية واللسان واللون ، وكلها أمور، لم يقم أحد باختيارها، لكنها جاءت نتيجة الجينات أو الصدفة أو مكان الولادة.
8- الأسماء هي فخ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا