الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية والإرهاب الفكري الأمريكي

رضي السماك

2023 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة ثلاث مسائل تسترعي الانتباه فيما يتعلق بمواقف الولايات المتحدة الأخيرة تجاه حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على سكان قطاع غزة :
المسألة الأولى: وتتعلق بالموقف المخزي الذي وقفته واشنطن باستخدامها الفيتو في مجلس الأمن لإجهاض القرار المطالب بوقف فوري لإطلاق النار في القطاع، بالرغم من أن القرار تمت صياغته بطريقة متوازنة ليشمل الإفراج عن رهائن حماس، وهذا ما ساعد على موافقة الغالبية العظمى من أعضاء المجلس على القرار،ومع ذلك فإن الغطرسة الأميركية لم تكترث بهذه الإرادة شبه الجماعية للمجلس، ولا بالمظاهرات الشعبية المنددة بالمجازر الإسرائيلية بحق أهالي القطاع، سواء المندلعة منها داخل الولايات المتحدة أوفي الدول الغربية الحليفة لها.
على أن اللافت بأن من لوّح بالفيتو هو روبرت وود، نائب السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينيفيلدا، وكلاهما-السفيرة ونائبها-من أُصول أفريقية، ومثلهما وزير الدفاع لوين أوستن وغيرهم.وبطبيعة الحال لم يتم تعيينهم اعتباطياً، بل قُصد به إظهار الدولة الأميركية- ولو ديكوريا- في هذا المحفل الأُممي بمظهر الحريصة على تمثيل السود الذين يعانون الاضطهاد والتمييز منذ تأسيس الولايات المتحدة( 1776).فلو طُلب من أي أحد منهم نفي وجود هذا الاضطهاد والتمييز بحق بني عرقيتهم، لما تردد عن فعل ذلك،إذ أن الضمير الإنساني لا لون أو عرق له من حيث تحليه بالشرف أو تميزه بالدناءة.
المسألة الثانية: وتتمثل في فضيحة استدعاء مجلس النواب الأميركي لرئيسات ثلاث من أكبر وأعرق الجامعات الاميركيه، وهن كل من: كلودين غاي رئيسة جامعة هارفارد، وليز ماجيل رئيسة جامعة بنسلفانيا، وسالي كورنبلوث رئيسة معهد ماساتشو ستس للتكنولوجيا، وذلك على خلفية الاحتجاجات السلمية التي عبّر عنها طلبة هذه الجامعات ضد مذابح القطاع،حيث جرى استجوابهن من قِبل رئيسة اللجنة المكلفة بذلك ،بشكل مهين بالغ الفظاظة وأقرب إلى التحقيقات البوليسية، وذلك بغية دفعهن للتنديد بالمظاهرات السلمية المنددة بمذابح غزة التي جرت وتجري داخل جامعاتهن واعتبارها تمثل معاداة السامية ومؤيدة للإبادة الجماعية لليهود( الهولوكوست).
ومما لا شك إن كل إنسان سوي تابع فيديو تلك الاستجوابات، لا بد أن لمس مدى خستها، وأنها لا تعدو عن أن تكون شكلاً من أشكال الإرهاب الفكري القذر لحرية الرأي والضمير،وهذا ما لا يليق البتة بدولة تفتخر بدستورها الديمقراطي وبالقيم والحقوق الإنسانية التي ما برحت تصدع رؤوس العالم بالتشدق بها.
المسألة الثالثة: وتتعلق بتبجيل الأيديولوجية الصهيونية والذي تزايد بشكل علني مهووس في ظل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، فعلاوة على حرص الأخير مراراً وتكراراً على تباهيه الاستفزازي أنه " صهيوني" وأنه "لو لم تُوجد إسرائيل لعملنا على إقامتها"، فقد بلغ الأمر حداً من الاستخفاف بعقول الفكر الإنساني العالمي الحر وبمواثيق القيم والمباديء الإنسانية أن أصدر مجلس النواب الأميركي مؤخراً قراراً يقضي بأن معاداة الأيديولوجية الصهيونية تتساوى مع معاداة السامية! والحال أن هذا القرار لم يأتِ مصادفة في توقيته، بل جاء تحت تأثير الهلع الإسرائيلي الأميركي من الاحتجاجات الشعبية العارمة داخل أميركا والعالم ضد مذابح غزة، وما تلحقه هذه الاحتجاجات المتواصلة من ضرر لسمعة إسرائيل وأيديولوجيتها الصهيونية،في حين تتناسى واشنطن أن قرار الأُمم المتحدة الذي صدر في 1975 والذي يقضي حرفياً: " إن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"،وحيث طالب القرار أيضاً دول العالم أجمع بمكافحة الأيديولوجية الصهيونية باعتبارها- حسب نص القرار- تشكل خطراً على السلم والأمن العالمي.
صحيح أن هذا القرار تم إلغائه في 1991 تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية مورست على الدول العربية لمساومتها على إنجاح مؤتمر مدريد للسلام وتلبية بعض الشروط العربية الشكلية، إلا أن هذا القرار الجديد لا يغير من حقيقة أن القرار الأصلي المُلغى صدر بإرادة المجتمع الدولي الحرة التي تمثل الضمير العالمي المعبرعن القيم الإنسانية العالمية المشتركة، في حين أن القرار اللاغي الجديد إنما هو نتاج ضغوط قوى دولية لفرض غاياتها ومصالحها السياسية، ومن ثم فإن تحسين السمعة الأخلاقية السياسية لايتم بالضغوط الدولية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟