الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية

أبوبكر المساوي
باحث

(Aboubakr El Moussaoui)

2023 / 12 / 17
أوراق كتبت في وعن السجن


أيتها الحرية،
إما أن أعتقلك وأجعلك خالصة لي من دون المؤمنين،
عفوا،
خالصة لي من دون المستعبدين،
وإما أن أجعل مالك الملك ينزل علي آية من السماء أو يخرجها من جوف الأرض فيأمرك أن تهبي نفسك لي، ويأمرك ألا تكوني لغيري حتى بعد رحيلي.
وقد أراودك عن نفسك حتى تستسلمي وتسقطي بين ذراعي وتقولي هيت لك، فيختلط كيانك بكياني وتصرخي في وجهي: تحرر... تحرر أيها العبد وانتفض وعانقني وقبلني وضاجعني، وتحمل عواقب مضاجعة جميلة الجميلات التي حلم بها كل الأبطال والفرسان وتغنى بها كل الشعراء على مر الأزمان، ولا تكتفي بترديد ما أنشدوا في حبي وغرامي ولا تدندن، وإنما أقبل وعانق واجعل وجودك ذائبا في وجودي.
وإن لم أستطع إليك سبيلا قد أضطر للتحرش بك في الغداة والعشي رغم أن هذا ليس من شيمي، أو أنصب لك شباكا لأوقعك فيه حتى لا تجدي للفكاك مني طريقا بعد ذلك، لكن هل ستبقى كينونتك شامخة منطلقة فاتنة وأنت مقيدة إلى جانبي أو محبوسة بين جدران عقلي وقلبي؟ وهل من نفع من وجودك في حياتي ودواخلي متعفنة من شدة الخوف منك ومن تبعات حبك ومن شدة الخوف من الخوف ذاته؟ ومع ذلك سأحارب للحصول عليك حتى إن اضطررت لجعلك مجرد تمثال أو فزاعة أرهب بها عدوي ومالكي، ولعل وجودك معي يثمر ثمرات حتى وإن كانت معاقة أو مريضة فقد تغدو طيبة مع مرور الزمن.
قد أكون جاهلا بحجمك وقيمتك وبكم القلاقل والزلازل التي قد تنزل بثقلها على حياتي، وبعدد الأوراق والملفات التي قد يبعثرها وجودك في وجودي لكني سأسعى إليك بكل ما أوتيت من قوة، ربما ليس حبا فيك وإنما لأغيظ أقراني من المستعبدين، أو لأغيظ الذي اشتراني بثمن بخس وجعل بيني وبينك سدا منيعا حتى أصبحت أهذي باسمك في يقظتي ومنامي.
أما إن تمنعت وأبيت أن تكوني لي أو إلى جانبي، فما بوسعي إلا أن أصوم عن الكلام دهرا، فلا أكلم من الكائنات بشرا، أو أشرب من ماء البحر أو آوي إلى جبل وأصرخ بأعلى صوتي لأفرغ ما بداخلي من خوف ولأكسر أغلالي وأنظف عفني حتى أستحق وجودك في حياتي، لكني سأكون حريصا على ألا يسمعني أحد حتى لا يكون ضعفي وصراعي مع دواخلي مادة دسمة على ألسن عبيد صاحب الملك فيصدروا على وجودي حكم الحرم أو ينبذوني.
وآخر الحلول فراق بيني وبين مالكي فإما فرار أو انتحار، ولكن الفرار كفر وجحود وعدم امتثال لما جاءنا من ذلك العالم الآخر فجثم على عقولنا وصدورنا وأقسم ألا يفارقنا، حيث قيل لنا في صيغة تحمل من الوقاحة ما يدعو للغثيان: أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر. وأما الانتحار فعقوبته الخلود في نار سرمدية اسمها جهنم، حيث ستتكفل بإذابة الأجسام والجلود بينما يقوم ذلك الكائن الماورائي بإعادة هذا العدد اللانهائي من البشر إلى هيأتهم الأولى ليتعرضوا من جديد لعملية الإحراق والتذويب في تكرار إلى الأبد.
هي جهنم وجحيم في جميع الأحوال يا أنا، فإن لم تجد للفرار سبيلا، وإن أبيت أن تنال شرف العبد الآبق فما عليك إلا أن تشرب كل ماء البحار والمحيطات، عسى أن تبلع ما يعلق في حلقك وما يخنق أنفاسك أو لتغسل ما بداخلك من عفن الخوف، أو لتجعل أمواج البحر تجرف كل الأسوار والسدود التي تقف بينك وبين رغبتك في معانقة الحرية وفي حياة أفضل.
وإن لم تستطع إلى ذلك سبيلا فما عليك إلا أن تحارب من أجل ممارسة حرية التفكير على الأقل، علك تذق طعمها وتتعود عليها وتتجاوزها بعد أن تحس بالإشباع منها إلى ما بعدها من حرية في القول والفعل والاختيار والإرادة وما إلى ذلك من أوجه الحسن والجمال التي تزين جميلة الجميلات وملهمة الفلاسفة والشعراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة


.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود




.. خليل الحية: حققنا في هذا الاتفاق أهداف وقف إطلاق النار وعودة


.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو




.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع