الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسيحيو المشرق في زمن -ثورات الربيع العربي-

سليمان يوسف يوسف

2023 / 12 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


مسيحيو المشرق في زمن " ثورات الربيع العربي "
مسيحيو المشرق ( آشوريون/سرياناً كلداناً.. سوريون.. أقباط فراعنة)، المكون الأكثر التصاقاً بأوطانهم ، (مناطق سكناهم ، معالم حضارتهم ، كنائسهم ) بأسمائها التاريخية مازالت شامخة في وسط وقلب عواصم ومدن وبلدات دول المشرق، تشهد على أنهم أصل هذا المشرق وأقدم شعوبه ، وعنهم أخذت (دول المشرق) اسمها وهويتها.. للأسف ، كل هذا لم يشفع لهم للعيش الكريم في أوطانهم ومناطقهم التاريخية . مع كل هزة أو خضة أمنية أو سياسية تحدث في هذا البلد المشرقي أو ذاك، يكون المسيحيون أبرز ضحاياها ومن غير أن يكونوا طرفاً فيها . تأمل مسيحيو المشرق أن تحمل ما سميت بـ"ثورات الربيع العربي" تغيرات سياسية ودستورية،تعيد لهم حقوقهم في المواطنة الكاملة ومكانتهم الوطنية المفقودة. لكن هذه" الثورات " خيبت آمال المسيحيين، ضاعفت حالة الإحباط واليأس لديهم. كما يقول المثل الشعبي" نقلتهم من تحت الدلف إلى تحت المزراب ". وضعتهم أمام خطر الاقتلاع من الجذور على أيدي الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتشددة والإرهابية، مثل القاعدة و الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرها ، التي أفرزتها " ثورات الربيع العربي". حول التداعيات الخطيرة لـ"ثورات الربيع العربي" على مسيحيي المشرق، الكاتبة والصحفية اللبنانية (مارلين خليفة) كتبت في جريدة( السفير) : " يقف المسيحيون المشرقيون في زمن الثورات العربية على منعطف لا يدركون نهاية الطريق الموصل إليه، فهم من جهة، مواطنون يطمحون الى الحرية والإصلاح والتغيير، ومن جهة ثانية، أقلية دينية تعيش في بحر إسلامي وعربي، ينتج الى جانب الثورات، ظواهر دينية متطرفة، ما يؤدي الى تأجيج مخاوفهم من أن يتوج (الربيع العربي) بأنظمة أصولية تتعامل معهم (كأهل ذمة) ، وبالتالي تجعلهم يترحمون على أنظمة الاستبداد"..
في سوريا ، الاحتجاجات الشعبية السلمية المناهضة للنظام سرعان ما تحولت إلى "حرب أهلية"، تسببت حتى الآن بهجرة أكثر من نصف المسيحيين السوريين. مع هذه الحرب، المسيحيون وجدوا أنفسهم من غير (حماية وطنية) .أصبحوا لقمة سائغة للجماعات والتنظيمات والفصائل الإسلامية المتشددة والإرهابية.العديد من الكهنة والرهبان تم خطفهم وتصفيتهم . خطف أساقفة حلب( يوحنا ابراهيم و بولس اليازجي - 22 نيسان 2013 ) في منطقة خاضعة لفصائل إسلامية معارضة ومدعومة من تركيا ، بينما كانا يؤديان مهمة إنسانية في ريف حلب (تحرير مخطوفين ،بينهم كهنة، لدى جماعات إسلامية). مجموعة شيشانية اعترضت طريق المطارنة ،رمت بالمرافق أرضاً وقتلت السائق وفرّت بالمطرانين الى جهة مجهولة. عشر سنوات مضت على خطف المطارنة ومصيرهما مازال مجهولاً. قضية المطارنة المخطوفين تختزل محنة المسيحيين السوريين. نعت المسيحيين بالصليبيين وتخوينهم لعدم قتالهم إلى جانب الفصائل الإسلامية المعارضة، يُعد تحريضاً صريحاً على قتلهم وتهجيرهم . القتل والتهجير القسري على "الهوية الدينية" ، تسبب بخلوا المدن والبلدات السورية، التي سيطرت عليها التنظيمات والجماعات الإسلامية المعارضة ، من سكانها المسيحيين، إلا من بعض كبار السن ، مثل (رأس العين .تل أبيض. الرقة . ديرالزور . ابو كمال. ادلب وريفها) وغيرها .
مصر، "بلد الثورتين"، إسقاط حكم الرئيس حسني مبارك ومن بعده إسقاط حكم محمد مرسي ، زادت وبشكل مخيف الاعتداءات الممنهجة على الأقباط المسيحيين من قتل وخطف الفتيات وارغامهن على اعتناق الإسلام وتفخيخ الكنائس وحرقها وهي مكتظة بالمصلين . حول محنة الأقباط يقول الكاتب المصري(محمد الدسوقي): "المسيحيون في مصر واقعهم شديد البؤس، فهم يهجرون من بلادهم، وتحرق دور عبادتهم، ويحاصر بيوتهم همج يطالبونهم بتسليم إبنتهم بدعوى أنها أصبحت مسلمة.. أي ذل هذا ؟.. تخيلوا أن بشراً يحاصرون بيتك ، يأخذون إبنتك ويقولون لك إنسى لم تعد إبنتك.. عن أي مواطنة نتحدث ؟. وفي أي بيت عيلة يجتمع كبار رجال الدين؟ " …
في الاردن، اغتيال الكاتب والصحفي المسيحي (ناهض حتر) على يد مسلم متطرف، أمام باب المحكمة، ينذر بمستقبل قاتم لمسحيي هذا البلد المشرقي. عن هذه الجريمة الطائفية، كتب عباس بيضون مقالاً بعنوان (ناهض حتر الذبح مرتين) نشر في جريدة السفير الثقافي بتاريخ 2016-10-07 جاء فيه: " حتر الذي ينتمي إلى أقلية دينية عريقة لا تبالغ إذا عدّت نفسها الأعرق والألصق بالأردن، لكن ماذا يفعل الأقلوي في هذا الشرق؟ ماذا يفعل أمام طغيان الأكثرية الدهماء، وأمام استيقاظ النعرات الدينية والعرقية؟... ناهض حتر ذبح أمام بيت القانون، أمام المحكمة.. ذلك أنّ بيت القانون ليس شيئاً في حساب القاتل، أنّ له قانونه الخاصّ الذي يبيح القتل على الرأي وعلى الصورة وعلى الرمز والاستعارة".
المسيحيون العراقيون، غالبيتهم الساحقة من الآشوريين(سرياناً كلداناً)، سكان العراق/بلاد آشور الأوائل. المظالم والاعتداءات المنظمة عليهم ، من خطف وقتل وتفجير الكنائس والسطو بقوة السلاح على الممتلكات والتهجير القسري، دفعتهم أو أجبرتهم على ترك العراق، تعدادهم اليوم لا يتجاوز 200 ألف من أصل مليون ونصف مليون مسيحي كانوا يعيشون في العراق قبل الغزو الأمريكي 2003 وإسقاط الدكتاتورية وتحويله إلى "دولة فدرالية" من إقليم عربي وآخر كردي.. السلطات الطائفية/العنصرية في كل من بغداد واربيل تركت المسيحيين من دون حماية، قدمتهم لقمة سائغة لـ(تنظيم الدولة الإسلامية - داعش) ولعصابات ومافيات الخطف والقتل والسطو على الممتلكات .
لبنان، هذا البلد المشرقي الوحيد ذات (الوجه المسيحي) لم يعد كذلك . حتى اختيار (رئيس ماروني) للبنان خرج من يد الموارنة ليصبح أسير الأجندة والمشاريع الطائفية لـ(ميليشيا حزب الله) المرتبطة بنظام (ولاية الفقيه) القائم في طهران. مع تعاظم قوة ونفوذ هذه "الميليشيا الإيرانية" وهيمنتها على مختلف مفاصل (الدولة اللبنانية) ومصادرة قراراتها، تعاظمت مخاوف المسيحيين اللبنانيين ليس فقط على وجودهم وإنما أيضاً على مستقبل ومصير (الكيان اللبناني)، الذي وجد أصلاً لأجلهم قبل قرن من الزمن. الخوف على(المصير والوجود والكيان السياسي)، دفع بـ(المارونية السياسية) إلى طرح "الفدرالية أو الكونفدرالية"- تقسيم لبنان الى كانتونات طائفية - كخيار مناسب للحفاظ على ما تبقى من وجود مسيحي في لبنان.
شهادات لكتاب مسلمين حول محنة مسيحيي المشرق:
الكاتب (غسان الإمام )، في مقال له بعنوان (الإشكالية المسيحية وهاجس الحزام الإسلامي) نشر في جريدة الشرق الأوسط اللندنية: يقول "المسيحية العربية تواجه اليوم خطر الاقتلاع، حيثما وجدت في الوطن العربي. وهي تكافح من أجل البقاء في أحواض إقامتها المحاصرة بأحزمة الغالبية الدينية. هذا الكفاح له إحدى ثلاث نهايات: الهجرة. القبول بمواطنة من الدرجة الثانية. مواجهة الاستئصال الجماعي بالحزام الناسف...مجتمعات مسيحية مشرقية، مسكونة بهاجس الخوف من أن يتحول الحزام الإسلامي الذي يلفها ويزنِّرها، إلى حزام ناسف لوجود المسيحية التاريخية في الوطن العربي، قبل ولادة الإسلام بسبعة قرون".
الكاتب (عبدالله راشد) يقول: " المسيحيون سمحوا للمسلمين بالصلاة في كنائسهم.. المسيحيون سمحوا بقراءة القرآن في برلماناتهم .. المسيحيون احتضنوا الفارين من ظلم حكومات الإسلام في ديارهم.. المسيحيون أطعموا المسلم الجائع والعطشان والجوعان .. فماذا قدم المسلم لهم ؟؟ أباح قتلهم وسلب أموالهم وسبي نسائهم تحت صيحات الله أكبر ".
أخيراً: الحفاظ على ما تبقى من المسيحيين المشرقيين في أوطانهم الأم مرهون بوجود "رغبة إسلامية " حقيقية ببقائهم والعيش معهم كمواطنين شركاء حقيقيين في الحكم والإدارة، لهم كامل حقوق المواطنة مثلهم مثل المسلمين .. تمسك الحكومات وغالبية الشعوب المسلمة بـ"الشريعة الاسلامية" كمصدر أساسي للتشريع، ورفضها لمبدأ " فصل أو تحييد الدين عن الدولة" تنفي وجود مثل هذه "الرغبة الإسلامية" المطلوبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي