الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع بلا خرائط

بدر الدين شنن

2006 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


بعد نحو اربعين عاماً من حكم البعث التصحيحي " القائد " . وبعد تطبيق ثماني خطط خمسية مترادفة بقيمة آلاف المليارات من الليرات السورية ، يطلق الاعتراف رسمياً ، أن المجتمع السوري ، باستثناء المجال الأمني ومجال الإثراء غير المشروع ، هو مجتمع بلا خرائط . وهذا الاستثناء من عندنا ، بدلالة نجاح أهل الحكم في هذين المجالين .. بل والإبداع فيهما ، وبدلالة فشل كل الخطط الخمسية المتتالية في نهوض وازدهار البلاد ، وكأنها وضعت عمداً لأهداف معاكسة

في مؤتمر تفعيل الاستراتيجية العربية للحد من الفقر ، المنعقد مؤخراً في دمشق بحضور ممثلي 18 دولة ، قدم وكيل وزوارة الشؤون الاجتماعية السوري المداخلة " الاعتراف " قال فيها : أنه لم يكن لدى الوزارة إلى وقت قريب أية درا سة لخريطة وطنية للفقر وقياسات لمعدلاته وخصائصه وتحديداً للفئات الفقيرة . وبعدما ا ستعرض الحالة الفقْرية السورية والأرقام الصادرة عن جهات أخرى مشكوك تاريخياً في مصداقيتها ، التي حددت الحجم النسبي للفقراء في المجتمع ، ممن يعانون الفقر الشديد و " غير الشديد " وحددت التوزع النسبي لهذين المستويين المعبر عنهما رقمياً ب ( 5،3) مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر الأعلى ، أ شار إلى أن الخطة الخمسية العاشرة " التي بوشر العمل بها " والحادية عشرة " التالية " التي ستولد بعد خمس سنوات أخر ، ستسعيان ل " تخفيض " نسبة الفقر ممن يعشون في فقر شديد إلى مستوى ما كان عليه الوضع عام 1977

وهذا ما يوضح ، أنه مثلما هي الحال ، لدى درا سة ومعالجة المسائل في المستويات الأخرى ، من قبل هيئات حكومية مشهورة بتقاليدها الانتقائية والتزويرية والانحيازية ، قد تمت درا سة ما زعم أنها الخريطة الوطنية للفقر ، بهدف تغطية ما يجري في الضفة الأخرى في المجتمع . وما قدم على أنه الخريطة الوطنية للفقر لايعدو أنه دراسة مبسترة وفق معايير تكنوقراطية مقتبسة من مجتمعات أخرى . بمعنى أنها لم تكن دراسة ميدانية علمية حية هادفة للتعاطي مع الفقر بعلاقته وتمفصله مع خرائط اجتماعية أخرى ذات صلة بالخريطة التنموية الاجتماعية عامة ، إذ أنها جاءت مجردة عن العلاقة مع الخريطة الوطنية للإثراء غير المشروع ، وعن بنية الاقتصاد السوري المشوهة بالفساد والاحتكار السياسي والنهب والتهرب الضريبي والتمييز الوظيفي السياسي ، وعن تمفصل الفقر مع مفاعيل أخرى زادته اتساعاً وعمقاً مثل الغلاء المبرمج والبطالة والاغتراب ومعاناة الطفولة وانتقاص حقوق المرأة وانتهاك حقوق الإنسان ، ومجردة عن الواقع السياسي الاستبدادي ، واقع حكم الطواريء والأحكام العرفية ، الذي يغلق الآفاق تعسفياً أمام ملايين المواطنين غير الموالين للنظام ويهمشهم عمداً ويدفعهم إلى خانة الفقر والبطالة والأزمات ، بدلالة أنها تجاهلت كافة مكونات الفقر , فلم تضف إلى رقم ( 5،3 ) مليون يعانون من الفقر ملايين أخرى من المواطنين ، الذين يكابدون البطالة " أكثر من مليون عاطل عن العمل " ونحو مليون مهاجر سوري في لبنان يمارس معظمهم أعمالاً شاقة ومهينة ، ومئات آلاف العمال السوريين في دول الخليج وغيرها يخضعون لظروف وأعمال شاقة ومذلة وبعضها أ شبه بالعبودية ، ونحو ( 600 ) ألف طفل يعملون في شروط غير إنسانية . ولم تعر اهتماماً لمعدلات البطالة من الفئة العمرية من 15 -24 سنة ، التي وصلت إلى معدلات مفجعة هي 73% . وإلى أن كلفة الحد الأدنى للحياة تفوق ستة أضعاف الحد الأدنى للأجور . ولم تدخل في أزقة وكهوف أحزمة الفقر حول دمشق وحلب ، التي يسكن فيها أكثر من مليوني شخص معظمهم بلا عمل ولاأمان ولاأمل . ولم تذكر الدرا سة أن معدلات الفقر تصل إلى 60 % في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية التي تضم نصف سكان سوريا وهي الأغنى في الموارد الطبيعية من نفط وغاز ومحاصيل زراعية ، وأن الأفقر على المستوى السوري هم سكان ريف حلب الذي وصل مستوى الفقر هناك إلى ثلاثة أضعافه في المناطق الحضرية ، كما لم تتعرض الدراسة إلى ما يعانيه مئات آلاف من المواطنين الأكراد المشمولين ظلماً بجغرافيا " الخط الأخضر " وبالأحرى الخط الأسود ، الذين يعانون من فقر الانتماء والمواطنة إضافة إلى خصائص الفقر الأخرى

بكلام آخر ، إن الفقر في سوريا هو فقر مركب .. فقر غذائي معاشي .. وفقر قانوني ديمقراطي .. وفقر حرية ومواطنة ، غير أن فقر الحرية والمواطنة يتقدم على ما عداه من حالات الفقر الأخرى ، بل ويشكل حلقة مركزية سياسية - اجتماعية بامتياز في مركب الفقر العام . وإذا ما شملت الخريطة الوطنية للفقر هذه الخصائص مجتمعة في تحديد معدلات الفقر تصبح الأكثرية الساحقة من الشعب السوري فقراء

والخوف كل الخوف من اتساع معدلات الفقر بدل أن تنخفض ، وذلك حسب الخطة الخمسية العاشرة وشقيقتها الحادية عشرة القادمة بعدها ، والتي " بشّر " نائب رئيس الوزراء الاقتصادي القوى الشعبية أي الفقراء ، لدى تطبيقها ، بمزيد من الآلام الجتماعية .. أي بمزيد من معدلات الفقر وتنوعاته ومستوياته .. وحسب برنامج التقشف التعسفي في موازنة الدولة ، بتحميل القوى الشعبية عبء سد العجز المالي الحكومي ، وذلك برفع الدعم عن المواد التموينية الأساسية ومادة المازوت، وخصخصة قطاعات الدولة الانتاجية والخدماتية .. بما فيها الصحة والتعليم والمرافق العامة

وعلى ذلك مبرر القول ، أن دولة بهذه المواصفات .. دولة بلا خرائط هي دولة متخلفة ، وهي محكومة أن تعمل لصالح نظام ا ستبدادي يستأثر بثروات البلاد لصالح أهله وأتباعه ، وهي محكومة أن تضع خرائط أمنية واقتصاية فقط . خرائط أمنية لتدريع النظام ولسحق أي تهديد له . وخرائط اقتصادية لتوفير فرص الثراء لأهله وأتباعه . أما الآخرون في المجتمع فهم خارج الاهتمام الإنساني .. بينهم وبين العيش الحر الكريم جدار عزل من القمع المسلح

ومبرر القول ، أنه في هكذا مجتمع حيث تنعدم فيه الخرائط ، ويختزل التمايز الطبقي ، بين الأثرياء جداً والفقراء جداً ، محكوم بتفاقم الأزمات على كل المستويات التي تتضافر لتصبح أزمة وطنية شاملة ، تنوء تحت سقف الأطماع الخارجية ، وأنياب الفقر ، وأسئلة حقوق مواطنة مهدورة ، وحقوق أقليات قومية مشروعة

ومبرر القول أيضاً ، أن الحاجة إلى الإصلاح لم تعد واردة كحل وسط .. بل قد إنعدمت .. وتتركز الحاجة الملحة الآن إلى التغيير الجذري .. وإعادة بناء البلد ديمقراطياً.. وفق خرائط علمية وطنية على كل المستويات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل


.. إيران.. تعرف على مواقف جليلي وبزشكيان في ملفات السياسة الخار




.. مقابلة خاصة مع نائب وزير الخارجية التركي ياسين أكرم سرم


.. أوضاع الشرق الأوسط وحرب غزة تحظى باهتمام كبير في قمة شانغهاي




.. نتنياهو بين ضغط عائلات المحتجزين وتهديدات ائتلافه اليميني