الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة الاقتصادية ما زالت بخير

محمد رضا عباس

2023 / 12 / 17
الادارة و الاقتصاد


العولمة الاقتصادية لم تمت . حالتها الصحية فوق الممتازة . نسبة التجارة الخارجية في حساب الإنتاج المحلي الأمريكي يقارب الان ربع حجمه, فيما وصل معدل هذه النسبة في بقية دول العالم اكثر من 70%. بمعنى انها أصبحت اكبر قطاع اقتصادي في العالم.
العولمة , وان أصبحت موضوع يتداول بين الاقتصاديين والسياسيين حول منافعها ومضارها في العشرين سنة الماضية , الا انها موجودة منذ عرف الانسان الزراعة و صيد الحيوانات . الصياد كان يبادل ما صاده اليوم مع بعض المنتوجات الزراعية التي يحتاجها بيته . ومن هذه اللحظة انطلقت التجارة الداخلية والخارجية وكانت المحرك للنمو الاقتصادي لبلدان البائع والمشتري , المصدر والمستورد . عندما يبيع العراق نفطه الى الهند , فأنها تستفاد من هذه السلعة النادرة فيها , فيما يستفاد العراق من موارد هذه المادة الوفيرة في ارضه , وبدونها لكانت جميع حكومات العراق الماضية في مشكلة عظيمة , منها ان لا تستطع دفع رواتب موظفيها.
في بحث مهم قدمه المؤرخ الاقتصادي , Angus Maddison , بين تاريخيا , انه كانت ثلاث مصادر للتنمية الاقتصادية في العالم : استغلال الأراضي ذات الموارد الطبيعية الكثيرة والمتنوعة , التجارة الخارجية , و التكنلوجيا .
العولمة في الوقت الحاضر والتي بدأت في ستينيات القرن الماضي مازالت تعتمد على هذه لعوامل , إضافة الى عوامل جديدة ومنها رخص كلفة النقل , ظهور أسواق جديدة , و تخفيض في حجم التعريفة .
هذه العوامل شجعت ازدهار التجارة العالمية و انتجت منها فائدة عظيمة لجميع المجتمعات العالمية . التجارة العالمية رفعت من الدخل الحقيقي للأسر بين 7000 و 13000 دولار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية , ولو تم رفع بقية العقبات على التجارة الخارجية لإضافة دخل جديد بين 4000 و 12000 دولار.
منفعة أخرى للتجارة الدولية وهي زيادة تنوع السلع والخدمات في الأسواق . بدون التجارة , العراقيون سوف لن يتعرفوا على فاكهة الموز او المانجو او الأناناس او الجوز الأمريكي او جوز الهند. وبدون شك سوف لن يستطيعوا شرب الشاي او القهوة في الصباح . وبدون التجارة الخارجية سوف تبقى سفرتهم من بغداد الى كربلاء تأخذ على الأقل ثلاث أيام . السيارة الحديثة حولت الثلاث أيام الى ساعتين في اسوء الأحوال.
سلسلة التوريد أصبحت جزأ مهما في التجارة الخارجية والتي تشمل البحوث والتطور و الإنتاج , إضافة الى التسويق وتوزيع . أجزاء الحاسوب , السيارات, وطائرات نقل الركاب أصبح انتاجها ليس من الضرورة في داخل الشركات المذكورة , وانما أجزاء مهمة منها تصنع خارج هذه الشركات وفي شركات اجنبية لا تعود لهم . على سبيل المثال 90% من أجزاء طائرة بوينك 787 تصنع خارج شركة بوينك . ومنذ 1970 , حصة استيرادات الأجزاء الخاصة للصناعات زاد من 10% الى 40%.
على ان الاختلاف الكبير بين عولمة الماضي والحاضر هو حجم الطبقة العاملة التي تعمل في قطاع التجارة . ان دخول الصين والهند كمصدرين مهمين للسلع والخدمات يعني ان الكثير من عمالهم اصبحوا ينافسون مباشرة عمال الولايات المتحدة الامريكية , اليابان , المكسيك . ان دخول هاذين البلدين في سوق التجارة الخارجية انتج عنه ضغطا على نمو الأجور في الدول المتقدمة (تجميد الأجور) يقابله ارتفاع الأجور في الصين والهند . وبذلك فان التكامل الاقتصادي ينفع العمال في الدول ذات الدخل المنخفض من خلال الوصول الى أفكار و تكنلوجيا جديدة , الامر الذي يزيد من إنتاجيتهم ودخلهم الحقيقي.
احد الاقتصاديين المتخصصين في التجارة العالمية ,Jagdish Bhagwati, شدد على ان حضور الشركات العالمية في الدول الفقيرة تساعد على تعرفهم على التكنولوجية الحديثة و فن الإدارة اكثر بكثير من الشركات المحلية . وبمرور الزمن فان الكثير من العمال والذين عملوا في هذه الشركات سوف يتركوا هذه الشركات وينضموا الى شركات محلية او تأسيس شركات خاصة بهم , وبذلك تعم المنفعة على جميع افراد المجتمع . الدراسات تؤكد ان فروقات الدخول بين الدول قد انخفض في السنوات العشرين الماضية , بعد ان دخلت الهند والصين و بقية الدول الأسيوية سوق التجارة الخارجية .
الا ان منافع العولمة لم تقتصر على العمال في الدول الفقيرة وانما شملت الدول المتقدمة صناعيا . احد الدراسات كشفت ان المنافسة العالمية دعمت الإنتاجية في الولايات المتحدة الامريكية . الدراسة كشفت ان الشركات المتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة سواء منها الامريكية او الأجنبية كانت المسؤولة عن زيادة اكثر من نصف النمو في إنتاجية العمال في القطاعات الغير زراعية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي . هذا النمو ظهر من خلال طريقين . الأولى , ان زيادة المنافسة العالمية اضطر الشركات المحلية الى استخدام احدث التكنولوجية الموجودة في السوق , والثانية هو نقل الصناعات الاستهلاكية الى الدول ذات الأجور المنخفضة مما أدى الى زيادة الطلب على العمالة الخبيرة.
انتقادات كثيرة وجهت الى العولمة , الا انها بقيت مؤشر مهم من مؤشرات الإنجازات الاقتصادية للأمم. أمم لم تخرج منها انتقادات ضد العولمة لأنها استطاعت جني ثمارها , فيما بقيت أخرى تندد وتندد , والحقيقة انها فشلت في اجتياز اختبار المنافسة الدولية في تقديم افضل السلع باقل الكلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا