الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنمية الإنسانية والنمو الاقتصادي

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق

2023 / 12 / 18
الادارة و الاقتصاد


تعد عملية التنمية البشرية حالة من التفاعل الجدلي والمستمر بين الإنسان والمجتمع، وبين الإنسان والطبيعة. فهي تسعى إلى تطور الإنسان جسما وعقلا وقدرة على المشاركة وتطوير هذه القدرة والارتقاء بها. (ولذلك تكون التنمية البشرية ما وصلت إليه حالة التنمية في تطوير قدرة الإنسان، وبالتالي حالة وقدرة المجتمع بصفتها الجدلية، وبوجود قدر من التماسك بين طرفي هذا التفاعل. وعليه، فان هذه القدرات وتلك الحالات التي يمكن تحديدها وفق أولويات معينة، تتطلب توفير معايير قياسها). وللتنمية البشرية جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية. فهي تشمل التعليم والمعرفة، والحياة الطويلة الصحية، والسكن المقبول، وهذا يعني مستوى معيشة لائق. إلى جانب ذلك هناك قضايا هامة جدا مرتبطة بالتنمية البشرية كالحرية والديمقراطية، وأمن الإنسان وتطوير المجتمع المدني وغير ذلك.
أن التنمية البشرية هي الغاية والنمو الاقتصادي هو الوسيلة لتحقيقها. فالهدف هو إثراء حياة الناس. ويلاحظ أحيانا انعدام الصلة التلقائية والمباشرة بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. وحتى عندما توجد صلات بينهما فإنها قد تتآكل تدريجيا ما لم تعززها إدارة ذكية وماهرة، لذلك يجب حماية هذه الصلات خوفاً من أن تدمرها تحولات مفاجئة في السلطة السياسية أو في قوى السوق.
يستكشف تقرير التنمية البشرية لعام 1996 طبيعة وقوة الصلات بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. وقد أكتشف أمرين مقلقين، الأول - أن النمو لم يتحقق خلال معظم السنوات الخمس عشرة الماضية في حوالي 100بلد، تضم ما يقرب من ثلث سكان العالم. والثاني - أن الصلات بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية قاصرة بالنسبة لأهالي البلدان الكثيرة ذات التنمية غير المتوازنة، وهي الدول التي يتحقق فيها نمو اقتصادي جيد مع قدر ضئيل من التنمية البشرية، أو التي تتحقق فيها تنمية بشرية جيدة ولكن مع قليل من النمو الاقتصادي أو بلا نمو على الإطلاق.
"ويتبين من سجل النمو الاقتصادي والتنمية البشرية على مدى السنوات الثلاثين الماضية أنه لا يمكن لأي بلد أن يتبع مساراً للتنمية غير المتوازنة على مدى فترة زمنية طويلة بحيث لا يقترن النمو الاقتصادي بتقدم في مجال التنمية البشرية، أو العكس. فالتنمية غير المتوازنة قد تستمر عقدا أو ما يقرب من ذلك، ولكنها تتحول بعدئذ إلى ارتفاعات سريعة في كل من الدخل والتنمية البشرية، أو تتحول إلى تحسينات بطيئة في كل من التنمية البشرية والدخل. "
وهذا يعني أن تتبع البلدان واحدا من أربعة أنماط:
1 - تحقيق نمو اقتصادي بطيء مع تنمية بشرية سريعة.
2 - تحقيق نمو اقتصادي سريع مع تحقيق تنمية بشرية بطيئة.
3 - تحقيق نمو وتنمية بشرية يدعم كل منهما الآخر.
4 - تحقيق نمو وتنمية بشرية يخنق كل منهما الآخر.
مما تقدم نجد أنه من الممكن تحقيق تقدم قصير الأجل في مجال التنمية البشرية ـ ولكنه لن يكون تقدماً مستداماً بدون تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي. كما أنه لا يمكن أن يكون النمو الاقتصادي مستداماً بدون تنمية بشرية، وهذا يوضح لنا الصلات المتينة بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
استطاعت الدول النامية أن تقطع شوطاً لا بأس به في مجال التنمية البشرية خلال السنوات الثلاثين الماضية وربما يعادل الشوط الذي قطعته المجتمعات الصناعية على مدى قرن كامل. فقد تم تخفيض معدل وفيات الرضع في تلك البلدان بما يزيد عن النصف. وزادت نسبة التسجيل في المدارس الابتدائية والثانوية معا بأكثر من الضعف. وازداد مؤشر متوسط العمر بمقدار (17 عاماً) الثلث تقريباً. لكننا لا نرى المنجزات التي تحققت في مجال التنمية البشرية بسبب انشغالنا بالمؤشرات الاقتصادية البحتة واتجاهاتها.
ولكن التنمية البشرية التي حققتها المجتمعات البشرية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كانت تمثل مزيجاً من التقدم البشري غير المسبوق والبؤس البشري الذي لا يمكن وصفه. وقد حدث التقدم البشري على جبهات ومستويات عديدة، كما أن التراجع قد حدث على جبهات ومستويات عديدة أخرى. وقد حققت كل دولة أو مجموعة من الدول تقدماً في مجال التنمية البشرية كما تقاس بدليل التنمية البشرية ولكن بدرجات متفاوتة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده


.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال




.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.


.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي




.. هل تستثمر في حقيبة -هيرميس- الفاخرة أفضل من الذهب؟