الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن التباينات الأميركية الإسرائيلية

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


نهاد أبو غوش
في التصريحات الرسمية، تأخذ الإدارة الأميركية على إسرائيل استخدامها للقنابل الغبية، أي القنابل غير الموجهة بدقة، والقصف العشوائي الذي يستهدف المدنيين من دون تمييز. هذه التصريحات التي أدلى بها الرئيس جو بايدن ونقلها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومن المقرر أن يبحث تفاصيلها وزير الدفاع لويد أوستن تأتي متأخرة عشرة أسابيع كاملة، ومن المؤكد أنها لن تنصف الضحايا الذين يزيد عددهم عن خمسة وعشرين ألفا (إذا أخذنا في الحسبان الأرقام الرسمية ونسبة كبيرة من العالقين تحت الأنقاض)، كما أنها لن تغيّر من أساليب الحرب الإسرائيلية شيئا، فهي تأتي بصيغة نصائح وملاحظات وليس بلغة حاسمة وصارمة، لأن من يموّل الحرب بمليارات كثيرة من الدولارات، ويفتح جسرا جويا لنقل كل أنواع الأسلحة والعتاد والذخائر والمعدات، ويحرك حاملات الطائرات لردع أي طرف إقليمي يفكر في التدخل لمصلحة الفلسطينيين، ويحمي إسرائيل من اي قرار دولي ملزم، يمكنه وقف الحرب الوحشية بإشارة أو بمكالمة.
أبدت الولايات المتحدة معارضتها لقيام إسرائيل بإعادة احتلال قطاع غزة، أو اقتطاع جزء من مساحته وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو إلى اي مكان آخر مع تصاعد الدعوات لعودة الاستيطان، والسيطرة على حقول الغاز البحري قبالة سواحل غزة. وثمة من يلحّ على إحياء فكرة "قناة بن غوريون" بين خليج العقبة والبحر المتوسط كقناة بديلة لقناة السويس، ويرى أن التخلص من قطاع غزة وسكانه سيقلص تكاليف شق تلك القناة. وقد وصلت هذه الدعوات حد المطالبة بمحو قطاع غزة وتحويله إلى منتزه قومي إسرائيلي. أما أقلّهم تطرفا فيطالب بإقامة شريط أمني بعرض يتراوح بين 2-3 كيلومتر، ما يعني اقتطاع نحو ثلث مساحة القطاع، بحيث تحظر فيه أي أنشطة زراعية أو عمرانية.
ترافقت التصريحات الأميركية اللفظية مع مواقف داعمة لإسرائيل من دون تحفظ كما في التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتبنّي أهداف الحرب، بل في إطلاق بعض التصريحات والشروط التي لم يقلها الإسرائيليون أنفسهم من قبيل أن "هذه الحرب لن تنتهي إلا باستسلام حماس"، وأن "أيام السنوار باتت معدودة"! لكل ذلك يمكن تفهم الخلافات الأميركية الإسرائيلية الظاهرة بأنها مجرد تباينات ثانوية طفيفة، لا تزيد عن تلك القائمة بين أقطاب مجلس الحرب الإسرائيلي.
إذاً التغير الظاهري في اللهجة الأميركية المستخدمة لا يمثل استفاقة متأخرة، ولا تغييرا جوهريا في المواقف الداعمة للحرب، على الرعم من وجود عوامل تستدعي تغييرا ذلك، ولا سيما تدني شعبية الرئيس بايدن، واحتجاج أوساط واسعة في قواعد الحزب الديمقراطي وخصوصا من جيل الشباب. وانفضاض أوساط مؤثرة عن هذا الحزب ومنها الجاليات العربية والمسلمة والأميركية من اصل افريقي، وتهديدها بعدم التصويت لبايدن، لكن هذا الأخير اختار هو وإدارته استرضاء هذه الأوساط بالكلام المعسول وادعاء الحياد مقابل الدعم المطلق لإسرائيل وحرب الإبادة بكل ما شملته من جرائم حرب جرائم ضد الإنسانية.
الولايات المتحدة تخوض هذه الحرب وكأنها حربها الخاصة، وليس لأنها تخص بلدا صديقا أو حليفا، فالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل توصف بأنها علاقة عضوية تختلف عن أي علاقات مميزة بين دولتين، فإسرائيل كانت وما زالت تلعب أدوارا وظيفية موكولة لها في خدمة المصالح الاستراتيجية الأميركية على المستويين الإقليمي والكوني. ومن بين هذه الأدوار التصدي لأي نظام حكم يشتق لنفسه سياسة وطنية مستقلة تتعارض مع السياسات الأميركية. ومناهضة حركات التحرر، ودعم الأنظمة الفاسدة والمستبدة على امتداد العالم ممن يضع الكونغرس الأميركي قيودا على التعامل معها. كما أن إسرائيل تُعدّ أكبر مختبر تطبيقي لتجربة أنواع السلاح الأميركي، حيث الصناعات العسكرية والأمنية والتكنولوجية تمثل امتدادا لمجمعات صناعة السلاح في الولايات المتحدة. ويصف بعض المحللين إسرائيل بأنها أكبر حاملات الطائرات في العالم لجهة تكلفتها المنخفضة قياسا بالفوائد الجمّة التي توفرها للولايات المتحدة، ولذلك لم يكن غريبا أن يقول الرئيس الأميركي الذي وصف نفسه بأنه صهيوني " لو لم تكن إسرائيل موجودة لعملنا على إيجادها"، أما الحديث الذي يتكرر كاسطوانة قديمة عن "القيم الديمقراطية المشتركة" ودولة اليهود فليس سوى أكاذيب مفضوحة ولعل المشترك الرئيسي بينهما هو الاستعداد لارتكاب جرائم الإبادة وشن الحروب وتلفيق الافتراءات لتبريرها.
لعل ما يفسر هذه التناقضات والخلافات الظاهرية هو ما أدلى به وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي قال أن إسرائيل قد تحقق انتصارات تكتيكية ولكنها سوف تُمنى بخسارة استراتيجية، وينطبق ذلك على كثير من الوقائع التاريخية والحروب التي واجهت فيها قوىً عظمى متفوقةٌ بالسلاح والإمكانيات، قوى محليةً أقلَّ منها في القدرات ولكنها أقوى معنويا كما حصل في المواجهات بين الولايات المتحدة وكلٍّ من فيتنام وأفغانستان، وبين فرنسا وفيتنام ثم الجزائر، حيث لا مجال للمقارنة بين القدرات العسكرية للولايات المتحدة وخصومِها. في الحرب على غزة ثمة اختلال فادح في موازين القوى بين الترسانة العسكرية الإسرائيلية المدججة بأحدث الطائرات والدبابات والبوارج، والمستندة إلى اقتصاد قوي ودعم غير محدود من قبل أقوى دولة في العالم، وبين مقاومة تطورت في بيئة محاصرة ومخنوقة ومحرومة من أبسط الإمكانيات، ولكنها معززة بالإيمان بقضيتها وتمسك شعبها بالحرية، وهكذا تصبح المعادلة عبارة عن الإرادة الإنسانية في مواجهة جبروت الآلة، وهي تستند إلى معادلة تاريخية في تراثنا العربي الإسلامي تقول بإمكانية انتصار الدم على السيف، والكفّ على المخرز. وهكذا فإن مضيّ إسرائيل في حربها وجرائم الإبادة التي تقترفها تساهم في عزلها وتؤثر على مكانتها وصورتها وأطماعها للاندماج في المنطقة ومواصلة كسر العزلة وإقامة علاقات تطبيع مع الدول العربية والإسلامية.
لكل ما سبق تبدو الإدارة الأميركية أحرص من إسرائيل على نفسها ومن قادتها الذين لا يرون أبعد من أنوفهم ومن استطلاعات الرأي العام، ويطاردون وراء انتصارات وهمية على شعب ليس لديه ما يخسره سوى قيود الاحتلال والحصار وسياسات الإذلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس