الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف من المسألة الثقافية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


هناك موقفان متعارضان من المسألة الثقافية . موقف النظام المخزني البوليسي ، موقف القوى التقدمية التي انقرضت من ساحة النضال الثقافي .
السؤال الرئيسي . لماذا منظور القوى السياسية للعمل الثقافي بالأمس خاصة ، وطيلة الستينات والسبعينات وحتى النصف الأول من الثمانينات ، وراهنا يطرح علينا هذا التساؤل ، والسؤال ، واسئلة عديدة عن واقعنا الثقافي ، تفرضها علينا ضرورة الانخراط في العمل الثقافي المؤسس على تصور واضح قوامه البحث ، وهاجسه السؤال ، لان السؤال رائدنا في البحث كمهتمين وممارسين ولو بالقراءة في المقاهي ..
واذا كان الاعتراف بتأخر وتخلف بنيتنا الثقافية قد حظي بالإجماع فان التأخر يتطلب منّا تعميق البحث للامساك بضوابط الشرط الأساسي للفعل الثقافي ومستلزماته ، في وقع الشروط السوسيو- اقتصادية التي نحياها ، خاصة وان هذه الوضعية تتميز ب :
1 ) موروث الثقافة المنحطة اللاّتاريخية وواقع التأخر الذي تكرس على مدى قرون .
2 ) الاستعمار وسياسته الرامية الى تعميق تأخرنا الحضاري ، والمزيد من تمزيق عمارتنا عن طريق تدعيم النعرات القبلية ، ومساندته الممارسات الخرافية والطقوسية ، وإعطاءه إياها دفعات وانفاسا قوية ..
وعندما يشكو الوضع والتخلف والتأخر في وعيه وبنيانه الاجتماعي ، عندما يستمر الخط البياني لتطوره متقهقرا وبعيدا عن منطق العصر ومدنيته ، وعندما تحتقر كرامة الامة وحدة وبنيانها .. عندئذ تطرح على عاتق القوى السياسية التقدمية مسؤوليتان تاريخيتان :
ا ) مسؤولية مقاومة التأخر البنيوي الثقافي .
ب ) مسؤولية محاربة الاستعمار الجديد وامتداداته التي تعرقل إمكانات التطور بسبب طغيان الطقوسية والقروسطوية والتقليدانية . منطلقين مما يجمع بين أي من القوى التي تنطوي تحت الاتجاه الرجعي المحافظ او التقدمي .
--- الخطاب المخزني البوليسي الطقوسي القرسطوي والتقليداني ، والنيوبتريركي ، والنيوبتريمونيالي ، والثيوقراطي :
يركز الخطاب المخزني البوليسي والطقوسي في تعاطيه مع المسألة الثقافية ، على أولوية اصالة الثقافة وتأريخيتها ( جذورها العميقة في التاريخ ) ، مؤكدا على خصوصيتها المغالي في تقديسها ، ورفعها الى أي ثقافة أخرى ، داعيا الى الحرص عليها والعض عليها بالتواجد ، كي لا تمسها الثقافات الغازية ، التي ينبغي الانفتاح عليها ، دون ان يكون ذلك مهددا ( للأصالة ) المغربية ، بما تحمله كلمة ( الاصالة ) القروسطوية والطقوسية والمزاجية والتقليدانية .. من دلالات وابعاد تُبقى على فردانية هذه الثقافة وإطلاقتيها ، وتميزها عن باقي الثقافات .. ومن هذا المنطلق تتعدد الاشكال العملية الرامية الى تكريس المفهوم التقليدي للثقافة كثقافة .
ان هذا المظهر التقليداني الطقوسي والقروسطوي ، باسم المقدس ، وباسم المحافظة في صورتها الرجعية ، ينطلق من قاعدة الوصاية على ( التراث المغربي ) ، بنظرة لا تاريخية ، ترمي الى نزع مشروعية القوى الأخرى في تعاطيها والتراث ، والتي تتهمها بنزوعها الى تبني كل مستورد ودخيل على ( ثقافتنا ) ، وهي بذلك تدعو الى نشر هذا ( الوعي ) ( السلفي ) الرجعي والطقوسي ، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا ومصالحها . ان هذا الوعي الذي يرتهن اليه لإبقاء ( الوعي ) السائد بسبب عصور الانحطاط والظلام ، و إن كانت من حيث المظهر تحاول البروز بمظهر ( المتفتح ) على الثقافات الأخرى .
ان ثقافة الانحطاط الرجعية الطقوسية القروسطوية هاته ، هي تعبير عن إرادة سياسية محددة اجتماعيا وايديولوجيا . هذا المستوى الذي يتمثل في كونه عاجزا عن انتاج ثقافة إبداعية تعبر عن الإرادة الكلية . وبذلك تغدو هذه الثقافة ثقافة كبت وقمع . والادهى من هذا ، انها لا تقف عند حدود المراقبة ، ونشر الثقافة التقليدانية ، والطقوسية ، والقروسطوية ، واذكاء روح العصبية ، بل تعمل على خلق جملة من الشروط الاجتماعية ، التي تعيد انتاج الوعي المتأخر ، ومن ثم تكون قد نجحت في خلق شروط إعادة انتاج العبودية التي تنطق بها الدولة الرعوية .
وفي هذه الحالة ، فإنها لا تنتج إلاّ المستهلك والمنتج الرديء . أي انها تدفع في اتجاه جعل ثقافة التأخر التخلف ، جزءا اكثر عضوية في الحياة اليومية ، يعرقل كل ما هو مغاير ، او يرمي الى تجاوز ما هو سائد ..
--- القوى التقدمية والمسألة الثقافية :
اما بالنسبة لخطاب القوى التقدمية التي انقرضت ، فيمكن ان نلخصه في النقط التالية :
-- ان قضايا الساعة ، تطرح علينا قضايا الجماهير الأولوية ، المتمثلة في ما يتعلق بالتعليم والتربية ، قبل الوصول الى هدف الابداع الثقافي . معنى ان الابداعات الحقيقية ، يجب ان تكون مسبوقة بتكوين شامل للجماهير ، يمكِّن كل مواطن من قراءة ما يُكْتب .
-- وبخصوص التعدد اللغوي والثقافي ، ليس لها رأي رسمي حوله . وفي تصورها ، انّ ما ينبغي اجتنابه ، هو ان لا نقع في مشاكل مفتعلة تشجع على التجزئة .
--اعتبار الثقافة مجموعة الابداعات الفنية والتقنية التي تميز حياة المجتمع ، وما يعبر عن احاسيسه ومشاعره ..
ان اول ملاحظة تفرض نفسها علينا ، هي ان الحيز الثقافي في تصور هذه القوى ، يأتي – على مستوى البرامج – في الصفحة الأخيرة . وهذا له اكثر من دلالة على مستوى التحليل السوسيولوجي ، إذ انه يبين لنا كون هذه القوى ، لا تعير المسألة الثقافية أهمية كبرى ، تضعه في مستوى التناقض الأساسي ، في الوقت الذي نجد فيه الثقافة اللاّتاريخية ، التي تحولنا الى كائنات تراثية ، تركز على مستندات عديدة ، للإبقاء على البيت الثقافي المؤثث تأثيثا تقليديا، بالشكل الذي لا يتنافى مع أهدافها ومطامحها ..
ونلاحظ الى جانب هذه النقطة ، وبارتباط بها ، غياب تصور واضح متكامل ، حول المسألة الثقافية ، ترتكز على أسس نظرية واضحة وعميقة ، تتيح إمكانات معالجة العديد من القضايا ، التي ما تزال يفرضها واقعنا الثقافي معالجة دقيقة . وفي هذا الاطار يمكن تسجيل العديد من الإشكاليات التي ليست لنا فيها مراكمات نظرية .. ( المسألة اللغوية – دراسات ميدانية عن الثقافة المغربية .... ) .
فإلى أي حد يمكننا ان نراهن على مدى امساك القوى السياسية التقدمية ، وقد انقرضت ، ببلادنا لهذه المسألة واضطلاعها بالمسؤوليتين التاريخيتين ؟ . ذلك ما سنحاول مقاربته بشكل عام -- كمدخل للنقاش -– في هذا البحث وهذه الدراسة ..
--- حول العمل الثقافي :
انّ الاهتمام بالعمل الثقافي ، ليس ترفا فكريا ، بل هو ضرورة من ضرورات الممارسة الهادفة الى التحرر والديمقراطية ، باعتباره واجهة من واجهات النضال . ولا يداهمنا أي شك في ان هذا العمل ، لا يمكنه ان ينوب عن أي عمل آخر او يستعيض عنه . ان الثقافة كمنظور للعالم وعنه ، وكسلوك وممارسة ، تعكس في تجليها العام ، مجموعة العلاقات الحياتية ، كما ان أي ممارسة سياسية تضم خلفيات ثقافية وايديولوجية ، تحكم خطها ، وتكون بمثابة دليل في مجال العمل والممارسة . فلهذا السبب كانت العلاقة بين الثقافة والسياسية ، تأخذ طابعها الجدلي ، الذي لا يمكن ان يجعل احدهما بديلا عن الاخر .
واذا كانت السياسة هي الشكل الأعلى للتعبير الثقافي ، وهي التي تكشف كل فعاليات الانسان .
واذا كانت أيضا تفعل في الجماهير يوميا وتثقفها . أي تمدها بتصور معين للحياة والعلم على مستوى الفرد / العائلة / الوطن ، فان العمل الثقافي ليس صرخة في فضاء ، بل مرتبط بالمجتمع ، ويلعب دورا انتاج ، وإعادة انتاج وعي معين ، سواء لدى القوى السائدة ، بما تمارسه من تكريس للوعي الممكن ، الذي يديم سيادتها وهيمنتها ، او مشروع الوعي الممكن الذي تناضل من اجله قوى اجتماعية تقدمية ، او تحالف طبقي ، يطمح الى السيادة والديمقراطية والتحرر . وفي هذا الاطار ، يتصارع اتجاهان لا تلتقي مصالحهما ، ولا تتوازى كذلك امكاناتهما في الفعل والتأثير ، فالسلطة على حد تعبير عبدالله العروي في مجتمعاتنا العربية ، لا يريحها ان يكون هناك مفكر يطرح ما يشذ عن طروحاتها ، او يتناقض معها . فهي تحاول في كثير من الحالات ، ان تطرح مستوى للثقافة والتفكير ، لا تسمح بتجاوزه ، لكي لا تساعد على خلق مجتمع يطالب بالديمقراطية ، كأساس للنظام والحياة فيه ..
فاذا كان للسلطة طابعها الخاص ، المتخلف طبعا ، في الممارسة الثقافية ، ماذا يمكننا القول عن القوى السياسية ( التقدمية ) ؟ ..
هل ارتقت الى وعي أهمية العمل الثقافي وفاعليته ؟.
ما هي المراكمات التي يقوم بها في هذا الصدد ، على الصعيدين النظري والعملي ؟ ...
انطلاقا من هذا التصور ، سأحاول كما قلت سابقا ، اان اسأل موقف بعض ، وليس كل القوى السياسية الاجتماعية ، من العمل الثقافي من خلال برامجها ، ونطرح بعض الأسئلة حول تلك المواقف والاطروحات ، دون ان ندعي وهْم الإحاطة الشاملة ، او المقاربة الدقيقة ، التي لا يمكن ان يستوعبها هذا البحث .
بدءا. نقصد بمفهوم القوى الاجتماعية – السياسية ، كل اطار منظم سياسيا ، وثقافيا ، وايديولوجيا ، ورغم ما يمكن ان يكون من اختلافات ، او حتى تناقضات بين القوى السياسية ، فان الخط الفاصل بينها ، وهو الذي يمكننا تجليته بين قوتين سياسيتين ، متعارضتي الاتجاه والمصلحة .. القوى الرسمية المحافظة التي تعشق البتريركية ، والبتريمونيالية ، والطقوسية ، والتقليدانية ، والقرسطوية ، والثيوقراطية ... و القوى التقدمية التي ترفض العشائرية والمزاجية . ونجد داخل كل من القوتين ، اختلافات ثانوية ، بإزاء التناقض الرئيسي الذي يحتل المرتبة الأولى .
واذا كنا نسجل على هذه القوى تقدمها النسبي على مستوى الشعار السياسي ، فان ذلك لما يتحقق بصدد المسألة الثقافية . لذلك ، فهي لم تصل الى تبني فكر وثقافة حديثين بكل معاني الكلمة ، يجعلانها تمسك على الواقعي / العقلاني / العلمي في تصورها ، والتعامل على أساسه كعنصر ثابت في ممارساتها مع نفسها ومع الجماهير ، وعلى قاعدة ديمقراطية متقدمة وعيا وممارسة .. وهذا ما يفسر ظاهرة التشتت وضعف العمل الوحدوي . بل وضعف وعي التنسيق الاولي الممهد لكل خطوة وحدوية . وهذا أيضا رغم بعض المحاولات ، هو الذي لم يجعل المشروع الثقافي التقدمي ، رغم ما يحققه من تطور بطيء ، لا يفعل ولا يؤثر تأثيرا كبيرا وفعالا ، في واقعنا الثقافي الذي تهيمن فيه مثبطات التطور والتقدم ، وبدون ارتقاء القوى التقدمية الى مستوى الإمساك بهذه المثبطات قصد الفعل فيها ، فان الممارسة الثقافية بلادنا ، ستظل ولأمد غير منظور ، سجينة مراوحة المكان ، ولا يمكنها ان تحدث اثرا كبيرا في مواجهة الثقافة الرجعية والتقليدانية ، القروسطوية ، الطقوسية ...
وعندما نثبت كون بنيتنا الثقافية متأخرة تاريخيا ، وبفعل العوامل الإلحاقية التي تمت منذ (الاحتلال ) الحماية ، واستمرت بعد ( الاستقلال ) ، فان المهام التي تنتظرنا على الصعيد الثقافي ، جسيمة جدا ، سيما اذا كنا ننطلق من أهمية كون عملية التغيير لا يمكنها الاّ ان تكون كاملة وشاملة ، وان دور الوعي الديمقراطي ، سيلعب فيها دورا أساسيا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء