الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأَمُّلات خَرِيفيَّة

علم الدين بدرية

2023 / 12 / 19
الادب والفن


مِثْلَمَا تُعَانِقُ الأَمْوَاجُ مِيَاهَ الْمُحِيْطِ ، مِثْلَمَا يَعْشَقُ النَّحْلُ طَعْمَ الرَّحِيْقِ ، مِثْلَمَا يَشْتَاقُ النَّدَى لِلْفَجْرِ السَّعِيْدِ وَمِثْلَمَا تَزْهُوَ الْفَرَاشَاتُ فَوْقَ أَكْمَامِ الْوُرُوُدِ ... مِثْلَمَا تَعْشَقُ الْعَصَافِيْرُ نُوْرَ الصَّبَاحِ ... هَكَذَا أَنَا مُتَيَّمٌ بِكِ ، فَهَلْ تَغْضَبُ الْوُرُودُ إذَا عَانَقَتْهَا الْفَرَاشَاتْ وَيَحْزَنُ الصَّبَاحُ مِنْ تَغْرِيْدِ الْبَلابِلِ ..؟؟؟ وَيَشْكُو الْفَجْرُ مِنْ لَمَسَاتِ الطَّلِّ وَتَأَلُقِ النَّدَى فِي بُزُوغِهِ ..؟! وَهَلْ يَنْضُبُ الرّحِيْقُ مِنْ عِشْقِ أَسْرَابِ النَّحْلِ وَهِيَ بِهِ ثَمِلَةٌ ، يُسْكِرُهَا فَلاَ تَعْرِفُ لِسِوَاهُ طِرِيْقًا ؟؟؟؟؟؟ هَكَذَا أَنَا حَبِيْبَتِي ... فَهَلْ شَعَرَتْ الطَّبِيْعَةُ يَوْمًا بِمَلَلٍ مِنْ ثَوْبِهَا الْقَشِيْبِ ؟ أَلَيْسَ مِنْ حِكْمَةِ الله أنْ يَفْنَى الْمُحِبُّ بِنُوْرِ الْحَبِيْبِ ... ؟؟؟
هَلْ شَكَّلَ الْخَيَالُ عُمْرًا مِنْ لَهَبْ ، وَهَلْ اِسْتَوْطَنَ الزَّمَنُ حُبًّا قَدْ نَضَبْ !! هِيَ حَيَاةٌ تَلْهُو بِنَا وَتَجْعَلُ مَشَاعِرَنَا وُقُودًا مِنْ حَطَبْ !! قَدْ أَضْحَى الْغِيَابُ هُوَ الْحُضُور الْمُعْتَادُ ،حِيْنَ يَعْلُو الْحَنِيْنُ صَهْوَةَ الْمُحَال ِلاَ يُبْقَي لِي سِوَى رَسْم طَيْفَكِ ليُعَانِقَ الأَحْلاَمَ .. بِتُّ أَخْشَى حُضُورَكِ .. حَتَّى لاَ أَسْتَفِيْقَ مِنْ سَكْراتِ الْمَوْتِ واِسْتِحْضَارِ طَيْفِكِ صُبْحَ مَسَاءْ!!.
عَلَى جُدْرَانِ الْعُمْرِ الْهَارِبِ خَلْفَ ثَنَايَا الأَوْهَامِ ،تَقِفُ سَاعَةُ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ ، تَهْرُبُ الْلَّحَظَاتُ وَتَقْتَرِفُ عَقَارِبُ الزَّمَنِ قَرْعَ نَوَاقِيْس الْخِتَامِ !! ، ثَوَانِيْهَا ، دَقَّاتُهَا نَبَضَاتُ قَلْبٍ يَخْفُقُ فِي صَمْتِ الْعُمْرِ الذَّاوِي عَلَى أَغْصَانِ الْفَنَاء ، وَ حَفِيْفُ الانْتِظَارِ مِنْ حَوْلِهَا وَحَوْلِي يَجْعَلَنِي أَشْبَهُ بِوَرَقَةٍ صَفْرَاءَ تُدَاعِبُهَا رِيَاحُ الْخَرِيْفِ الْجَافَةِ الصَّمَاءْ، هُنَا حَوْلُ أَوْرِدَتِي يَكْبُرُ قَيْدٌ مِنْ ذِكْرَى مَشاَعِرَ اِغْتَرَفْتُ مِنْهَا أَشْوَاقًا وَحَنِيْنًا كَانَ يَنْمُو عَلَى شُرُفَاتِ الْغِيَابْ .. هَلْ لَمْ يَعُدْ لِلْذَّاكِرَةِ سِوَى حُرُوف مُبَعْثَرَة وَلَوْن رَمَاديّ دَاكِن فِي مُقَلِ الأَيَامِ ؟ مَازَالَ الْبَحْرُ يَسْلُبُنِي تَارِيْخًا رَسَمْتُ عَلَيْهِ لَحْنَ الانْكِسَارِ وَأَمْوَاجَ مَدٍّ لاَ تَعْلُو صُخُورًا نَثَرَتْهَا سَوَاحِلُ الاغْتَرَابْ!!
فِي عَصْرِنَا لَمْ يَعُدْ لِلْوَرْدِ لَوْنٌ وَرَائِحَةٌ ... فَكَيْفَ سَيُزْهِرُ الرَّبِيْعُ الْقَادِمُ عَلَى أَغْصَانِ دَالِيَةٍ ..؟! وَكَيْفَ سَيُعَانِقُ زَهْرُ الْلَّوْزِ أَحْلامًا غَافِيَةً وَلَمْ يَعُدْ فِي الأَرْضِ مَكَانٌ لِلْحُبِّ وَأَضْحَتْ قَاحِلَةً جَرْدَاءَ تَحْمِلُ أَنْهَارَ دِمَاءٍ نِازِفَةٍ وَصَوْتَ رِيَاحٍ عَاصِفَةٍ وَزَمَنًا أَصْفَرَ مَقِيتْ !!!
فِي غَمْرَةِ تَأَرْجُحِ النَّفْسِ مَا بَيْنَ رُوحِ الْحُضُوْرِ وَجَسَدِ الْغِيَابْ ، أَجِدُنِي أُصَلِّيَ فِي مِحْرَابِ عِشْقِكِ وَأَمْتَشِقُ الصَّمْتَ فَهَلْ يَهْطُلُ الطِّلُ مِنْ أَكْمَامِ وُرُودِكِ خَلْفَ الأَسْوَارِ ،أَمْ إِنَّهُ يَشْتَهِي الْحُضُورَ أَمْ يَزْهَدَ فِيْهِ ..أَمْ هُوَ اِنْعِكَاسُ أَضْغَاثٍ وَهَوَاجِس اِحْتِضَارٍ وَقِصَّة اِرْتِحَالٍ دَائِمٍ فِي عَالَمِ الأَفْكَارِ ..أَمْ .. أَمْ ..؟.
هَلْ هُوَ أَنْتِ أَمْ طَيْفُكِ الَّذِي اِعْتَادَ أَنْ يُبَلِّلَ أَوْرَاقِيَ الْمُهَاجِرَةَ فِي لَيَالِي الْعُمْرِ الذَّابِلَةِ عَلَى أَعْتَابِ الْخَرِيْفِ الآفِلِ مِنْ نُوركِ وَالْقَمَرِ كُلّ مَسَاءْ ، لِمَنْ أُشَّرِعُ السَّمَاءَ فِي مِحْرَابكِ وَأَتَهَجَّدُ شَرَائِعَ الشَّوْقِ وَمَيَادِيْنَ الْعِشْقِ وَالشَّقَاءْ ؟! هِيَ صَفَحَاتُ تَطَايَرَتْ فِي مَهَبِّ الرِّيَاحِ ، فَهَلْ تَبْقَى لِي صَفْحَةٌ وَاحِدَةٌ أَسْتَحْضِرُكِ فِيْهَا قَبْلَ أَنْ تُغْلِقَ أَعْيُنِي ذَرَّاتُ التُّرَابْ ؟!
غَدًا تُشْرِقُ شَمْسٌ حَزِيْنَةٌ وَيَفُوحُ عِطْرُ الْيَاسَمِيْنِ ، غَدًا يُرَّتِّلُ الْفَجْرُ صَلاةَ اِنْعِتَاقٍ وَتَشْدُو الطُّيُورُ لَحْنَ الْوَدَاعِ الأَخِيْرِ .. غَدًا تَرْحَلُ أَسْرَابُ الْفَرَاشَاتِ صَوْبَ شُرُوقٍ آخَرَ لِلشَّمْسِ .. غَدًا تَتَسَاقَطُ وَرَيْقَاتُ الْوَرْدِ الْجُوُرِي بِحَدِيْقَتِي ، غَدًا يَنْعَى الْخَريْفُ أُفُولِي وَتُكَفِنُنِي الْغُصُونُ الصَّفْرَاءُ .. غَدًا يَهْجُرُ الشِّرَاعُ قَارِبي الْمُشَظَّى بِالأَحْلامِ وَتَتَكّسَّرُ كُؤُوسِي الْفَارِغَةُ نَبِيْذًا أَحْمَرَ فِي الْعُيُونِ السَّوْدَاءْ ، غَدًا يَرْسُمُ الْلَّيْلُ آخرَ اِنْتِظَارٍ قَاحِلٍ فَوْقَ صُخُورِي الْجَرْدَاءْ ، غَدًا يَحْتَجِبُ الْقَمَرُ وَيَسْقُطُ فِي مَتَاهَاتِ الرُّجُوعِ .. أُذْكُري كُلَّمَا دَاعَبَتْ خُصُلاتِ شَعْرَكِ نَسْمَةٌ قَادِمَةٌ مِنْ مَسَاءٍ جُنُوبِيّ .. تَحْمِلُ رَائِحَةَ الصَّنَوْبَرِ وَالسِّنْدِيَان أُذْكُرِي أَنَّ لليَاسَمِيْنِ عَرَائِشَ لا تَمُوُتْ ، تَعْبَقُ خَلْفَ الأَبْعَادِ لَهَا رَائِحَةٌ لا تَزُول كَرُوحَيْنَا تَمَامًا!!. أُذْكُريْني أُسْمًا دَاعَبَ شَفَتَيْكِ ذَاتَ لِقَاءٍ .. أُذْكُرِيْنِي عَزْفَ نَايٍ على أَطْرَافِ حُلُمٍ دَاعَبَ أَوْتَارَ فُؤَادكِ ذَاتَ مَسَاءْ !!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل