الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخطط « الشرق الاوسط الكبير » المتجدد و القضية الفلسطنية

وكزيز موحى

2023 / 12 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


وكزيز موحى، فرنسا، 19/12/2023
ارتبط خلق الكيان الصهيوني جوهريا وماديا بالحرب الامبريالية الاولى والمصالح الاقتصادية والتجارية والسياسية للقوى الامبريالية البريطانية والفرنسية التي انتصرت وقسمت الامبراطورية العثمانية وفشلت « الحركة الوطنية العربية التي تشكلت قبل 1914 »1 واستبعدت بريطانيا كل من ألمانيا وروسيا من نفوذهما السياسي بالمنطقة وكانت النتيجة هي استعمار كل المنطقة من طرف بريطانيا وفرنسا2، ومن بين نتائج هذه السيطرة وهذا الاستعمار وتقسيم المنطقة هي « فتح افاق جديدة للحركة الصهيونية »3 واستعمار فلسطين وخلق الكيان الصهيوني رغما عن المقاومة الشديدة للشعب الفلسطيني4.
تماشيا مع تطورات النظام الرأسمالي ـ إستعمار مباشر، إستعمار غير مباشر و إستعمار بالوكالة…ـ وفي أحشاء المؤسسات المالية والسياسية والعسكرية لهذا النظام، قدم هذا الاخير كل الدعم للحركة الصهيونية وتم اقتراح أربعة مواقع لتجسيد مشاريعها الاستعمارية : أوغندا، مدغشقر، الأرجنتين ثم فلسطين. استقرت المشاريع الصهيونية للنظام الرأسمالي بامتداد واستبدال استعمار فلسطين من طرف« الانتداب » البريطاني الى الكيان الصهيوني وذلك باسم « الشعب اليهودي » بفلسطين لاعتبارات شتى بما في ذلك ما تشكله فلسطين جغرافيا ثقافيا دينيا سياسيا اقتصاديا تجاريا وعسكريا. وهكذا عملت القوة الاستعمارية الكبرى، بريطانيا، على وبتأسيس كل الظروف والشروط الحربية والعسكرية والمالية والبشرية واستحواد وامتلاك الارض(expropriation forcée des terres) من أجل إحقاق المشروع الصهيوني.
في إطار نمو النظام الرأسمالي، إنتقل مركز القرار والسيادة والسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية الى الولايات المتحدة الامريكية وهذا ما جسدته ـ في العلاقة مع موضوعنا، الندوة التي جمعت المنظمات الصهيونية بنيويورك بفندق بيلت مور(l’hôtel Biltmore à New-York du 6 au 11 mai 1942 ) سنة 1942. يعد هذا المؤتمر انعطافا في الحركة الصهيونية التي اصبحت  تعي ان الو.م.ا USA « هي صاحبة القرار مستقبلا »5. منذ ذلك الحين بدأت الحركة الصهيونية عمليا باعتماد المال والسلاح والبشر في اعتبار أرض فلسطين موقعا لدولة الكيان الصهيوني وهذا ما يؤكده مؤتمر بيلتمور(Le programme de Biltmore (11 mai 1942))6.
استمرت الدول المتحدة الامريكية USA في بسط سياساتها العدوانية والاستعمارية على بقاع الكرة الارضية واعتبرت قوانينها الخاصة ملزمة ومفروضة على الدول والشعوب. هاجمت الشعوب والدول بما فيها الفيتنام وكوبا والاتحاد السوفياتي واروبا الشرقية ودول اسيا بذريعة محاربة الشيوعية والان اعدت مشاريع التدخل والهجوم العسكري باسم الديمقراطية وحقوق الانسان.
من مخطط الى اخر، تحت غطاء شعارات الديمقراطية، التنمية ،التعليم، الشغل، المرأة، البيئة إلخ، استهدفت و.م.أ تحقيق أهدافها والمتمثلة اساسا في السيطرة على مصادر النفط وثروات أرض المنطقة والتحكم في اقتصاديات الدول المنافسة لها ثم حماية « الامن الاسرائيلي باستنساخ نظام هجين شرق أوسطي…واعادة تشكيل التحالفات الإقليمية »7.
تبلور مخطط «  الشرق الاوسط الكبير8 » سنة 2004 الا أن الاسس الايديولوجية للمشروع الامبريالي تعود الى طروحات المؤرخ البريطاني برناند لويس في مقال نشره في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان « اعادة هيكلة الشرق الاوسط » عام 1992، وهذا ما أكده شمعون بيريز خلال مؤتمر مدريد سنة 1991 وعبر كتابه  « مفهوم الشرق الاوسط الكبير ».
يمكن الاشارة كذلك الى التقرير الاستراتيجي السنوي لسنة 1995 عن معهد الدراسات الاستراتيجية القومية التابع لوزارة الدفاع الامريكية :  من المغرب الى الحدود الصينية ويشمل اسيا الوسطى والجنوبية. ويمكن الاشارة كذلك الى ظهور كتاب في لندن عام 1909 « بعنوان : مشاكل الشرق الاوسط، وضح فيه أهمية المنطقة لاوروبا والعالم، وطالب بضرورة السيطرة عليها، وأعلن الحاكم البريطاني على الهند ’اللورد كيرزون‘ عام 1911 ادارة خاصة للشرق الاوسط، وكلفها بالاشراف على شؤون فلسطين وشرق الاردن والعراق »9
تجددت وتغيرت الصيغ للمخططات الامبريالية وبقي الثابت هو « التدخل المباشر في الاوضاع الداخلية العربية …ووضع الدول الدول العربية بالذات تحت وصاية الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاروبي »10. تتجلى تلك الوصاية كما يقول السيد يسين في كتابه من ترويض الامم الى تأديب النظم ، في « التخطيط الدقيق  لمعالم التغيير الذي تريد الولايات المتحدة الامريكية تحقيقه في بنية المجتمعات العربية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة… »11.
ويضيف الكاتب أن المسألة لا تقتصر على التخطيط وفقط « ولكنها تتعدى ذلك الى الاشراف الدقيق على التنفيد… من خلال الادارة الامريكية والاوروبية مباشرة »12.
قبل الحديث عن فشل ام لا للمخطط الامبريالي «  الشرق الاوسط الكبير » والذي يضم ويعني 22 دولة عربية بالاضافة الى باكستان وايران وتركيا والكيان الصهيوني لنقف عند الياته ومسوغاته وأهدافه.
على ارضية مصالحها الاقتصادية والعسكرية والسياسية ، استمرت الو.م.أ في نهج سياسة خارجية توسعية واستعمارية وبلورت مشاريع ومخططات هدفها « هو الهيمنة على المنطقة والعمل على حماية مصالحها وحماية أمن إسرائيل »13. وكتبت الاستاذة زكري لامية بقسم العلوم السياسية بجامعة مولود معمري تيزي وزو « في الحقيقة يسعى ( مخطط الشرق الاوسط الكبير) لتحقيق أهداف الإستراتيجية الأمريكية فيها والممثلة في حماية المصادر النفطية بالسيطرة على منطقة الخليج و منه التحكم في اقتصاديات الدول المنافسة لها، حماية الأمن الإسرائيلي باستنساخ نظام هجين شرق أوسطي عوض عربي، إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية من خلال بناء تحالفات جديدة تضم الكويت و العراق على حساب التحالفات مع مصر والسعودية، وأخيرا ضرب مراكز المقاومة العربية المتبقية من خلال تضييق الخناق الاقتصادي و السياسي على سوريا مثلا واستخدام ورقة الأقليات لتقسيم بعض دول المنطقة كالسودان حتى يسهل الفك واعادة تركيب المنطقة »14.
تعمل الو.م.أ، القوة الاستعمارية الجديدة، على عدة أصعدة واتجاهات متشابكة ومتكاملة للسيطرة واعادة تقسيم المنطقة بما يتوافق ومصالحها القتصادية والعسكرية والسياسية، نقف حصرا عند أهم هذه الجوانب.
الاتجاه او المحور الاول هو القضية الفليسطينية. لم تكن القضية الفلسطينية العقبة الوحيدة أمام المشاريع الامبريالية الاستيطانية بل انتظمت كل شعوب العالم ( افريقيا، أسيا، امريكا، اوروبا) في اطار حركات ثورية وتحررية من قبضة النظام الرأسمالي. كسرت الامبريالية عديد من الثورات والتجارب التحررية ونجحت شعوب أخرى واستمرت أخرى في القتال والمقاومة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، تشكل القضية الفلسطينية الصخرة التي تتحطم عنها المشاريع الاستيطانية التي الت الى تقسيم فلسطين.
من أجل القضاء على القضية الفلسطينية، تجند الامبريالية ، موازة مع المحور الثاني للمخطط الذي سنتناوله، مؤهلات وامكانيات ضخمة ان على المستوى السياسي أو العسكري أو المالي أو التقني والمخابراتي. وتتدخل الان مباشرة في قيادة الحرب والإبادة في حق الشعب الفلسطيني وأظهرت المقاومة الفلسطينية عن بسالتها وقدرتها على المجابهة والمواجهة وعن التحام الامبريالية والكيان الصهيوني حيث بسرعة فائقة سارعت و.م,أ وحلفائها الغربيون بارسال الاسطول والعتاد العسكري والاسلحة والمال والعتاد التقني لتفادي انهيار الكيان الصهيوني امام مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني.
لم تكتفي الامبرالية على التدخل العسكري المباشر بل. وفق اهداف مخططاتها وعلى رأسها مخطط الشرق الاوسط الكبير، على دمج الكيان الصهيوني في محيطه الشرق الاوسط وما ابعد من ذلك, وهذا ما قبلت به الدول الرجعية العربية في اطار اتفاقيات التطبيع من ضمنها « اتفاقية ابراهيم ». رغما عن الولاء والرضوخ والانصياع المذل للدول العربية الرجعية لاملاءات واشنطن فانها مستهدفة من طرف عمها سام.
بعد اتساع ونشر الاستعمار الصهيوني على أكثر من 80 بالمئة من فلسطين و إجتثاث الامبريالية لدول بعينيها وتقسيم بعضها الاخر، يوغوسلافيا العراق افغانستان ليبيا سوريا اليمن السودان، طورت ووضعت الو.م.أ ومعها حلفائها المجموعة 8 ( G8) ادواتها وخطط عملها واصبحت تتكلم عن « الشرق الاوسط الكبير » اي ما يضم 22 دولة عربية من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي ودول من اسيا كايران وباكستان وتركيا والكيان الصهيوني.
اعتمد مخطط واشنطن دراسات واحصائيات أممية وعربية رسمية تشير ان الاوضاع بالدول المعنية بالمخطط غير مستقرة ويشير المخطط ان الاوضاع بهذه الدول هو «  في مفترق الطرق » وان الاستمرار في هكذا حال يمثل «  تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة وللمصالح المشتركة لاعضاء مجموعة الثمانية(G8) ». يتضح وبدون لبس ان واشنطن والعواصم الغربية تتدخل اقتصاديا وعسكريا بالمنطقة. من اجل تحقيق ذلك حددت فضاءات ومجالات تدخلها.
المجال السياسي :  « الديموقراطية والحكم الصالح » . ويعتمد المخطط على « المبادرة الفردية » والعمل على دمج ادارات الكيان الصهيوني وانغماسه في « وسطه »، أي التطبيع والتحكم في القرارات السياسية بالدول المعنية بالمخطط. ويعتمد المخطط على عدة اليات :
الانتخابات والمساعدات التقنية ( أي التدخل المباشر وغير المباشر)
التدريب على القيادة موجه اساسا للنساء تحت يافطة الدفاع عن حقوق المرأة والمناصفة
المساعدة القانونية،الاعلام، تقوية المجتمع المدني، التعليم الخ
ثم هناك الالية المالية والاقتصادية وهنا اجمالا تخص الخوصصة بما فيها الخدمات الاجتماعية بتعبير المخطط « تخفيض سيطرة الدولة على الخدمات المالية…رفع الحواجز على التعاملات المالية بين الدول » وفتح الاسواق الداخلية للدول المعنية اي رفع الحواجز الجمركية و « اصلاح مكاتب الجمارك » الخ.
هذه الاليات والاهداف ليست بجديدة او خاصة بمخطط «  الشرق الاوسط الكبير » وفقط. الكل يتذكر مسوغات الحملة المسبوقة والمرافقة للتدخل العسكري للحلف الاطلسي برومانيا( كدبة مجازر تشاوسيسكو) واوروبا الشرقية تحت يافطة الديموقراطية ودولة القانون وحقوق الانسان والمجتمع المدني… الا ان الامر يتعلق بأمر لا علاقة له لا بالديمقراطية ولا هم يحزنون. المسألة تتعلق ببسط السيطرة العسكرية والاقتصادية للنظام الرأسمالي الامبريالي بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي
انتقلت واشنطن من ما سموه الحرب ضد الشيوعية الى معادلات اخرى من ضمنها مخطط « الشرق الاوسط الكبير »
من اهداف المخطط الامبريالي ليس فقط الاجهاز على الشعب الفلسطيني وقضيته بل اعادة تشكيل المنطقة من المحيط الى الخليج ومابعده الى كيانات دولية اثنية باسم حقوق الاقليات وما الى ذلك وهذا ما يفسر الى حد ما اتفاقيات تم توقيعها مؤخرا بين الدول الرجعية بالمنطقة مع الصين وروسيا ورغما عن التهديدات الامبريالية للدول المنطقة لا زالت الدول الرجعية العربية وغيرها بالمنذقة متشبثة وملتفة بالكيان الصهيوني وكيل الامبريالية بالمنطقة ورغما عن ان المقاومة الفلسطينية مرغت انف الكيان الصهيوني في الوحل وتبين للامبريالية قبل غيرها ان هذا الكيان ليس « مؤهلا لقيادة حلف دفاعي اقليمي للولايات.م.أ » وهذا ما يفسر ايضا التدخل السريع للامبريالية عبر اسطولها البحري والجوي والمال والاسلحة والاستخبار.
1Dominique Perrin, D’une à l’autre : le mandat britannique, https://books.openedition.org/septentrion/48746?lang=fr
2 https://fr.wikipedia.org/wiki/Traité_de_Lausanne_(1923)
3 https://books.openedition.org/septentrion/48746?lang=fr
4 https://fr.wikipedia.org/wiki/Traité_de_Lausanne_(1923)
https://www.revue-etudes.com/article/les-accords-sykes-picot-cent-ans-apres/17556

https://plateforme-palestine.org/fevrier-1917-la-declaration-Balfour-les-origines-de-la-question-palestinienne
https://www.france-palestine.org/Le-Livre-blanc-de-1939

5 https://books.openedition.org/septentrion/48746?lang=fr
6 Simon Jargy, Guerre et paix en Palestine , Editions de la Baconnière
7 https://www.siyassa.org.eg/News/1739.aspx
8 انظر نص مشروع الشرق الأوسط الكبير جريدة الحياة ـ لندن 13/2/2004
9موزة سليمان الحوسني جامعة الجزائر3، السياسة الخارجيةالامريكية ومشروع الشرق الاةسط الكبير: الوسائل والاهداف، مجلة مدارات سياسية، المجلد 07 العدد01 (2023 ) نقلا عن مرجع حسين غازي، الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والامبرلية الأمريكية. دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2006، ص 4.

10 من ترويض الامم الى تأديب النظم، السيد ياسين، مجلة السياسة الدولية، 04/09/2011 ـ https://www.siyassa.org.eg/News/1739.aspx
11 idem
12 idem
13 موزة سليمان الحوسني جامعة الجزائر3، السياسة الخارجيةالامريكية ومشروع الشرق الاةسط الكبير: الوسائل والاهداف، مجلة مدارات سياسية، المجلد 07 العدد01 (2023
14زكري لامية بجامعة مولود معمري تيزي وزو، مبادرة الشرق الاوسط الكبير : الدوافع، الخلفيات، والمخاطر، المجلة الجزائرية للسياسات العامةـ العدد 4 جوان 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة