الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل واجهت اسرائيل في اليابع من أكتوبر خطرا وجوديا ؟

جواد بولس

2023 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


هل واجهت إسرائيل في السابع من أكتوبر خطرًا وجوديًا؟


بدون أن ينتبه الكثيرون تحوّل التساؤل أو الهاجس، الذي فرضته الديبلوماسية الأمريكية على الفضاءات السياسية الدولية والاقليمية والمحلية حيال المرحلة التي ستعقب سقوط حكم حماس في قطاع غزة، الى الشغل الشاغل بين معظم متابعي تداعيات الحرب على غزة، وحديث وسائل الاعلام المركزية في العالم.

لقد عنى فرض هذه المسألة، والحديث عنها في المراحل المبكرة للهجمات الاسرائيلية، إعطاء الضوء الأخضر لحكومة إسرائيل أن تفعل ما تشاء في القطاع، حتى لو اتهمها العالم باقتراف جرائم الحرب او بإبادة جماعية لشعب، كما يحصل فعلا في العديد من المنابر والمحافل الدولية. واليوم ، مع اقتراب اليوم الثمانين على الحرب، بات واضحًا ان ما اعلنته اسرائيل كهدف لحربها على غزة، وهو ضرورة القضاء على حماس او على قدرات حماس العسكرية والتنظيمية، لم يكن الا حجة لحربها الشرسة الشاملة التي بررتها لها هجمة حماس نفسها في السابع من اكتوبر وما تخللها من فظائع مرفوضة وفق جميع المعايير والقيم.

لا أحد يستطيع أن يتكهن متى ستوقف اسرائيل هجومها الدموي؛ فرغم تزايد أعداد الضحايا بين المدنيين ورغم الدمار الشامل الذي حل في العديد من مناطق القطاع، لا يوجد في الافق أي مؤشر على اقتراب انتهاء العدوان؛ لا بل كل الدلائل تشير الى ان حكومة اسرائيل مستمرة وانها تخطط للبقاء في غزة بشكل أو بآخر. فالحديث داخل أروقة مقربة من الحكومة يدور حول عدة احتمالات ممكنة، تبدأ من اعادة احتلالها للقطاع عسكريًا، أو الانسحاب من معظمه بعد تدميره الشامل، مع احتفاظها بمناطق واسعة ستشكل لحدودها الجنوبية شريطًا أمنيًا، او انسحابها العسكري الكامل منه، على أن تضمن فيه تشكيل "سلطة فلسطينية" تدعم "السلام"، شريطة ألا تشكلها "فصائل ارهابية" كحركة حماس أو كالسلطة الحاكمة في رام الله، وذلك كما صرّح مؤخرًا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

حاول نتنياهو وما زال يحاول تضليل الرأي العام، لا سيما رأي المواطنين في اسرائيل، ليس عن طريق اشغالهم باخبار انجازاته العسكرية في غزة وبما سيجري فيها بعد سقوط سلطة حماس وحسب، بل بإمعانه، منذ اللحظة الأولى، في تشبيه الجرائم التي ارتكبتها حماس بحق المدنيين اليهود في السابع من اكتوبر باحداث الكارثة، وبتشديده على وصف حركة حماس "بالحركة النازية".

لم تكن هذه مجرد دعاية عفوية أو تصريحات عارضة مبالغاً فيها ، فهو، عن سبق اصرار وفهم لما ستفضي اليه هذه السياسة الدعائية، نجح باشاعة تلك الشعارات التضليلية وترسيخها كحقائق مقبوله في كثير من دول العالم وحكّامها وبين المواطنين الاسرائيليين. وقد ضمن بذلك اولا، اسكات احتجاجات حركة معارضيه التي اكتسبت حتى السابع من اكتوبر قوة مد جماهيرية متنامية وأصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا على استمرار حكمه، وثانيا مهّد لضرب غزة وحرقها كمأوى "للنازيين الجدد" من دون أن يقلق من ردّة فعل دعاة حقوق الانسان داخل اسرائيل وخارجها ومن محاذير القوانين الدولية. فمن سيقف مع غزة، سيكون إما خائنا أو لاساميا أو نازيًا .

لقد نجحت سياسة نتنياهو في بداية الحرب ؛ فهبت حكومات العالم والمؤسسات الدولية لنصرة ضحايا الغزوة الحماسية وعاضدوا اسرائيل وغفروا لها كونها دولة تحتل هؤلاء الفلسطينيين منذ خمسة وخمسين عامًا وتحرمهم من ابسط حقوقهم الانسانية؛ بيد ان شعوب دول عديدة، رغم ما تعانيه حكوماتها من عقم سياسي وعقم انساني، لم تحتمل صراخات هذا الكم من دماء الضحايا الابرياء ومشاهد اشلاء الاطفال وهي "ترتاح" في احضان امهاتهم الهامدة، فهبوا يطالبون اسرائيل بأن توقف هذه الحرب، اذ ليس مقبولا ان تغدو اسرائيل، ضحية ذاك الزمن، كدولة محتلة جلاد الفلسطينيين، ضحية هذا الزمن.

لم ينحصر هذا التغيير في الموقف ازاء ما يحصل في غزة خارج حدود اسرائيل، فقد بدأنا مؤخرا نقرأ ونسمع ونشاهد اصواتًا يهودية متزايدة تنادي بضرورة وقف الحرب على غزة ويهاجم اصحابها سياسة نتنياهو ويتهمونه باستخدام دماء ضحايا اعتداء حماس في أكتوبر في دعايته لصالح سياسة حكومته في ترسيخ الاحتلال في الضفة الغربية واعادته الى قطاع غزة؛ ويتهمونه، كذلك، بالتمادي في ردة فعله غير المبررة، حتى ان بعضهم وصف ما يقوم به الجيش الاسرائيلي بجرائم حرب وبتنفيذ عملية ابادة جماعية للفلسطينيين وتهجيرهم القسري للمرة الثالثة منذ عام النكبة مرورا بالنكسة الى ما يجري بحقهم هذه الاسابيع.

لن آتي على ذكر جميع الشخصيات والمؤسسات اليهودية من داخل اسرائيل وخارجها التي بدأت تطلق مواقفها المعارضة لسياسة نتنياهو، لكنني سأشير الى حالتين لافتتين خصّتهما مؤخرا جريدة هآرتس العبرية بتقريرين قد يكونان عينتين لظاهرة آخذة بالاتساع، علينا كمواطنين فلسطينيين في اسرائيل ان نتابعها بحرص وان نجد الفرصة للتواصل مع من يلحق بها والوسائل لبناء جسور العمل الجبهوي الموحد معهم.

كتب التقرير الاول في جريدة هآرتس الصحفي عوفر اديرت بتاريخ 14/12/2023 تحت العنوان اللافت "حرب المؤرخين: هل حماس هي النازيون الجدد، وهل الاعتداءات على غزة هي ابادة شعب" حيث جاء في التقرير: "يدور في الاسابيع الاخيرة نقاش قاس بين مؤرخين اسرائيليين حول اسئلة ذات صلة في الحرب في قطاع غزة. ومن بين هذه الاسئلة ، مدى مسؤولية اسرائيل عن الحرب وهل تنفذ اسرائيل ضد الفلسطينيين هناك عملية ابادة شعب؟ وهل يمكن مساواة حماس ، ومذبحة السابع من اكتوبر بالكارثة؟"

وجاء في التقربر على ان الاستاذ عومر بارطوف، وهو مؤرخ اسرائيلي مرموق، يعمل حاليًا في جامعات الولايات المتحدة كمتخصص في تاريخ النازيين، يقود حملة واسعه، الى جانب عدد من زملائه المؤرخين ضد ما يجري في غزة. وقد نشر مؤخرا مع زملائه رسالة مفتوحة عبّروا فيها عن استيائهم وخيبتهم من قياديين سياسيين وشخصيات عامة بارزة، يثيرون ذكرى الكارثة في مسعى لشرح الازمة الحالية بين غزة واسرائيل.

لقد هاجم وزملاؤه في رسالتهم سفير اسرائيل لدى الامم المتحدة، جلعاد اردان، والرئيس جو بايدن ورئيس الحكومة نتنياهو بسبب لجوئهم الى نبش ذكرى الكارثة في سياق احداث غزة . وطالبت المجموعة بالامتناع عن تشبيه جريمة حماس بالكارثة، وتشبيه حماس بالنازيين، واضافوا: "ان هذه التصريحات تزيد من التطرف في الخطاب السياسي وتؤدي الى عدم انسنة الفلسطينيين والى اخراج الاحداث من سياقاتها ". وأضافوا: "تستعمل هذه التصريحات في هذا الصراع غير المتكافئ في غزة لتسويغ جرائم الحرب ؛ فاذا كانت هذه الحرب بين" اولاد النور واولاد الظلام" بين المتحضرين وبين البربريين ، بين اليهود وبين النازيين ، عندها ستصبح كل اعمال العنف مبررة بشكل مطلق بحجة منع حدوث كارثة ثانية.. فمثل هذه اللغة تدفع اسرائيل لقتل آلاف الابرياء ولهدم ممنهج لمدن ومخيمات لاجئين وتحويل اكثرية سكان غزة الى لاجئين ".

الى جانب هذا التقرير أوردت جريدة هآرتس ، نقلا عن جريدة "نيويورك تايمز"، قصة عائلة يهودية امريكية رفضت واحدة من بناتها ان تهاجر مع ابيها وامها وأخيها من امريكا الى اسرائيل معلنة لهم انها تعتقد بعدم شرعية "اقامة دولة اسرائيل لانها قامت على فكرة تفوق اليهودية". ويؤكد التقرير على اتساع مثل هذا الشرخ، القائم كشرخ بين الاجيال، داخل العائلات اليهودية في امريكا.

اعرف ان امثال هؤلا اليهود هم قلة وان الاغلبية اليهودية في اسرائيل، وفي مواقع اخرى بالعالم، قد يؤمنون ان العرب "انجاس ومناكيد" ولا يأمنوهم الا والعصيّ، او قل الكلاشينات ، معهم. ولكن..

نحن بحاجة الى بعض الامل؛ إذ لسنا مشروع مهاجرين ولا دولة لنا غير هذه الدولة. والعالم، هذا الكائن السحري، رغم موجات التضامن التي نشهدها منه مع الفلسطينيين مؤخرًا، قد يعود الى عقمه السياسي والاخلاقي وينسى الضحية؛ والاشقاء العرب والمسلمين بحاجة أولا ، قبل ان يتذكروا وجودنا، الى ان يتفقوا على كيف تورد الابل ومن يك راعيها ومن كبشها ومن الضحية؟ لم يبق معنا، نحن، المواطنين العرب في اسرائيل، بعد ان تخزّقت اذاننا صغارًا من دردبات الطبول وهي"تدق على باب مصر" وتنعق باكية على عتبات "بغداد قلعة الاسود"، سوى رشدنا واصرارنا، وأحرار من العالم وكمشات من يهود امثال عومر بارطوف، محاضر التاريخ في جامعة براون، وبروفيسور عاموس جولدبرغ ، مدير معهد ابحاث اليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية، والبروفيسور الون كونفينو ، مدير معهد ابحاث الكارثة وابادة شعب والذكرى في جامعة ماستشوسيتش، والمؤرخ الامريكي كريستوفر براونينغ ، مؤلف كتاب "اشخاص عاديون" وغيرهم مما لا سعة لذكرهم في هذه العجالة . لقد جاء في الرسالة المذكورة، وعلى الملأ، من برأيهم يقترف اليوم جرائم الحرب وابادة الشعب، ومن يقف في وجه خطر وجودي حقيقي، فعملية "السابع من أكتوبر، مهما كانت شنيعة، لم تشكل خطرا وجوديا على دولة اسرائيل".

إن فلسطين والفلسطينيون وقضيتهم هم من يواجهون خطرًا وجوديا. فإلى متى سنظل، نحن وهم، ننام على حافة خوفنا ونصحو على الريح ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراع الأجندات في سوريا.. من يتحكم بالمشهد؟


.. مبادرة لتوزيع الورود على أهالي حلب بعد سيطرة المعارضة عليها




.. الجزيرة تحصل على صور لانتشال أحد المصابين عند بوابة مستشفى ك


.. سوري يلتقي بوالده بعد سيطرة المعارضة على حماة




.. سرايا القدس: قصف جنود وآليات الاحتلال المتوغلين في حي الجنين