الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهج الردع والإخضاع دمَجَ إسرائيل عضويا بالنظام الامبريالي العالمي

سعيد مضيه

2023 / 12 / 22
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


" قلق الغرب مبعثه تزايد صعوبة إبقاء بقية العالم، من خلال أفعال القسوة، على حالة الضعف والترويع والاستكانة"، يخلص جوناثان كوك، صحفي التقصي الذي عاش في الناصرة بإسرائيل عشرين عاما ثم رحل الى بريطانيا، لدى مناقشة حرب الإبادة وتأييده الإجماعي من دول الغرب، ويضيف : "والحقيقة ان هجمة حماس على إسرائيل – مهما كانت عواقبها مرعبة - قدمت إشارة مستقبل مغايرللعديد ممن عاشوا عقودا تحت إبهام الولايات المتحدة ، او بالأغلب تحت نعلها ونعال حلفائها . فهم يرون ان بإمكانهم ، حتى وهم الطرف المضطهَد والضعيف والمظلوم ، ان يوجهوا لهيمنة القوة العولمية ركلات جانبية تدمي الأنف":

القسوة ثقافة الليبرالية الجديدة

المشكلة ليست في "امتناع العالم عن الفعل" لمنع الأعمال القاسية ضد الجماهير ، مثلما تدعي صحيفة الغارديان؛ المشكلة تكمن في الدعم بقوة مشددة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لأفعال القسوة طالما تدعم قوتهما العالمية.
الم تبرز مشكلة "الامتناع عن الفعل"، أو "اللامبالاة " للحيلولة دون تحدي سلطتيهما وتحدي أيضا الوضع القائم الذي يستفيدان منه؟
الجواب: عن طريق الاستمرار في خداعنا بعرض واقع مزيف ودورهما في تشكيله. وهما تقومان بذلك بنجاح ، لأنهما ، في نفس الوقت ، تتلاعبان بعقولنا لإشاعة عدم الثقة بالنفس في أوساطنا بينما تتمظهران بالسعي الحثيث لجعل العالم أفضل- مكانا أفضل- حيث الخطر المسكوت عنه، في الحقيقة، إذا ما تجسد، ستتضاءل سلطتهما الى حد بعيد .
نتوصل الى كيفية فعل هذا الخداع العظيم، بوضوح، لدى مطالعة تقرير نشرته في نهاية الأسبوع صحيفة الغارديان، التي تدعي التقدمية، عنوانه " العالم يواجه خطرا فادحا " من خلال اقتراف اعمال قسوة جماعية جراء الامتناع عن التدخل يعم العالم كله".
الفقرة الاستهلالية تقول ان نشطاء حقوق الإنسان يخشون من ان " المجتمع الدولي يمتنع عن التدخل وبذل الجهود لمنع الفظاعات ، ما يبعث المخاوف بإمكانية تحول اللامبالاة الى أمر معتاد في أرجاء العالم."
عمليا ، هذه "اللامبالاة" طبقا لما جاء في التقرير، تجلت في تخلي دول الغرب عن مبدأ " المسئولية في الحماية"؛ هذا المبدا وما يتصل به من تمظهرات"إنسانية " جرى توظيفه لتبرير تدخل الولايات المتحدة وحلفائها،في عهد الليبرالية الجديدة بالتحديد، منذ تسعينات القرن الفائت ، في كوسوفو ، افغانستان ، العراق، ليبيا وسوريا ملحقين بها الكوارث الجمة.
قُتِل الملايين جراء انماط التدخلات بمسوغ " مسئولية الحماية"، كما شُرِّد عشرات الملايين، ما أدى الى حركات جماهيرية ينظر اليها اليوم في دول لغرب بانها " خطر الهجرة غير الشرعية".

مذابح مستدامة
يقال لنا في سياق اهتمامات جماعت حقوق الإنسان تتنامى التجاوزات على ميثاق إبادة العر ق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ كلاهما جرى إقرارهما مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية للحيلولة دون هولوكوست نازية جديدة وانتشار الفظائع المقترفة ضد مدنيين على طرفي القتال.
ربما يفترض المرء، عند هذه النقطة، ان تفاقم مخاوف كهذه –ناجمة عن كونها اثيرت في الأمم المتحدة إثر عملية إبادة عرق فظيعة حدثت في الآونة الأخيرة، المجزرة المستدامة عبر شهرين للمدنيين الفلسطينيين في غزة والتدمير الشامل المتعمد لغالبية بيوتهم كي يتم طرد الناجين خارج غزة الى مصر.
عرف حتى الآن بمقتل 17000 إنسان على الأقل بأيدي جيش الاحتلال ، معظمهم نساء واطفال . اكثر من 100000 بيت باتت لا تصلح للسكن ؛ جمع حوالي 2.3 فلسطيني في حيز ضيق يتقلص باضطراد محاذ لمصر ، تمنع عنهم المياه والطعام والوقود.
عملية إبادة العرق هذه ، إذ يعقبها تطهير عرقي، تسفر عن جريمة مدبرة ومرئية والأشد قسوة – باستخدام احدث الأسلحة وأشدها فتكا - شهدتها الذاكرة الحية .
لكن الشاذ في هذه الماساة انها لا تبدو مركز اهتمام "المجتمع الدولي"؛ إذ كما تقول الغارديان، الأحداث التالية هي الأزمات الكونية تدفع بارتفاع حاد في القسوة : القتل الجماعي للمدنيين في سوريا وأكرانيا وحجز حوالي المليون من اليوغور وغيرهم من مسلمي الصين ، اعقبها جرائم حرب في أثيوبيا واستئناف التطهير العرقي بولاية دارفور بالسودان ، بعد عشرين عاما من توقفها هناك.
هل تلاحظون الأمر البارز في هذه القائمة ؟ فهي تضم الفظائع الجماعية التي اقترفها حكام ليسوا في مجال الإشراف الحازم لامبريالية الولايات المتحدة . المجزرة الجماعية للمدنيين في غزة التي احتلت العناوين الرئيسة لعدة أسابيع لا يمكن غض النظر عنها بمصداقية؛ لذا فهي تذكّر –لكن يجدر الملاحظة كيف توجه الأضواء بحدة بعيدا عما يجري الآن من الآحداث ذات الصلة الوثيقة بإسرائيل وفلسطين؛ إبادة العرق في غزة غدت ثانوية ، وهي التي حركت ملايين عدة للنزول الى الشوارع والتظاهر في أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية: "ان قتل حماس 1200 إسرائيلي ، معظمهم مدنيون، وما نجم عنه من غزو إسرائيل لغزة ، حيث النساء والأطفال يشكلون معظم ال16000 من الضحايا، قد أضافت الى الفوضى الدموية ".

تلاوين الخدع

الخدع هنا متعددة التلاوين، ليس بالنظر لكون غزة ينبغي ان تحتل رأس قائمة الاهتمامات فلا تهبط الى أسفل القائمة .
صياغة الجملة هادفة نظرا لتركيبة مفرداتها– كما يجري دوما في التقارير الصحفية بالغرب-إقامة مساواة كاذبة بين أفعال حماس وأفعال إسرائيل، تبعث بذلك الإحساس ان مجزرة إسرائيل الجماعية للفلسطينيين نجمت عن مجزرة حماس الجماعية للاسرائيليين، وبذلك يمكن التسامح معها .
يتوجب ان لا نضطر لإعادة القول ان اختراق حماس للسجن ، سجن غزة – وعواقبه الخطيرة المعلومة سلفا – قد سبقه عقود من مظالم حربية أنزلتها إسرائيل بالشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال العسكري و16 سنة من الحصار غير الشرعي لقطاع غزة ، حرم 2 مليون إنسان من الحرية والحقوق الأساس ومن الكرامة.
في غزة والضفة والقدس مكابدة قسوة مستمرة بطيئة الحركة دامت عقودا – جرت لزمن مديد قبل أن يعبّر كل من مجتمع حقوق الإنسان ، والأمم المتحدة ، وصحيفة الغارديان عن قلقها الجديد بصدد" مخاطر جدية بحدوث أفعال قسوة ".
الفرق واضح بين بين عنف حماس الاستثنائي ، الوحيد، الذي كان باستطاعتها إنزاله يوم 7 أكتوبر نتيجة لتقصير درامي غير متوقع في مراقبة إسرائيل وسيطرتها على الفلسطينيين في غزة، وبين تشديد إسرائيل للعنف البنيوي لاحتلال وحصار داما عقودا متتالية.
هاتان كليهما ليستا بوضوح نفس الشيء- وهما لا تحملان في طياتهما بالتساوي تهديدات قابلة للمقارنة الغامضة مع ميثاق إبادة العرق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
والتفكير خلاف ذلك –مثلما يعمل جميع المراسلين في الغرب على الدوام-يعني المبالغة بالتهديد الموجه للقانون الدولي من أفعال قسوة ارتكبتها حماس والتهوين بصورة درامية من أهمية إبادة الجنس والتطهير العرقي في قطاع غزة.

مختبر لاختبار الأسلحة
غير ان هناك مشكلة اعمق مع تأطير هذه الهموم، والمشكلة الصميمة ليست في "لامبالاة العالم" إزاء الفظائع الجماعية؛ بالعكس، انه الدعم المكثف من جانب الغرب – والولايات المتحدة بصورة رئيسة- لهذه الفظائع والتواطؤ معها.
هذه المشكلة ابرزتها بوضوح تام أحداث غزة ؛ الأمر الذي يبين بالتحديد لماذا يتم إدراجها بتردد وكقضية ثانوية فقط ، ضمن قائمة المخاطر المهددة للقانون الدولي الإنساني. ليست الولايات المتحدة بلا دور في حرب الإبادة التي تتكشف امام الأعين؛ فهي تقدم بنشاط التسهيلات لها ؛ وفي الحقيقة من المستحيل ان تقوم إسرائيل بحرب الإبادة والتطهير العرقي بدون المشاركة النشطة من جانب الولايات المتحدة، وليس مجرد تعاونها السري.
لأن الولايات المتحدة زودت بالعديد من القنابل الثقيلة تتوالى احداث المجزرة الجماعية للمدنيين في غزة لتدمير غزة بالكامل وتقتيل أطفالها ؛ ولأن الولايات المتحدة أرسلت سفنا حربية الى المنطقة تتوالى المجازر لترويع الدول العربية المجاورة والجماعات المقاومة وتضمن سكوتهم بينما يجري اغتيال المدنيين.
حزب الله في لبنان ، على سبيل المثال، قادر تماما على وضع حد ل "اللامبالاة " عن طريق مشاغلة إسرائيل حربيا وسحب قوة إسرائيل النارية عن غزة ؛ لكن لا أحد في " المجتمع الدولي" يبدي الرغبة في مثل هذا النوع من "المبالاة ".
و لأن الولايات المتحدة استعملت حق النقض في مجلس الأمن يوم الجمعة 8 ديسمبر، لمنع وقف إطلاق النارنرى المجزرة الجماعية جارية على قدم وساق. والمجزرة مستمرة لأن الولايات المتحدة مولت نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ؛ نظام يحرم حماس، في مسعى لرفع الضغط السياسي من أجل وقف إطلاق النار، من إطلاق صواريخها على التجمعات في إسرائيل- دور ضئيل بالقياس لشبكة التدمير الهائل الذي تقوم به إسرائيل في غزة-
المجزرة تجري لأن واشنطون، ومنذ عقود ، زودت العسكرية الإسرائيلية باكبر نسبة من مساعداتها المقدمة للخارج، وسمحت لإسرائيل استخدام الأراضي الفلسطينية مختبر ا يعود بأرباح جزيلة لتجريب منظومات جديدة للتسلح والمراقبة وتقاني السايبر.
وقف محادثات السلام
المشكلة إذن بصورة قاطعة ليست "عدم الفعل"؛ المشكلة تكمن في كون الولايات المتحدة تلتقط وتختار متى تريد وكيف تريد ان تنشط في خلق النزاعات في أرجاء المعمورة والمحافظة عليها وإنهائها.
يجدر بالملاحظة غياب مكابدة اليمن عن قائمة الهموم بصدد انتشار أفعال القسوة، حيث تشن السعودية منذ سنوات حرب إبادة العرق؛ قتل يوميل بالمعدل أربعة أطفال يمنيين او أصيبوا بعاهات على أيدي السعوديين، خلال السنوات الثماني الفائتة.
لماذا يتم تجاوز اليمن ؟ لأن الأقليات هناك ينظر اليها متحالفة مع إيران وبالتالي عدوا للغرب، حيواتها لا تساوي شيئا ؛ ولآن الرياض حليف هام جدا للولايات المتحدة يزود بالوقود؛ وبالنظر لكون الولايات المتحدة وبريطانيا تزودان اليمن بالأسلحة منذ سنوات خصيصا لكي تنفذ إبادة العرق هناك.
بالمثل في أكرانيا ، فالأغلبية الساحقة من الخسائر من كلا طرفي القتال امكن تجنبها لو لم تتوقف المفاوضات بتحريض الولايات المتحدة وبريطانيا في الأسابيع الأولى من الغزو الروسي.
كان ذلك "الفعل" وغيره –مثل التوسع االمنطوي على مخاطر لحلف الأطلسي حتى حدود روسيا ، وإغراق الغرب أكرانيا بالأسلحة بوعود زائفة ان يسند حلف الأطلسي ظهر أكرانيا – وهذا ما ضمن سنتين من الحرب بكل أعبائها التراجيدية.
كما حدث مع غزة لم تكن المشكلة عدم الفعل ؛ كان هناك الكثير جدا من الفعل من جانب الولايات المتحدة واتباعها في اوروبا من الصنف الموكل اليه تقديم الدعم في المجزرة وإبادة الجنس.
’ يجب عليك الطاعة‘!
على كل حال ، يوجد سبب لرفع " المجتمع الدولي" سقف الاهتمام ب "جرائم القسوة" الراهنة ، بينما يقلل من أهمية ، او حتى يرفض أسوأ ما يمكن اقترافه من جريمة القسوة- إبادة العرق- في غزة.
وذلك نظرا لكون هجوم حماس على إسرائيل في 7 اكتوبر يرمز الى لحظة خطرة لهيمنة الغرب على ما يدعى نظام عولمي قائم على قوانين. والقلق ليس حقا بصدد أفعال القسوة الجماعية ؛ فالغرب مرتاح لأفعال القسوة حين يقترفها هو، او يساعد الآخرين على اقترافها .
قلق الغرب مبعثه تزايد صعوبة إبقاء بقية العالم، من خلال أفعال القسوة، على حالة الضعف والترويع والاستكانة. ان فشل الجيش الأميركي في أفغانستان وسوريا وأكرانيا – وتنامي الثقة بالنفس لدى روسيا والصين – تضع الحدود لسيطرة واشنطون.
والحقيقة ان هجمة حماس على إسرائيل – مهما كانت عواقبها مرعبة - قدمت إشارة مستقبل مغايرللعديد من أولئك الذين عاشوا لعقود تحت إبهام الولايات المتحدة ، او بالأغلب تحت نعلها ونعال حلفائها . فهم يرون ان من الممكن ، حتى وهم الطرف المضطهَد والضعيف والمظلوم ، ان يوجّه لهيمنة القوة العولمية ركلات جانبية تدمي انفها .
ما يراه اهل الغرب اصحاب الامتيازات والغطرسة مجرد عنف بربري بلا إحساس يفهمه الآخرون تمرد عبيد – لحظة " انا سبارتاكوس". [ انظر مقال جون بيلغر "نحن سبارتاكوس"-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=811516رابط المقال
لهذه الأسباب ما حدث إثر غزوة روسيا لأكرانيا ان العديد من دول العالم لم تنضم الى كورس الغضب والتنديد من جانب الغرب مدعيا انه المحِقّ. انهم ينظرون الى تمظهرات الغضب هذه نمطا من النفاق.
وهذا ايضا السبب في انهماك الولايات المتحدة الشديد مع إسرائيل وهي تمضي في القتل الجماعي لإبادة الجنس في غزة. فالأهمية بالنسبة لواشنطون ليست إيقاف بشاعات إسرائيل ، بل التأكد من استعادة إسرائيل "قوة ردعها" المشهورة كي تعطي درسا لأولئك الذين ربما يستوحون منها القيام بتمردهم على العبودية .
امام الكاميرات تدعو إدارة بايدن لضبط النفس وتحث إسرائيل على خفض الخسائر البشرية؛ لكن خلف الكواليس تقوم بتقييمات دقيقة كم تحتاج إسرائيل الى أفعال متوحشة كي تفلت ، وتبعث الرسالة الصحيحة الى عالم اللاغرب: لن تستطيعوا كسب الصراع؛ عليكم ان تستكينوا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية