الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هاسبارا - فلسفة إسرائيل الإعلامية

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 12 / 22
القضية الفلسطينية


تشن الحركة الصهونية في أوربا هجمة مضادة وشرسة على بوادر التحول في الرأي العام الأوربي والأمريكي تجاه القضية الفلسطينية نتيجة المجازر التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي لإبادة الشعب الفلسطيني وتشريده وجعله يقاسي من نكبة جديدة، واكتشاف أوساط وشرائح أوسع من المواطنين الأوربيين حقيقة أن إسرائيل دولة قامت على إحتلال أرض شعب أخر، وأخضعت هذا الشعب لنظام "آبارتايد" أي فصل عنصري سلبه سيادته وكل حقوقه التاريخية والسياسية والإقتصادية. وكالعادة ترتكز هذه الهجمة الصهيونية الإعلامية على الكذب والخداع وإخفاء الحقائق، وإستغلال صورة "اليهودي" المضطهد في أوربا بمظهر الخائف مما يوصف بانتعاش ظاهرة "معاداة السامية" في الأوساط المساندة للقضية الفلسطينية. وتمارس الدعاية الإسرائيلية الصهيونية عملية البلبلة والخلط والتشويش المفاهيمي بين تزايد السخط بين الأوربيين على جرائم التطهير العرقي عبر الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل ضد الفلسطينيين وإعتبار تجريم الإحتلال وإنتقاد الصهيونية هو مجرد "معاداة للسامية"، وأن إنتقاد السياسة الإسرائيلية والصهيونية ما هو إلا معاداة وكراهية لليهود عموما. وقد فاجأ الصهاينة نزول الآلاف من المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في تظاهرات ضخمة في لندن وواشنطن والعديد من العواصم والمدن الأوروبية والحركة المساندة للمقاومة الفلسطينية في الجامعات الأمريكية.
وسرعان ما تلقفت النخب الأوربية الحاكمة المتواطئة مع إسرائيل في جرائمها السرد الإسرائيلي للأحداث هذه لتنسج عليها، وتحول الأهتمام عن مجازر الأطفال في غزة وتدمير المستشفيات والمنازل والمدارس وكل البنية التحتية في غزة، إلى الأهتمام بـ "اليهودي" المهدد والمرعوب في أوربا. علما بأن أعدادا كبيرة من الفرنسيين اليهود قد شاركو مواطنيهم الفرنسيين الآخرين، في مظاهرات السخط على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل صد الفلسطينيين، بدعم من ماكرون وبايدن وباقي الطغمة الحاكمة في أوربا، وأن الحركة الطلابية المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريكية كانت مبادرة من الطلاب اليهود.
وإنحياز الإعلام الأوروبي والأمريكي إنحيازا كاملا لإسرائيل هو ظاهرة عامة وذات جذور عميقة وليست وليدة الأحداث الأخيرة، ويجب دراستها وإلقاء الضوء على جوانبها الغامضة من أجل توعية الجماهير الأوروبية والعالمية دون الوقوع في النظريات المشبوهة المتعلقة بوجود مؤامرة تحاك في الظلام ضد فلسطين والعرب والإسلام وغيرها من علامات الفقر الفكري التي تعاني منه هذه المجتمعات ذاتها. ذلك أن أهداف إسرائيل والصهيونية واضحة وضوح الشمس، وأعلنت إسرائيل بإستمرار ما تريده وما تريد القيام به على العالم بدون مواربة.
فإسرائيل تستخدم بكل بساطة "الدبلوماسية العامة" للتواصل مباشرة مع مواطني الدول الأخرى لإعلامهم والتأثير عليهم حتى يدعموا أو يتسامحوا مع الأهداف الإستراتيجية المعلنة للحكومة الإسرائيلية. لقد تم استخدام مصطلحات مختلفة ومتنوعة لوصف الجهود التي تبذلها المؤسسات الحكومية في إسرائيل وغيرها من الجهات المساندة والفاعلة للوصول إلى الجماهير في الخارج والدفع بهم لمساندة إسرائيل أو التعاطف معها.
كان من الشائع بين الصهاينة الأوائل تسمية جهود التواصل مع الجماهير بـ "الدعاية" أو البروباقاندا propaganda. وقد استخدم ثيودور هرتزل Theodor Herzl هذا المصطلح في المؤتمر الصهيوني الثالث عام 1899، حيث طلب من زملائه الصهاينة الحاضرين "الانخراط في الدعاية" وإستعمال البروباقاندا لنشر المشروع الصهيوني وكسب المؤيدين سياسيا وثقافيا وإقتصاديا. في ذلك الوقت، كان مصطلح "الدعاية" يعتبر محايدًا، بينما أصبح فيما بعد يحتوى على عناصر سلبية ويستخدم عادة لتحقير العدو ودمجه في بوثقة الأنظمة الشمولية عدوة الديموقراطية. ففي أوروبا وأمريكا توصف عادة الصحف وقنوات التلفزيون الروسية أو الصينية مثلا، بأجهزة "الدعاية " الحكومية، بينما الصحافة الغربية توصف نفسها بـ "أجهزة الإعلام" رغم كونها لا تقل إنصياعا لبرامج حكوماتها المختلفة.
وفي إسرائيل تم تطوير النظرية العامة للإعلام، وتم تشييد برنامج متكامل لإستراتيجية إعلامية واضحة المعالم ومبنية على أسس عقلية ومنطقية. تغيير الحقائق أو إخفائها، كذلك إختلاق الأحداث والترويج لها يدخل ضمن هذه الإستراتيجية العامة والتي أصبحت تسمى "هاسبارا hasbara" وليس دعاية أو بروباقاندا.
تم إشتقاق مفهوم هاسبارا رسميًا وإدخاله في قاموس المفردات الصهيونية على يد ناحوم سوكولوف Nahum Sokolow 1859 - 1936 - الذي كان صحفيا وكاتبا يهوديا بولنديا، من زعماء الحركة الصهيونية والمؤرخ الرسمي لها. هاسبارا ليس لها ترجمة مباشرة إلى العربية، ولكنها تعني تقريبًيا "الشرح أو التفسير" وهي استراتيجية تواصلية "تسعى إلى شرح الأفعال، سواء كانت مبررة أم لا".
بعد مجزرة «صبرا وشاتيلا» عام 1982، والتي راح ضحيتها طبقا للتقارير الرسمية نحو 300 لاجئًا فلسطينيًا، وجدت دولة اإسرائيل نفسها أمام أزمة دبلوماسية حادة، حيث انتُقدت بشكل موّسع في الإعلام الغربي. وسارعت سلطات الاحتلال بعقد مؤتمر يهودي/ أمريكي عام 1983، دُعي إليه كبار مسؤولي الصحافة والأكاديميين والمنظرين من الولايات المتحدة الأمريكية لوضع استراتيجية إعادة تحسين وتجميل صورة إسرائيل وبيعها للعالم.
كانت الاستراتيجية المعلنة في ختام المؤتمر قائمة على أربعة محاور رئيسية وهي: أهمية إسرائيل للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، التعاطف مع إسرائيل ككائن مستضعف ومعزول محاط بالأعداء الذين يريدون تدمير الدولة الصهيونية، ثم التركيز على القيم الثقافية الإسرائيلية الديموقراطية المشتركة مع هوية الغرب المسيحية وأخيرًا رغبة إسرائيل في السلام وسعيها الدائم لحل ما يسميه الغرب بالنزاع العربي الإسرائيلي.
يعود تاريخ الإشارات المبكرة لمصطلح hasbara في وسائل الإعلام المطبوعة السائدة باللغة الإنجليزية إلى أواخر السبعينيات حيث تم وصفها أو تعريفها بأنها عملية إعلامية هدفها "بناء صورة في الخارج لإسرائيل"، ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، فإن هذا العمل "يُسمى hasbara عندما يكون الغرض منه هو إعادة تشكيل الرأي العام في الخارج ليكون إيجابيا للتعاطف مع إسرائيل، وفي أوائل الثمانينات، تم تعريف الهسبارا على أنها "حملة علاقات عامة" ففي عام 1986، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا بهذا الخصوص وذكرت أن برنامج "إيصال الأهداف الدفاعية الإسرائيلية" بدأ في أواخر السبعينيات، وذكرت تنفيذ "مشروع هاسبارا" عام 1984 المتعلق بسفر كارل سبيلفوغل Carl Spielvogel، رئيس مجلس إدارة شركة باكر آند سبيلفوغل Backer and Spielvogel، إلى إسرائيل لتقديم المشورة للحكومة بشأن إستراتيجية إيصال أهدافها الدفاعية، وأدت هذه الرحلة إلى مشروع هاسبارا جديد وهو برنامج تدريب إعلامي تم إنشاؤه لتدريب ضباط الخدمة الخارجية على الاتصالات من خلال تعيينهم في الشركات الأمريكية.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء الاسرائيلي يستبق رد حماس على مقترح الهدنة | الأ


.. فرنسا : أي علاقة بين الأطفال والشاشات • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد مقتل -أم فهد-.. جدل حول مصير البلوغرز في العراق | #منصات


.. كيف تصف علاقتك بـمأكولات -الديلفري- وتطبيقات طلبات الطعام؟




.. الصين والولايات المتحدة.. مقارنة بين الجيشين| #التاسعة