الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر والقدس في رحلة يونانية معاصرة

قيس كاظم الجنابي

2023 / 12 / 23
الادب والفن


-1-
في كتاب (الرحلات الى إيطاليا ومصر وسيناء والقدس وقبرص) للروائي اليوناني (نيكوس كازانتزاكيس) أو(نيقولا كازانتزاكي)، مؤلف رواية(زوربا اليوناني)الشهيرة والذي صرح بأنه تأثر بها بحكاية رحلات السندباد البحري، وهي واحدة من حكايات كتاب(ألف ليلة وليلة)؛ وفي هذه الرحلات تنفتح الرؤية الاستشراقية ،وحب الاطلاع على معالم الشرق موئل الديانات المقدسة ،على وفق ما جاء في الكتاب المقدس وموطن الاعاجيب والغرائب ،وكان البرتومورافيا ، قد زار ليبيا وكتب كتابه (رسائل من الصحراء) ونازعت عدداً من الادباء في القرن التاسع عشر ومقتبل القرن العشرين نزعات شرقية تبحث عن ما هو مثير وغريب في بلاد العرب ، التي كانوا يدعونها بلاد الحرير وبلاد البخور وبلاد التوابل؛ كل حسب مكان انتاجه ووفرته ،وهذا الكتاب يتضمن رحلة الكاتب اليوناني الى إيطاليا واللقاء بموسولوني، في عهد صعود الفاشية، الا ان ثمة نزعة توراتية أو صليبية دفعت الكاتب الى زيارة سينا طريق هجرة النبي موسى من مصر الى فلسطين،أو القدس ومصر وفلسطين ،لأسباب حب الاطلاع ومحاولة معرفة الشرق، حينما كتب استهلاله بعنوان(النمرة ،رفيقتي في السفر) فقال في بدايته:
" يتصارع الخالق مع جوهر صلب غير مرئي يفوقه قدرة. ويخرج المنتصر الأعظم مهزوماً لان أعمق أسرارنا - السرّ الوحيد الجدير بالتحدث عنه – السرّ الذي لا يفشى دائماً. لا يمكن ان يخضع أبداً لحدود الفن المادية. إن أي كلمة تثير غضباً . عندما نرى شجرة تتفتح براعمها، أو بطلاً ،أو امرأة، أو نجمة الفجر، نصبح"آه" ولا يستطيع قلبنا ان يتحمّل المزيد".[ الرحلات الى إيطاليا ومصر وسيناء والقدس وقبرص: نيكوس كازانتزاكيس، ترجمة خالد الجبيلي، منشورات الجمل( بغداد،2022م)،ص9] وفي احالة واضحة الى شخصية جلجامش العراقي الباحث عن الخلود الذي رأى كل شيء، لكنه هنا رأى مهمة الكتابة هي المهنة التي لايريد أن يتركها.
ولكي يبرر العنوان الاستهلالي كان يرى بان العالم المرئي وغير المرئي هو سرّ عميق سرمدي، وهو سرّ لا يمكن سبر أغواره" يتجاوز العقل ،ويتجاوز الرغبة واليقين. نتحدّث ، كلانا – النَمِرّة، رفيقتي في رحلاتي وأنا – ونضحك لأننا في غاية القسوة، وفي غاية اللطف، نهمان، لا نشبع".[ص12]
وقد تكون نشأة الكاتب في بلده اليونان ،وبداية تحوله من اللغة اليونانية القديمة التي كتب فيها هذا الكتاب ، ثم انتقل الى اللغة اليونانية الحديثة، اللهجة التي تحولت الى لغة وطنية وأوربية، لها علاقة بالطموح الروماني القديم، طموح الاسكندر المقدوني في الاستحواذ على الشرق، كامنة لديه، فما زال هذا البلد يطمح الى ذلك، لقربه ولما خلفته رغبة الدولة العثمانية من نزعة عدوانية ضد الشرق لدى اليونانيين بشكل خاص؛ فان الراسخ في الأعماق يقود الانسان الكاتب الى البحث عن نقاط الالتقاء ونقاد الاختلاف، فقد كانت محطته الإيطالية مقابلة مع موسولوني الى جانب دراسته في القانون فيها لعدة سنوات ، فرأى الكاتب بان كل الخصائص الرئيسة التي تميز الدكتاتور ،تتوفر في شخصية موسولوني، وأبرزها الإرادة التي وصفها بأنها "إرادة مدججة بأحداث الأسلحة" ،وانه "مستعد لأن يموت في أي لحظة"، وان علم بإنقاذ إيطاليا ،وأنه مستعد أن يقاتل بلا توقف ،ورأى بأنهما" محققان لخدمة الجميع"؛ وهكذا كان الكاتب والروائي بمواجهة قوة الإرادة والاستعداد في إيطاليا،وهي في طريقها لخوض الحرب العالمية الثانية أمام تحالف أوربي كبير سيكون من نتائجه خسرانها لمستعمراتها وتحجيم دورها وكذلك الحال مع ألمانيا، لهذا ينتقل بعد ذلك من أوربا ولا يعود اليها الا بعد زيارة فلسطين، حيث يزور جزيرة قبرص التي سماها (جزيرة افروديت)؛ كنوع من العودة الى الإرث الأسطوري الاغريقي وهي تمثل مرجعية جغرافية وبوابة نحو الشرق.
-2-
لقد بدأ مع مصر من (نهر النيل)وعلاقته بحضارة مصر العريقة ،والتي تمثل الاهرامات والمومياوات الذهبية ومعابد الكرنك وتماثيل الملوك من الغرانيت ،اكثرها اثارة؛ فضلاً عن النخيل والجمال والاساطير التي ذكر بعضها، كما تأمل حياة الريف والفلاح المصري حيث كان نظام الري يعتمد على الأساليب القديمة والبدائية عبر النواعير والدلاء وما شابه ذلك؛ لهذا قال عن الفلاح المصري:
" لقد خلق الفلاح الذي كأنّه قطعة من المشهد الطبيعي ،من نفس الطين، ينحني نحو النهر ويخفض الدلو البدائي – يسحب الماء ،ويملأ الاخاديد، مخلص ، خانع، يواصل حركة أسلافه التي مضى عليها آلاف السنين".[ص36]
وهو كاتب وروائي يهتم بحياة الناس البسطاء،وقد كانت انطباعاته في رحلاته هذه أشبه ما تكون بمقالات انشائية كتبت بأسلوب متميز، محمّل بالرؤى والأفكار، اجتهد فيها في ان يبرز الجانب الأكثر جمالية وألقاً، فجمله السردية هي مركز وقاعدة واضحة على تواصل الفكرة وربط هذه الانطباعات عن كل بلد زاره بالحضارات التي ينتمي اليها مع الحضارة الاوربية.
وعلى العموم فان الرحالة يهتم بـالجانب (الاثنوغرافي)، أو بالطابع الوصفي الذي يصف الأمكنة وطبقات المجتمع وروح الامل والانسجام بين الانسان والطبيعة ونظام الحكم؛ وهو المنهج الذي يصف أسلوب حياة ومجموعة التقاليد والعادات والقيم والأدوات والفنون والمأثورات الشعبية، بينما يعني والانتولوجيا بدراسة ومقارنة المادة الأثنوغرافية بهدف الوصول الى تصورات نظرية، أو تعميمات بصدد مختلف النظم الاجتماعية والإنسانية أٌصولها وتنوعها؛ مما يعني أن أحدهما يكمل الآخر في الدراسات الإنسانية (الأنثروبولوجيا)( )[راجع أدب الرحلات : حسين محمد فهيم ،عالم المعرفة ( الكويت، 1989م)،ص49]. ولهذا وصف النساء الريفيات في مصر بقوله:" نسوة ممشوقات القوام، صبغن عيونهن بالكحل، ويسرن الى النهر جرارهن الفخارية السوداء، ثم يحملنها على طرف رؤوسهن المغطاة – تماماً مثل المنحوتات القديمة – يصعدن ببطء الى الجسر الترابي في طابور ،الواحدة خلف الأخرى، تلمع حلقات فضية حول كواحلهن النحيفة التي برتها الشمس ،الموثة بالطين".[ص36] ونتيجة لأهمية الماء، صار النيل مركزاً مهماً من مراكز حياة الانسان، ان لم يكن أهمها، لهذا تعرض الكاتب الى وصف الكثير من مظاهر تلك الحياة ، فكان يستطرد بطريقة أكثر وعياً ،واهتماماً، وان كان في الغالب يعود الى الاساطير القديمة لتدعم وجهة نظره حول حاضر الانسان المصري.
بعد نهر النيل اتجه الى وصف حاضرة مصر وعاصمتها القاهرة، حين يبدأ بالإشارة الى الشرق المترع بالأضواء والألوان والروائح ورماد الأجيال، ثم بدأ من شوارع القاهرة، فقل عنها:" أشعر ببهجة بكلّ الحصاد البشري المعاصر لنهر النيل: فلاحون نحيلون رشيقون ، انهكهم العمل والجوع ،وأقباط ماكرون بدينون؛ وبدو طوال القامة، صامتون ،يشدون أحزمتهم حول خصورهم بإحكام، عيونهم تشبه عيون النسر ، شامخون بإباء، وزنوج تبدو على قسمات وجوههم شراسة ، شفاههم متدلية، وعيونهم زائغة ،ونساء كحيلات العين يضعن حول كاحلهن خلاخيل تتدلى منها خواتم فضية ثقيلة كالجواري".[ص43]
وكالعادة يهتم الرحالة بالجانب الاجتماعي( النسائي) ، ثم بالجانب الاقتصادي ، فيتجول في الأسواق ، ويتأمل البضائع وطبيعة الحياة، مع انه يصف حالة الاضطهاد والاستعباد التي كان يعيشها الفلاح المصري قبل ثورة 23 تموز/يوليو 1952م، وطبيعة نظام الحكم الاستبدادي الخاضع للهيمنة البريطانية آنذاك ،وقد أثارته أسواق العطور والتوابل والصناعات الشعبية ، فربط بينها وبين أجواء كتاب (ألف ليلة وليلة) وصناديق الذهب واللؤلؤ والاحجار والفضة .. وغير ذلك من الأشياء، وقد وصف السوق بقوله:" في السوق الضيق الخافت الإضاءة ترى محلات السجاد والحرير والاحجار الكريمة المتعددة الألوان والسيوف التاريخية والعاج وعرق اللؤلؤ".[ص45]
ثم ينتقل الى حكايات الليالي العربية، وهبات هرون الرشيد للآخرين ، فيحاول جمع أكبر قدر ممكن عن الأحوال الاجتماعية ،ومن ذلك ما شاهده في ليل القاهرة في الآونة القديمة، فأثار فضوله دخوله لحي مليء بالفوانيس والنساء وغرف النوم الوسخة حيث النساء العاريات " يجلسن أو يقفن أو يرقصن أمام عتبة كل بيت يدعن الرجال للدخول".[ص46]
لقد أطال المؤلف اهتمامه بمصر، بحيث بدت هذه الرحلات مسهبة يمكن اختصارها حول مصر وفلسطين(القدس) للتعبير عن وجهة نظره حول الشرق، ومن ذلك افراده موضوعا خاصاً عن الاهرامات وما يتعلق بتاريخ مصر وحياة المصريين و(كتاب الموتى)، وعلاقة الحياة بالموت ،وهو في الغالب يعيد صياغة موضوعاته ورحلاته فينتقل من صعيد مصر الذي رحل اليه بالقطار، حيث الشريط الأخضر الضيق على امتداد الماء، وحيث وثق صوره بعناية فائقة عن طبيعة الانسان المصري هناك ، فقال:" زنوج يصيحون ويمضغون أعواد قصب السكر ويسحبون الماء برافعات . فتاة صغيرة رفعت مئزرها وراحت ترقص وتهز بطنها عند مرور القطار".[ص 55]
ولم يكن الرجل وحده مضطهدا ،وإنما كانت العملية تضامنية حيث يقوم الرجل بالحراثة "والمرأة تسير وراءه تبذر"؛ ولكن الكاتب ينوّع اهتماماته بين الانسان والموروث القديم، فيصل الى (طيبة) ويزور معبدي (الأقصر والكرنك وجبل الرماد)،وقبر امنحتب الثاني الذي مات سنة 1420 ق.م، واللوحات وصور اله الشمس الذي تجسده صورة رجل له رأس صقر فوقه قرص ناري مستدير ويعلق على حياة (توت عنج آمون)،والذي تخلى عن اسمه "اكراماً لآتون ،وأطلق على نفسه اسم اخناتون ،"مجد الشمس". وهجر مدينة آمون في طيبة، وبنى عاصمة جديدة بالقرب من التل نعرفه اليوم باسم تل العمارنة".[ص62] لأنه كانت الشمس هي أكثر الكواكب معبودة في بلدان الشرق في مصر والعراق، لأن الانسان مجبول على المصلحة والمنفعة ، فيرى بن فائدة الشمس كبيرة في الدفء والزراعة والرعي والضوء وترتيب فصول السنة، فيرى بأنها تستحق العبادة ،ثم جعل بينه وبينها وسائط كالأصنام والموجودات الأخرى.
تكشف رحلات الكاتب الى مصر وفلسطين عن نزعة استشراقية ومحاولة لفهم الشرق وتأمله سائحاً وكاتباً، ومسيحياً مشحوناً بالإرث التوراتي والحضارة الرومانية عريقة؛ فكانت الأبواب والمقالات الأكثر جمالاً واثارة هي مادته عن مصر وسيناء وفلسطين، ثم انتقل من تأمل مدينة القاهرة الى تأمل الحياة المعاصرة، في محاولة منه لوصف تاريخ مصر الحديث، ضمن تصوره وتساؤله: هل يمكن ان يلتحق الشرق المتخلف بالغرب المتقدم؟
كان يتابع مراحل تطور مصر من محمد علي باشا حتى عهد الخديوي إسماعيل ،وهو يعتقد بأن زمن زيارته هذه لا يوجد " ما هو شرقي إقليمي ومتخلف عن ركب الزمن – لا يمكن ان يتكيّف مع حياتنا المعاصرة. ولكي يخلق حضارة خاصة به مرة أخرى، يجب على الشرق ان يعتمد على الغرب".[ص78]
ولأن كفافي شاعر يوناني الأصل، ولكنه يعيش في الإسكندرية، فقد حظي بالتفاتة ذكية من الكاتب، لهذا عدّه من أبرز الشخصيات الفكرية في مصر، وذكر نماذج من شعره، ثم توجه صوب سيناء بلاد التيه التي تاه فيها بنو إسرائيل أربعين عاماً، حيث جبل سيناء، من خلال ما تركه في ذاكرته الكتاب المقدس(التوراة) والذي قال عنه:
"أما العهد القديم، فطالما أثار مشاعري وارتبط بروحي بعمق كبير. فعندما أقرأ هذا الكتاب الفج المليء بالانتقام والثأر الذي يحرقك عندما تلمسه، مثل الجبل الذي هبط اليه الرّب، أشعر برغبة عارمة لزيرته ورؤيته بأم عينيّ ،وألمس تلك الجبال الشنيعة".[ص87]
تمثل صحراء سيناء البعد البدوي العميق للشعب المصري وعلاقته بجزيرة العرب ،والتي مازالت موطناً مشجعاً للعزلة والتبشير الديني المسيحي، لوجود الواحات والاديرة والكنائس التي تشير الى علاقة سيناء بهجرة اليهود من مصر الى فلسطين( زمن التيه)، حيث كان الرحلات تتم على ظهور الجمال لقطع الصحراء القاحلة ،أو ما سماه بالطريق اللا انساني "الذي سلكه العبرانيون قبل ثلاثة آلاف سنة عندما هربوا من مصر".[ص93] حيث الاتصال الواضح بين العجل الذهبي وآلهة مصر القديمة ،وبين الفراعنة والديانة اليهودية، من اجل سرد ما يمكن سرده حول طبيعة العرب وكرمهم في هذه الصحراء المترامية الأطراف ،والهوية العربية لسيناء، وما خالط سكانها من أقوام رحل كالغجر الذين لم يتخلوا عن حياة الترحال، لهذا بدا للكاتب ان الكتاب المقدس كان أقرب الى جغرافية سيناء، فهو الآخر" أشبه بسلسلة جبلية ذات قمم متعددة يهبط منها الأنبياء الصاخبون، مربوطون بحبال، والغضب يعتمل في قلب الرجل الذي يقاوم ويكافح ويدور في دوامة في يدّ الرّب".[ص125]
كانت آخر مقالاته عن مصر عبارة عن رسالة مرسلة الى (مونتتيا) يبدأها بعبارة( انتهى الحلم)؛ في إشارة الى وصوله الى القارة الافريقية المظلمة فكان "أشبه بالعودة الى الوطن"، لهذا قال:" فقد غمرني شعور غامض بالاضطراب وذكريات ضبابية وأنا اتنشق الهواء اللاذع ،وأطأ الرمال الرمادية النهمة".[ص138] ثم قال في نهاية الرسالة:" ان روح الانسان هي شجيرة العلق التي احترقت لكنها لم تحترق. لا شيء يمكن أن يطفئها".[ص142]
وكأنه يشير الى أن علاقة مصر مع اليونان هي علاقة روحية، بين قوة اشتعال الشجرة ونموها الابدي، شجرة الحياة التي تبني حياتها على الاتصال بالأرض والفضاء الخارجي ؛ فهي التي تمثل رحلة الانسان من الفردوس الأعلى الى الفردوس الأرضي، من طعم التفاحة الممتع ،والخطيئة المضمرة في تناولها ؛فالكاتب يرى في هذه في هذه الرحلة وجوده الحقيقي وذاته المتأرجحة بالقلق، لأن الكتابة تعبير عن ذلك القلق الداخلي الي يمخر عباب الروح ليطل برأسه الى عالم جديد ، عالم الجمال والبحث عن الحقيقة.
-3-
يتمحور القسم الآخر من هذه الرحلة تحت ظل باب(القدس)،وهو خاص بفلسطين، حيث يصف الرحلة اليها وكأنها بني إسرائيل مع النبي موسى ،أو رحلة السيد المسيح للبحث عن الخلاص، حيث الرحيل عبر السفينة بحضورها الرمزي الذي فعله النبي نوح لينقذ البشرية من الهلاك من الطوفان، وهو يدعو القدس(أرض الميعاد)؛ متأملاً إصرار الحجاج المسيحيين لتحقيق الاتصال الروحي والصلاة عند قبر السيد المسيح، فيرى انها تشبه رحلته الى روسيا، حيث يقول:" تعود بي الذاكرة الى رحلة الحج الأخرى التي قمت بها الى موسكو منذ بضعة أشهر ، القدس الجديدة ذات القلب العصري المضطرب".[ص147]
يصف اولاً، في مقاله(القدس) موقفه وهو يرى كنيسة القيامة ،فيقول:" أقف عند مدخل القبر المقدس أنظر بعينين جاحظتين نهمتين. إنه سبت النور. كنيسة القيامة تطنُّ كأنها حلية نحل ضخمة. المسيحيون المتحمسون ، بعيونهم الغائمة، مسيحيون عرب يصيحون، في طرابيش وجلابيب متعددة الألوان يتدفقون ويسيرون فوق البلاط".[ص152] ثم ينتقل الى وصف الأشياء والموجودات وحركة الناس ، كما يصف أباريق الماء الفضية، وأباريق القهوة التي تغلي فوق المواقد، والروائح والألوان والأشخاص ، روائح نبيذ وثوم، وشموع محترقة وبخور، ثم يصف الحشود التي تتجه للصلاة ،أجناس الناس من الأرمن والعرب ،ومن التجار والفلاحين، ومن النساء والرجال. ثم يتجه الى وصف اللوح الرخامي الذي يغطي الأرض التي وري فيها جسد السيد المسيح" بعد أن انزل من الصليب اهتز من كثرة اللعق والتقبيل. منذ قرون ، تتساقط الجموع البشرية فوقه".[ص154]
وفي مقاله (الباشا) أرجاء الكنيسة وعلاقتها بالسلطة العثمانية، والصراع الإسلامي المسيحي حول هذه البقعة من الأرض، صراع الروم مع العرب ثم مع العثمانيين، والرحالة يخفي نزعته غير الموضوعية خلف لغته التي تذوب في الانبهار بالحارث المسيحي، الذي صار بعيداً عن أوربا، ثم ينتقل في مقاله (مسجد عمر ) ليشير الى بشارتا جبريل (المسيحية واليونانية)، ثم تناول الاخبار السارة ؛ فقال: " تجولت وحدي ، مليئاً بالعذاب والسخط ،وفجأة.."،[ص164-165] يلوح له منظر المسجد فيشعر "براحة شديدة وصالح قلبي مع التراب. وكان يلمع تحت الشمس ، متلألئاً، بهيماً ، ذا ألوان متعددة ، مثل ذكر طاووس عملاق".[ص165] ثم يستمر في وصف هذه الرحلة وما فيها مفارقات كملاحظاته حول اللغة العربية والحروف العربية وما يخص الهوية الإسلامية للمسجد ، ثم يصور نواح اليهود في مقاله (نواح العبرانيين) حول حائط المبكى فيقول:" لقد جاء اليهود الى هنا من أركان الأرض الأربعة ليجتمعوا ويبكوا معاً".[ص172]فلم يعد زعيمهم موسى المشرع والقائد "وإنما اليهودي التائه، المشرّد(...) ليتمكن يهوه من رؤية الأعماق التي سقط فيها شعبه المختار".[ص173]
وآخر مقال عن القدس هو (أرض الميعاد) يكمل به تصوره عن ما رآه من ممارسات اليهود بحثاً عن أرض الميعاد، فيصف بعض الأماكن كالسامرة والجليل، ويبحث عن الحليب والعسل الذي وعد الرب شعبه بهما، كما لاحظ المزارع الجماعية التي تأسست بعد وعد بلفور ومساعدة قوات الاحتلال البريطاني لفلسطين في تحقيق هذا الوعد، ثم يحاول ان يجري نوعاً من الموازنة بين الشعب اليهودي والغجر، من خلال حوار له مع يهودية هناك، فيقول:" زعيم الغجر يمنع شعبه من بناء بيوت أو غرس أشجار أو إقامة أسوار. انهم ينصبون خيامهم في الأرض لفترة من الزمن ثم ينتقلون الى مكان آخر بحرية"؛ فكانوا من جوابها له :" لم نعد نريد أن نكون يهود تائهين".[ص179] ثم عرج على الحركة الصهيونية وخداعها لليهود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم