الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصائد تونسية ستبعث في أعماقكم الشعور بالانتماء إلى طين الأرض..أرض فلسطين العطرة (شعراء تونسيون يكتبون بمداد الروح..نصرة لفلسطين)

محمد المحسن
كاتب

2023 / 12 / 23
الادب والفن


-الشاعر هو جبهة الدفاع الأولى عن قضايا الخير والعدل والإنسانية بأدواته التي تنبثق من الضمير وتصل إلى الضمير (الكاتب)

الشعر لغة الأرض والسماء،موهبة تختص الأرواح الطيبة التي في طيبتها تنشد الأبيات الشعرية،ولقد لمع كثير من الشعراء التونسيين في سماء الأدب،ولكن الشعراء الذين ينشدون الأشعار الملتزمة النابعة من أعماق الروح،أشعارهم تجري على الألسن،وتواجه إقبالاً كبيراً، كأن ما يخرج ويصدر من القلب،يدخل على قلوب الآخرين ويترك أثراً كبيراً في الروح (الكلمة التي تخرج من القلب تقع فيه).
ففي الوقت الذي تستحضر فيه غزة،العزة للأمة،وتعزز مكانتها،وتعيد ريادتها،وتسعى لإعادة الحق المسلوب إلى أهله،والأقصى الأسير إلى أصحابه،يجسّد المثقفون التونسيون في خضم العدوان على القطاع عبر أشعارهم،مصطلح أدب المقاومة،والذي يعود الفضل في إطلاقه إلى الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني،بعدما أطلقه في أعقاب نكبة 1948.
وهنا أقول : هناك طرق عديدة ومختلفة للتعبير عن روح المقاومة والنضال،في حين أنّ معظم الناس يجدون أنّ الاحتجاجات أو المقاطعة طرق ناجعة للتعبير عن التمرد والممانعة،إلا أنها بالتأكيد ليست الخيارات الوحيدة المتاحة،كما أنها ليست مجدية دائماً بالنظر إلى مدى قوة الجهة الظالمة وإنكارها لأبسط حقوق الإنسان.
وعلى هذا الصعيد،ومنذ النكبة في عام 1948 اتخذت المقاومة في فلسطين أشكالاً عديدة ومختلفة من النضال ضد المستوطنين الإسرائيليين،لطالما عانى الفلسطينيون عبر عدة أجيال من الألم والبؤس والفوضى،مما أدى إلى تحول المعاناة التي لا تنتهي إلى رغبة في تفريغ كل هذا الغضب.ولا تقتصر إرادة الأجيال العربية القوية على مناقشة القضية والتحدث عنها فقط،بل تتعدى ذلك لاستخدام الورقة والقلم لتوثيق الأحداث،الأمر الذي يعدّ أداة قوية للتعبير عن مشاعر الاحتجاج والغضب.
وبالرغم من الصورة النمطيّة السائدة عن المجتمع العربي،ومن حقيقة أننا شهدنا بعضاً من أكثر الأحداث فظاعة في العالم واضطرارنا للتعبير عن أصواتنا من خلال بعض الإجراءات المتطرفة،إلا أنّه ينبغي علينا دائماً التذكير بأنّ هذه المنطقة العربية قد أنجبت شعراء وأدباء يمتلكون القدرة على توثيق الحدث والتأثير بشكل كبير على الناس-وهذا يشمل المبدعين التونسيين.
وبالعودة إلى النقطة الرئيسية،دعونا لا ننسى بأنّ الصورة تساوي ألف كلمة،وكما قالت الكاتبة فدوى طوقان،لا يحتاج الأمر سوى قصيدة واحدة لخلق 10 مقاتلين فلسطينيين.
وبهدف التعريف بتأثير الأدب على المجتمعات،تارة من خلال النثر وتارة أخرى من خلال الشعر الحر،نعرض لكم بعض القصائد التي نشرها شعراء تونسيون تتيح لكم فرصة قراءة ما بين السطور وفهم العلاقة القوية والوطيدة بينهم وبين فلسطين.وغزة أرض العزة والقدس الشريف..
لأجيال عديدة كان الشعر العربي يغرف حبره من جرح فلسطين،جرح راعف ومتدفق وسيّال ومستمر ولغوي أيضا،لأنه تأسس على مجرد حناجر في غياب سواعد كان بإمكانها لو وجدت أن تغير وجه التاريخ..
د-طاهر مشي
الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي التصقت العديد من أشعاره بطين الأرض،في انتصار مطلق للفضية الفلسطينية الخالدة ونحت بالتالي لوحات إبداعية تجلى فيها الصوت الفلسطيني وهو يخرج من شرنقة الحصار،وينسل من عقال الظلم والظلام..وحضرت فلسطين في ثوب إبداعي مطرز بالرفض والصمود والتحدي.
هذا الشاعر الفذ (د-طاهر مشي) ما فتئ شعره يلهج بذكر فلسطين،ويستغيث الشعوب لنجدة أهلها.
هي فلسطين تاريخ طويل من النضال وإرث خالد من البطولات،وسجل ناصع للشهادة،تتراكم عبر الشعر الذي قيل فيها معاناة الفلسطينيين وأحزانهم النبيلة وصمودهم المذهل..
لنسافر معا إلى رحاب الإبداع ونستمتع بإشراقاته الإبداعية الخلابة من خلال القصيدة التالية..دون أن-نسكب الدموع-فلا وقت للبكاء..
لنحْمِي الأقصَى والإسلامَ جَمْعا!/فِلسطيني أنا قد ضِقتُ ذَرْعا/فصُهيونٌ طغى والأهلُ صرْعى
نموتُ اليومَ في حرْبٍ ضروسٍ/وصدرُنَا في الوَغى قد بات دِرْعا/نلاقي الموت لا نَنْأى بِدربٍ
ونتلو مِن كتابِ اللهِ سَبْعا/رأيتُ الأهل يمشون الهُوَيْنا/لحَتْفٍ قادَهُمْ صُهيونُ جَوْعى/أبادوا طفلَنا معهُ نِساءٌ/شيوخٌ غرَّروا فيهم..أشَرْعا؟/فلا ندري متى تأتي المنايا/ولكن في الوغى نمشيهِ طوْعا/نُضَمِّدُ جُرحَنا وَنسُلُّ سيْفاً/لِقهْرِ عدوِّنا،نُرْديهِ صَفْعا/وإن مِتْنا فأرضُ العزِّ تبقى
فِلسطيني أنا للنّصرِ أسْعى/فأرْضي مِنْ دَمي نسقي ثَراها/كغيْثٍ قد هَمى؛لِيَكونَ زرْعا/فذرْني مَعْ بَني صُهيونَ ثأري/فقد هَدّ البِنى وأراقَ دمْعا/أعُربي،يا بني ديني فَهيّا/نُقوِّضُ عرشَ مُحتلّينَا؛رَدْعا/نُعينُ مُقاوِماً ونفُكُّ أسرى/ونحمِي الأقصَى والإسلامَ جَمْعا!
يعبّر د-طاهر مشي في شعره عن رغبة واضحة،تشكّل مرتكزاً مهماً لفكره النضالي،وتقوم هذه الرغبة على تأصيل الاتّجاه المقاوم في الوجدان العربي،وصقله بالشخصية الفلسطينية،التي تنبعث في نصوص الشاعر نيران غضب في وجه المغتصب،وإشادة بالصمود الأسطوري المذهل للمقاومة الفلسطينية،لذلك كان التأكيد على ثبات الهوية الفلسطينية في مواجهة سياسة التهويد،وسلب الحقوق التي ينتهجها الاحتلال الغاشم.
أ-نعيمة المديوني
في ذات السياق تبدع الشاعرة التونسية أ-نعيمة المديوني مخاطبة إمرأة فلسطينية "تتولّد من أوجاعها فتقول :
لا تحزنيلا تذرفي الدّمعفدمعك يهزّ نعشي/أنا الفدائيّ..هويْتك/هويْت قدسي/افتديْتها/بروحي..بعشقي/آبتسمي..زغردي/أنيري مرقدي بغصن زيتون هو مابقي لي.."
إننا لم نعد في عصر ننتظر فيه-صلاح الدين الأيوبي-كي يكتب ملحمة الإنتصار وهي تتخبّط في بحر التآمر الدولي،ذلك أنّ المعجزات التي تتخفى في ثنايا-الغيب-لن تكون المعادل الحقيقي لعظمة هذه المقاومة الباسلة،وما علينا إلا أن نعي أنّ الغاضبين هم الذين يصنعون أسس عمارة الإنتصار التي ستنتصب في مسيرة التاريخ شاهدا على أنّ المقاومة في تجلياتها الخلاقة فعل يوازي عظمة الشهادة.
وشاعرتنا الفذة أ-نعيمة المديوني..من هنا..من الشمال الإفريقي (تونس) تترجم غضبها وسخطها على من دنسوا أرض فلسطين واغتصبوها نصا شعريا مفعما نضالية،ومشبعا حوارية مع المتلقي الذي بدوره يستدعي النصوص الدينية والتاريخية ليخرج بقراءة ذاتية للنص.
د-فائزة بنمسعود
أرق القضية الفلسطينية المقدسة،يختلف عن الشاعر عمن سواه من الجماهير،وما سمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره،فالأرق والقلق يحترق في عقل الشاعر،ويخترق سويداء قلبه،فينتج شعرا صادقا من خلال تجربة فنية ناضجة بالألم والأمل.وهو ما تجلى في قصيدة الشاعرة التونسية القديرة د-فائزة بنمسعود "يا ابنة الطوفان" فألم فلسطين الجريحة يؤرق شاعرتنا ويقلقها فتنتج تجربة شعرية خاصة،ترسم من خلالها صورة فلسطين الواقع والمستقبل،صورة تستشرف المستقبل قبل أن تنسخ الواقع.
يــا ابـنـة الطـــوفــان/وتســـأل إدفــا/والجواب واضح وجلي/لِــمَ تســأل/والجواب كان قبل السؤال/مكتوبا في لوح محفوظ/على جبين وطني/كان ومازال كما يلي/لا مكان للغرباء
لا مكان للأنجاس/لامكان لمـن/لعنة الانسانية تتبعهم/وغضب الرب عليهم سرمدي/لا مكان للخزي والعار/في موطن الطهر الأبي/ووطني لا يتسع/للمغتصب المعتدي/ومهما جار/ومهما تنكّر/ولباس العهر استعار/ومهما بسلاح الغدر استجار/فتربة أرضي تلتهم/كل من ظلم وجار
يـا ابنة الطوفان/لله كفيك ارفعي وابتهلي/وبـكل ثقة في النصر القادم ردّدي/اللهم/لا تذر على الارض من الكافرين ديّارا/وتسأل إدفـا/جدتي واضعة حجر أساس الكيبوتس (المستوطنات) أسيرة عند العربي/يـا قوم يا بني صه..يون جدّتي أسيرة/جدتي التي آمنت بالصهيونية أسيرة
هو ذاك كسيرة الجناح أسبرة/هو ذاك عدل السماء نزل يـا إدفا الحقيرة/وأين حق جدتي التي أحرقتم بيتها/وقلعتهم زيتون ضيعتها/وقطعتم أوصالها/وفقأتم عينيها/وجدعتم أنفها حتى لا تستنشق/عطر تربة قبرها/أعيدوا لي جدتي وجداتي/أعيدوا لي أرضي وزيتوني وزعتر غاباتي/ردوا علي غزتي وقدسي وجليلي/وكل اتجاهاتي/جدّتي كانت في طلب حقها صامدة عنيدة/جدتي أحتسبها عند الله شهيدة/وجدتك يا إدفـا/ورقة في شجرة نبتت في تربة أبيه ترفض الخبث والنجاسة/وأعاصير(طوفان الاقصى) اقتلعتها/فيا لـتعاستكم بآل التعاسة..
لقد نجت شاعرتنا (د-فائزة بنمسعودي) من براثن البكائية الرومنسية التي لا تكف عن ندب الحال،والصراخ بلا انقطاع،تلك البكائية التي لا تختلف عن البكاء على الأطلال قيد أنملة،فكلاهما بكاء على اللبن المسكوب،واستدعاء للماضي دون بناء للمستقبل،في حين أن شاعرتنا تنطلق من جروح الواقع الغائرة،إلى إيقاظ النفوس الثائرة لتبني قُدْسا طاهرة خالية من الفساد والمفسدين.
أ-جلال باباي
إذا كان الأسلوب طريقة المبدع في التعبير عن أفكاره وأحاسيسه وانفعالاته (صياغة لغوية)،فإن الأسلوبية طريقة المتلقي في قراءة النصوص وتأويلها (الكشف عن الخصائص الفنية للعناصر اللغوية وصولًا إلى دلالتها العميقة والمقصودة)،أي تكامل بين الشكل والمضمون أسسته الظواهر أو المقولات الأسلوبية الثلاث وهي: الاختيار،والتركيب،والانزياح.
الشاعر التونسي المتميز جلال باباي في قصيدته التالية اتخذ الأسير الفلسطيني معادلًا موضوعيًا ليفرغ عليه مشاعره وأحاسيسه وعاطفته التي تلوج في صدره،فجسّد من خلال هذا المصطلح النقدي الحداثي علاقته به،وبيّن موقفه تجاهه بأسلوب شعري حارق،وعكس تجربته الواقعية،فهو يصوره-تصويرا تراجيديا-دون أن يسكب عليه فائضا من الشفقة إيمانا منه بأنّ القضايا العادلة تحتاج إلى السياسة الصائبة أكثر من حاجتها إلى قبور الشهداء..
..سجين القبر المتحرٌك
الإهداء: إلى كل الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال الصهيوني.
صُفٌِدت السيقان بالحديد/تُقاد الاجساد المحنٌطة/إلى مقابرها المتنقلة/أسقف عارية/ايادي مبتلٌة ترتعش/يحمل المقيمون الجدد/معهم شقاء الوطن/وعلى ناصية الإسمنت البارد/تُجلدُ ظهور المعتقلين/تتيبٌس صدورهم/على كراسي "الباص" الصٌامت/ثمٌة دويٌ ضوء خفيف/بين قضبان الشباك المنفرد/تقتنص الأعين حالات موت شتى/بين الباب الضيٌق/وزحمة العصيٌ فوق الرؤوس/ثمٌة إغماء بين الثنايا/وممرٌات نابلس/زنزانة تئن بالقلوب المنسيٌة/حطٌت الأقدام المقيٌدة/على أرض النٌقب البعيدة/لم يكترثوا بالموت جلاٌدو "البوسطة"/لم تكفهم أربعة أيام
حتى تنام حواسهم قليلا/هناك..بين المحطٌة والألم/سحابة تنجلي إثر أربعين عاما/هناك..ميٌت لم ينكسر..هناك..ميٌت عاد إلى الحياة.-من وحي "قصة فلسطين"
على سبيل الخاتمة :
ما زالت فلسطين تشكل جرحاً عربياً لم يندمل بعد،رغم مرور سنوات طويلة عليه،سنوات لم تستطع أن تمحو ذلك القهر والبؤس،الذي رسمته القوات الإسرائيلية الغاشمة على أوجه الأطفال الفلسطينيين،والدماء الكثيرة التي أريقت في حدائقهم،ومشاعر التنكيل والتصغير والاحتقار والمذلة،التي قوبل بها الشعب الفلسطيني.
وإزاء الصمت شبه المطبق والرهيب اليوم حيال القضية الفلسطينية من جانب معظم الأنظمة العربية،التي يخيل إليها أن أميركا مستعدة دوما للدفاع عن "أمنها" في مقابل صمتها المأجور تجاه الممارسات الإسرائيلية،تُطرح تساؤلات: أليست القضية الفلسطينية هي من علمتنا دروساً في الوفاء للأرض والنضال؟ هل نسينا آلاف التضحيات،التي قدمها كبار المثقفين العرب من مختلف أصقاع البلاد العربية،ممن ظلوا يصرخون بإسم فلسطين حتى وافتهم المنية؟
ألم تعد فلسطين تستحق أن تكون نجمة العرب الأولى بامتياز؟
مثل هذه التساؤلات ترج كياني في لحظة من اللحظات وأنا أتتبع المسار الفكري والأدبي والفني لدى مثقفين عرب كثر،مستعيداً الزخم الفكري،الذي دشنه كبار المثقفين العرب حول هذه القضية،التي تحتفظ براهنيتها.وتتبدى لنا ماهية ذلك من خلال آلاف الكتب والجرائد والمجلات السبعينية والثمانينية،التي جعلت من القضية الفلسطينية بمختلف أبعادها قضية مركزية داخل صفحاتها،فلا يمكن تصور حجم القصص والأشعار والروايات والمسرحيات والأفلام والمعارض الفنية،التي أنجزت حول فلسطين،وما تزال تشكل اليوم وثيقة تاريخية وعلامة بارزة في تاريخ الفكر السياسي المعاصر.
وتستحق فلسطين الآن أن نعيدها إلى الواجهة ضمن قصائد شعراء أبدعوا في انتصارهم لهذه القضية المقدسة : فلسطين الجريحة..على غرار القصائد التي عرضناها،هذا دون أن نقلل من أهمية الشاعرات والشعراء التونسيين الذين أثثوا المشهد الشعري التونسي والعربي بقصائد وابداعات تستنهض الههم وتؤسس لغد مشرق تتهودج فيه فلسطين في ثوب التحرير،سنتناولها في مقارباتنا القادمة بالدراسة والتحليل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل