الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من عوامل تجاهل التونسيين للانتخابات المحلية

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2023 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


أسدل الستار اليوم على الاستحقاق الانتخابي المحلي بتونس في دورته الأولى ،وشهد على غرار سابقيه منذ 25 جويلية 2021 ومنذ تعطل المسار الديمقراطي إقبالا محدودا على صناديق الاقتراع.
وعلى الرغم من أهمية عوامل الجوار والقرب الجغرافي والعلاقات الاجتماعية والانتماء المشترك للناخب والمترشح لنفس المجال المحلي كمشجع ومحفز على المشاركة في الانتخابات المحلية مقارنة بالاستحقاقات الجهوية أو الوطنية فإن عوامل عديدة ساهمت في الحصول على نتائج محدودة جدا مقارنة بالمعدلات العالمية وحتى مقارنة بفترة الانتقال الديمقراطي في تونس بين 14 جانفي 2011 و 25 جويلية 2021 .
وبالعودة إلى العوامل المفسّرة لهذا الضعف في المشاركة وارتفاع نسب التغيب والامتناع والعزوف يمكن حصرها في ما يلي :
السياق السياسي : حيث تمت الانتخابات في مناخ سياسي غير ملائم وغير جاهز وبمبادرة من السلطة القائمة دون أي مساهمة من القوى الحية في المجتمع من جمعيات ومنظمات وطنية وأحزاب سياسية وفاعلين في الشأن العام ، فهو استحقاق ناتج عن إرادة الجهاز التنفيذي للسلطة دون سواه من محركات المجتمع ومحركات الشأن الساسي .
تجري الانتخابات أيضا في ظل أزمة سياسية ميزت السنتين الأخيرتين ميزتها تنافر بين السلطة القائمة والأجسام الوسيطة جميعها والتي لم تكن شريكة في صياغة النصوص وتركيز المؤسسات التي بنيت عليها هذه الانتخابات وهو ما جعل كل هذه القوانين وكذلك الهيئة المشرفة على الانتخابات محل تساءل حول قدرتها على ضمان انتخابات نزيهة .
- غياب الأحزاب السياسية التي تصنع الحدث الانتخابي عبر الحملات والتنافس وتحريك الناخب ودفعه للاهتمام بالعملية الانتخابية ترشحا ومشاركة في الحملات وتصويتا، فالغياب شبه التام للأحزاب السياسية باستثناء أحزاب قليلة موالية للسلطة القائمة ،أفقد المنافسة معناها خاصة وأن كل المترشحين بمشاركتهم عبروا عن انخراطهم في المسار السياسي الجديد للرئيس الحالي ولا منافس لهم غير المقاطعين فالتنافس الظاهري داخل نفس المكون السياسي لا يجلب اهتمام المواطن لدعم أي طرف على حساب أخر يشترك معه في نفس الخط السياسي والاختيارات.
- دعوات واسعة للمقاطعة من أغلب المشهد السياسي الديمقراطي وغير الديمقراطي .
- ضعف دور الاعلام الجماهيري في هذا الصنف من الانتخابات مقابل التواصل المباشر للمترشحين والذي يتطلب امكانات بشرية ومالية لا تتوفر لمترشح فردي معزول غير مستند لحزب سياسي أو جهة داعمة.
والذي يساهم بشكل واضح في خلق الحركية السابقة لعملية التصويت . - ضعف التمويل للحملات
- غياب الوجاهات المحلية والجهوية والوطنية على هذه الانتخابات والاقتصار على أفراد أغلبهم يخوض تجربته الأولى دون معرفة بأليات التواصل الانتخابي وبالخطاب السياسي و كيفية إدارة العملية الانتخابية والتعبئة والاستقطاب.
- عامل الجوار بقدر تحفيزه للمشاركة بقدر ما يمكن أن يكون لترشح أفراد معروفين من أجوارهم مفعولا عكسيا فالعلم بالتاريخ السياسي للمترشح وبمدى نجاحه في حياته المهنية الاجتماعية وحتى الأسرية سيكون له تأثير حاسم على ثقة الناخب ويغطي على البرامج والبعد الموضوعي للاختيار مقارنة بالترشحات ضمن الدوائر الواسعة حيث تغيب التفاصيل العائلية والخاصة للمترشح.
- عزوف فئة واسعة من الشباب عن العملية الانتخابية في كل الاستحقاقات حتى التي دارت في ظروف تعددية وكذلك ثبات نسبة تصل إلى النصف من الجسم الانتخابي تتميز بالتغيب المزمن على الاستحقاقات الانتخابية مقابل الاقبال الهام للفئة العمرية التي تتجاوز 60سنة وهي فئة وفية للقيام بهذه العملية قبل الثورة وبعدها وهي أيضا الفئة التي تتركز فيها نسب الأمية المرتفعة وكذلك الأكثر التصاقا بالواقع المحلي الذي تعيش فيه وتمارسه وتتفاعل مع مستجداته ومنها الانتخابية.
- الانهاك الانتخابي : تعدد وتتالي الانتخابات مما أنهك واستنزف المواطن وحول الاقتراع إلى ممارسة عبثية حيث لا يجد الناخب فرقا بين ما قبل الانتخابات وبعدها سواء التشريعية أو المحلية في ظل حكم يتسم بالفردية واضحة المعالم في صناعة القرار والسياسات والمؤسسات.
السياق الاقتصادي : حيث يتميز الوضع المعيشي للمواطن بأعلى مستويات تدهوره وفقدان للمواد الأساسية وتردي الخدمات الاجتماعية مما جعل من الوضع المعيشي له الأولوية القصوى لدى المواطن مقارنة بالشأن السياسي والانتخابي خاصة في ظل مشهد غير تعددي يجعل من المشاركة من عدمها لا تأثير مباشر لها على اتخاذ القرار السياسي في النهاية ولا على وضعه المعيشي .
النجاعة : فلم يجد المواطن داع للمشاركة في هذه الانتخابات لفقدان النجاعة المرجوة منها فبالإضافة إلى ضبابية مهام ما ستفرزه الانتخابات المحلية، ساهمت تجربة الانتخابات البرلمانية التي لم يكن لها أي أثر في حياة الناس كذلك الصلاحيات المطلقة للرئيس بنص الدستور مقابل الحصيلة السلبية للحكم مما يجعل من انتظار تغيير من الانتخابات المحلية مسألة عبثية في ذهن المواطن – الناخب.
في نفس الاطار مثلت الحصيلة الهزيلة لتجربة المجالس البلدية رغم التعددية والتي تحولت إلى فضاءات للصراع في البداية ثم الاستقالة من العمل اليومي وانتهى بها الأمر للحل وتعويضها بأشكال أضعف وأقل صلاحيات كالمجالس المحلية مما قدم صورة مشوهة عن إدارة الشأن المحلي.
- ضعف مكانة العمادة كتقسيم ادري ووحدة ترابية ومجالية ضمن المنظومة الترابية الوطنية خاصة بالمدن على أهميتها النسبية بالأرياف مع العلم أن ثلاثة أرباع الشعب التونسي يسكن المدن والنصف بالمدن الكبرى حيث يغيب دور العمادة بشكل شبه كلي مقابل أهمية البلدية في تصور الناخب وانتظاراته وعلاقته بالمرفق الإداري والمحلي.
عوامل عديدة غيرها ساهمت في تجاهل الناخب التونسي للانتخابات المحلية وهي عوامل موضوعية تكشف الدور الذي لعبه الانتقال الديمقراطي في تمرس الناخب وقدرته على اتخاذ القرار المناسب بالمشاركة أو بالمقاطعة أو كذلك بالتجاهل وهذا الاستحقاق اتسم بالتجاهل أكثر من العزوف والمقاطعة ولهذا دلالات سياسية عميقة.
الانتخابات المحلية الأخيرة في دورها الأول كرّست العملية الانتخابية الشكلية وهي ميزة الأنظمة في مرحلة ما قبل الديمقراطية أو الديمقراطيات المشوهة حيث يتم الاقتصار على صندوق الاقتراع وتعدد الهياكل والمؤسسات كمظاهر للديمقراطية الشكلية دون أن يكون لها دور أساسي في المنظومة السياسية القائمة.
*باحث في الجغرافيا الانتخابية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟