الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباب انتكاسة التيار (المدني) في الانتخابات المحلية

ثامر عباس

2023 / 12 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قد يستغرب البعض من العراقيين المتفائلين انتكاسة التيار السياسي (المدني) المنضوي تحت مسمى (قيم) في الانتخابات المحلية التي جرت يوم الاثنين المصادف الثامن عشر من الشهر الجاري (كانون الأول) ، بعد أن داعبت مخيلتهم المجيشة بالشعارات والمعبأة بالخطابات الكثير من الأحلام والأوهام . من منطلق ان الشارع العراقي قد ذاق ذرعا"بممارسات القوى السياسية التقليدية (الشوفينية والطائفية والقبلية) ، التي أدخلت البلاد في دوامات من الخراب الحضاري واليباب الإنساني على نحو غير مسبوق ، جراء تعميم الفوضى واستشراء الفساد في كل مرفق من مرافق الدولة وضمن كل قطاع من قطاعات المجتمع . بحيث ان هؤلاء اعتقدوا ان فرص نجاح التيار في هذه الانتخابات (المحلية) ستكون مجزية لا بل وفيرة ، وبالتالي سيشهد العراق باكورة تحولات نوعية على كافة الصعد والمستويات .
وعلى أساس من هذا الاعتقاد الخاطئ ، فقد ظن أولئك البعض أن العراقيين هذه المرة سوف لن يكرروا ذات الأخطاء التي ارتكبوها في السابق ، لاسيما حيال اختيار مرشحيهم (ممثليهم) - كما حصل في الانتخابات التشريعية الماضية - وفقا"لقواعد الانتماء الأصولي والولاء العصبي الأثيرة لدى الجميع ، بعد أن تكشفت لهم عواقب ذلك الاختيار وتعرت أمامهم أكاذيب وادعاءات من سوقوا أنفسهم ك (منقذين) و(مخلصين) لنيل أصوات الناخبين المخدوعين بالوعود . وإنما سيغيرون بوصلة توجهاتهم صوب القوى (المدنية) المستقلة التي روّج الكثير عن أهدافها (الوطنية) وبرامجها (الإصلاحية) ، متجاهلين حقيقة ان مكونات المجتمع العراقي – ضمن جغرافية الوسط والجنوب - لن تفضّل مصالح (المواطنة) على مصالح (القبيلة / العشيرة) أو (الطائفة / المذهب) . مثلما ان مكونات الشطر الشمالي من جغرافية الإقليم العراقي ، لن ترجح انتمائها (الوطني) الشكلي على ولائها (القومي / الاثني) الأساسي ، لاسيما وان جميع المكونات العراقية – شمالا"وجنوبا"شرقا"وغربا"- باتت غارقة في مستنقع الانتماءات التحتية والولاءات الفرعية ، وانه يستحيل عليها التخلص من هذه الروابط الأولية والتملص من تلك الوشائج العاطفية بهذه السهولة مهما كانت التحديات التي تواجهها والتضحيات التي تتطلبها .
والغريب في الأمر ان مرشحي التيار السياسي (المدني) المهمشين ، فضلا"عن الجمهور المنخرط في حملاتهم الانتخابية الفقيرة ، لم يروادهم أدنى شك حيال معطى سوسيو – سياسي أضحى واقعا"ملموسا"مفاده ؛ ان الشعارات التي تبناها هذا التيار وراهن عليها ، لم تعد تجد لها ضمن تكوين المجتمع العراقي الحالي صدا"يمكن الركون إليه والتعويل عليه كما كان يظن ، خصوصا"وان الأفكار والرؤى والتصورات التي أسس عليها هذا التيار وجوده الاجتماعي وشرعيته السياسية ، لم تعد تحظى بذاك الاهتمام والتعاطف الذي كانت تتمتع به في السابق ، وذلك جراء مجموعة من الأخطاء والانحرافات التي تورط بها رموزه بعد أحداث (السقوط) التي تمخضت عن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 . وهو الأمر الذي أفضى – ولا يزال - الى عزوف الكثيرين ممن كانوا يحملون تلك الأفكار ويروجون لها ، كما لو أنها كانت تمائم دينية تستحق التوقير والتقدير .
وبدلا"من أن يصار الى مراجعة هذه التجربة الكسيحة مراجعة (نقدية) صارمة ودراستها دراسة موضوعية معمقة ، تتوخى البحث عن الأسباب الفعلية والكشف عن العوامل الواقعية التي أفضت الى حصول هذا الفشل والإخفاق ، رغم كل العوامل الذاتية والموضوعية التي كان من المتوقع أنها ستحقق (فوزا") كاسحا"لمرشحي هذا التيار على منافسيهم ، فقد ارتأى (الفاشلون) - لتخفيف وطأة الصدمة – صبّ جام غضبهم على فساد المؤسسات المسؤولة عن فبركة نتائج هذه التجربة ، فضلا"عن اتهام القوى والكتل السياسية (الفائزة) في التلاعب بأعداد الناخبين لصالح هذا الطرف أو ذاك ، وكأنهم لم يكونوا على دراية تامة بطبيعة هذه العملية التي مهما طبل وزمر عن طابعها (الديمقراطي) المزيف ، لم يكن مخطط لها تحقيق العدالة وضمان المساواة بين المتنافسين .
والحقيقة ان كل من تناول تجربة هذا التيار (المدني) ظلّ – حتى بعد مفارقات وتداعيات ما بعد السقوط – متمسكا" باعتقاد ان كل ما جرى ويجري ، لم ولن يؤثر على سيرورات البنى الاجتماعية والأنساق الثقافية والسياقات التاريخية التي كانت فاعلة في مضامير الواقع الاجتماعي للعراق ، وبالتالي فان معظم الجماعات المنضوية تحت شتى مسميات (اليسارية) و(العلمانية) و(الليبرالية) و(الديمقراطية) استمرت محافظة على رصيدها الشعبي وصيتها الجماهيري ، حتى بعد أن جردها الواقع المعاش من صدقية الكثير من الادعاءات والمزاعم التي كانت تتحصن خلفها وتحتكم اليها ، بحيث استمر وهم الاعتقاد بأنها لم تفقد مواقعها ولم تخسر أنصارها رغم كل ما طرأ على الواقع من انهيارات مدوية وانكسارات مفجعة . أي بمعنى انه كان ينظر الى واقع المجتمع العراقي الحالي نظرة استاتيكية جامدة لا جديد فيها سوى الثبات والاستمرارية ، وان كل الذي حصل من تغيرات جذرية وتحولات عميقة وانقلابات واسعة ، حيث عصفت بهذا الواقع المتداعي على نحو دراماتيكي لم تطال سوى أبعاده (الفوقية) السياسية والاقتصادية والعسكرية ، في حين حافظت أبعاده (التحتية) السوسيولوجية والانثروبولوجية والسيكولوجية على ثباتها الأصلي وسكونها الدائم .
وهكذا يمكن القول ؛ ان الانتكاسة التي مني بها التيار السياسي (المدني) في الانتخابات المحلية ، لم تكن حالة شاذة خارج السياق أو واقعة طارئة غير متوقعة ، بقدر ما كانت تعبير عن واقع حال جرى نسيانه وإهمال معطياته ، الأمر الذي لم يتأخر في الثأر لنفسه من كل أولئك الذين اهتموا بكل شيء ، سوى أنهم وضعوا سيرورات الواقع ودينامياته خلف ظهورهم ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ‎ماهي مقترحاتكم لتحسين الاداء
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 26 - 08:10 )
الاستاذ المحترم
تشخيصكم للواقع العراقي اليوم صحيح حيث تسود الطائفية والعشائرية وشراء الذمم بالتوظيف في الحكومة وغيرها من ظواهر تقول ان التخلف والفساد وصل للنخاع
عندما يجري النقد والتحليل لقضية لابد من زيارة لبعض المقترحات والحلول وهو ماخلت منه مقالتكم كي تكون مفيدة
هل ترون مثلا بعدم جدوى المشاركة ؟ ولماذا
الرأي الاخر ، ومنهم انا اعتقد ان المشاركة في الانتخابات اهم عمل للاحزاب حتى في ظروف العراب فعلى التيار المدني معرفة فن خوض الانتخابات وهو فن حرمت منه الاحزاب العراقية لعدم ممارسة الديمقراطية في العراق والاعداد للانتخابات يحتاج عمل سنتين كما معروف في الاالم وليس شهرين كما تفعل احزابنا المدنية
هل تحتاج القوى المدنية تغيير خطابها ومنهجها للتفاعل مع الجمهور ..نعم وكان بود القارئ معرفة هذا الجزء وكيف فهو في جوهر الموضوع
هل تحتاج الاحزاب والقوى المدنية الى منهج عمل جديد مختلف ؟ نعم تحتاج وهذا ايضا موضوعا هاما
ان القوى والتيار المدني نعم خسرت الانتخابات وكن هي ايضا فرصة للتقييم
واعتقد ان تحسين الفرص ستأتي بعد الاجابة عن السؤالين احابات صادقة مبدعة يمكن ان تيساهم بها مثقفينا المدنيين


2 - التيار المدنى لم يخسر
على عجيل منهل ( 2023 / 12 / 26 - 11:36 )
ما حصلت عليه القوى المدينة لا يمثل خسارة كبيرة، لأنها لا تزال في بداية طريق طويلة لاستقطاب الاغلبيه الصامته
وبافتراض أن تحالف «قيم» يمثل الفئة الأولى من التيارات المدنية، فإنه لم يحصل إلا على 6 مقاعد في 15 محافظة، وهي نتيجة لا تسمح له بالتأثير في ميزان القوى داخل المحافظات، كما أنه لن يكون رقماً صعباً في المفاوضات على تشكيل الحكومات المحلية
ويضم تحالف «قيم» أكثر من 10 أحزاب قديمة وناشئة، من بينها «الحزب الشيوعي العراقي»، و«التيار الاجتماعي الديمقراطي»، و«حزب البيت الوطني»، و«الحركة المدنية العراقية»، و«حركة نازل أخذ حقي»، إلى جانب النائب المستقل سجاد سالم
وحصل تحالف قيم على 3 مقاعد فى محافظة الديوانيه القادسيه


3 - وفى بيان للحزب الشيوعى العراقى جاء فيه
على عجيل منهل ( 2023 / 12 / 26 - 11:40 )
لقد تحملتْ القوى المدنية العبءَ الأكبر من تداعيات حالة العزوف والمقاطعة للانتخابات كون جمهورها كان الأكبر في ذلك. ومع ذلك حقّق تحالف قيم المدني حضوراً في عدد من المحافظات، لكنّه بالتأكيد لا يتناسب مع حجمهِ وحضورهِ والطموحِ الذي كان يسعى اليه، وهذا يثير أيضاً شكوكا أخرى بشأن مجريات يوم الانتخاب والنتائج المعلنة ومدى مطابقتها فعلا لأصوات قوى تحالف قيم المدني. مع الإشارة إلى أن الأحزاب المتنفذة هي الأخرى خسرت ما يقارب مليونَ صوت، ما يؤكد اتساعَ الفجوة بينها وبين أوساط متزايدة من المجتمع. وهي نتيجة منطقية لحكمها الفاشل.
لقد شرعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي فورَ إعلان النتائج الأولية، في دراستها، وهي بصدد مراجعة شاملة للنتائج والعمل الجاد ـ بشعور عالٍ بالمسؤولية ـ على معالجة الأخطاء والنواقص التي رافقت الحملة الانتخابية.


4 - ملاحظات واعتراضات
ثامر عباس ( 2023 / 12 / 27 - 10:52 )
أولا-- بالنسبة للصديق (لبيب سلطان) أود توضيح الآتي ؛ ان موضوع المشاركة من عدمه في هذه الانتخابات المفبركة أمر متروك لجمهور العامة من الناس ، أما بالنسبة لقوى وحركات سياسية لها باع طويل نسبيا-في العمل السياسي والصراع الحزبي ، فان قرار المشاركة ينبغي أن يكون محسوب بدقة تامة ولا يجوز تركه لتذبذب الميول والأهواء والانفعالات . أي بمعنى أن تتم دراسة الواقع الاجتماعي دراسة تفصيلة متأنية قدر المستطاع لمعرفة حجم واتجاهات (الناخبين) المحتملين ، فضلا-عن امتلاك رؤية واضحة لطبيعة الخلفيات والمرجعيات والايديولوجيات التي تتحكم بسيكولوجية هذا الجمهور المتشظي وتهيمن على وعيه الملتبس . اذ ان الرهان لا يقوم على مجرد (المشاركة) في هذه الانتخابات أو تلك ، وانما يقوم على أساس ضمان الحصول على حدّ أدنى معقول من الشرائح الاجتماعية التي يفترض أن يكون استقطابها قد حصل مسبقا-على أساس (انزياح) في أنماط وعيها و(تحول) في طبيعة مواقفها - فعليا-لاشعاراتيا-- وعلى هذا الأساس يمكنني القول : نعم ينبغي على رموز هذا التيار العمل على تغيير مضامين (خطابه) المؤدلج وجعلها أكثر تجسيدا-لمعطيات الواقع المعاش منه الى المتخيل


5 - ملاحظات واعتراضات
ثامر عباس ( 2023 / 12 / 27 - 12:18 )
وثانيا-- بالنسبة للصديق (علي عجيل منهل) ، فاني أود توضيح ما يلي ؛ ان القول بان النتيجة التي حصل عليها (التيار المدني) في الانتخابات (لا تمثل خسارة كبيرة) فيه شيء من المكابرة وتجافي الموضوعية . خصوصا-اذا ما قورن بطبيعة الأحزاب والقوى التي يتشكل منها هذا التيار . والحقيقة ان (الفجوة) التي تتحدث عنها لا تعكس طبيعة العلاقة ما بين أحزاب (السلطة) وبين شرائح (الجمهور) المستقطب يمينا-ويسارا-، بقدر ما تعكس واقع العلاقة الفعلية بين قوى التيار المعني وبين هذا الأخير الذي يمثل أكثرية المجتمع العراقي . واذا ما وضعنا تجربة الحزب (الشيوعي) الطويلة في العمل السياسي ومقارنتها بالنتائج المتمخضة ، فان الكفة ستميل لغير صالحه بالتأكيد . حيث كان من المفروض أن تتم دراسة الواقع الاجتماعي وتحليل بنى مكوناته اجتماعيا-وثقافيا-ونفسيا-قبل قرار المشاركة من عدمة ، وليس بعد ذلك كما تشير في توضيحاتك لتبرير ما جرى من (أخطاء) و(نواقص) . هذا مع افتراض تجاهل الرصيد الفكري والمنهجي الهائل الذي يتمتع به هذا الحزب (الجماهيري) ، مقارنة بسواه من الكيانات الهشة والتجمعات الضعيفة التي دخلت حديثا-الى هذا المضمار الشائك .

اخر الافلام

.. كاتس: تركيا رفعت العديد من القيود التجارية المفروضة على إسرا


.. واشنطن تفتح جبهة جديدة في حربها التجارية مع الصين عنوانها ا




.. إصابة مراسلنا في غزة حازم البنا وحالته مستقرة


.. فريق أمني مصري يتقصّى ملابسات حادث مقتل رجل أعمال إسرائيلي ف




.. نزوح الأهالي في رفح تحت القصف المستمر