الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة السياسية الاغترابية : حوارات في العقل المشرقي.

مظهر محمد صالح

2023 / 12 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


1-تمهيد : في مقال تحليلي هائل حدثنا المفكر السياسي ابراهيم العبادي وعبر مساحة فكرية عنوانها :الثقافة السياسية في العراق ،وهي الحلقة الثالثة في مسلسل مهم في الفكر السياسي العراقي الذي انتهى العبادي فيه بالقول :

((ماتميز به العراق خلال العقد الاخير هو تراجع المشاركة الجماهيرية وظهور ثقافة تواكلية وتدني الاداء الحزبي وانحصار المشاركة السياسية على نخبة وجمهور حزبي يوصف بانه مندفع بدواعي هويات فرعية يتحرك بزخم طائفي او مناطقي ،الخطر الاكبر على النظام البرلماني يتأتى من عزوف كتلة جماهيرية كبيرة لاتعود ممثلة سياسيا اي انها تصبح خارج اللعبة الديمقراطية
وتعيش حالة اللامبالاة رغم انها متضررة وغير راضية ،انها تنصاع لضغوط بسبب غياب البدائل السياسية والبرامج الانتخابية وانعدام الثقة بالطبقة السياسية بلا تحرك فعال نحو تجديد الحياة السياسية بمشاريع واحزاب وقوى مؤمنة بجدوى التغيير )).

2- ان الحوار الذي اطلقه المفكر ابراهيم العبادي قد فتح باباً مهما في موضوع تطور الثقافة السياسية العراقية وموجباتها وعناصرها وتطبيقاتها خلال العقدين المنصرمين من عمر العراق الديمقراطي .
اذ لم يكن المناخ الديمقراطي الذي وفره التغيير السياسي بعد العام 2003 نتاج عملية دايلكتيكية متكاملة ،قوامها بالضرورة التحول الكمي وتراكماته في عوالق الماضي الدكتاتوري الى تحول نوعي ديمقراطي كاحد القوانين الاساس في تطور الاجتماع السياسي وآلياته لتنسجم مع العقد الاجتماعي الذي نتطلع اليه . فاذا كان النوع هو مجموع خواص الشيء، فان التغيير النوعي تغييرًا في حال الشيء وخواصه الجوهرية، ذلك ازاء (الكم ) الذي هو حالة عددية فحسب (كالحجم والبعد والوتيرة والدرجة) حيث ان التغيير فيه لا يؤثر في نوعه شيئا.
وازاء تقييم الانسجام النوعي في المنظومة الديمقراطية السياسية الراهنة وعلى وفق المعطيات الجدلية في تطور الاجتماع السياسي نحو مسايرة العقد الاجتماعي الجديد، نجد ان التبدل والتغيير السياسي بعد العام 2003 ومغادرة الحقبة الدكتاتورية الماضية قد عزز قيماً وآليات ديمقراطية دون احداث تبدلات نوعية في الثقافة السياسية .
فقوى ما قبل الدولة وعوالق الدكتاتورية والرعوية ونشوء قوى ليبرالية مفرطة التفكير في القيم الغربية، لم تتحول جميعها نوعيا في ثقافاتها وتصطف سياسيا في الديمقراطية الجديدة ومتطلبات العقد الاجتماعي الديمقراطي الامثل ،بل اخذت تفرض (الماضوية الكمية ) نفسها سلوكا سياسيا في رسم مستقبل سياسي مكوناتي يصعب ذوبان اجزاءه بمحلول سياسي نوعي موحد ، وينسجم والعقد الاجتماعي للعصر العراقي الديمقراطي الراهن.
3- ففي حوار مع المفكر الاكاديمي الدكتور مزهر الخفاجي الذي طرق عنوان في الثقافة السياسية مفاده : فشل التجربة الديمقراطية ام خياناتها ؟ كان لي حور مع الخفاجي بشان اطروحته المنطقية التي تناولت جذور الثقافة السياسية ووعي الديمقراطية الناشئة في بلادنا والتي لخص فيها بعمق ازمة الديمقراطية في عالم مازالت قيمه في قضية السيادة والوطن تتناغم مع فواعل الغنيمة والقبيلة والعقيدة. اذ ما اراه شخصيا في مسالة الفشل والخيانةفي المسالة الديمقراطية يعبر عنه ذلك المستوى من تعثر الديمقراطية نفسها في بلادنا .
فغياب التغير النوعي في الثقافة السياسية بات مولداً لمظاهر مصادرة ملامح تجمع بين ؛حدود السيادة والحريات ولكن عبر صناديق من التخادم والتوافق بغية الحصول على اكثرية تطبق نظاما ديمقراطيا مفوض من الشعب ولكن (باغلبية هجينة ) يفرضها التفضيل الثاني من السيادة second best of sovereignty (التي هي وليدة غياب التبدل النوعي في دايلكتيك الثقافة السياسية كتفضيل اول في بناء الحياة الديمقراطية ومناخها السيادي first best sovereignty ) بل هي مازالت اجزاء متناثرة من الثقافة الموروثة التي تتراوح بين الرعوية وقوى ما قبل الدولة والليبرالية الجديدة من طرازات محيط الراسمالية في مساره الديمقراطي ، مقابل غياب ثقافية سياسية اطارها الديالكتيك النوعي او مغادرة الماضي المكوناتي وبناء مستقبل المواطنة والهوية الوطنية بعلوها ، لتجسد هيمنة ثقافة سياسية متجانسة مع البناء الديمقراطي .
اذ يرى المفكر الخفاجي تعثر الفصل بين السلطات وكيف تسخر اجزاء من مؤسسات الحكم لخدمة الممسكين بها لبناء مصالحهم الفئوية دون حقوق وواجبات الاغلبية وعلى حساب مصالح الشعب . لذا فان من فوضهم لايمثل الاغلبية في التفويض السياسي وانما (اغلبية هجينة ) لايمكن جمعها الا عدديا وتفتقر لدايلكتيك النوع ،لذا تجدها منقسمة في فكرة سيادة الدولة، وهي مستمرة كنتاج التخادم الكمي والتوافقية العددية. وبهذا فهي اكسير استمرار ديمقراطيات العالم الثالث الهشة .
والا مالذي يفسر الدولة الموازية اليوم parallel state التي تسير جنبًا الى جنب مع الدولة الرسمية ،الا بظاهرة (انقسام العقد الاجتماعي) نفسه …!
وبهذا ينحسر الولاء للدولة وسيادتها لمصلحة اولوية الولاء للقوى المتخادمة او المتنازعة على سدة الحكم وهي لا تعبر بالضرورة عن ديمقراطية سياسية حقيقية بل عن تجذر في الثقافة السياسية الموروثة والتي تتنازعها قوي (الكم )او قوى ماقبل الدولة بكل ارثها الماضوي الرعوي ( وهو الارث الذي لم يحدث الجدل السياسي فيها اي تبدل نوعي يعتد به في رسم ملامح ديمقراطية تتوافق وامثلية العقد الاجتماعي المرسوم الشديد التجانس).

4- وبناء على ماتقدم ، يمكن القول، ان هيمنة الثقافة السياسة الرعوية ، هي الضد النوعي الذي يعمق من الثقافة السياسية الاغترابية
Alienist political culture
وهي ثقافة تنكر التعاطي مع هيمنة (ايديولوجيا مجتمع ما قبل الدولة ) عندما يحشر الافراد في صناديق ديمقراطية خالية من وعي اسمه العقد الاجتماعي المؤسس للدولة التي تقوم على توازن المصالح والواجبات وفصل السلطات لمصلحة الطائفة والعشيرة
ونهاب المال العام.
ومنها يفرز النظام السياسي (الذي يقوم على الغلبة والغنيمة ) اغلبية سياسية صامتة او ( مغتربة في طراز ثقافاتها السياسية Aleinated political cultures ) ازاء ازدهار ثقافة سياسية لعالم مازالت ممارسته في العقد الاجتماعي مرنة بين الثقافة السياسية الرعوية او ثقافة الدولة الموازية ( و قوى ما قبل الدولة).
انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!