الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رياض محمد ، بين جاذبيةِ الألمِ وباب الورد..جزءٌ ثانٍ

هاتف بشبوش

2023 / 12 / 26
الادب والفن


يقول (أنطون تشيخوف) في المجتمعات الفاشلة ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية ، وتظل الغالبية بلهاء على الدوام ولها الغلبةً على العاقل. فإذا رأيت الموضوعات التافهة تعلو في أحد المجتمعات على الكلام الواعي، ويتصدر التافهون المشهد فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل لامحال من ذلك .
من كل هذا التمرد للشاعر رياض تبقى الغصة في الروح على ماتركه من شقشقيات هناك في البلاد المقصلة ، في الأوطان التي هجرناها قسرا وليس طواعية كما في شذرة (كم من الحقائب تركنا خلفنا ) :

مدنٌ تبهجك
واخرى تمردُ الروح
والمنافي تترك آثارَ أصابعها
فوق وجوهنا
الإبهامُ على العين
والسبابة فوق الفم
وشهقة موتٍ مؤجلٍ ، تخطفُ القلوب ْ

ضيعنا حقائب أيامنا وراء ذاك الذي يكنى مستقبلا فأذا به سراب . ومن بين تداعيات اللهاث نحو آفاقنا في المنافي تتماثل لنا كل الدروب التي خطيناها هناك سواء في تلك الغرفة الصغيرة من بيوتنا أو في زقاق مررنا به ولم نعد نتذكر منه الاّ ماكان يدهشنا ويزرع بنا صيرورة الرجوع لذكرى لايمكنها المكوث في أرواحنا دون أن تلح علينا فنعيدها على طاولة الشوق والشقاء مثلما عادت برياض الى ( الوزيرية ، الدهشة الأولى ) :

نهداكِ إشتهاءٌ
وخصركِ إختزال للكون
الشفاهُ ذئاب جائعة
نهرُ وجعٍ يسري في الروح
نذوبُ
وكلما امتزجت ْأنفاسنا
نغوصُ في اللذة عميقا
والأشجارُ لاتسمعُ
غير نبض روحك
التي تتعرى
لدهشة النشوة الأولى

الحب أعطى الكثير من صرح العشاق والمحبين في هذا العالم ومنهم شيرين وفرهاد ، رانجا وهير ، روميو وجوليت ، فنستطيع أن نضيف لهم ما صنعته السينما العالمية لعاشقين إسمهما (إيلي ونوح) في الفيلم الهرائي الخلاّب ( دفتر ملاحظات) نرى كيف الحب أمرُّ لايُشفى منه،الحب هو اننا لانملك صبرا للبقاء وحدنا،هو صلة الشفاه،هو تماسك الأعضاء بين الأجساد هو شعر الحواس هو تلك القوة الكافية التي لاتمتلك تفسيرا لها،هوالإبداع الجنسي في المضاجعة الأولى التي تظل كما ضوء الفنارات كدليلٍ في لجة ضياع العواطف . إيلي ونوح إفترقا في الصبا لكن الأقدار تفعل ماتشاء بالمحبين فيعودون مثلما كانوا وكيف كانوا يفترشون الملاءة على الآرض ويفعلونها بحميمية بالغة حتى تصعد النشوة الى النارفانا . الفلم من إخراج ( نيك كاسافيتس) و تمثيل الجميلة ( راشل مك آدم Rachel McAdams) بدور ( إيلي هاملتون) والممثل الشاب ( رايان كوسلينك Ryan Gosling) بدور( نوح). فلم يحاكي كل نفسٍ صادية ترى الحب كما النضال من أجل الخلود ، تراه يعني الحرية والتحليق في عوالم الجسد والروح معا ليرسما أجمل سماءٍ لمعنى الإنتشاء السرمديٍ في الوجود مثلما حمله الشاعر رياض في روحه التي عادت به لدهشة الرجفة الأولى . رياض عراقيٌ عاش بين أهله وناسه وأصدقاءه وأعطى ولم يتأبط غير منفاه ، لنراه كيف يحكي لنا عن أعراف الصداقة في نصٍ موسوم لصديقه غانم بابان (كاس فارغة) :

أفرغَ نصف قنينةٍ في جوفه
وحين همّ بالخروج
حمَلتهُ على ظهري
كي لاتضيعَ السلالمَ مني
بين قدميه
أعرفهُ طيبا
لكنهُ في شيخوخته
أصبح مثل لبوةٍ جريحةٍ
لبوة فقدت أبناءها
الذين لم تلدهم يوما ..

الصداقة موقف وإنتزاع جزء من أوقاتنا على الرفقة الأبدية لجعلها تستحق التضحية . فذات يوم أثناء مرض (الشيخ إمام) الغت الفنانة (فردوس عبد الحميد) كل أعمالها الفنية ، كي تتفرغ للعناية بفنان الشعب المصري (الشيخ إمام) ومعها أيضا الفنان عزت العلايلي . وفي يوم غابت فردوس عبدالحميد عنه ساعة وجعلت عزة العلايلي يخدمه حتى تعود لكنه مات في تلك الساعة بين يدي عزة العلايلي الذي طفق يصرخ ويقول ( لو أراد هذا الفنان أن يكون غنيا مثل محمد عبدالوهاب لفعل لكنه إختار طريق الفقراء والمعدمين) . وحين عادت فردوس لتراه ميتاً أغمي عليها من شدة قهرها . مات الشيخ أمام ولم يجدوا في جيبه سوى عملة ورقية لاتساوي شروى نقير مع أسنانه الإصطناعية في قدح الماء . تحية لفردوس ولعزة العلايلي على هذا الموقف التأريخي بحق فنان الكادحين الشيخ أمام . هكذا أقرأ النص أعلاه للشاعر رياض محمد بحق صديقه الخمار ( غانم بابان ) ومثلما قالها يوما الشاعر الفلسطيني ( محمود عبدالرحيم ) سألقي بروحي على راحتي / والقي بها في مهاوي الردى/ فإما حياة تسر الصديق / وإما ممات يغيض العدا . الممات الذي يخلّد الثائرين مثلما حصل للزعيم عبدالكريم قاسم الذي غادر الحياة وهو لايملك سوى دينار في جيبه وقد أباح لنا الشاعر رياض بخصوص ذلك في ( تلك هي الثورة) :

لم يتبقَ من بدلة الزعيم
غير نجمة ٍواحدةٍ
إشترتها له أختهُ
حين تخرّج ضابطا
محفوظة في المتحف العسكري
على ضفاف دجلة
تلك أّحلامنا
التي غيّبها الخوفُ
والإنقلابات ..

هنا أرى رياض مع جنس الشعر الذي يحمل صوت السياسة والوجدان ، والوقوف مع الحقيقة كلها لانصفها المنشطر بين التدليس وإخفاء الجرم بحق الوطنية وقادتها الشرفاء. نعم كان لنا هكذا زعماء حكموا وهم بكفوف بيضاء وماتوا عل أيدي حفنة مجرمة جعلت من الخوف الذي بدواخلنا يُمحي تأريخأ حافلا بالإفتخار والتباهي . لنقرأ رياض بهذا المنحى (من أضاع عشبة خلودنا) :

مذ فقد جلجامش
عشبة خلودنا
لم يعد اللحن
يتراقص في أذنيه ِ
ولم يخطر ببالهِ قط
أنّ أحفاده
سيقطعون أصابعَ العازفِ الماهرِ
ويحولون قيثارة سومر المذهبة
مشجباً ، يعلّقون عليه أسلحتهم
قمصانهم الملطخةِ بالدم
حروبَهم القادمة ِ
وبقايا بلاد

السومرييون عندما قامت الاحتجاجات ضد الاسعار وارتفاع قيمة الأراضي والغلاء المعيشي جاءهم رجل يدعى المصلح ( أوركاجينا) واصلح هذا الأمر بحنكة الحاكم العادل . منذ ذلك الوقت كانت العدالة تحكم . فما الذي نراه اليوم من نكوص على ايدي عصابة من دعاة الدين . يقول الفيلسوف العربي إبن الرواندي ( نقرأ أن الملائكة نزلت تحارب مع المؤمنين في حين لم نسمع عن ملائكة نزلت لتساعد الفقراء والمساكين) . شعوبنا بحاجة لإستدراك العالم الجميل كي تتحرر من عبوديتها . بحاجة الى قول (بوذا) حين سأله ( البراهمان ): هل أنت إنسان أم إله فقال : لاهذا ولاذاك انا مجرد كائن يستيقظ قبلكم بينما انتم نائمون . ويستمر رياض في إنثيالاته العدمية وحزنه على أوطاننا في ( إله الصبر ) :

أي حكمة قادتك
الى تلك المدن المنهوكة ؟
الأنبياء خلعوا جلودهم الخشنة
وأعلنوا الحداد على أرواحنا
وأنت مثل إله
مازال يكابر
ويبتكرُ الصبر

أيضا لدى رياض نصا بعنوان ( آخر الألهة) يقول به : ديموزي هائم في البريّة / وهو يلطم خديه/ بكفيه الداميتين / حزنا على بابل العظيمة ) . دموزي أو تموز وهو حبيب عشتار وهما إلهين في بلاد مابين النهرين وقد كثرت الأحاديث عنهما في الكتب والسيرة التأريخية . لكنني هنا أتناول موضوعة الآلهة مثلما جاء في الفيلم الفنتازي( الأوديسة) إنتاج 2016 تمثيل (أرماند أسانتي) المأخوذ من نفس االملحمة التأريخية . نرى بحر بوسايدن او مايسمى اله العواصف في اللغة اليونانية الإله قد إبتلع أغلب رجال الملك أوديسيوس الذي كان بطلاً يتحدى الالهة وفي نفس الوقت هو الملعون من قبل الالهة لآنه كان يمثل العقل ، كان يفكر كيف ينجو ويعود لإيثاكا وزوجته التي غادرها منذ عشرين عام ، كان بمثابة العقل المدبر الذي يقارع الجهل والخرافة ، حتى ظهر لهم إبن الإله بوسايدن صاحب العين الواحدة الذي نقرأ عنه في الخرافات و قد أغلق الكهف على أصحاب أوديسوس بحجارة ضخمة لايمكن رفعها حتى من قبل الف رجل . جنود أوديسيس أرادوا قتل الرجل الخرافي لكن أوديسوس ذو العقل قال لهم : ومن يرفع الصخرة عن الكهف كي نخرج وننجو ، مما دعاه أن يفكر بعقله ويعطي الخمر لأبن الإله بوسايدن حتى ثمل وانبسط وغنى وانتشى وانتهزوا الفرصة بفقأ عينه مما جعله يهيج من الألم فقام برفع الصخرة بطريقة هستيرية فهربوا منه بفعل العقل المدبر أوديسوس ، وبهذا قد أنقذ أوديسوس جنوده بإنتصار العقل على الخرافة بعد مشوار طويل في المنافي التي تعطينا الكثير من الدروس والموعظة . لنرى ماذا لدى الشاعر رياض عن ذلك في بديعته ( باب المنفى2) :

الوطنُ معلّقٌ بين غيمة وريح
ونحن نعبر السيطرات
نحو الجنوب
لنخفي خوفنا
دهشتنا
أي بلادٍ تركتَ أيها العاشق
وأي بلاد تستقبلك الان ؟

ليس لدي ما أعلق هنا غير أنني أقول بما قاله ديستويفسكي (لاتعترفْ بالحريقِ الذي في داخلك...إبتسمْ وقلْ إنّها حفلةُ شواء) . كما أنه يقول في باب آخرٍ (البعض لن يفهمك ابدا ، ليس لصعوبتك او غموضك فقط لانك حقيقي جدا وهم اعتادوا على المزيفين ) . فحين يقول رياض ( أي بلاد تستقبلك الآن ) هو حريق يشتعل في الداخل على أوطاننا التي ماعادت كما كانت وإذا وخزتَ ضمائرهم بالابستمولوجيا التي في رأسك وما رأيته في العالم المتحضر يتهمونك بالغموض والتجديف بينما هم المدلّسون الذين أوصلوا البلاد الى الخراب والدمار . وما عليك سوى أن تقف عند حيرتك وتردد ماقاله البيت الشعري العامي ( والمشكلة بتالي العمر من تشتكي / تحسهه على روحك زحمة).
الشاعر رياض في سطور أخرى :
كتب الشعر منذ السبعينيات ، ممثل ومخرج مسرحي عاش وترعرع في جنائن بابل . خريج أكاديمية الفنون الجميلة،عضو فرقة المسرح الفني الحديث ،أخرج العديد من الأعمال السويدية. وحتى اليوم لازال على درب الإبداع والألم يستذكر أيامه الخوالي وهو عائد الى البلاد التي إستقبلته بالخراب . يستذكرها تبعا لما قاله (علي الوردي) من أنّ الحنين الى الأرض التي ولدتنا هو أمر يتعلق بالجاذبية الأرضية ، وأنا اضيف الى علي الوردي وأقول ( جاذبية الآلام وسكة المحن) . فيعود رياض الى آثار أقدام صباه والى حبه الأول برعشة خصبةٍ على ضفاف الفرات وقرب ( شجر النار ) :

لاتقولي الحياة قصيرة
ولاوقتَ لنا كي
نحرث ُالحقل
الحياة لاشيء غيرُ الحب
...
...
أطلقي جسدك المرتجف
أطلقيه ليصهل
فيُسمَعُ صداه على ضفاف الفرات

قالها يوما العظيم محمود درويش ( من لايملك الحب يخشى الشتاء) . كما يقول بابلو نيرودا لحبيبته (اريد ان افعل معك ما يفعله الربيع بالازهار). لاينفك الشاعر رياض حتى يكتب أنساقاً أخرى فنراه قد كتب النسق السياسي ومرة كتب النسق الوجداني حسب ماترتأيه اللحظة البوحية في خلق الشعر . وهنا قد جاء بالنسق العاطفي وقد أجاد به بل كان متجاوزا في وصف اللوعة التي تدخل قلب المحب فلاتخرج مع إرهاصٍ يعصرك ويريد بك الرجوع وما من بد لذلك مها حاولت وجرّبت غير أنك ربما تغني مع فيروز بصحبة روحك في الدندنة الخفيّة مع عبرة في الريق الناشفِ (يازمان الوصلِ هل رجعة الى /عهدنا والروضُ زهرٌ يبسمُ/ننهبُ الفرصة والليلُ حلا / بالأغاني ودعانا الموسمُ ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص