الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس: هل نحتاج انتخابات؟ ومن يحتاجها؟

بشير الحامدي

2023 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يخطئ كل من لا يدرك أن 17 ديسمبر كان منطلقا لديناميكية ثورية كانت قادرة على فرض تغيير اجتماعي جذري لكن وقع وقف تطور هذه الديناميكية كما التخطيط للانحراف بالصراع عن محاوره الطبقية الجذرية والتخطيط لتفتيت تنظيمات الدفاع الذاتي الجنينية التي نشأت أثناء الصراع للحيلولة دون تجذرها وتطورها و انتشارها بوصفها التنظيمات الطبقية الثورية الوحيدة التي أطلقت نواة التنظيمات المستقلة ذاتيا والمقاومة التي بإمكانها ضمان استمرار المقاومة الطبقية ضد النظام إلى النهاية دون توقف حتى قلب الأمور جميعا حسب العبارة الشهيرة جدا لماركس من قبل الأغلبية المناهضة مصالحها تاريخيا لنظام رأس المال نظام الاستغلال والاستبداد والفساد.
الديناميكية الثورية لـ 17 ديسمبر لم تتوج بالتغيير الاجتماعي المنشود لأن الفاعلين الثوريين لم يقدروا على تجاوز الحل البرجوازي ومجابهة الانقلابيين مافيا النظام والذين فرضوا ديناميكية أخرى مغاير ة تماما أطلقوا عليها " الانتقال الديمقراطي والتي شرعوا في تمريرها عبر الاذعان لمطلب المجلس التأسيسي الذي وضع دستورا للبلاد.
هذا هو الانقلاب الذي حصل والذي كانت حاضنته الأم هيئة بن عاشور.
لم يتمكن الفاعلون الثوريون من مجابهة انقلاب مافيا المال والسلاح والإعلام الذي بدأ قبل حتى 14 جانفي بأيام بمشروع ثوري مقاوم يبني أدواته ويتطور ويوسع قاعدته الطبقية ويكسب المعركة تلو المعركة ولا يتيح أي إمكانية للصراع الطبقي ليخفت أو يوجه في غير وجهته.
مشروع مقاومة كهذا جذري على قاعدة طبقية وبفاعلين طبقيين ثوريين مستقلين تنظيميا وسياسيا عن النظام وعن أجهزته قتلته لجنة بن عاشور والتحاق بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب ما يسمى اليسار بها في البداية وانتخابات 23 أكتوبر 2011 والوفاق الطبقي في مرحلة لاحقة.
مشروع مقاومة كهذا جذري على قاعدة طبقية وبفاعلين طبقيين ثوريين مستقلين تنظيميا وسياسيا عن النظام وعن أجهزته بقي منذ ذلك الوقت يتعثر ويتعثر لأن الديناميكية الثورية اصطدمت بكابح الآلية الانتخابية كما بمراوحة وضبابية لدى هؤلاء الثوريين.
أن تطيح الانتخابات بالمسارات الثورية هذا معروف ولم يعد مجال نقاش.
لقد قال التاريخ كما التجربة كلمتهما في هذا الصدد: التغيير الاجتماعي لا تأتي به الانتخابات.
إسقاط الأنظمة لا يبدأ من البرلمانات.
سقطت مقولة عمل الثوريين في البرلمانات الرجعية وصارت من قبيل عثرات التاريخ، وصارت اللينينية صاحبة هذا الطرح يمينية بائسة بعد وصول الشيوعيون الأوربيون إلى البرلمانات وتحولهم لمجرد بيروقراطية خانعة في أجهزة الدولة البرجوازية وبعد انتهاء الاشتراكية الديمقراطية في كل مكان إلى مجرد أطروحة اصلاحية برجوازية على كل الأصعدة وبعد انتهاء تجربة "الجبهة الساندينية للتحرير الوطني" وتجارب أخرى كثيرة إلى مسارات مشابهة كثيرا لمسارات الاشتراكية الديمقراطية بالسير في النهج البرلماني.
الاستنتاج هنا بغض النظر عن سقوط الطرح اللينيني والذي لا يعنينا كثيرا هو أن التجربة والتاريخ خلصانا من وهم الارتباط والمتوقع: الارتباط برأس المال والمتوقع في أجهزته ووضعانا في مواجهة حقيقة تاريخية لا تقبل الجدال وهي أن المعركة الطبقية معركة التغيير الاجتماعي معركة الأغلبية ضد نظام رأس المال صارت معركة شرطها الأساسي الاستقلال الذاتي والقطع مع الارتباط سياسيا وتنظيميا ويمكن أن نقول أنه انضاف إليها بعد 17 ديسمبر وهم استبدال الثورة بالدولة.
التجربة والتاريخ أيضا قدّما لنا ما يكفي من الحقائق على أن التموقع في أجهزة دولة رأس المال حوّل ما يسمى باليسار إلى مجرد كتلة بيروقراطية أقصى ما يمكن أن تكونه هو أن تكون قوة اقتراح.
بهذا انتهى ما يسمى باليسار إلى يسار انتخابات لا يسار المقاومة والاستقلال ذاتيا.
لذلك فيسار حقيقي أي طبقي مقاوم جذري لا يحتاج انتخابات.
الانتخابات في الديمقراطيات التمثيلية لعبة لاختيار الجلاد ويسار حقيقي لا يحتاج هذه اللعبة.
يسار حقيقي يحتاج المقاومة الدائمة والاستقلال ذاتيا.
لماذا يحتاج مليون بطال لانتخابات؟ هل لحل معضلة البطالة؟
لماذا يحتاج ملايين الشغيلة لانتخابات؟ هل من أجل سيادتهم على قرارهم بوصفهم مع بقية من لا يملكون يمثلون الأغلبية؟
لماذا يحتاج ملايين الفلاحين الصغار والفلاحين الفقراء لانتخابات؟ هل للتخلص من استغلال البنوك والوسطاء؟
لماذا يحتاج ملايين المواطنين لانتخابات؟ هل لفرض حقهم في ثروة وموارد البلاد؟
بالملموس كل هؤلاء لا يحتاجون للانتخابات لا المعطلين ولا الشغيلة ولا الفلاحين ولا المواطنين عموما سواء لحل مشكلة البطالة أو لحل مشكلة السيادة على القرار وعلى الثروات والموارد والعمل والتخطيط والإنتاج ولا من أجل الحكم لأن الانتخابات ليست إلا مناسبة ليتقاسم النفوذ السياسي كبار الرأسماليين ومافيات الكمبرادور والبيروقراطيات بكل أصنافها.
الانتخابات لا يحتاجها إلا هؤلاء للتغطية على الاستغلال والقمع الموجه للأغلبية.
الانتخابات تحتاجها السلطات المهترئة لتعيد توزيع حقائب النفوذ والادارة في ما بينها.
الانتخابات في مسار 17 ديسمبر احتاجتها مافيا المال والسلاح والإعلام وتوجت بها انقلابها ذات شتاء على المسار الثوري واحتاجها الانقلاب الثاني للتمادي في تنفيذ مشروع استبدال الثورة بالدولة.
وباختصار الانتخابات لا تحتاجها إلا الأقلية التي تريد أن تضفي على عملية سيطرتها الطبقية شرعية وهمية وذلك ما كانت تهدف له كل انتخابات نظمت في تونس منذ أكتوبر 2011 حتى لآخر انتخابات نظمت قبل يومين.
كثيرون سواء بوهم عمل الثوريين في البرلمانات الرجعية أو بوهم التموقع انخرطوا في "كورس" ـ من يرأس القائمة ومن يفوز بالمقعد ـ يهزهم الوهم الأكبر وهو كسب ثقة رأس المال .
رأس المال قد يمولهم وقد يسخرهم لدور رجل المطافئ ولكن وفي الوضع المحلي والحالي يكونون أكبر الأغبياء أن حتى فكروا أنه يمكن أن يمنحهم حتى دور الأقلية المحترمة .
رأس المال في بلادنا واليوم لا يمكن أن يمنح ثقته في غير أكبر البيروقراطيات الحارسة لمصالح أربابه العالميين الأمريكان والفرنسيين والصهاينة .
لقد ظهر ذلك في مصر .
الاخوان لم يكونوا أقوى البيروقراطيات كان الجيش أقوى البيروقراطيات فاستولى على السلطة .
الجيش في تونس يجد معارضة كبيرة في الاستيلاء على السلطة من قبل للقوى الاستعمارية التي لها موقف آخر وهو الرهان على الانقلاب الناعم والانتخابات
هذه ملامح ما يمكن أن تفضي إليه انتخابات مجالس الأقاليم إنها عملية انتخاب ممثلي مشروع استبدال الثورة بالدولة.
ـــــــــــــــــــــــــ
26 ديسمبر 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة