الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكمة -الخيبات- الدولية : خيبة أخرى

بشير شريف البرغوثي
مؤلف

(Bashir Sharif Bargothe)

2023 / 12 / 27
القضية الفلسطينية


يعرف كل المطالبين بتحويل ملف الجرائم الإسرائيلية إلى محكمة الجنايات الدولية أنهم يقدمون المزيد من الجوز الفارغ للشعب الفلسطيني فيكسر أضراسه فحتى لوحصل مثل هذا التحويل المستحيل فإنه سيشكل خيبة أخرى جديدة للشعب الفلسطيني.
قيادة المركبة على طريق غير نافذ رغم وجود التحذيرات و الشواخص تدل على أن السائق مخبول – على أحسن تقدير
كل طريق يشقه الفلسطينيون عبر مجلس الأمن هو طريق غير نافذ بحكم وجود الفيتو الأمريكي لهم بالمرصاد
إنتبه أمامك فيتو:
من أين تستمد محكمة الجنايات موازنة أي محاكما تجريها؟ إن مجلس الأمن هو الذي يجب أم يوافق على التمويل فأي عاقل يمكن له أن يتخيل أن أمريكا ستمول محاكمة جنودها وضباطها لدى هذه المحكمة؟ هل هناك قوة على وجه الأرض يمكن أن تجبر أمريكا على ذلك؟ إنني أفترض هنا أن أمريكا تعتبر الجيش الإسرائيلي جزءا من قواتها وأتذكر غلاف مجلة التايم عشية إقامة إسرائيل "كسبت أمريكا قاعدة عسكرية مساحتها 27 ألف كيلو متر ( أي أن كل فلسطين صارت حكما قاعدة أمريكية)
إن عدم مصادقة أمريكا نفسها و عدم موافقة إسرائيل بالتبعية على الإنضمام إلى اتفاقية روما يمكن أن يشكل أساسا للطعن في أية أحكام قد تصدرها المحكمة ضد أفراد من أي من الدولتين – يعني لو أقرت الهيئة الأولى أو الغرفة الأولى أي حكم فإن الهيئة الأعلى قد تفسخه ببساطة لأن أمريكا وإسرائيل لا تخضعان لأحكام الإختصاص القضائي للمحكمة أصلا . ليس لمحكمة الجنايات الدولية صفة العرف الملزم للدول بل هي تعاقد رضائي يتيح لكل دولة حرية الإنضمام أو عدم الإنضمام لها
المسؤولية الجنائية فردية أساسا:
من المهم أن نذكر أيضا أن المسؤولية الجنائية هي بطبيعتها مسؤولية شخصية وفي محكمة الجنايات الدولية فإن هناك ضوابط مقيدة جدا لمحاكمة المستوى القيادي العسكري الأعلى على تصرفات جنوده وضباطه في الميدان.. يعني لو فرضنا من باب الفرض المستحيل أننا يمكن أن نتهم جنديا إسرائيليا بقتل مدني فلسطيني فإننا يجب أن نوجه له الإتهام شخصيا وبعد ذلك يتم النظر في مدى سيطرة ضباط أركانه على تصرفاته وعن تطبيق قواعد الاشتباك و عن إصدار الأوامر بتنفيذ الجريمة المحددة ثم ننتقل إلى الشخص المسؤول السياسي ضمن سلسلة الهرم القيادي للدولة المعنية إن ثبت أنه كانت لديه سيطرة مباشرة في ذلك الوقت تحديدا على المستوى الميداني الأدنى.. أي أن الإتهام لا يوجه إلى إسرائيل "كدولة" أساسا
لا قيمة للأقوال خارج المحكمة :
أما التصريحات التي يصدرها مسؤول ما فلا يتم الأخذ بها بل قد لا تعتبر تهمة تحريض وهذا ما لمسناه في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة .. أذكر أنه تم إسقاط تهمة التحريض عن ضابط ثبت أنه أمر جنوده أن لا يبقوا على جنين حي في بطن أمه إلا إن كانت حملت نتيجة اغتصاب جنوده" .. مع أنه حسب القانون الأساسي لتلك المحكمة فإن التحريض على الجريمة هو جريمة لكن "لم يكن ممكنا إثبات أن تحريض ذلك الضابط قد جاء بناء على سياسة محددة وفي سياق حملة عسكرية واسعة منهجية وشاملة وموجهة ضد شعب محدد" أي أنه ينشأ شك معقول يمنع إيقاع العقوبة
ربما لهذا السبب كانت كل التصريحات الإسرائيلية تركز على أن هناك "حربا ضد حماس وضد قيادات محددة بالإسم منها" مع أن الواضح بداهة أن الحرب موجهة ضد الشعب الفلسطيني بصفته الوطنية والعرقية مع أن إسرائيل نفسها كانت قد اعتبرت "غزة كيانا معاديا" بمجرد أن انسحبت منها سنة 2005
بناء القضية عبء على المشتكي:
برامج حماية الشهود مثلا لا يمكن أن تتم لأن تمويلها بحاجة إلى موافقة خاصة ولا يتم صرفها بالجملة – وفق ما أعرف- إلى أي طرف إنما يحدد لكل شاهد مصاريف سفره وتكاليف حمايته حسب كل حالة بعينها. ومن الواضح أن الطرف الفلسطيني لن يستطيع تمويل ذلك
وعلينا أن لا نتناسى أهمية بناء القضية وجمع الأدلة المادية .. فمعظمها ضمن سيطرة إسرائيل نفسها .. هي التي تدعي أنها اكتشفت سلاحا مثلا ولا أحد يمكن أن يحدد على وجه اليقين ما إذا كان جنودها هم الذين وضعوا هذا السلاح أو تلك المركبة في هذا المكان أو ذاك أم أنه من فعل التنظيمات الفلسطينية حقا .. ومن المعروف أن وجود مقاتلين أو معدات قتالية في أماكن مدنية يجعل هذه الأعيان المدنية تفقد الحماية المقررة لها في قوانين الحرب وأعرافها وبخاصة أن إسرائيل تعتبر غزة كيانا معاديا، عدا عن أنه يصعب تحديد السبب المباشر للموت في ظل تحلل كثير من الجثث ويصعب تحديد ما إذا كان الموت قد نحم عن إطلاق نار أو عن سكتة قلبية مثلا . إن عبء بناء الأدلة يقع في معظمه على الجهة المشتكية لأن وظيفة المدعي العام لا تقتصر على كشف ووزن أدلة الإدانة فقط وإنما الكشف عن أدلة البراءة أيضا .. هذه جوانب فنية أو مهنية لا تتوفر خبراتها لدى الفلسطينيين أو لدى المحامين الأجانب المؤيدين للقضايا العربية عموما لأنهم يجنحون عادة إلى "تسييس" المحاكمات وقد شهدت عدة محاكمات دولية مثل هذا التسييس من قبل محامين أمريكيين وفرنسيين كثر
تنازع السمو القانوني:
أما تحديد أي القوانين يسمو على الآخر في حالة وجود تحقيقين فهو موضوع شائك أيضا لا يمكن أخذه على عواهنه يعني أنه من الصعب على محكمة الجنايات الدولية أن "تحقق" في جريمة إذا كانت الدولة المعنية قد شرعت في تحقيق فيها ..و أصدرت نتائج تحقيقها بالإدانة أو البراءة أو عدم المسؤولية على أي من أفرادها. صحيح أن القانون الدولي يسمو عادة على القانون الوطني أو المحلي ولكن لا يمكن في نهاية الأمر إدانة مجرم مرتين على نفس الفعل الجرمي .. أو إجبار الجهة صاحبة الإختصاص القضائي المحلي على نقض تحقيقها وحكمها وإعادة المحاكمة أو التحقيق لدى جهة أخرى وبخاصة أنه حتى في ظل عدم وجود تنازع على أي القانونين أولى بالتطبيق فإن إعادة المحاكمة ينبغي أن تكون مسوغة تماما كظهور أدلة جوهرية جديدة في القضية موضع التحقيق
إنعدام الإختصاص الزماني :
علينا أن لا ننسى أن كل ما أرتكبه الإسرائيليون قبل سنة 1998 من قتل أو هدم أو تشريد يقع خارج الإختصاص الزماني لمحكمة الجنايات الدولية وعليه فلعل الأجدى المطالبة بإقامة محكمة جنائية عليا فلسطينية مختصة وليست خاصة بتمويل عربي إسلامي ويكون لها نظام أساسي هجين يجمع بين القوانين الجزائية المحلية وقواعدها الإجرائية و الجرائم الدولية الجسيمة مثل الإبادة و جرائم الحرب وأعتقد أنه يمكن للفلسطينيين الإفادة من فقهاء قانون عرب مثل د. شريف بسيوني وتلاميذه وأيضا من تجربة المحكمة الجنائية العليا في العراق – بصرف النظر عن الموقف السياسي من تلك المحكمة فالمهم هو كيفية وضع نظام أساسي مختلط .. وللحديث أكثر من بقية
إن المطلوب أن يتوقف السادة المحللون و القياديون عن مضغ لبان محكمة الجنايات الدولية وأن يتوجه أهل الإختصاص إلى دراسة بدائل قانونية أجدى و أولى بالإتباع فلا نريد لشعبنا الفلسطيني أن يخرج بخيبة جديدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال