الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمات كركوك …/ فشل الأحزاب … أم عزوف الجماهير ..!!!

شكران خضر

2023 / 12 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


-
من معالم الدولة المدنية الحديثة ، ظهور الأحزاب العديدة التي تعبر عن توجهات أنصارها ، وقادرة على طرح برامج تؤهلها للوصول إلى تلبية إحتياجات المواطنين ، وبناء الدولة وقيادتها من أجل تحقيق الرفاهية . والمعروف أن لكل حزب آيديولوجية سياسية واضحة تعبر عن معتقداته وأهدافه ، ويمتلك أسس تنظيمية من أجل بناء قاعدة شعبية تؤهله لقيادة البلاد .

وعلى الرغم من أن سبب تعدد الأحزاب ناتج من الأنقسامات الأجتماعية القائمة بين الناس ، إلا أن التوجه السياسي يظل السمة الغالبة على جميع الأحزاب .

ومن الطبيعي أن تختلف أسس و مناهج الأحزاب فيما بينها ، لكن الديمقراطية ليست بالصفة الحاكمة في معظم الأحزاب ، رغم أن معظمها تؤكد في برامجها على ضرورة الألتزام بمبادئها .
وبالرغم من أن معظم مدارس السياسة تعتبر أن الدول التي تتحكم بها حزب واحد هي دول إستبدادية ، إلا أن تعدد الأحزاب السياسية ليس دليلاً على ديمقراطية تلك الدولة . فالأستبدادية تعبير عن الهيمنة ، بعيداً عن الجهة التي تمارسها ، فرداً كان أو فئة ، حزباً منفرداً أو مجموعة أحزاب .

وقد يتفاجأ القاريء عندما نذكّره بأن عدد الأحزاب المعارضة للنظام (المشاركة) في مؤتمر فينا وصلاح الدين و (المقاطعة له) في عام (1992) ما كان يتجاوز العشرون حزباً وحركة ، بينما إزداد العدد في مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في لندن بعد عشر سنوات في عام (2002) إلى عشرات الأحزاب ، حيث وصل عدد المشاركين إلى أكثر من (370) مشاركاً ومنتدباً ، كانوا يمثلون مختلف الأحزاب والشخصيات المستقلة .

وبالرغم من تعدد القوميات والأديان والمذاهب والمعتقدات والتوجهات السياسية والفكرية المختلفة لبلد مثل العراق ، فقد يكون عدد الأحزاب المعارضة النشطة في عام (1992) معبّراً واقعياً عن التوجهات المطروحة في الساحة السياسية آنذاك . لكن إرتفاع عدد الأحزاب إلى أكثر من الضعف ونزول شخصيات مستقلة إلى الساحة كان تعبيراً عن مدى الخلاف والتناقض بين هذه الأحزاب والشخصيات وليس دليلاً على التنوع في التوجهات .

وتتغير الأمور بعد عام (2003) ليقفز العدد إلى مئات الأحزاب والحركات بعد تصاعد الأسباب الموجبة لذلك . فمن كان يريد أن يطرح نفسه (معارضاً) في الساحة حتى بعد تسلم (المعارضة) لمقاليد الحكم ، أخذ يلجأ إلى تشكيل حزب ..!!!

ومن كان يريد أن يلمّع نفسه أمام عشيرته ، كان يلجأ إلى تشكيل حزب ..!!!
ومن كان يريد أن يمجّد أسرته وعائلته ويبحث عن الوجاهة أمام المجتمع ، صار يلجأ إلى تأسيس حزب ..!!!
و من يريد أن يوسع من أعمال تجارته ، أصبح يلجأ إلى تشكيل حزب ..!!!
ومن يريد الوصول إلى منصب قيادي في الحكومة ، صار يلجأ إلى تشكيل حزب ..!!!

فتعددت الأحزاب حتى تم تسمية قسم منها بالأحزاب الكارتونية ، عندما كانت الأحزاب تتبادل التهم فيما بينها .

وهكذا ، أصبحت لدينا مئات الأحزاب ، بدون رؤى …
بدون برامج …
بدون كفاءات …
بدون أنصار …
بل حتى بدون مكاتب ، وإنما هي عبارة عن شقة مؤجرة ، أو دكان معلقاً على واجهته لافتة تحمل أسم الحزب .

وحتى عندما يتم تعريف عنوان الحزب لمن يريد أن يقصد مقره ، فيتم تعريفه إستناداً إلى (سوبرماركت) أو (أسواق) معروفة في المنطقة (مشهورة أكثر من مقر الحزب نفسه) ..!!!
بل أن بعض الأحزاب غير معروفة أمام الناس إلا من خلال شخصين فقط (أمين عام الحزب ومسؤول المكتب السياسي للحزب) ، وأن معظم الأحزاب قد تناست عقد مؤتمر تأسيسي دوري منذ أكثر من عقدين من الزمن ..!!!
وحتى الحزب الذي يعلن عقد المؤتمر العام يلجأ إلى سلوك (التعيين) لأعضاء لجانه المركزية بدل الأنتخابات الديمقراطية ..!!!

وفي آخر أحصائية قبيل إنتخابات هذه السنة (2023) فقد وصل عدد الأحزاب المشاركة في الأنتخابات إلى (296) حزباً مسجلاً ..!!!
والمشكلة أن معظم هذه الأحزاب تعلم جيداً أن ليس بمقدورها النزول الى الأنتخابات بمفردها ، مع هذا الضمور المتحقق في كتلها ، وتلاشي القاعدة الجماهيرية لها ، لا سيما أنها تدرك جيداً أنها عاجزة عن الفوز بنصف مقعد حتى بعد تحالفها مع شبيهاتها من الأحزاب . فتسارع إلى البقاء في الساحة من خلال التحالف أو اللجوء إلى غطاء الأحزاب الأخرى خوفاً من الأنقراض ..!!!

والكارثة أن الأحزاب الكبيرة تتباهى بأنضواء هذه الأحزاب تحت مظلتها أملاً في حصد المزيد من الأصوات والمقاعد ، لكن الكارثة العظمى تكرار هذه التجربة في كل موسم أنتخابي من دون الحصول على مقاعد إضافية ..!!!

وعلى الرغم من حداثة قانون الأحزاب العراقية الذي تم تشريعه في عام (2015) ، إلا أن منظومة الحياة الحزبية بحاجة إلى إصلاح تشريعي ، لأن العراق ليس بحاجة الى (50) حزباً للتعبير عن الأسلام السياسي ، و (50) حزباً للتعبير عن القوميين ، و (30) حزباً للتعبير عن الليبراليين ، و (30) حزباً للتعبير عن الديمقراطيين ، وجميعها تمارس الأستبداد الخارجي أو الداخلي ، ولا تمت بصلة بالمعايير التي وضعتها نفس هذه الأحزاب عبر ممثليها في البرلمان عند تشريع قانون الأحزاب السياسية المرقم (36) في عام (2015) ..!!!

# فأي حزب لم يتم تأسيسه على أساس التعصب الطائفي أو العرقي أو العنصري ، أو لا يعتمد هذه الأسس في صلب أنشطته ..؟؟؟
# وأي حزب يواضب على إعداد المؤتمر العام الدوري للحزب ، و يعتمد على الآليات الديمقراطية في إنتخاب قياداته ..؟؟؟
# وأي حزب يلتزم بالمعايير الخاصة بمصادر التمويل له ، ويلتزم بعدم ممارسته لأية نشاطات تجارية تهدف من ورائها الربح ، عدا الحالات المنصوصة عليها في القانون ..؟؟؟
# وأي حزب يتجنب إستخدام دور العبادة ومؤسسات الدولة لممارسة النشاط الحزبي أو الدعاية لصالحها ..؟؟؟
# وأي حزب لا يحاول إتخاذ أشكال التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية ، أو إرتباطه بأية قوة مسلحة ..؟؟؟
# وأي حزب لا يمتنع عن ممارسة نشاط يهدد أمن الدولة ووحدة أراضيها أو سيادتها أو أستقلالها ..؟؟؟

# وأي حزب يفرض على منتسبيه عدم جواز الإنتماء إلى أكثر من حزب سياسي في آن واحد ..؟؟؟ لا سيما أن أعداد منتسبي معظم هذه الأحزاب لا تتجاوز نيفاً وعشرين منتسباً ..!!!

وغيرها … وغيرها من المعايير …

لقد آن الأوان أن تعيد الأحزاب الكبيرة النظر إلى مناهجها وسلوكها ، وتقوم بتصحيح المسار قبل قيام الجماهير بمعاقبتهم . إن عزوف نسبة كبيرة من الجماهير عن المشاركة في الأنتخابات ومقاطعتهم لها هو تعبير دقيق عن خيبتهم تجاه الأحزاب ورفضهم للأستراتيجيات التي تسلكها الأحزاب منذ عقدين من الزمن .
لقد سأمت الجماهير من سلوك الأحزاب وترديد الشعارات المكررة ، وأصابها الملل من رؤية نفس الصور وسماع نفس النبرات منذ عشرين سنة ، وتريد أن ترى الدماء الجديدة تضفي المزيد من الحيوية في الحياة الحزبية والسياسية ، وباتت ترفض حتى الوجوه الجديدة التي تقف بجوار الوجوه القديمة الصماء ، لأنها تعلم أن عقيدة الصنمية باتت تسيطر على سلوكيات و مناهج معظم الأحزاب من خلال تمجيد الأسر والعوائل والشخصيات المتحكمة في الأحزاب ، ولجوء هذه الشخصيات الى تسليم الساحة إلى وارثيهم ..!!!

وقد آن الأوان لتجاهل وشطب الأحزاب الكارتونية و الفضائية التي باتت تشارك بشكل مكرر في الأنتخابات من دون الحصول على مقعد ، من خلال تعديل التشريعات وعدم السماح لهم بممارسة النشاط الحزبي ، وقبل قيام الجماهير بشطبهم من خياراتهم عند التوجه الى صندوق الأنتخابات ، وإلا ستكون العقوبة من خلال العزوف عن المشاركة في الأنتخابات وإسقاط شرعيتها مثلما يحصل الآن من تدنّي في نسب المشاركة سنة بعد أخرى .
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات -مباشرة ووجها لوجه- في جباليا وحركة نزوح جماعي من رف


.. ضغط روسي على خاركيف.. والدعم الأمريكي -في الطريق-




.. هل سنرى المنتجات الليبية قريبا في الأسواق العالمية؟ • فرانس


.. ما سبب توقيف المحامي مهدي زقروبة.. وزارة الداخلية في تونس تو




.. بلينكن من كييف: الأسلحة الأمريكية -ستحدث فرقا حقيقيا- في ساح