الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تحلل نصا أدبيا؟

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 12 / 28
الادب والفن


---------------------
توطئة:
مواجهة النص الأدبى عملية نقـــــدية شاقة وشيقة، خصوصًا إذا كان نصًّا بديعًــا مستفزًّا ، مثيـــرًا لكثير مــــن الإشكاليـــات المتنــــوعة عقديًّا أو تاريخيًّا أو أدبيًّا!
وقد اهتم النقَدة القدامى والجُدادى، والشرقيون والغربيون، بتلك المعضلة، فكثرت المناهج التي تتناول النص الأدبي بالقراءة والتحليل والتقييم، كثرة توقع الناقد المعاصر في حيرة ما بعدها حيرة، وتجعله يميل إلى أن لكل ناقد أدواته في تلقِّي النص، وأن لكل نص خصائصه التي تفرض على القارئ منهجًا معينًا، وإجراءات مميزة، وهناك من النقاد مَن يخرج على أدواته، وهناك مَن النصوص ما يستعصي على كل المناهج، ويصبح بكرًا عصيًّا، يقف الناقد تجاهه مدهوشًا منبهرًا، ولذا يقع في النظرة الجزئية، والأحكام المعممة غير النهائية التي تحتمل أخذًا وردًّا!!!
ومن ثَمَّ فإن الناقد الروسي ميخائيلوفيتش لوتمان محق حين قرر أن النقد الأدبي، هو «علم الأسئلة»، قبل أن يكون «علم الإجابات»، وأن النص الشعري، كل متكامل متفرد عن غيره، ومستقل بذاته، وبنيته الداخلية، كل يتمتع بوحدة فنية وفكرية. ويتحدد حل المشكلة العلمية للنص بمنهج البحث، وشخصية الباحث: خبرته وموهبته وحدسه النفسي. كما يسمح تحليل النص بعدد من المداخل. لذلك، فإن محور اهتمام الناقد، كما يضيف لوتمان، هو القيمة الفنية الخاصة التي تجعل ذلك النص مؤهلاًّ لتحقيق وظيفة جمالية معينة. والنصوص متنوعة الوظائف في واقع الحياة الثقافية؛ لهذا يرى لوتمان أن النص، لكي يحقق غايته الجمالية، يجب أن يحمل في الوقت نفسه، عبء وظيفة أخلاقية أو سياسية أو فلسفية أو اجتماعية، وبالعكس، فهو لكي يحقق دورًا سياسيًّا معينًا، ينبغي أن يؤدي وظيفة جمالية، وذلك موطن الإشكال والإعضال في أي نص بديع مستفز للناقد.
والنص الأدبي هو ذلك الكلام الجميل المعبر والمثير، والمعتمد على خيال محلق، وتفكير عميق، والمؤثر في المتلقين سواء أكان شعرا أونثرا، منطوقا أو مكتوبا.
وكل نص أدبي له عنصران رئيسان، هما:
١[الشكل] ويقصد به كل جزء ظاهر محسوس من أجزاء النص، من لفظ، وجملة، وصورة، وإيقاع، وقالب، ويقال له البناء والهيكل.
٢ [المضمون] ويقصد به كل جزء مخفي روحي نفسي، وعقلي خيالي من أجزاء النص، ويشمل ما به من معان وأفكار وأغراض ورؤى، وعواطف ومشاعر وأحاسيس، أي كل ما يدور في العقل، ويختلج في النفس، ويمور به القلب.
وليعلم المقبل على تحليل نص أنه ينبغي أن يكون نصا محلقا سامقا في شكله ومضمونه، حتى يرتقي بتحليلك وذائقتك، وحتى يضيف إلى المكتبة الأدبية جديدا ومفيدا؛ فالنصوص الضعيفة أو الردئية تعرض تحليلك إلى الضعف، وقد تنال من أحكامك وتوقعك في المبالغة النقدية أو في تجاوز ما في النص من هنات أو ضعة!
ولعل المنهج الأمثل – تعليميًّا في نظري– لتلك المواجهة مع النص الأدبي يتمثل في مراحل ثلاث مترابطة، و مرتبة، ومتراتبة، هي:
١ مرحلة ما قبل النص:
-----------------------------
وفيها يطبق المحلل المنهج التاريخي، حيث يعرف بالأديب، ويوضح سبب إبداعه النص، أو مناسبة إبداعه، والعوامل المؤثرة فيه من بيئة زمانية ومكانية، ومن أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية، ومن ثقافات وفلسفات، وغير ذلك من المؤثرات والمثيرات.كما يـدرس المحلل العنـــوان، إن كــان للنص عنوان، لينفذ من خلاله إلى عالم النص شكليًّا ومضمونيًّا .
إن المحلل في هذه المرحلة يحاول الإجابة عن الأسئلة الآتية:
أ- من المبدع؟
ب- ما المناسبة[أو الجو] التي أبدع فيها النص؟
ج- ما العوامل السياقية الخارجية التي أثرت في النص؟
د- ما الثقافات التي نحتاج إلى التزود بها لقراءة هذا النص؟
٢ مرحلة مع النص
---------------------
وفيها يدمن المحلل قراءة النص، ويكثر من قراءاته، وينوع القراءة له، ويعمل على ضبطه، وتوثيقه، وتفسير غريبه، ودراسته صرفيا ونحويا وعروضيا وفكريا، فيحلله من خلال عناصره الشكلية والمضمونية، وهي ستة على النهج التالي:
أ-اللفظ:
وتطبق فيه معطيات علم الأصوات، وعلم المعاجم، وعلم الصرف، ونتبين فيه مدى فصاحته، ومدى سلامته من العيوب التي تخل بالفصاحة من غرابة وحوشية أو مخالفة قياس أو تنافر أصوات أو غير ذلك، إضافة إلى ما فيه من إيحاء وإيماء ورمز وإشارة...
ب- الأسلوب:
وهو الجمل والتعابير وكل كلام مركب منتظم، ونطبق فيه قواعد علمي المعاني والبديع، بعد عرضه على قواعد علم النحو، مع مراعاة الأسرار والنكت والأغراض الخاصة بكل أسلوب وتعبير.
ج- الصورة الفنية:
ويقصد بها كل وصف خيالي محلق، سواء أكان جزئيا أو كليا، مفردا أو مركبا، محسوسا أو معنويا، مباشرا أو غير مباشر، ونطبق في عنصر الفنية معطيات علم البيان بأقسامه المحتلفة من حقيقة وتشبيه، ومجاز لغوي أو عقلي، واستعارة وكناية ورمز وتعريض وإشارة....
د- القالب أو البناء:
ويقصد به الهيكل الذي صب فيه الأديب تجربته، واجزاءه الكبرى من مقدمة وغرض وختام، وما في كل منها من لبنات صغيرة، وكيف عرضها الأديب؟ وكيف رتبها؟ وهل أجاد التنقل والربط بينها ؟ فيدرس المحلل ما سماه بلاغيونا العرب(مواطن التأنق) بالنص من مطلع وتخلص وختام.كما يحلِّل البناء الفني أو الوحــــــدة الموضـــوعية في النص المبحوث، من حيث تحققها وأدوات التحقق، وعدم تحققها، وتفسيره.
وتعد الموسيقى في النثر والشعر ضمن لبنات هذا القالب أو البناء، فهي بنية رئيسة في الشعر حتى جعلها ناقد تاج الشعر، وهي حلية مؤثرة في النثر تجعل للنص النثري جاذبية وتأثيرا، والموسيقى في كل نص نوعان كبيران:( الموسيقى الخارجية) وتتمثل في الوزن والقافية والتصريع، وكل محسن بديعي شكلي. و(الموسيقى الداخلية)، وتتمثل في الإيقاع الصوتي، والإيقاع اللفظي، والإيقاع الأسلوبي.
ونطبق في القالب والبناء معطيات من مباحث متنوعة في علم البلاغة أو ملحقة بعلم البلاغة،
كما نستعين فيه بكلام النقد الحديث عن الوحدة الموضوعية أو العضوية، إضافة إلى علمي العروض والقافية، والكتب الخاصة بما يسمى موسيقى الشعر.
ه- المعاني والأفكار:
وفيه ندرس النص دراسة فكرية وثقافية، ونستعين في ذلك بمعطيات علم المنطق، وعلم الفلسفة، فيحلل فيه الناقد معاني النص
وأفكاره الجزئية، لينتقل إلى تبيُّن غرضه أو أغراضه، محاولاً الوصول إلى أحكام مقبولة
عن هذين العنصرين عن طريق تطبيق مقاييس النقد الخاصة بتقييم المضمون، من صدق أو شرف أو عمق أو تناقض، أو واقعية أو هادفية... أو ما إلى ذلك من مقاييس.
و- العواطف والمشاعر:
ويقصد بها ما يثيره النص من أحاسيس، وما نرى فيها من عواطف ومشاعر تخرج من قلب مبدعه وتصل إلى قلب متلقيه، وفيها نراعي مقاييس: الصدق، القوة، الثبات، التوازن، الشمول..... ونستعين في ذلك بمعطيات علم النفس قدر المستطاع.
٣ مرحلة: ما بعد النـص:
-------------------
ويدرس فيــــه النــاقد توجه المبدع، ومذهبـــه الإبــــداعى، وما فيــــــه من تأثر وتأثيــــر، ومعالم شخصيته كما ينطق بها النص، ثم الخلوص إلى بيــان قيمة النــص من حيث تحليقاته وإخفاقاته.
وهذا المنهج مرن ، قابل للتطوير والتغيير حسب مقتضيــات كل نص، إذا لكل نص طبيعته التى تفرض التركيز على عنصر أكثر من غيره، حسب درجـــة هيمنته على المبدع. وهذا المنهج بإجراءاته تلك قابل للإضافة أوالتعديل حسب طبيعة كل نص ومعالمه الفنية، وهو مقنَّن ومطبَّق عند عدد من كبار أساتذة النقد أمثال أحمد أحمد بدوي في كتابه أسس النقد الأدبي عند العرب، وأحمد الشايب في كتابه أصول النقد الأدبي، ومحمد غنيمي هلال في كتابه النقد الأدبي الحديث...إلخ
وما زال تحليل النص الشعري محتاجًا إلى مزيد من الرؤى المعتمدة على تجارب متنوعة رؤية ورؤيا، زمانًا ومكانًا، حتى يؤتي هذا المنهج ثماره المرجوة في الحوار مع النص الأدبي تراثيا أو جديدا أو حداثيا....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??