الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائزة نوبل للسلام لنتنياهو!

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


نهاد أبو غوش
" مساءٌ خريفيّ على شواطئ غزة، الطائرات المقاتلة تقصف: دمار.. دمار .. دمار، قوات جيش الدفاع تعبر الحدود، اقضوا على حاملي الصليب المعقوف، لن يبقى هناك أيُّ شيء، وسنعود لبيوتنا آمنين بعد أن نقضي عليهم طيلة عام كامل" كانت هذه مقاطع من أغنية أطفال بثتها سلطة البث الإسرائيلية (هيئة حكومية) مصحوبة بمقاطع فعلية من مشاهد الحرب والدمار في غزة، لمناسبة يوم الطفل العالمي في 20 نوفمبر الماضي. وأعادت بثها مرارا وتكرارا وسائل التواصل والمحطات الخاصة على مدى أيام وأسابيع.
قياسا على ما يُطلق من تصريحات من قبل سياسيين وقادة إسرائيليين، من وزراء ونواب حاليين وسابقين وجنرالات احتياط، وما يُكتب من مقالات من قبل إعلاميين وباحثين، إلى ما يدور من نقاشات يومية في استوديوهات التحليل على القنوات التلفزيونية المختلفة، وحتى في الشارع ووسائل التواصل، يمكن أن يوصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه شخص معتدل، و"حمامة سلام"". بل يمكن أن يرشحه بعض أنصاره والمعجبين به لنيل جائزة نوبل للسلام.
ولم العجب؟ ألم يحصل عليها من قبل سلفُه الأقدم مناحيم بيغن، المؤسس والزعيم التاريخي لحزب "حيروت" ثم تكتل "الليكود"، وهو بالمناسبة الأب الروحي لنتنياهو، وصديق شخصي لعائلته، ومن جاء به إلى من صفوف التكنوقراط الشباب إلى قمة الهرم السياسي في إسرائيل، فضلا عن كونه مؤسس المنظمة الإجرامية "أرجون" التي لعبت الدور الأكبر في تنفيذ مذبحة دير ياسين، وقال عنها قولته الشهيرة " لولا دير ياسين لما كانت دولة إسرائيل". ولاحقا شهد عهد بيغن في رئاسة الوزراء ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا أثناء غزو بيروت عام 1982، بتوجيه وتسهيلات من الجيش الإسرائيلي لبعض الميليشيات الانعزالية.
وممن حصلوا على جائزة نوبل للسلام كذلك الجنرال اسحق رابين، وهو صاحب دور بارز في تنفيذ الخطط العسكرية لترحيل الفلسطينيين وتنفيذ مخططات التطهير العرقي كما يقول المؤرخ الإسرائيلي البارز إيلان بابيه. وارتبط اسم رابين بسياسة "تحطيم عظام الفلسطينيين" لقمع الانتفاضة الشعبية الكبرى المعروفة بانتفاضة الحجارة التي انطلقت في ديسمبر 1987، قبل أن يقترن اسمه بتوقيع اتفاقية أوسلو. وقد شاركه في نيل الجائزة المرموقة التي لم تُفضِ إلا إلى مزيد من القتل والدماء، كل من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ووزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شمعون بيرس المعروف بمهندس البرنامج النووي الإسرائيلي، وصاحب الدور الأكبر في حصول إسرائيل على التقنيات اللازمة لإنتاج السلاح النووي من فرنسا في أواخر الخمسينات، وارتبط اسمه لاحقا بمجزرة قانا في الجنوب اللبناني عام 1996.
دولة إسرائيل فعلت في هذه الحرب، بالضبط مثلما اقترح عليها الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي السابق، وهو قائد عسكري وصاحب خطط ومشاريع استراتيجية أبرزها مشروع تبادل الأراضي الشامل بين مصر وإسرائيل وفلسطين، والذي جوهره إقامة دولة للفلسطينين في سيناء قرب قطاع غزة، الذي ستضمه إسرائيل وتخليه من السكان. وتكون مساحة الدولة الموعودة 720 كيلومربع تقتطع من مصر في أقصى شمال شرق شبه الجزيرة المصرية، مقابل تعويض مصر بمساحة مماثلة في منطقة العوجة في النقب الجنوبي الغربي على الحدود، والسماح لمصر بممر بري إلى الأردن والسعودية. أهم ما طرحه آيلاند في السابع من أوكتوبر ردا على عملية طوفان الأقصى ملخصه أن "دولة غزة شنت هجوما على دولة إسرائيل، وعلى الأخيرة أن تقطع الماء والغذاء والدواء والوقود والاتصالات عن غزة، وترد بهجوم شامل من دون هوادة يقود إلى التسبب بكارثة إنسانية حتى يتدخل العالم لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين، علينا أن نصل إلى غزة بدون حماس، والأفضل من دون بشر!".
الوزير جدعون ساعر عضو ائتلاف "المعسكر الرسمي" برئاسة بيني غانتس، والمنضم حديثا لمجلس الحرب، وهو ليكودي سابق، ورئيس حزب "أمل جديد" كان أكثر تواضعا فدعا إلى استيفاء ثمن كبير من الفلسطينيين ردا على عملية طوفان الأقصى من خلال اقتطاع مساحة مهمة من قطاع غزة لا تقل عن شمال وادي غزة وشريط أمني عازل حول القطاع.
تسفيكا يحزكيلي صحفي معروف، ومختص بالشؤون العربية والفلسطينية، ويتقن العربية بطلاقة وله برامج مشهورة يعلق فيها على ما يرد في الإعلام العربي من لقطات طريفة وبخاصة المواقف المعادية لإسرائيل واليهود، يقول " كان علينا أن نوجه ضربة هائلة شديدة في اليوم الأول ونقتل مئة ألف فلسطيني(5% من سكان قطاع غزة)، ونواصل الضرب حتى يرفعوا الراية البيضاء".
وثمة صحفي اسمه يانون ميغال، مقرّب من نتنياهو ويقدم برنامجا حواريا يوميا شهيرا في القناة 14، ثال "يجب أن يتحول قطاع غزة إلى مساحة من الردم والغبار"، أما الوزيرة السابقة آييلت شاكيد فاقترحت تحويل مدينة خانيونس إلى ملعب دولي لكرة القدم. وفي السياق نفسه فقد تبارى محللون ومؤثرون وسياسيون في اقتراح أي الحلول المستقبلية أفضل لإسرائيل، ومن بينها أن يؤخذ بالحسبان منح جميع مستوطنات قطاع غزة إطلالات جميلة على البحر حين يعاد بناؤها، أو تحويل مساحات القطاع التي ستخلى من الفلسطينيين إلى منتزه قومي كبير، "لونا بارك" إسرائيلي. ولا ننسى الوزير عميخاي الياهو الذي اقترح "بكل براءة" اختصار الجهد والتكاليف والوقت بإطلاق قنبلة ذرية على قطاع غزة.
لا تشكل المواقف الآنفة مجرد تشكيلة من الآراء الشاذة والغريبة، بل هي مزاج عام ضاغط في كل وسائل الإعلام، يؤيد علانية ارتكاب المزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية (يسمونها هكذا بالاسم)، وتدفع الرغبات في الانتقام واسترداد هيبة الجيش الإسرائيلي مقرونة بالشعور الواثق من الإفلات من العقاب مزيدا الأفراد العاديين والنواب والجنرالات والسياسيين من شتى اتجاهات اليميني والوسط وممن كانوا يحسبون على اليسار الصهيوني إلى التعبير عن مواقف وآراء مماثلة، بل تعقد حفلات مصوّرة تبث على وسائل التواصل الاجتماعي للبوح بفائض الكراهية هذا، كما مقدمة البرامج الإسرائيلية تومير أخيهون التي احتفلت مع محطتها برفقة مجموعة من الضباط والجنود، من خلال كتابة رسائل وتحيات لسكان غزة على قذائف المدفعية والدبابات قبل إطلاقها عليهم وسط التصفيق والضحكات. وصحفي معروف يستقل مدرعة للجنود، يحرص على إطلاق قذيفة دبابة على الفلسطينيين، لتجربة الشعور بهذا الفعل وعلى سبيل الذكرى ليس إلا.
تاريخيا برع قادة إسرائيل في كيفية استخدام هذا المزاج اليميني المتطرف السائد في الشارع، وفي البيئة السياسية والإعلامية، في تسويق مواقف متشددة من قبل أحزاب اليمين التقليدي والوسط ويسار الوسط، ولكن بأساليب أكثر نعومة وقبولا من الدوائر الغربية وبخاصة في الإدارة الأميركية، ولسان حالهم يقول إذا لم تقبلوا رابين سيأتيكم شارون، وإذا لم تقبلوا نتنياهو سياتي سموتريتش وبن جفير، وهكذا ظل اليمين الأكثر تطرفا على الدوام رديفا داعما لليمين التقليدي ومساهما رئيسيا في صنع القرار والسياسات.
مناخ الكراهية والتطرف هذا يجري تصميمه وتعميمه وإعادة إنتاجه من خلال مؤسسات وهيئات رسمية وأهلية ومرجعيات دينية، كلها تساهم في صياغة العقل الإسرائيلي على نحو يشعر الأفراد دائما بالتفوق على الأغيار (الغوييم)، وأنه يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، بما في ذلك استنساخ جرائم (الهولوكست) وإعادة تنفيذها على الفلسطينيين، وسط كل ذلك ومع المكانة التي احتلتها إسرائيل كابنة مدللة للغرب، ما المانع أن يحظى بنيامين نتنياهو بجائزة نوبل للسلام على خطى أسلافه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا