الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد المالي و الإداري في العراق ... الأسباب و النتائج ( 2 )

آدم الحسن

2023 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


خلال السنين الأخيرة كَثُرَ الحديث عن وجود فساد مالي و إداري بأحجام كبيرة في عراق ما بعد 2003 دون تناول هذه الظاهرة الخطرة و دراستها وفق منهج موضعي غير خاضع للتناحر السياسي , إذ إن تصغير حجم الفساد هو امر يخدم حيتان الفساد , أما تضخيمه فلا يخدم العراقيين حيث ستكون له تبعات سلبية على الواقع العراقي و سيزيد الجهل بالحقائق جهلا إضافيا .
إن ما يخدم الشعب العراقي هو كشف الفساد , أنواعه و حجمه كما هو , دون تصغير أو تكبير مع دراسة موضوعية لمنابعه كي يتم محاصرته و إضعافه .
لا يمكن محاربة الفساد إلا من خلال اسلوب واقعي غير خاضع للتناحر بين الأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية الجارية في العراق , فمن المؤسف أن بعض الجهات السياسية العراقية لازالت تتخذ من شعار محاربة الفساد أداة تستخدمها لغرض تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين و ليس لكشف الحقائق من أجل تقديم دعم فعلي لعملية مكافحة الفساد , و جهات سياسية آخري اعتبرته مبررا لتدمير العملية السياسية من اساسها و دفع العراق نحو هاوية الفوضى المدمرة .
إن محاربة الفساد تتطلب خطة للإصلاح السياسي و المجتمعي و دراسة السبل الكفيلة لتطوير الهيكل الإداري و القانوني لمؤسسات الدولة العراقية و ليس لتخريبها و تدميرها .
من احدى الأمثلة على التناول الغير موضوعي لمشكلة الفساد في العراق هو ما ورد في وسائل الأعلام نقلا عن سياسيين عراقيين أنه في زمن الولاية الأولى و الثانية لحكومة المالكي تم هدر اكثر من الف مليار دولار في ميزانيات الحكومة العراقية لهذه الفترة التي امتدت الى حدود ثمانية سنوات .
للوقوف على حقيقة الادعاء بهدر الف مليار دولار خلال حكم نوري المالكي لابد من دراسة كل ما يحيط بهذا الادعاء بحيادية و موضوعية بعيدا عن أي دوافع سياسية و كالآتي :
اولا : إن اجمالي ايرادات العراق النفطية خلال الولاية الأولى و الثانية لحكومة المالكي هي بحدود 650 مليار دولار , و لأن مصدر واردات الحكومة الاتحادية من إيرادات النفط تشكل اكثر من 95% من إجمالي الإيرادات , لذا فان مبلغ الألف مليار دولار الوارد في هذا الادعاء كإيرادات للحكومة الاتحادية خلال هذه الفترة غير صحيح , و للتأكد من الأرقام الحقيقية لإيرادات العراق النفطية فالعراق كان خاضع للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة و كل المبالغ الواردة من صادرات النفط العراقي تودع في بنك في أمريكا و بإشراف الأمم المتحدة حيث يتم استقطاع نسبة منها كتعويضات للكويت و الباقي يتم وضعه في حساب يسمى DFI في أمريكا , و بموافقة الأمم المتحدة و بإشراف امريكا تسحب الحكومة الاتحادية المبالغ الضرورية لأغراض تغطية النفقات الواردة في الميزانية الاتحادية , من يريد التحقق من تلك المبالغ يمكنه الاطلاع عليها فهي ليست ارقام أو معلومات سرية .
ثانيا : إجمالي الرواتب للموظفين المدنيين و العسكريين و للمتقاعدين المدنيين و العسكريين و لرواتب الرعاية الاجتماعية هي بحدود 350 مليار دولار لتلك الثمانية سنوات من حكم المالكي , و يعود سبب هذا الارتفاع الكبير في اجمالي هذه الرواتب الى ثلاثة اسباب رئيسية :
السبب الأول : رفع قيمة الدينار العراقي من 1700 دينار عراقي لكل دولار أمريكي في أول سنة من حكم نوري المالكي الى 1180 دينار عراقي للدولار الواحد في اخر سنة من حكمه .
السبب الثاني : ارتفاع كبير في عدد العراقيين الذين يتقاضون رواتب من الحكومة العراقية إذ وصل هذا العدد الى حدود ستة ملايين و مئتي الف عراقي في اخر سنة من حكم المالكي , و هذا العدد يشمل الموظفين المدنيين و العسكريين و المتقاعدين المدنيين و العسكريين و المشمولين بالرعاية الاجتماعية , فعلى سبيل المثال , كان عدد الموظفين المدنيين في أول سنة من حكم المالكي بحدود 870 الف موظف و في آخر سنة من حكمه ارتفع العدد الى حدود 2 مليون و 100 الف موظف .
السبب الثالث : الزيادة الكبيرة في الرواتب حيث تمت هذه الزيادة على شكل طفرات متسارعة حتى اصبح الحد الأدنى للراتب الشهري للمتقاعدين من الموظفين المدنيين أو العسكريين بحدود 400 دولار في حين كانت رواتب غالبية المتقاعدين قبل 2003 لا تتجاوز العشرة دولارات , أي بزيادة تجاوزت الأربعين ضعفا عن ما كانت عليه الرواتب في زمن النظام السابق .
ثالثا : بلغ إجمالي ما دفع من مبالغ لإقليم كوردستان من قبل الحكومة الاتحادية خلال السنوات الثمانية من حكم نوري المالكي بحدود 100 مليار دولار و هي تمثل حصة الإقليم البالغة في تلك الفترة و البالغة 17% من إيرادات الدولة العراقية بعد استقطاع الديون السيادية و الإنفاق الاتحادي .
رابعا : بلغ إجمالي ما دفع لدولة الكويت كتعويضات فرضتها قرارات الأمم المتحدة خلال تلك الثمانية سنوات بحدود 30 مليار دولار .
خامسا : بلغ إجمالي المبالغ المدفوعة كديون سيادية على العراق الى دول نادي باريس خلال تلك الفترة بحدود 32 مليار دولار , علما أن دول نادي باريس أعفت العراق من جزء كبير من الديون المترتبة على النظام السابق و جدولة المتبقي منها حيث وردت هذه الجدولة ضمن اتفاق مبرم بين مجموعة دول نادي باريس و العراق .
سادسا : المبلغ المتبقي من الإيرادات بعد اخراج المبالغ اعلاه هو بحدود 138 مليار دولار , اي بحدود 17 مليار دولار سنويا خصصت لإصلاح البنى التحتية المتهالكة و الكلف التكميلية للميزانية التشغيلية و لتنفيذ مشاريع تنموية جديدة و الإنفاق على المبادرة الزراعية و استيراد متطلبات البطاقة التموينية و أمور طارئة أخرى .
من خلال دراسة معطيات الإيرادات و الإنفاق الحكومي نجد أن المبالغ المخصصة للمشاريع التنموية هي مبالغ متواضع جدا , و هذا يشكل خلل كبير في خطط حكومة المالكي و في قرارات مجلس النواب العراقي و تشريعاته لعراق ما بعد 2003 , حيث دخل العراق في اسوء حالة من الاقتصاد الريعي دون الاهتمام بالتنمية الصناعية و الزراعية فقد خصصت معظم إيرادات العراق النفطية للاستهلاك و ليس لبناء قاعدة اقتصادية متينة تعتمد على الإنتاج الوطني للسلع و الخدمات ...!
من غير الصحيح عدم اعتبار الفساد المالي و الإداري في المرتبة الأولى من بين المخاطر الكبرى التي تهدد أركان الحياة الاقتصادية لكن ليس من الصحيح أيضا أطلاق الأحكام العشوائية حول ظاهرة الفساد دون دراية بأي معلومات حقيقية مسنودة بالأرقام .
من الأمور الأخرى التي يتم تناولها بكَثُرة كأزمات و مشاكل النظام في عراق ما بعد 2003 هي أزمة تجهيز الكهرباء .
لقد اعتبر الكثير أن الفساد المالي هو السبب وراء أزمة تجهيز الطاقة الكهربائية و إن هذا الفساد قد ابتلع كل المليارات المخصصة لقطاع الكهرباء تاركين الأسباب الأخرى التي قد تكون أهم من تأثير الفساد في بقاء هذه الأزمة دون حل .
للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء ازمة تجهيز الطاقة الكهربائية لابد من الإشارة الى الأمور التالية :
اولا : كانت القدرة القصوى لمحطات توليد الطاقة الكهربائية في عموم العراق قبل 2003 بحدود 4700 ميغا وات .
ثانيا : بعد 2003 تم بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء و بذلك ارتفعت القدرة القصوى لمحطات توليد الطاقة الكهربائية في العراق حيث وصلت في اخر سنة من حكم المالكي الى حوالي عشرة ألاف ميغا وات اي بزيادة في إجمالي انتاج الطاقة الكهربائية بأكثر من 100% .
ثالثا : ارتفع الطلب على الطاقة الكهربائية في عموم العراق الى اكثر من 15 الف ميغا وات بسبب ارتفاع القدرة الشرائية للمواطنين العراقيين و دخول اعداد هائلة من الأجهزة الكهربائية المنزلية الى العراق بعد 2003 , و بذلك استمر النقص في تجهيز الطاقة الكهربائية و استمرت معه أزمة الكهرباء .
رابعا : تدني تسعيرة استهلاك الطاقة الكهربائية ادى الى زيادة الطلب عليها , و لم يكن المتوفر من الطاقة المنتجة قادرة على تلبية حجم الطلب المتزايد على الطاقة الكهرباء بالإضافة الى ضعف سيطرة مؤسسات الدولة العراقية الذي سمح بزيادة ظاهرة التجاوز على منظومة الكهرباء الوطنية حيث يتسبب هذا التجاوز في حدوث مشاكل فنية كبيرة تؤدي الى مضاعفة أزمة تجهيز الكهرباء .
خامسا : عدد ابراج الضغط العالي المخصصة لنقل الطاقة الكهربائية بين المحافظات العراقية التي تم تدميرها من قبل الجماعات الإرهابية بعبواتهم الناسفة اكثر من 2000 برج .
سادسا : ليس هنالك احصائية دقيقة عن عدد شهداء وزارة الكهرباء الذين تم استهدافهم من قبل الجماعات الإرهابية خلال تلك الفترة أثناء عملهم لإعمار و اعادة اعمار منظومة الطاقة الكهرباء الوطنية في عموم العراق , لكن من المؤكد أن عدد هؤلاء الشهداء هو بالمئات .
سابعا : بعد أن أدركت داعش أن دولة خلافتها الإسلاموية التي اتخذت من الموصل عاصمة لها قد اصبحت في طريقها الى السقوط , و قبل انهاء وجود الدواعش الذين بسطوا سيطرتهم على مدن عراقية في ثلث مساحة العراق قامت داعش بتدمير جميع محطات توليد الطاقة الكهربائية و شبكات توزيعها من أبراج و غيرها في هذه المدن و المناطق حيث شكل هذا عبئا جديدا و مكلفا لإعادة بناء ما دمره الإرهاب .
و عليه يمكن القول أن ليس الفساد المالي وحده بل أن الفساد المالي و الإرهاب و سوء أدارة الملف الاقتصادي في العراق هم مكونات الثالوث الذي تسبب في الأزمات الاقتصادية و المجتمعية في عراق ما بعد 2003 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. كتيبات حول -التربية الجنسية- تثير موجة من الغضب • فرا


.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام المؤيد




.. بصفقة مع حركة حماس أو بدونها.. نتنياهو مصمم على اجتياح رفح و


.. شاهد ما قاله رياض منصور عن -إخراج الفلسطينيين- من رفح والضفة




.. نتنياهو يؤكد أن عملية رفح ستتم -باتفاق أو بدونه-