الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة كتدبير لشؤون المجتمع

ندى أسامة ملكاني

2023 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


يعد السؤال عن سبب تأخر العرب وتخلفهم بمقابل تقدم الغرب وتطورهم سؤالا إشكاليا في الفكر السياسي ومجمل الأبحاث التي تناولت بالتحليل موضوع الحداثة ومكوناتها وإسقاطاتها على الواقع العربي، تعددت الإجابات عن هذا السؤال فمنهم من نظر إلى الاستعمار كسبب من أسباب التخلف، ومنهم من أرجع التخلف إلى أسباب اقتصادية، ومنهم من سلط الضوء على العامل الثقافي. وفي معرض الحديث والتحليل تأتي مشكلة الصراع بين التقليد والحداثة كمشكلة شغلت بال المفكرين والباحثين منذ أن تساءل العرب عن سبب تقدم الغرب وتخلف العرب.
رأى بعض المفكرين أن على العرب أن يسلكوا طريق الحداثة كما عرفها الغرب ليحرزوا التقدم، وفي ذلك قام العديد من النخب الثقافية والسياسية بإلقاء إصبع الاتهام على المجتمع بأنه عصي على التغيير بسبب ثقافته الموروثة، أي إدانة المجتمع باعتبار أنه يعاند أي تغيير إيجابي تقترحه النخب. أود هنا الإشارة أنه غاب عن ذهن البعض أن أي تغيير يفتقد إلى حوار مع المجتمع واعتباره ندا لا شيئا دونيا سيبقى يدور في فلك تنظير متعال لا علاقة له بحاجات الناس
هناك مشكلة بمفهوم السياسة بحد ذاته، تعددت تعاريف السياسة. لكن يمكن القول إنها لغة ارتبطت بفعل ساس يسوس باللغة العربية أي القيادةـ وفي اللغة الأجنبية فهي مشتقة من الكلمة الإغريقية POLIS أي الدولة أو المدينة. أما اصطلاحا تشير إلى رعاية الشؤون الداخلية والخارجية للدولة. وبما أنها تهدف إلى رعاية هذه الشؤون فهي تقود الجماعات البشرية إلى ما فيه خيرها ومصلحتها أي أن هناك مهارات معينة للقائمين على الشأن السياسي يجب أن تتوفر فيهم لتحقيق تلك الغايات. فالسياسة هي تدبير شؤون المجتمع وليست جملة أوامر ونواهي وانصياعات تملى على الناس، عندئذ يتضح الفرق بين الحكومة والدولة ويكون الولاء للدولة والانتماء إليها وتكون الحكومة وكيلة على الشؤون العامة، وتسهم في إضفاء الشرعية على الدولة لأنها بالأساس نتاج تفاعل إيجابي بين المجتمع والقائمين على إدارة شؤونه. ما يجعل التقيد بالقانون تقيدا طوعيا لا إكراهيا بل نابع عن شعور عميق بالانتماء إلى دولة.
لقد حققت نمور آسيا تقدما دون الالتزام بمقولة "الحداثة طريق التقدم" "الإسلام هو الحل" "لا تنمية دون ديمقراطية" ، منذ السبعينيات حتى تسعينيات القرن العشرين استطاعت هذه الدول أن تحرز نهوضا دون التقوقع بمقولات ثنائية انتقائية أو أن يرهقها الحديث عن التقليد والحداثة وذلك بفضل انتقال قامت به حكومات تعتبر أن السياسة إدارة المجتمع وتدبير شؤونه لا إنقاذه من نفسه ومن ثقافته الموروثة.
المجتمعات المتخلفة لا تحتاج إلى إنقاذها من نفسها ومن ثقافتها الموروثة بل إلى سياسة بمعنى تدبير شؤون المجتمع وليس لومه باستمرار من قبل النخب الثقافية والسياسية، بل إن بعض هذه النخب في المجتمعات العربية تحتقر مجتمعاتها وكأنها ليست منه فتفتر همة هذا المجتمع ويصبح فاقد الطاقة على الإنتاج والعطاء. إذ تعتبر هذه النخب أن المجتمع غير قادر على قبول الديمقراطية لأسباب دينية أو اجتماعية أو ثقافية، متناسيا أحيانا الحوار الذي يجعل من الديمقراطية نمط حياة وليس صندوق اقتراع وحسب...وأن النهوض ليس وصفة جاهزة بل نتاج اختبار عميق للموارد والواقع، وأننا إذا اعتبرنا المشكلة في التأخر ثقافية فإن ردم الهوة بين المجتمعات يغدو صعبا إن لم يكن مستحيلا فضلا عن اختلاف السياق، فالسياق هو نتاج تفاعل مجموعة من العوامل الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والذي يعطي لظاهرة ما معناها في إطار مجتمع معين وإذا ما نقلت تجربة مجتمع ما دون النظر عميقا بمفهوم السياق لن تكون تجربة ناجحة .. فالحداثة ليست سبيلا أحاديا للتقدم ...والثقافة ليست عائقا أمام الديمقراطية .....بل يجب أولا تحديد جملة عوامل متراكمة وليس عاملا واحدا يفسر سبب التأخر والعمل على حلها دون التوقف كثيرا عند سؤال الحداثة والتقليد على أهميته في تشريح ظاهرة التخلف...لكن يبقى لمفهوم السياسة كتدبير شؤون المجتمع باعتباره هدف وموضوع وغاية هو الأساس.
ومن ناحية أخرى، لا يغيب عن أذهاننا أن الدولة العربية تتنازعها ثلاث هويات هوية عربية هوية قطرية وهوية دينية فضلا عن هوية ليست واضحة المعالم في عصر العولمة وتقارب المسافات، ويبقى للسياسة كتدبير لشؤون المجتمع دور مهم في رسم معالم هوية جامعة في إطار الدولة العربية بحوارها مع المجتمع بحيث تكون الهوية بوتقة حاملة للانتماءات المتعددة، دون إلقاء اللوم على المجتمع بل بإشراكه بفاعلية. فبحسن إدارة المجتمع يترجم التعدد إلى تفاعل، لكن بالمقابل لا يتنصل المجتمع من مسؤوليته بإعلاء قيم العمل وثقافة الانتماء للوطن وحس المسؤولية. أما الغرق بالماضي وإضاعة لحظة الحاضر التي تنقل للمستقبل والبقاء في دائرة البحث عن الفرق بين التقليد والحداثة وعائق التقليد يجعل التغيير صعب المنال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار


.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟




.. يديعوت أحرونوت: إسرائيل ناشدت رئيس الكونغرس وأعضاء بالشيوخ ا


.. آثار قصف الاحتلال على بلدة عيتا الشعب جنوب لبنان




.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض