الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوازن الجيوثقافي للحرب: حتمية تراجع أمريكا والممكن العربي

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 12 / 29
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إذا كنا في لحظة تاريخية تتدافع فيها الكثير من النظريات لتفسير الصراع الدولي الجديد في القرن الحادي والعشرين ومؤثراته على حرب غزة والذات العربية إجمالا؛ فيمكن القول إن التصور الجيوثقافي للصراع الدولي أو مقاربة الجغرافيا الثقافية –التي أقوم بطرحها منذ بداية الحرب- تقدم نماذجا متماسكة لتصور الأنماط التي يتحرك من خلالها معظم الأطرف الإقليميين والدوليين.

وفي سياق تصور الجغرافيا الثقافية هذه لمسارات الحرب والتوزانات الحاكمة لها، يكون من الجائز جدا الاستشراف بأن التوازن الجيوثقافي للحرب لابد سيدفع الولايات المتحدة الامريكية للتراجع عن دعمها لدولة الاحتلال، بما سيضغط على الجميع لإنهاء الحرب والعدوان الوحشي على أهلنا في فلسطين.

الجيوثقافي الشيعي في مواجهة الجيوثقافي الأمريكي
وهذا الاستشراف يقوم على قراءة ترى أن التوزان الجيوثقافي وتدافعاته الآن في القرن الحادي والعشرين؛ وضع الولايات المتحدة في مأزق حرج للغاية إزاء حرب غزة مع دعمها لدولة الاحتلال من جهة، ودعم محور المقاومة الذي تقف خلفه إيران والتنظيمات الشيعية في كل من اليمن ولبنان وسوريا والعراق للمقاومة الفلسطينية وخاصة حماس والجهاد من جهة أخرى..
لأن الصعود الجيوثقافي للسردية الشيعية في المنطقة العربية ودعمها للمقاومة الفلسطينية (على حساب تراجع السردية السنية)، لن يسمح بالمزيد من القصف المساحي للمدنيين في قطاع غزة بعدما تجاوز عدد الشهداء لرقم العشرين ألف، وتصعيد الحوثيين في اليمن لعمليات استهداف السفن المتصلة بدولة الاحتلال أو المتجهة إليها، وتشكيل أمريكا لتحالف مسلح فشلت في الحشد الكافي له.

الضغوط الجيوثقافية لقناة السويس والبحر ألحمر
وبالتالي أصبحت أمريكا أمام معادلة صعبة للغاية؛ إرسالها السلاح لـ"إسرائيل" وتشجيعها على قتل الفلسطينيين وتعويض هزيمتها في علمية طوفان الأقصى العسكرية يوم 7 أكتوبر، يقابله تصعيد من محور المقاومة بضرب السفن وتقييد الملاحة في قناة السويس التي هي الشريان الرئيسي لتجارة العالم وإمداداته من الوقود والغذاء والدواء وكافة المنتجات التجارية والمواد الخام، مع تهديد إيراني واضح بالدخول على الخط مباشرة حال عدم توقف القصف المساحي "الإسرائيلي" المدعوم أمريكيا على الفلسطينيين..
وبالتالي يحدث الربط الجيوثقافي في تصور الجميع بأن البحر الأحمر وقناة السويس بغض النظر عن التناقضات الرئيسية بين المنتمين للسردية الإسلامية عموما سواء من العرب أو الأتراك أو الإيرانيين، لن يسمح باستمرار القصف المساحي للمدنيين العزل في فلسطين.

خطر "اهتزاز المكانة" الجيوثقافية
و"سلسة الأحداث" التي قد تكون بداية للنهاية
والشاهد هنا أن أمريكا معرضة لعملية "اهتزاز المكانة" حال إصرارها على الدعم اللانهائي للحرب والقصف المساحي للفلسطينيين، وذلك قد يحدث من خلال عملية استهداف واحدة لسفينة أمريكية يصاحبها غرقها من خلال إحدى الأذرع الإيرانية وتمدداتها الشيعية في المنطقة، ساعتها سوف تجد امريكا نفسها في حالة ضرورة للتحرك حفاظا على مكانتها الجيوثقافية العالمية، بما قد ينتج عنه "سلسة من الأحداث" (Chain reaction) والفعل ورد الفعل، والإخفاقات التي قد تكون هي بداية النهاية لصورة أمريكا بوصفها ممثل الحضارة المطلقة والمسألة الأوربية القديمة.. وهو ما تمثل مؤخرا في تقييد المدد الأمريكي من السلاح والذخائر لدولة الاحتلال، ومطالبتها لها بالحرص على عدم استهداف المدنيين الفلسطينيين، وتصريح إيران بإرسال امريكا لها الرسائل بعدم رغبتها في توسعة نطاق الحرب.

نقاط الاشتباك الجيوثقافي الأخرى
خاصة مع وجود عدة نقاط مشتعلة في العالم والصراع الجيوثقافي الجديد بين فريق الأطالسة بقيادة أمريكا مع نظريات الصدام الحضاري، وبين فريق الأوراس الجدد بقيادة روسيا والصين..؛ سواء في أوكرانيا مع الحرب الروسية الأوكرانية، أو في محيط تايوان وفضائها البحري مع الصين، أو حتى في القرن الأفريقي الذي أصبح ملعبا مفتوحا لممثلي القوى الجيوثقافية الجديدة.

انطلاقا من هذا التصور لتوازنات القوى الجيوثقافية في العالم بالقرن الحادي والعشرين؛ ترى الدراسة حتمية التراجع الأمريكي وبالتالي حتمية التراجع "الإسرائيلي" أيضا والبحث عن مسارات إنهاء الحرب بعد حوالي ثلاثة أشهر من اندلاعها، لتصبح أطول حرب مستمرة خاضتها دولة الاحتلال.

الممكن الجيوثافي العربي:
والدرس المستفاد من هذا الاستشراف لمسار الحرب وحتمية التراجع الأمريكي/ الصهيوني؛ هو الخطوات الممكن اتخاذها عربيا للاستفادة الجيوثقافية منها في مرحلة ما بعد الحرب، لكي تكون تضحيات الدم الفلسطيني النبيل في محلها وتحدث عملية إدارة جيوثقافية سياسية فاعلة لها.
وفي هذا السياق وبغض النظر عن التفاصيل والتباديل والتوافيق التي ستجري عليها مسارات إنهاء الحرب، فإن الأهداف العربية الممكن تحقيقها جيوثقافيا لمرحلة ما بعد الحرب، يمكن أن تدور في النقاط الثمانية التالية

المبادئ الجيوثقافية الثمانية
لمرحلة ما بعد الحرب

- الاستثمار في نجاح "عملية طوفان الأقصى" والتأكيد على عدالة السردية الجيوثقافية الفلسطينية، وزيف السردية الجيوثقافية الصهيونية.. والترويج لتلك الرواية في العالم بغض النظر عن التناقضات الفلسطينية الداخلية.
- كشف الدور الجيوثقافي لدولة الاحتلال باعتبارها مشروعا للهيمنة الجيوثقافية على العرب بوصفها ممثلا للمسألة الأوربية وحضارة النظرية المطلقة، وأنه لا يوجد مشروع "إسرائيلي" للسلام، إنما ومشروع للحرب المفتوحة والصراع الجيوثقافي المستمر على الأرض وفرض الهيمنة الثقافية والسياسية.
- تجاوز التناقضات الجيوثقافية العربية/ العربية إرث القرن العشرين التي صاحبت تفكك سردية الخلافة العثمانية في النصف الأول من القرن الماضي، وتفكك سردية القومية العربية في النصف الثاني من القرن نفسه، والعمل لبناء سردية جيوثقافية عربية جديدة تقوم على استعادة المشترك الثقافي/ الاقتصادي/ السياسي، بعيدا عن التمثلات الجيوثقافية للمسألة الأوربية برمتها ورد الفعل لها بمساراته الأيديولوجية العربية التي ليست سوى انعكاس للمتلازمات الأوربية القديمة.
- التأكيد على تفكك مشروع الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن؛ وضرورة توسعة الحضور الدولي الجيوثقافي متعدد الأطراف للوصول لحل سياسي يتفق مع القرارات الأممية، ويحترم الثوابت الجيوثقافية العربية والإسلامية، وأنه مهما كان هناك تدافع أو تنافس داخل السردية الإسلامية فإن كافة الطراف لها ثوابت ومشتركات جيوثقافية على رأسها قضية فلسطين ودعم حقها في التحرر من الهيمنة الجيوثقافية الصهيونية والغربية.
- اعتبار أن أي تراجع جيوثقافي عربي راهن أو متوقع أو مفروض على البعض، ليس سوى إنهاء لمرحلة سالفة من التناقضات المتفجرة، والسعي لتقديم مفصلية جيوثقافية عربية جديدة تتمركز حول بناء "كتلة جيوثقافية ثالثة" في العالم، وطرح مشروع عربي جديد للتكامل والتعاون واستعادة المشترك الجيوثقافي (الثقافي/ الاقتصادي/ السياسي).
- التأكيد على أن مدينة القدس والمسجد الأقصى خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
- المطالبة بتغيير آلية عمل المنظمة الأممية لتصبح أكثر عدالة وفاعلية إزاء النزاعات المسلحة تحديدا، ووضع تعريف واضح عملية الإبادة الجماعية واستهداف المدنيين، يتجاوز المسألة الأوربية القديمة ومتلاماتها الثقافية، وعلى رأسها المتلازمة أو العقدة النفسية التي تعتبر أي يهودي في العالم هو شخص ناجي من النازية العنصرية ويجب دعمه، وتفكيك الأطروحات الجيوثقافية التي تعتبر " معاداة إسرائيل" وسياساتها العنصرية و"معاداة السامية" التي حدثت في اوربا شيئا واحدا.
- دعم حضور الجغرافيا الثقافية العربية في نقاط تماسها التاريخية وتجاوز تناقضاتها التي تفجرت لصالح المشاريع الإقليمية الجيوبولوتيكية الأخرى المتمثلة في أربعة: التمدد الشيعي- العثمانية الجديدة- المركزية السوداء العنصرية الأفريقية- الصهيونية الإبراهيمية، وتجاوز أي أخطاء قد وقعت فيها سردية الخلافة العثمانية أو سردية القومية العربية.. مع تسليط الضوء على البوابات الحارسة الجيوثقافية للذات العربية عبر التاريخ، وما يحدث في السودان وما يحدث في العراق تحديدا، بوصف العراق هو البوابة الجيوثقافية الحارسة للذات العربية في اتجاه آسيا، وباعتبار السودان هو البواية الجيوثقافية الحارسة في اتجاه أفريقيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا