الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-شقاء العرب- هل ينفع العلاج اليساري ؟

محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)

2023 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



في اليوم الأول من حرب تشرين 1973 التقينا بمهدي عامل ولم يكن على علم بانفجارها. أخبرناه بما سمعنا من الراديوهات عن الإنجازات الأولى للجيش المصري. زم شفتيه ولم يصدق قائلاً، حتى لو حصل إنجاز عسكري فما بهذا العقل السياسي سينتصر العرب على إسرائيل، وما علينا سوى الانتظار.
لم تدم فرحة العبور البطولي لقناة السويس طويلاً ليتبين لاحقاً أن المعركة محدودة الأهداف وأن الغاية منها ليست تحرير فلسطين ولا حتى تحرير سيناء بالقوة، بل فتح باب للمفاوضات المباشرة والتمهيد لزيارة إسرائيل وعقد معاهدة الصلح معها. بعد توقف المعارك نشبت مواجهة بين العقل العسكري المنتصر والعقل السياسي المساوم تكشفت تداعياتها تباعاً في سجال علني انتهى بسجن بطل العبور سعد الدين الشاذلي.
التمرين الذهني ذاته، على طريقة مهدي عامل، طرح التساؤل عما بعد عبور حماس البطولي أيضاً إلى داخل غلاف غزة. ولئن كنا لا نتمنى حصول مواجهة بين العقلين في فلسطين، إلا أن المقارنة بين العبورين تكشف عن أعطال في البرامج السياسية المعدة لمعالجة الشقاء العربي عموماً والفلسطيني على وجه الخصوص.
نجح السادات في إخفاء سره السياسي عن جيشه وفي إخفائه عن عدوه أيضاً، وهذا هو الأهم، أما حماس فلم تنتبه إلى أن ما تضمره ليس سراً بعد أن فضحته تجارب الإسلام السياسي في أفغانستان وإيران والسودان والصومال ودولة داعش، فضلاً عن أعمال العنف الإرهاربي في مدن وشوارع أوروبا. هذا السر المكشوف، هو الذي جعل الرأي العام العالمي يتأخر في إعلان تضامنه مع الشعب الفلسطيني لا مع حماس إلى ما بعد ارتكاب إسرائيل المجازر وجرائم الإبادة.
التمرين الذهني ذاته يطرح السؤال على اليسار العربي. جوابه أن سبب الشقاء يكمن في التبعية الاقتصادية. الحل بحسب برامج الأحزاب الشيوعية هو بالتحرر من هذه التبعية أو الانفكاك عنها، "فك التبعية". مهدي عامل عرض النسخة النظرية من هذا البرنامج في كتابه "نمط الإنتاج الكولونيالي" ثم في كتاب"أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية".
أطروحة المفكر الشيوعي المصري سمير أمين للعلاج تقضي ببناء "اقتصاد متمحور على الذات"، وقد ضمنها في كتاب يحمل عنوان" التطور اللامتكافئ" وفيه عرض لنظرية "المركز والأطراف"، التي تلتقي مع نظرية التبعية على ضرورة استقلال الأطراف التابعة عن مركز الرأسمالية المهيمن. وبحسب النظريتين لا يكتمل العلاج إلا في الأفق الاشتراكي.
انطلاقاً من هذا العلاج بنسختيه النظريتين لم ينخرط اليسار الشيوعي مع الثورة في مصر وخاض بعضه الحرب ضدها في سوريا، بحجة أن قيادة الثورة غير مؤهلة لإدارة دفة السفينة لترسو على شاطئ الاشتراكية، وبلغ به الأمر حد التحالف مع الإسلام السياسي ومع بقايا الحركة القومية المنضوية في جبهة الممانعة، بدعوى تطابق مواقفهم ضد العدو المتمثل ب"الاستعمار والإمبريالية والصهيونية".
فريق آخر من هذا اليسار، من موقع علماني مزعوم، ارتبك موقفه من المؤسسات والأحزاب الدينية، فاقترب من بعضها وتواجه مع أخرى، ليلتقي مع من يبحثون عن أسباب الشقاء في التراث لا في الواقع الراهن، ويحذون حذو الشاعر أدونيس في عدم ثقته بثورة تخرج من المساجد، وذلك لأنهم يعتمدون في تشخيصهم على معيار ثقافي.
قد يكون الاقتصاد أو الثقافة أحد معايير البحث عن أسباب الشقاء. لكن الاشتراكية لم تعد، حتى إشعار آخر، حلاً مقنعاً، لا ولا علمانية أحزاب الاستبداد. المعيار الأساس لقياس التقدم والتخلف معيار سياسي أرسته الثورة الفرنسية وخلاصته، الحل بالدولة، دولة الحق والقانون والمؤسسات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قطع علاقة التبعية الكولونيالية مجرد شرط أولي ضروري
حميد فكري ( 2023 / 12 / 30 - 19:43 )
السبد محمد علي مقلد المحترم
(المعيار الأساس لقياس التقدم والتخلف معيار سياسي أرسته الثورة الفرنسية وخلاصته، الحل بالدولة، دولة الحق والقانون والمؤسسات.)

لكن القضية الأهم ،هي : هل وجود مثل هذه الدولة ، ممكن في بنيات مجتمعاتنا ، كالتي نعيشها اليوم ،أم يستدعي تغييرا جذريا في هذه البنيات؟
أعتقد أن اليسار حين يقول بقطع علاقة التبعية الكولونيالية ، فإنما لتحقيق الشرط الأولي الضروري فقط( الأساس المادي ) ،لتجاوز معظلة التخلف، وليس باعتباره الحل الوحيد النهائي .
وهذا واضح جدا في كتابات مهدي عامل .الذي ينتقد وبشدة إختزال الماركسية الى مجرد نزعة إقتصادوية ضيقة.


2 - الحل بالدولة المستنيرة العلمانية الديمقراطية
منير كريم ( 2023 / 12 / 30 - 22:54 )
اشكر الاستاذ محمد علي مقلد
على مقاله الهام
لقد اصبت كبد الحقيقة في اخر جملة في المقال
وبتعبيري الحل في دولة مستنيرة علمانية ديمقراطية
هذا هو الحل الليبرالي.تبلور بعيد الاستقلال قبل ان تخرب الافكار الماركسية والقومية والاسلامية عقول الناس وتحرف مسار التطور
اصبح اليسار والتيار القومي فرعين تابعين للاسلام السياسي
الان الصراع اصبح واضحا بين الفكر الحر والفكر الايديولوجي
وهذه الشعارات العداء للامبريالية وفك الارتباط بالامبريالية واستقلال الاطراف المتخلفة عن المراكز المتقدمة لم تجد ولاتجدي نفعا
والمثال الصارخ للاستقلال المطلق هو كوريا الشمالية البائسة , وبالمناسبة لم يتحرج سمير امين من ذكر هذا المثال كنموذج افضل من كوريا الجنوبية


3 - الفهم الخاطئ لليسار في العالم العربي ـ1
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 31 - 01:22 )
تحية للاستاذ مقلد في هذه المقالة النقدية الرصينة
اجد ان فهم اليسار اساسا خاطئ في عالمنا العربي فهو ليس يسارا اجتماعيا بل اقتصدي مورث من مفهومه الماركسي السوفياتي ويمكن دعوته اليسار الاقتصادي الذي افترض ان الاساس هو بناء نموذج الاشتراكية وجعل الدولة تدير وسائل الانتاج والاقتصاد ، وهو امر لاعلاقة له باليسار الاجتماعي الذي يركز على تطوير منظومة الحقوق واشاعة الحريات ونظم الحكم والادارة الديمقراطية اساسا لتطور المجتمعات ..فهناك شكلان لليسار
ومشكلتنا في العالم العربي ان اليسار الذي ساد هو اقتصادي كما في اعمال مهدي عامل وسمير امين وكثيرين غيرهم بل وجميع الاحزاب الشيوعية فارضين ان نموذج الاشتراكية سيوفر الرفاه والعدل والحريات والحقوق والتقدم الاجتماعي وبفشل نموذج الاشتراكية الماركسية في الواقع ( قيام انظمة ديكتاتورية اضافة للفشل الاقتصادي بالتأميم او نماذجها الاصل في البلدان الاشتراكية ) انهار هذا اليسار ..ولليوم تعاني مجتمعاتنا انكسارين (العراق مصر وسوريا ) انهيار اقتصادي والاخر نكسة غياب وعي ونظم اليسار الاجتماعي الديمقراطي سواء على مستوى دولنا وشعوبنا او مثقفينا ..يتبع


4 - الخلل في فهم اليسار في العالم العربي ـ2
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 31 - 02:51 )
للاسف اختفى التعليق 2,وعلي اعادته
اليسار في مفهومه واهدافه اجتماعي تحرري ولاعلاقة له لا بالتأميمات ولا بدولة الحزب الواحد على الطراز السوفياتي ولا بسياساته المعادية للغرب والحضارة الاوربية التي يسمها انها رأسمالية ... واهم مهامه في المجتمعات العربية اقامة نظم حكم ديمقراطية وتطوير الحقوق والحريات
الاجتماعية والمدنية
وعكس الطرح السوفياتي في ادارة الاقتصاد ونظرية المركز والاطراف المشتقة منها مثلما عند سمير امين او مهدي العامل اثبت واقع عشرات الدول النامية انها استطاعت التطور بتوفر ثلاثة شروط اولها نظم مستقرة ديمقراطية والتكنولوجيا ورأس المال ، حيثما توفرت تطورت البلدان ان فهمي ان التنمية الاقتصادية هي ايضا معركة يسارية لاخراج مجتمعاتنا من التخلف بتوفير ظروف هذه الشروط الثلاثة ..فهناك معركتان امام اليسار الحقيقي اولها اجتماعية ودمقرطة نظم الحكم والمجتمع، والثانية التنمية الاقتصادية بتوفير شروطها الثلاثة ،،هذا فهمي لليسار وليس بتأميمات ونظم دكتاتورية ومعارك مع الرأسمالية العالمية مثلما اراد السوفيت ليسارنا العربي..لابد لمجتمعاتنا من يسار حقيقي وليس سوفياتي صيني ستاليني قمعي..


5 - اليسار العربي 3
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 31 - 03:18 )
بعد التحية للاستاذ مقلد واعتذاري عن الاطالة
اردت ايحازالخلل البنيوي في يسارنا وتشخيصه بشكل ادق
انه قلب المعادلة وضع الاصلاح الاجتماعي اساسا لليسار بدل الاقتصادي الاشتراكي واليكم الفرق
يخلق اليسار الاجتماعي ظروف وثقافة ووعي حقوقي وديمقراطي لمواجهة السلفيات والديكتاتوريات و يأخذ بحضارة الغرب نموذجا في التطويرالاقتصادي ونظرياته بزيادة ثروة الامم ( وفق طروحات ادم سميث) ومنه تتوفر ظروف اقامة عدالة اجتماعية كبرامج حكومية
اليسار الماركسي السوفياتي يعكس الاية ان تسيطر الدولة على الاقتصاد لتقيم عدالة اجتماعية وطز بالديمقراطية وبالحريات فهذه بدع رأسمالية ....يسارنا من النوع الثاني ولهذا فشل وصعدت السلفيات وانهار الاقتصاد وسادت النظم الديكتاتورية ، هذا ما ورثناه نتيجة لطروحاته الفاشلة
المطلوب من اليسار اليوم تصحيح الوضع وعمل جقلبان وقلب المعادلة . اليسار الاجتماعي وتشجيع الاستثمار والتنمية لتطوير ثروات وقدرات مجتمعاتنا ..اي عكس ماقام يطرحه يسارنا نموذج التأميمات وخرافات محاربة الرأسماية دوليا ..فهذه طوباوية فارغة وافرغت اليسار من محتواه ودوره الاجتماعي ..وعكسه التعلم من الغرب


6 - ليبراليي آخر الزمان أشباه المثقفين
حميد فكري ( 2023 / 12 / 31 - 19:59 )
إنتظرت الجواب من السيد الكاتب لكنه فضل الصمت ،ربما هذا له دلالته القوية .
لكن بعد أن دخلا أشباه المثقفين صاحبي التعاليق الإنشائية الجوفاء ،صار التحدي أكبر ،وهذا بحد ذاته ممتع للغاية .
السؤال :لكن القضية الأهم ،هي : هل وجود مثل هذه الدولة ، ممكن في بنيات مجتمعاتنا ، كالتي نعيشها اليوم ،أم يستدعي تغييرا جذريا في هذه البنيات؟

يجيب صاحب التعليق 2 ( الحل في دولة مستنيرة علمانية ديمقراطية) .جميل
ولكنه يقفز على التحدي/السؤال :هل وجود مثل هذه الدولة ، ممكن في بنيات مجتمعاتنا ، كالتي نعيشها اليوم أم يستدعي تغييرا جذريا في هذه البنيات؟
إنتظر حتى تنزل دولتك العلمانية الديموقراطية من السماء .

أما صاحب التعليق الأمي 3 ليبرالي آخر الزمان ،فيؤكد أميته وجهله بقوله (ومشكلتنا في العالم العربي ان اليسار الذي ساد هو اقتصادي كما في اعمال مهدي عامل وسمير امين)

ثبا لك ،ولمن علمك.متى كانا هذان الرجلان لاسيما مهدي عامل ،إقتصادويا في فكره !!
أقسم بشرفي أنك لم تقرأ يوما ما صفحة واحدة من مؤلفات مهدي عامل .وقد سبق لك أن سميته ذات مرة مهدي العامل.فكيف بمن يجهل نطق وكتابة الإسم الصحيح لصاحبه ،أن يفتي في فكره

اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل