الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السَّعَادَة آلأَبَدِيَّة(5 و 6)

عبد الله خطوري

2023 / 12 / 30
الادب والفن


المشهد الخامس ...

دربنا آلصغير، في ذلك آلزمن، كان مليئا بحسنوات يغضضن آلطرف ينظرن إليكَ في خفر مليئ شهوةً ورغبةً .. بين خفقة قلب ورفة جفن مسافة شاهقة شغَلَتْها لمدة غير يسيرة عاصفة من التردد والجموح والتوجس والترقب .. لَمْ أعمل شيئا يزلزل كياني آلمرتاب .. كل ما في دواخلي مِنْ شد وجذب عَقلَ فكري كَبَّلَ إرادتي في الفعل .. سُجِنْتُ في رتابتي منذ ذلك الوقت .. الآن الدب الصغير، لم يعد إلا ذكرى غابرة، وأنا مازلتُ مسجونا .. هؤلاء الفتية الصغار روح الحياة تكاد تطفر من أعينهم المتحفزة، يدخل المُدَرس الذي شاخت روحه قبل آلأوان، فيتعجب للنزق الذي يشع من حركاتهم .. هم كذلك دوما .. نشطون يثرثرون بمناسبة وغير مناسبة، لا يشعرون باليباب القابع في صدور العباد في آلدروب في آلأزقة في آلأسواق .. مممم .. كأنك كنتَ، أيها الدب الخرفُ، أمام أبناء سادات وسيدات بلد آخر غير الذي تعيشه وتعرفه ... مئات الديدان الضئيلة القد والحجم تخرج كل صباح من أوكار آلرماد، من قبور كابية، من جحور مطلية زفتا وقارا .. يقتاتون الشقاء طيلة الليل، وبالنهار يمارسون السعادة المرجوة في مسرح أقسامهم غير الرحيبة كأن كل شيء على ما يرام ...

_أستاذ .. هل أجد عندك كتاب (السعادة الأبدية) ؟؟

قالت تلميذة .. أتراها تسخر منك أيها آلدب آلتعس تمزح ربما .. أتبحث فعلا عن سعادة أبدية أم سمعت بالعبارة في دروس لغو الفلسفة، فأثارت فضولها ...

_سعادة أبدية !؟

قلتُ مستغربا ..

_نعم ..

قالتْ جازمة ..

_مَنْ يا ترى يكون صاحب الكتاب ؟

قلتُ مستفسرا ..

_لستُ أدري ..

قالت بعفوية مرحة ..

هل هاجس التفكير والبحث سكنها منذ الآن، لمَ تُحمل نفسها عناء قراءة مثل هذه الهرطقات .. السعادة ؟!!؟ ألا تعلمين أنكِ أنتِ السعادة ذاتها مجسدة في فتاة صغيرة لا تفارق آلبسمة شفتيها، بضفائر معقوصة وثياب مزركشة آقتنيت في العيد الأخير .. ألستِ تمرحين في كل آن، رغم الشقاء المحيط بك من كل الجهات .. أن يبحث مثلي عنها، تلك غايته هاجسه شأنه دأبه، أما أن تبحث السعادة عن السعادة، فهذا أمر يثير مفارقة غريبة خصوصا بالنسبة لبُرَيْعمة بالكاد تفتحت أفوافها الشفيفة ...

اسمع، أيها الدب المنحل المعفر بالقار، دع عنك بنات الناس، ادخل جواك، لا داعي لمزيد من السفسطة .. إن روحك دنسة معفرة برغام آلعثرات ما عاد في مهامهها روح شفيفة أو صفاء .. هي تطفر من بين جوانحك تسافر تجول بين أرجاء المجال، فتعقل أيها الفيروس، فالأرض التي تطأها صلافتك تضيق بالدفائن وبقايا الجنائز .. توقف .. لا تتقدم ..

المشهد السادس ...

قالت الڭـاوري للـڭاورية على الشاشة الصغيرة ..

_مُونْتُورْ Menteur (١)

قال الڭاوري ..

_جُو تَادُوغْ Je t’adore (٢)

قالت الڭاورية ..

_فْلَاتُوغْ Flateur (٣)

هي تمسك بيمناها رواية (ساغان)
"لو لي ديفِي" وترطن ... (٤)

_ Deux mains pour un sein

_هل أتممتِها؟

_ليس بعد .. البطلة مريضة لا تريد أن تخرج من دوامتها رغم محاولاتها المتكررة ..

_ما المشكلة؟

_ لا مشكلة البتة .. إنها غير سعيدة..

قالتها بنبرة أرادتها هازئة وهي تضحك ثم تصمت .. تلف لفافة بعض أن وضعت مع التبغ ما وضعت .. توقد النار من القداحة .. الخليط المكفن باللفافة يشتعل .. تجذب نفسا عميقا .. يزدادا الاضطرام في الحشوة المدفونة في السيجارة .. تنفث دخانا أبيض في دوائر مفرغة تتابع تتهادى تتراقص في الهواء ثم تختفي .. تعود الى لازمتها مقهقهة ...

deux mains pour un sein _

أقاطعُها معلقا..

_والثاني .. من يشغله؟

_ مَن هذا الثاني؟

_أوتْغُ سَان Autre sein ..

قلتُ بفرنسية ثقيلة ..

فردتْ ضاحكة بغنج ..

_ عيناك تكفيان ..

_أريد يدا ثالثة رابعة خامسة ما لا نهاية من الأيدي لأقبض على ما لا يقبض عليه ..

_ طماع أنتَ يا عزيزي ..

قالت تدنو مني .. يهوي ثقلُها بدعة بطيئة عليّ .. تزيح اللفافة المستسلمة من بين شفتيها .. تضعها في فمي .. تطوقني ذرعاها .. تنفث ضحايا آلأدخة في وجهي .. أنفث ما آجتمع في حلقي في وجهها ..

_سآكلُك ..

أقولُ بخدر واهن .. والشاشة تردد ببرود ..

_مِيشُونْ لُو، ڭْغُونْ لُو نْوَاغْ كي كْغانْ لُو ڭْغُونْ مِشُةنْ لُو
Méchant loup, grand loup noir
Qui craint le grand méchant loup (٥)

أسترسلُ أداعب ما تصادف يدي اسفلها ..

_فخذاكِ مرمران يستعصيان على الاحتواء

هي ترطن ...

_دُو كْوِيسْ بُوغْ أُونْ فِيصْ Deux cuisses pour une fesse

ألثمُ الدوائر المفرغة المتحشرجة في الهواء قبالة شفتيها .. أدنو أكثر .. تتحسس شفتيها شفتايَ .. أنتشي ...

_هذا كثير..

تأخذ ما تبقى من اللفافة المحتضرة مِن يدي .. تدعكها وسط المرمدة .. خشخ.. خشخ .. خشش .. رغم خفوتِها صختِ آلأذان .. تحدجني عيناها قائلة ...

_هل مللتَ مني؟

_أنا مشلول مذ جئتُ هذا العالم .. تعبٌ بَرِمٌ دائما ..

_لماذا جئتَ إذن؟

_لقد جيءَ بي ..

_لِمَ لمْ تمانع؟

_آش ايديرْ الميت قَدَّامْ غسالو ..(٦)

_يغمض عينيه ينام ..

_ذاك ما فعلتُ ..

_احلم إذن .. لِمَ لا تحلم ؟

_بماذا ؟

_بالذي يحلم به الناس ..

_ليس لدي خيال ..

_عش واقعك أو بالأحرى أَغْرِقْ موتكَ فيه ..

_ليس لدي طموح

_خذ كفايتكَ لا تبالِ ..

_ليست لدي رغبة

_أنت لستَ رجلا ..

_أحبك

_كذاب

_أحبك

_انسفني ..

قالت بحدة تطوقني ذراعاها العاريتان تضمني إليها بقوة وإصرار ..

_لا أحب الحرب

_كَ.. فَ .. ى ..

كلماتي تطفر مني مرتعشة منهكة تجتر مترنحة خيبة الأماني الخاليات ..

_كفى .. أرجوك ..

تبتعد قليلا .. ترمقني بغضب ..

_أنتَ فاشل

_أنتِ جميلة

_أنتَ خائب

_أحبك

تنتفض .. تصرخ .. تقف .. تضرب برجليها على الأرض ..

_انسفني دمرني ..

_ .. كفى عنفا أرجوك ..

قلتُ بتعب واهن وأخلدت للنوم ...

_يتبع

☆إشارات :
١_مونتوغ : كاذب
٢_جو تادوغ : أعشقك
٣_فْلاتوغ : متملق
٤_رواية (سرير غير مرتب) Le Lit défait للفرنسية فرنسواز ساغان
Roman de Françoise Sagan

٥_Méchant loup, grand loup noir .. Qui craint le grand méchant loup : مَن يخاف الذئب الأسود المفترس

٦_آشْ ايديرْ الميت قَدَّامْ غسالو : لا حول للميت بين يدي غساله








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح