الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انه الشعر.. استبد بنا فجلعنا كلمات فاغرة!!

عمار السواد

2006 / 11 / 23
الادب والفن


قد يحلو للبعض ان يتحدث عن دور المثقف من خلال بعض النشاطات التي ينبغي ان يقوم بها ويوظفها لتدعيم بعض القناعات اجتماعيا. هذا الحديث يبدو احيانا مثاليا، ويفتقر احيانا اخرى الى حلول من داخل الثقافة نفسها. ورغم اهمية مثل هذا الحديث الا انه يبقى ناقصا يكرر نفسه وسياقاته من دون الوصول، في حالات كثيرة، الى حلول جذرية وجوهرية. في العراق تحديدا توجد مشكلات عديدة عصفت بالثقافة وحجمت دور المثقف، وجعلته مجرد وعاء لكلمات يرتلها اينما كتب وكيفما نطق. منها سياسية الانظمة الشمولية التي حكمت العراق، ووجهت الثقافة لخدمتها. ومنها حالة التخلف التي انتجت شكلا متخلفا من المثقف. ولكن لم يتكلم احد عن نفس الثقافة وفاعليتها، عن مستوى الثقافة في العراق، عن الالية التي يتبعها المثقفون لتسويق ثقافتهم، عن مجال اهتمامات المثقف العراقي. الحديث عن هذه القضايا لم يكن بالمستوى المطلوب. فعلى الرغم من اهمية البحث في بحور الثقافة والادب، فان الاهم من ذلك هو نقد الثقافة، ومراجعة الذات المثقفة. الكل هنا في العراق يبجل ذاته، والمثقف الذي يتحدث عن ماض معتق بالثقافة هو واحد من هذا الكل، وقلما وجد من تكلم عن ذات واهمة، غير قادرة على النهوض بنفسها، وتكرر وضعها باستمرار.
الادب، وخصوصا الشعر هيمنا منذ عقود على الواقع الثقافي العراقي الى درجة ان اصبحت القصائد والخواطر احيانا النصوص الوحيدة التي يبرهن المرء من خلالها على انه مثقف، فهو المبدع الاجدر بالاحترام. انها نرجسية الشاعر العراقي، الذي تناسى ان النرجسية غير مبررة في بلد تكون نخبته عشرات من الشعراء والادباء ان لم يصل العدد الى المئات، ومن يدري قد يكون هناك الالاف. هذه الهيمنة اضحت في بعض المنعطفات سببا في تضييق الدائرة الثقافية في العراق. المثقف غير الشاعر وجد نفسه في ظل واقع طارد له من قبل النخبة المهيمنة من الشعراء، كونه عاجزا عن كتابة قصيدة من الشعر تثبت شاعريته، ما يضطره الى قضاء اوقات طويلة يبحث فيها، لكي يثبت ذاته، عن نصوص تحتوي على خواطر وصور وخيال ورمزية، ما جعل نصه شعرا، او قصيدة نثر لا تصنع سوى صور من الخيال او لحظات شاعرية او طرب السامعين، وبالتالي فهو مضطر الى الاكتفاء بتجربته الذاتية، كون هذه التجربة شرطا اساسيا في نجاح اي قصيدة او نص مفعم بالشاعرية. لقد انتهى منذ زمن بعيد عصر القصائد المؤججة للعقل الجمعي، والصانعة لثورات الجياع، من هنا يصبح المثقف المفعم بالافكار الحيوية القادرة على ايجاد تغييرات حقيقية في الواقع الاجتماعي وعاء لنصوص وكلمات مفرغة من كل تلك الافكار.
لست مقللا في كلامي من اهمية الشعر، كاطار مفعم بالكلمات الموسيقية، والصور الخلابة. الشعر هو ركن من اركان الابداع التي يترجم الانسان من خلالها مجموعة احاسيسه ومشاعره ومختلجاته، وجميع جوانب تجربته الشخصية او الجمعية. لكن ان يتحول هذا النص الجميل الى بشاعة الاستبداد والهيمنة بفعل واقع تفرضه سهولة الكلمات او قيود السلطات، فان هذا ما يجب على جميع المثقفين الوقوف امامه بقوة وحزم. لست اشك ايضا ان الشعر اشترك بعض الاحيان في صناعة واقع اجتماعي محدد، لكن غياب المثقف غير الشاعر سيحول الثقافة الى منظومة شكلية تصنعها الكلمات فقط، وليس الافكار.
لا ادري لم هذا الغياب الكبير للمثقف المفكر، المثقف الذي يبحث عن فكرة واضحة وصريحة تحاكي العقل الاجتماعي، وتستدعي منظومة القيم المفقودة في مجتمعنا المستلب. في المغرب العربي، حيث يكثر اصحاب النصوص الرائعة، هناك الكثير ايضا من المفكرين والمثقفين غير الشعراء. في مصر ولبنان وسوريا نلاحظ الوضع نفسه. حتى في الخليج الذي التحق في عقديه الاخيرين بركب الثقافة نجد وضعا ثقافيا يتشاطره الادباء مع غيرهم. هل سأل المثقف العراقي نفسه، لم وجد في بلدان تشاطرنا اللغة، نقاد مؤثرين في مجالات ثقافية ادبية وغير ادبية وغابوا او استلبوا في العراق؟.
عرفت مصر نقادا من طراز طه حسين والعقاد في مجال الادب، وحسن حنفي ونصر حامد ابو زيد في مجال الفكر... وقدمت لبنان كتابا من مستوى ميخائيل نعيمة وجبران في بدايات ما سمي بعصر النهضة العربية، في حين وجد فيها مثقفون لم تكن صلتهم بالشعر واضحة كعلي حرب ورضوان السيد، كان ذلك في الوقت الذي لم يغب فيه الشعراء عن واجهة لبنان الثقافية.. المغرب العربي الذي خرج ابو القاسم الشابي اخرج الى العيان ايضا اهم المفكرين العرب من قبيل اركون والجابري وجعيط وبن سعيد وبن عبد العالي... فاين هم المثقفون العراقيون من كل هذا؟
قد ظهر في العراق عدد من الكتاب الذين اشتغلوا في مجالات غير ادبية، كساطع الحصري، ومحمد باقر الصدر، وفالح عبد الجبار، لكنهم جميعا مثلوا الايدلوجيا في صورها المختلفة، ورغم ان الاخير تحرر الى حد ما عن اليسارية، غير ان تأثيراتها بقيت في الكثير من كتاباته. نعم لست انسى اسما لمع في سماء الثقافة العراقية وفرض نفسه بقوة، لايجوز ان ننسى علي الوردي. لكنه يبقى سفينة تحاصرها امواج الصور الشعرية. وحتى بعض الشعراء ممن كتب في الفكر حاصرتهم المخاوف من اظهار اثارهم الفكرية، والشاعر الرصافي الذي لم يصدر كتابه عن الشخصية المحمدية الا بعد اكثر من نصف قرن من تاريخ الانتهاء من تدوينه مثال مهم على ذلك.
وعلي جواد ذلك العالم الذي ترك اثرا مهما دون فيه مرحلة منسية من التاريخ العربي وهو "المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام"، لم يلق الاهتمام الذي عرفه نظراؤه من فحول الشعراء العراقيين.
ولولا ظهور امثال محمد خضير في العراق لقلت ان الثقافة الادبية خارج سياقات الشعر كانت سليبة ايضا، فالقصة هي الاخرى لم تأت اهتمامات العراقيين بها الا في مرحلة متأخرة، في حين ان الرواية لم تجد لها الا القراء من الادباء والهواة.
ان الثقافة غير الشعرية في العراق اما كانت مفقودة، واما مستلبة. ولهذا اسباب عديدة، بعضها يعود الى السلطة التي سمحت لنمط معين من الثقافة، وخشيت الاشكال التي تصدر افكارا وتوجها تحاصر الحزب الواحد. وبعض منها يكمن المجتمع الذي لم يسمح لأي فكر يقوض من عاداته وتقاليده. ولكن اهم تلك اسباب يعود الى الهيمنة المطلقة التي مارسها الشاعر على الساحة الثقافية، لدرجة ان المؤسسات الثقافية المهمة في البلد احتكرت من قبل الادباء، وتحديدا الشعراء. في سوريا نجد ان المؤسسة الثقافية الاهم تسمى اتحاد الكتاب العرب، وتضم الادباء وسواهم. في حين ان الاتحاد الثقافي الابرز في العراق هو اتحاد الادباء. واتذكر هنا جدالا حدث داخل النخبة الثقافية في مدينتي المائية المنسية عندما عدت اليها قبل ثلاث سنوات، كان مفاده هل تضاف كلمة الكتاب على اتحاد الادباء فرع البصرة، وهنا جاهد الشعراء على ان تكون التسمية خاصة بالادباء. وليس حال بغداد افضل. هذه هي الثقافة في العراق. قافية ووزن ورمزية وخواطر، انها مجرد كلمات واحيانا تدخل القصة كمنافس ثان.
فهل سيتمكن الشعر من القيام بعلمية النقد الاجتماعي وايجاد التغرات المناسبة في ثوابت المجتمع المهترئة؟ ان الدور الاجتماعي والدستوري الذي يتحدث عنه المثقفون العراقيون هو اعلى واخطر من ان تلعبه مجموعة من اصحاب الكلمات المزركشة. اعذروني على هذه القساوة. ولكن هذه هي الحقيقة المرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف