الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانطلاقة 59

عمار أسامة جبر
كاتب

(Ammar Jabr)

2023 / 12 / 31
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


لمْ يكنْ قرارُ انطلاقةِ حركةِ فتحِ بالشيءِ السهل، وليسَ بالقرارِ الهينِ فالتوجهِ لخوضِ غمارِ تجربةٍ نضالية، تسعى لتحييدِ الأيديولوجيةِ منْ أدبياتها والاستغناءُ عنها بصهرِ التياراتِ النضاليةِ والسياسيةِ في بوتقةٍ واحدةٍ والاتفاقِ على وصفها ب (حركة)، ليستْ حزبا لهُ منظروهُ وليستْ تيارا يميلُ معَ كلِ مراجعةٍ فكرية وليسَ تنظيم إقصائياً يتلونُ أيديولوجياً كلما تغيرَ التمويلُ، كانَ قراراً مصيرياً فإما الانطلاقة في ظلِ الوضعِ العربيِ الشائكِ والانطلاق منْ خارجِ حدودِ الوطن وصولاً وتقاطعاً إلى الوطن، والتجاذباتُ الفكرية والموجُ الهادرُ سياسياً والانقساماتُ العربيةُ التي أفضتْ إلى استخدامِ القضيةِ الفلسطينيةِ وسيلةً للتنفيسِ عنْ شعوبها أوْ ضمانِ ولائهم ، فالأنظمةُ التي كانتْ تعتلي سدةَ الحكمِ إبانها، لمْ تكنْ تأمنُ جانبَ شعبها ولا التياراتُ السياسيةُ فيها أو حتى العسكر، فنبعَ القرارُ بوجوبِ الانطلاقةِ والعملِ بمعزلِ عنْ الأنظمةِ واعتبرتْ أنَ تحريرَ فلسطينَ خيار شعبي تعبوي لا يميزُ بينَ الشعوبِ ولا يقسمها أوْ يجزئها إلى فئات، واخترقتْ حاجزَ الصمتِ العربيِ وعملتْ لتحقيقِ هذه الانطلاقة، مُسخرةً كلَ ما وقعتْ عليهِ أيديهمْ، وكانتْ ليلةُ الحادي والثلاثينَ منْ كانونِ الأولِ عامَ 1964، ليلة مصيرية لفتح وقرارِ جناحِ صقورها الذي حَزمَ أمرهُ بعدمِ تأجيلِ الانطلاقةِ والعملِ على اختراقِ الحدودِ وصولاً إلى الوطنِ السليبِ، وجاءَ قرارُ الانطلاقةِ ليجمعَ قوةَ كلِ التياراتِ في محيطٍ هادرٍ يضجُ مضاجعَ العدوِ، ويكفي أنْ يرى الاحتلالُ عبارةً ( فتحُ مرتْ منْ هنا ) لتقومَ قيامتهُ ويستنفرُ كلُ قواتهِ إلى المكان.


إنَ العلمانيةَ التي اتخذتها حركةُ فتحِ دستورا لعملها، لمْ تكنْ فكرةٌ قاصرة مرحلياً، بلْ كانتْ فكرةُ استراتيجيةٍ بعيدةٍ المدى، يصبَ وجودها في سبيلِ الفكرةِ الأساسيةِ ألا وهيَ التحريرُ، فعمليةُ التحريرِ التي رأتْ فيها حركةُ فتحِ خيارا شعبيا فلسطينيا يستنهضُ شعبنا في الداخلِ المحتلِ تحتَ نيرِ الاحتلالِ، ويغيرُ منْ الوضعِ القائمِ في المخيماتِ التي وزعَ عليها اللاجئونَ وامتلأتْ باليأسِ والغضبِ والحنق، وحولتْ مسارَ طوابيرِ اللاجئينَ منْ أمامِ بواباتِ مراكزِ الإعاشةِ إلى معسكراتِ فتحِ في الكرامة وغيرها، لتزرع في الفلسطينيِ اللاجئِ الذي أرهقتهُ طرقاتُ المخيمِ، العزة والكرامة والشموخ، وإحياءُ الأملِ بعودتهِ إلى كرمهِ هناكَ في الوطن، وكانتْ فتح تعلمُ أنها ستصطدمُ آجلاً أمْ عاجلاً بالسياقاتِ السياسيةِ والحزبيةِ والاصطدامِ بالدوغمائيةِ، التي أصابتْ للأسف أغلبَ التنظيماتِ الفلسطينيةِ فكلٌ منها تبني رأياً سياسياً وانغلقَ على نفسهِ، ورفضَ رفضاً مطلقاً التزحزحِ عنهُ، ولكنَ الاستشرافَ السياسيَ الذي كان في فتحُ، رأى الأمورَ منْ منظورٍ مختلف، ورسمَ مسارً علمانيً يرفضُ التقوقعُ الحزبيُ، ورفضَ بشكلٍ قاطعٍ أنْ يخضعَ للحزبيةِ بكلِ أشكالها والتي فرضتْ في الكثيرِ منْ الحالاتِ على التنظيماتِ الفلسطينيةِ أشكالاً قاسيةً منْ الولاءِ والتبعيةِ للأنظمةِ التي ساعدتها، وبل ذهبتْ في حالاتٍ عديدةٍ إلى ما أبعدَ منْ ذلكَ، لتسممِ الوئامِ الفلسطينيِ وبدأَ التراشقُ بينَ رفاقِ السلاحِ -بشكل قهري-، وتعزيزَ الانشقاقاتِ بداخلها، ولكنَ فتحَ القويةَ بعلمانيتها استطاعتْ تجاوزَ كلِ هذا ورآها، ورأتْ أنَ الفلسطينيَ المؤمنَ بفكرةِ تحريرِ فلسطينَ كادرٌ فيها، ولمْ تنظرْ إلى ماضيهِ أوْ خلفيتهِ الفكريةِ أوْ الحزبيةِ ولا ميولهُ السياسي، فالانصهارُ في رأيِ فتحِ، يصبَ في معركةِ التحريرِ، والقوةُ في الموجِ السياسيِ الهادرِ داخلها حتى لا تسيطرُ على زمامِ الأمورِ فكرةً إقصائيةً أوْ مكونٍ أوْ دينٍ أوْ طائفة .


لعلَ تطبيقَ أيِ فكرةٍ سياسيةٍ داخلَ أيِ نموذجٍ حزبيٍ أوْ حركيٍ، يبدو مثاليا في البدايةِ ثمَ يتحولُ إلى مجموعةٍ منْ الشعاراتِ والتي تتحولُ فيما بعدُ إلى إرثٍ سياسيٍ، وأدبياتُ بالية ولربما تاريخ يضطرُ فيما بعدُ إلى مراجعتهِ وبلُ نبذهِ وإقصائهِ، لكنَ فتحَ لمْ ترَ في نموذجِ العلمانيةِ مسارا للمثالياتِ والأدبياتِ ولا مكانهُ في الكتب وقاعاتِ الاجتماعاتِ وبينَ الغرفِ المغلقةِ لاستقطابِ الكوادرِ، بلْ قدمتْ للتاريخِ النضاليِ الفلسطينيِ أمثلةً وتطبيقا على أرضِ الواقع، أنها استلهمتْ منْ العلمانيةِ شكلاً حركيا استطاعَ تقديمُ طوقِ النجاةِ لها كلا اقتربَ الخطر، فانخرطَ ضمنَ جموعها أقصى اليمينِ ممثلةً بالتياراتِ الإسلاميةِ القادمةِ منْ رفضِ الفلسطينيينَ ما طرحهُ الإخوانَ المسلمونَ ورفضهمْ العملُ العسكريُ المسلحُ كخيار لتحريرِ فلسطينَ، وتياراتُ يساريةٌ على مختلفِ صنوفها سواءٌ ماركسيةٌ أوْ لينينية، وما بينَ دفتيْ اليمينِ واليسارِ، وانطلقتْ فتحُ لتؤسسَ لمسارٍ وطنيٍ جديدٍ بعيدٍ عنْ الأمرِ الواقعِ بضبابيتهْ، لتنظر إلى نهايةِ النفقِ، وتسدَ الثغراتُ وتحشدُ الطاقاتُ لتصلَ إلى الوطنِ ولا شيء غيرُ الوطنِ، ورغمُ ما كانَ منْ عثراتٍ وإغلاقٍ للمدى أصرتْ فتحَ على العودةِ والتي نجحتْ فيها، وهيَ تعلمُ جيدا أنَ الوصولَ للوطنِ سيفرضُ عليها ضريبة عالية، قدمتها منْ خيرةِ شبابها وكوادرها، فأسستْ السلطةُ الوطنيةُ الفلسطينيةُ وذابتْ كلَ دوائرها في السلطةِ مختارةً الوطنِ على الحركةِ، وهذا الخيارُ الذي لمْ تجرأتْ حركةَ تحررٍ وطنيةٍ غيرها على القيامِ بهِ .


ما زالتْ الطريقُ طويلةً ، فهيَ كما قالَ الختيارْ هيَ حربُ تحريرِ شعبيةٍ طويلةٍ ، وانْ خطة واحدة ستنتصر هيَ خطةُ الشعبِ الفلسطينيِ لتأسيسِ الدولةِ الفلسطينيةِ وعاصمتها القدسِ ، شاءَ منْ شاءَ وأبى منْ أبى ، وأنها لثورةِ ديمومةٍ فكرة حتى النصرِ بإذنِ اللهِ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -