الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض -أفريكا- إحياء كاكي أم اغتيال له؟

ياسين سليماني

2023 / 12 / 31
الادب والفن


ما الذي يمكن أن يقوله جماليا نص كتب في ظروف سياسية واجتماعية خاصة تعود إلى موجات التحرر من الإمبريالية الاستعمارية عندما تتم استعادته بالصيغة ذاتها أمام جمهور في نهاية 2023 لا يعرف أغلبه شخصيات مثل لومومبا والشخصيات المماثلة لها ولا الارتهان للمرتزقة الغربيين في العمق الإفريقي في بدايات الستينيات؟
تأثر ولد عبد الرحمن كاكي بتغريب بريشت، وكتب مسرحه ضمن خلفيات إيديولوجية لا يمكن إخفاء النبرة الصارخة التي تظهر بها في كامل أعماله، والتاريخ الثقافي يذكر أنّ تشي غيفارا حضر مسرحيته ....في قاعة الأطلس بالعاصمة الجزائرية وقال كلمته الشهيرة "رأيت اليوم مسرحا ثوريا"، وإذا كانت هذه العبارة جيدة في سياقها وصالحة في زمنها فإنها لا يمكن أن تكون صالحة في كل وقت، والمسرح الذي يعتمد على الاحتجاج يحمل أسباب قوته من السياق التاريخي فإن زوال ذلك السياق أو على الأقل عدم بقائه بالحدة نفسها والقوة ذاتها يجعل المشتغلين عليه مطالبين باختيار طرق إخراجية جديدة تعيد تجسير العلاقة مع المتلقي بصريا وفرجويا، دليل ذلك أنّ الشعاراتية التي انتهى بها العرض وحاولت استدراج المتلقي للتصفيق بشيء من التوسّل الفني لم تنجح في ذلك بوجود الكثير من البدائل الدرامية على مستوى الاشتغال على النص والبدائل الإخراجية على مستوى الخشبة تمكّن من إنهاء العرض بشكل أقل مباشرة وأكثر فنية.
قدم عرض أفريكا مجموعة من الشباب ضمن مسرح الموجة لولاية مستغانم، وبإدارة مخرج شاب مثل عادل طويل قُدم العرضُ بكوريغرافيا محكمة مع موسيقى صاخبة تعبّر عن الحرب وعن الموت وعن الانتصار، ويحسب للإخراج تحويل هذه الطاقات الشبانية الصغيرة في معظمها إلى شعلة من العمل المنسجم الذي يقول جماعياً لا فرديا خطابا جماليا دقيقا، وهي الحركات التي حاولت أن تعوّض فجاجة الخطاب والمباشرة التي يعاني منها النص ذاته.
كيف يمكن للمخرج إذن أن يتعامل مع نص مفخخ بأسباب الانهيار بحكم عدم مساوقته للعصر والمباشراتية فيه؟ الاتجاه نحو هذا النص يمكن تفسيره بواحد من الأسباب، أولا اسم الكاتب نفسه الذي يوفّر قدرا كبيرا من الحماية للعرض من جهة أنه يغري المتلقي بمشاهدته ويعطي ثقة بأنه سيشاهد عملا رصينا استطاع العبور عبر هذه السنوات دون أن يندثر مع آلاف النصوص الضائعة في الريبارتوار الجزائري، وثانيا لأنّ الحالة العامة التي تعيشها المنطقة الإفريقية والعالم الثالث سياسيا واجتماعيا لا تزال هي نفسها الحالة التي رافع من أجلها نص كاكي، الإمبريالية الغربية ومقاومة الشعوب لها ومحاولتهم الخروج من ربقتها، وثالثا حتى وإن لم يؤكد صنّاع العرض هذا، أنّ كاكي نفسه أصيل مدينة مستغانم التي تعيش فيها الفرقة وتشتغل وتبدع.
هذه الأسباب الثلاثة كفيلة بأن تشجع على الاشتغال على النص والاطمئنان بشكل كبير إلى نجاحه، لكن تبقى مشكلة بنيوية في غاية الخطورة يمكن أن تنسف هذا الحلم الجمالي نفسا تاما وهو إن كان النص قابلا للتقديم كما هو بالبنية الشكلية واللغوية ذاتها والحوارات نفسها أم أنّ النص يمكن الاشتغال على رؤية جديدة فيه بحيث يتم التخفيف من الحدة الخطابية ولغة الشعارات والارتكاز على لغة بصرية تعوّض الكثير من الفجاجة التي ما عادت تستوي الجمهور الذي أغلبه من الشباب في ظل الثورة التقنية الهائلة التي يتم تقديم الفنون بها في كل العالم والتي تخصم الكثير من الحظوظ عن هذه العروض.
قد يكون هذا العرض غير قادر على المنافسة أمام عروض أكثر اكتمالا وقدرة على توحيد رأي الجمهور دفاعا عن جمالياتها، وقد يكون غير قابل هو ذاته على توطيد العلاقة بينه وبين الجمهور، لكن ما يمكن التأكيد عليه أنّ مجموعة الشباب صغير السن من الذين اجتهدوا في تقديمه قادرون بلا شك، وببعض الوعي من المخرجين أن يخرجوا منهم طاقات إبداعية مذهلة، على اعتبار أنّ عرض "أفريكا" مجرد بروفة أولية بالنسبة لهم في طريق طويل نحو الإبداع المسرحي الجاد والجيّد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي