الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إليكِ في رأس السنة

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2024 / 1 / 1
الادب والفن


تحت ضوء خافت أخط إليك هذه الأسطر لأحتضن بصدر رحب ونفس زاهية وقلب عاشق بروح صوفية ميلاد شخص جديد مغمور بإيمان وحب جديدان كمذنب عمَّده راهب أو مسيح وُلد من جديد . سأعترف لك بكل المشاعر الإيمانية التي اختلجت روحي منذ تلاقت عينانا وتلامست شفاتنا بعضهما ببعض . لقد اَمنت بك كنصاراني للمسيح ويهودي لموسى ، قدستُ كل شيء في تلك الرابطة بيننا ، وكنتِ مخلصة كمريم العذراء ، كراهبة في الحب ، كحورية في الجنة ، كنت أجمل شيء وستبقين أسمى ما في الوجود ، وإن كان غيابك إعلانا لموت المسيح فسأظل أؤمن به كما المسلم أن عودتك حتمية وإن صِرتُ ذكرى بعيدة طواها الثرى وأنساها الزمان .

حبيبتي و.خ ، هذه اَخر الاَيات المقدسة أكتبها لك ، لقد انتهى زمن النبوة والوحي ، ولم ينتهي حبنا ، لكن للغياب أثر أقوى من الإيمان ، حتى الأنبياء تأثروا عند فتْرة الوحي ، فهل أكون نبيا أكثر من ابراهيم ؟ إن الأقدار أبعدت بيننا ، لكني سأبقى مؤمنا بك حتى نهاية الوجود ، وأعرف أنك تنظرين إلي من السماء كملك أو نجم أو قمر . فيا جميلتي ، أشكر الرب الذي وهبني فتاة مثلك ، أميرة بجمالها ، بحرا بثقافتها ، ملكة بلغة جسدها ، صحابية بوفائها . إن تناغم روحينا في عوالم التتيمم كان حقيقيا إلى أقصى السماوات ، عرجنا معا إلى ماورائيات ، عشنا أوقاتا كأبطال قصص الغرام ، لن أكتب عنها ، أخشى أن ينتحر أولائك الذين يحبون الجسد لا الروح ، يعشقون من المرأة ثدييها وقبلها ولا تغريهما عيناها أو تسكرهما كلمات الحب التي تنطق بهما شفتاها كصوت اَت من الغيوم ، أشفق على هؤلاء الذين جربوا الحب كغريزة عابرة ولم يعتنقوه كديانة سماوية.

سامحني يا ملاكي إن قررت أن أترك ذكراك ورائي ، متخليا عن هيامي الجنوني وشعري الركيك وموسيقى الفراق الحزينة ومشاعرا كتلك التي ظل قباني يكنها لزوجته ، لا لشيء إلا وفاء لك ولما عاهدتك عليه بأن أبقى فارسا ومغوارا وبحارا في لجج المحيطات . إن للحب حدودا كما الديانات ، فهل أصير زاهدا مثل أبا العتاهية بعتبة ؟ أم مجنونا مثل قيس بليلى ؟ أم وحيدا مثل درويش دون ريتا ؟ لا أعرف سوى أن حبك سيجعلني شاعرا مثل جون كيتس لأهدي لك ديوانا كنجم الشرق . دعيني أستذكر الاَن شذرات من حياتنا معا كشخص تحضره ذكريات حياته وهو على سرير الموت ، لأن الوجد في القلب أقوى من قبضة الموت.

في يوم مشمس من شهر حزيران كنا نتمشى سويا في زقاق أحد الأحياء الغنية ، فأشرتُ ببناني إلى إحدى الفلل التي راقني جمالها الاَخاذ متمنيا أن نقضي بقية حياتنا في مسكن مثلها ، ابتسمتِ ، فاستدرتِ قُبالتي لتمسكي بيدي وتهمسي في أذني أنك ستعيشين معي حتى في كوخ وسط الغابة . اَه يا صغيرتي ، لو بقيت معي لحققنا حلمنا ، لكن غيابك هدم كل شيء ، غياب لم تكوني مذنبة فيه ، ولا انا أيضا ، لكن سوط الزمان يشق حتى الجبال عن بعضها ، وأنا اليوم أسلم للقدر أن يفعل بنا ما يشاء ، سأنساك ، لن أنساك . هل تسمحي لي أن أخبرك عن بعض الفتيات اللواتي عرفتهن في غيبتك الطويلة ، أرجوك لا تغاري ، إنهن لا يقبلن بالكوخ ، ولا بأن نتسكع منتعشين بهواء الأشجار بعد الشروق ، إنهن يردن رجلا فاحش الثراء يملك قصرا وسيارات ولباسا أنيقا وربما جواري وحريم ، فهن لا يأبهن بالحب بل بالمال فقط ، إنهن عاهرات فقط ، نعم ، عاهرات فقط . يردن من الرجل أن يحقق لهن كل شيء في لحظة واحدة حتى الاَلهة لم تحققه لهن عبر سنوات.

هل مازلت تذكرين يوم ذهبنا نبحث عن تنورة صيفية لك وحذاء لي من "البال" (سوق تباع فيه الأشياء المستعملة) ، لقد اخترنا بعناية مقتنياتنا التي جئنا من أجلها ، تشاركنا في دفع الدراهم القليلة من أجل ذلك ونحن نتبادل نظرات الحب ربما كنا نحس أن تلك بداية لحياة مشتركة سنشتري فيها كل شيء نحتاجه وننجب طفلا يحمل جيناتك. كم كنت أنيقة ومنظمة ، التنورة كانت أسفل ركبتيك مع حذاء رياضي أبيض وساعة يدوية رمادية ، كنت أجمل وأرقى فتاة عرفتها .

كانت أياما صافية وبهية ونحن ندرس معا ونقلب صفحات الكتب ، لقد اَثارني فيك كثيرا حبك للقراءة ، اسمحي لي أن أقول لك بتواضع أنك كنت ذكية ، موسوعية ، مثقفة ، ساحرة . وكم كنت ناقمة على ما ندرسه في الثانوية معتبرة إياه مضيعة للوقت ، لم أكن أوافقك الرأي ، لكني الاَن فهمت أنك كنت تحملين فكرا سابقا لعمرك ، نعم ، أنا الاَن في أقرب زاوية لمعرفة خبابا الأمور ، لكني في زاوية بعيدة جدا عنك لأحتضنك وأقبلك . سألتني يومها عن رأيي في رواية "La Boîte à merveilles" لكاتبها أحمد الصفريوي ، فأجبتك أنها رواية تحمل بين دفتيها واقعا اجتماعيا ، لتعقبي أنه واقعنا نحن فقط ، فأبناء الطبقة الغنية سيعتبرون الرواية خيالية في حيثياتها فقط ، لانهم لم يعيشوها . لقد طلبت مني أن أدرس جيدا من أجل أن أصير شيئا ما ، لقد عرفتِ دواخلي واختلاجاتي ، علمتني الحب ، وألهمتني في الشعر والكتابة ودفعني جنونك للفلسفة ، من أنت بحق السماء ؟

حبيبتي ، سأتركك تنعمين بالهدوء والحب ، لقد ألزمتنا الأيام أن نترك بعضنا في غفلة منا ، إني مطمئن عنك ، وكوني واثقة أني سأحقق ما اتفقنا عليه ، بأن أصير شيئا ما ، ربما شاعرا قتله الحب أو كاتبا أرداه القلم ، فلترقد ذكرانا في سلام .

حبيبك الوفي م.ب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا