الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد رأس السنة الجديدة في السجن

آرام كربيت

2024 / 1 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد تمت دعوتي للاحتفال بعيد رأس السنة 1987 ـ 1988 من قبل الرفاق. وبعد أخذ الأذن من مفرزة الأمن السياسي لقضاء يوم واحد معهم، تمت الموافقة.
عندما أغلق الباب الخارجي وقفنا وجهًا لوجه، أنا وبقية السجناء، رفاق من الحزب الشيوعي ـ المكتب السياسي، حزب العمل الشيوعي، حزب البعث الديمقراطي.
بدأ ذهني يأخذ مسافة من الحاضر ويقارنها بالماضي، بالحياة، وبين الجدران المطبقة على الأنفاس، والهواء الطلق.
بدأ الاحتفال حزينًا، كل واحد متمدد على فراشه.
وأخرج كل واحد من تحت سريره قنينة صغيرة ملفوفة بقماش، من ذلك العصير الآلهي الذي يعتق اللب ويحرره.
حالة الذهول سيطرت علي، قلت:
ـ أين الاحتفال؟ وهل هذا احتفال أم جنازة أم تدجين مأساة؟ لمن يحتفلون ولماذا؟
كان الجو كئيبًا مثل كآبة وجوه السجناء وأحلامهم المؤجلة. قسم منهم كان الصمت قد كسره وسيطر عليه، وقسم منهم ذرفت الدموع من عينيه، وقسم ضبط نفسه في نفسه وقسم بكى بحرقة النار الكاوية على قلبه وروحه وأولاده وأسرته.
قدم لي أحد الرفاق نصف كأس من النبيذ وترك لنفسه النصف الآخر، ورفعه في الهواء:
ـ بصحتك، بالأفراج.
تذكرت الجلاد حافظ الأسد وطاقمه. وقلت لنفسي:
ـ كيف يستطيع الإنسان أن يجلس على قلوب ضحاياه ويعيش حياته بشكل طبيعي؟ أي شيطان يرقد في عقل وقلب الجلاد؟
أعلم أن هناك مئات الآلاف من السجناء في سوريا يعانون ويلات السجن والقهر والحرمان وفي ظل التعذيب والذل وفي ظروف بالغة القسوة، وبرعاية دول حقوق الإنسان، الدول الأكثر رجعية في التاريخ، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
أتمنى أن تشرق الشمس وأن يخرجوا إلى الحياة.
ـ سجن سياسي واحتفال برأس السنة، أليس هذا سجن خمس نجوم، شكر ربك يا شيخ، سجون حافظ الأسد وتشرب نبيذ، شو بدك احسن من هيك، كأسك.
كتبت له:
يمكن تذكر يا صديقي أن رجل واحد مثل أبو صلاح، مجرد عريف تافه ورخيص، كان يقدر يشحط أكبر رأس في محافظة الحسكة السورية، ولم يكن هناك رجل واحد يستطيع أن يرفع رأسه.
لماذا لم ترفع رأسك، لماذا لم ترفض الظلم؟ لماذا لم تقاومه؟
ما دام هذا السجن هو خمس نجوم كما ذكرت، لماذا سكت، لماذا لم تتحدى السلطة وترفض سيطرتها على المجتمع.
كنت تستطيع ترفع لافتة، مجرد لافتة صغيرة وتنزل إلى الشارع وتطالب بالديمقراطية، لماذا لم فعلتها؟ هل كنت رجلًا؟ لماذا قبلت بالضيم والذل؟ اشترى البعض كيلو عنب وخمره في الخفاء في زجاجة بلاستيكية من أجل أن يبقى على صلة بالحياة، هل هذا أزعجك هذا الفعل؟
الكثير من النساء طلقن أزواجهن، والكثير مرض بأمراض خطيرة، والكثير نزل أولاده إلى الشوارع يشحذون.
الأعوام الثلاثة الأولى من وجودي في السجن لم أر أهلي. وطعامنا يوميًا كان بطاطا مسلوقة مساءًا ولبنة وخبز صباحًا وبينهما غذاء دون دسم. وثيابنا مهلهلة، ومهترية، وممزقة والبرد والأمراض كانت تفتك بنا. ولم يكن لدينا مال نشتري سفط بيض.
حضرتك، هل تبرعت لواحد مثلي بمئة ليرة من أجل أن أبقى على قدمي؟
أنا خسرت وظيفتي ومستقبلي وشبابي، وبعدين يجي صديق لي ليسخر من سجني.
هل خسرت شيئًا في حياتك من أجل مستقبل بلدك؟
بصدق لا أعرف ماذا أصفك؟ هل أنت إنسان طبيعي؟ طيب هل كنت تتجرأ وتزور أهلي وتخفف عنهم حرمانهم من رؤيتي.
هذا أنت مهندس وفهمان، فما بال الناس البسطاء أو جماعة السلطة ماذا يقولون؟
ثم أريد أن أذكرك، أنني عشت خمسة أعوام في سجن تدمر، ربما كنت تحب أن أبقى في سجن تدمر طوال حياتي على هذه الأرض حتى تشفي غليلك.
يا عيب الشوم عليك.
أنا حزنت لأنها جاءت من صديق قريب مني.
في عدرا خسرت ثمانية أعوام من عمري، تخيل لو كنت خارج السجن ماذا كنت سأفعل. بالتأكيد كنت سأسس بيت وأسرة وحياة مستقرة، وعمل مضمون، بدلا من المتاعب والشرشحة أنا وأمي وأبي وأخواتي، والنطنطة من شارع إلى شارع ومن سيارة لآخرى في شوارع دمشق، من أجل الحصول على زيارة قصيرة تمتد لعشر دقائق، عدا عن مصارف الفنادق، وحمل الأمتعة والأغراض الخاصة لي، والتعب والخوف من أجل الحصول على زيارة، وربما لا يحصلوا عليها أهلي. عدا عن القلق والتوتر ووضع الاحتمالات.
اشكرك يا صديقي أنك كتبت بوضوح، يمكن غيرك قالها بالصرماية، خليه في السجن يتعفن.
أنت عبرت بشكل عفوي، وهذا أفهمه. لكنني على يقين أنك لم تتكلم عن سوء نية.
على كل حال المجتمع السوري خاصة والعربي عامة مريض ويحتاج إلى شغل عليه ومداواته من علل كثيرة كالطائفية والمذهبية والفساد الأخلاقي وموت الضمير.
القسم الأكبر من المجتمع لا ضمير له، أو خربان، ولا يحمل قيم أو انتماء أو مبادئ، أنه مجرد شيء، خواء في خواء، مجرد خراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم