الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صِدام الحضارات لهانتنغتون دراسة جيوبوليتيكية

طلعت خيري

2024 / 1 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ترتب على انهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء مرحلة الحرب الباردة، تغيرات بنيوية في هيكلية النظام الدولي وآلياته، التي انعكست على الادب النظري والواقعي للجغرافيا السياسية، لاسيما بعد تلاشي صورة الصراع الجيوبولتيكي السابق (الشرق-الغرب) بالمعنى الايديولوجي للصراع بين الكتلة الاشتراكية بزعامة (الاتحاد السوفييتي) السابق والكتلة الرأسمالية بزعامة (الولايات المتحدة الأمريكية).

وامام الرؤيا النظرية التي يجري في سياقها تحليل علاقات القوى على الخارطة السياسية للعالم، كانت ثمة طروحات تحاول ملء هذا الفراغ، إذ سبق فرنسيس فوكوياما "Francis Fukuyama" الاخرين، إلى طرح نموذج (نهاية التاريخ والرجل الاخير)، الذي يقدم تصوراً بان الصراع الايديولوجي بتفكك الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، آل إلى تحقيق حتمية الرأسمالية وانتصارها، وان أي نموذج اخر غير قادر على الاستمرار والتواصل سوى النموذج الرأسمالي المعتمد على اقتصاديات السوق، وان جميع النظم الاخرى قد تلاشت.

ان الابتعاد الفرضي والواقعي لفوكوياما، لاسيما ان التاريخ والنماذج التاريخية للامبراطوريات مع اختلاف نظرتها هي في صعود وهبوط بحسب عوامل بنائية متفق عليها. فان فرضية جديدة استطاعت ان تأخذ مسوغات عدة للصراع بين ما هو (خيالي) وبين ما هو(واقعي)، وان تزيح (نهاية التاريخ) لفوكوياما وتصبح هي الفرضية السياسية الاكثر شيوعاً في الساحة الدولية، والمتمثلة (بصدام الحضارات) لهانتنغتون، الذي نشر آراءه في مقالة تم نشرها عام 1993 في مجلة الشؤون الخارجية (foreign affairs) بعنوان صدام الحضارات (Clash of Civilization) ثم توسع في عرض آرائه تلك تفصيلياً بعنوان (صدام الحضارات واعادة صنع النظام العالمي) "Clash of Civilization and Remaking of World Order" إذ يشير هانتنغتون إلى ان الجغرافيا المستقبلية للصراع البشري ستكون بين سبع أو ثمان حضارات رئيسة جاعلاً من التباينات الثقافية العامل الحاسم والاكثر تأثيراً في تأجيج الصراعات الدولية، وان العوامل الجغرافية الاخرى (السكانية والقوة العسكرية… الخ…) ادوات وآليات مكملة للعامل الثقافي في نشوب صدام الحضارات.

وقد توافقت البيئة الدولية إلى حد كبير مع فرضية (هاننغتون)، إذ كان لتفكك الاتحاد السوفييتي واستقلال جمهورياته على أسس اثنية وتغير الانظمة في الدول الاشتراكية إلى انظمة رأسمالية وتفكك الاتحاد اليوغسلافي كذلك، فضلاً عن حركات الاستقلال والانفصال المستمر في اسيا وافريقيا واوربا (جيكوسلوفاكيا) واجزاء اخرى من الخارطة السياسية للعالم، مما اعطى اهتماماً متزايداً بأثر الثقافة وعناصرها في السياسة العالمية، وصاحب ذلك الاهتمام ما طرحته العلوم الاجتماعية لاسيما الانثروبولوجيا السياسية والحضارية من كون المجتمع المعاصر تأخذ فيه الثقافة نصيباً كبيراً في تكوين العلاقات الاجتماعية والهويات ما بين الجماعات البشرية.
وعلى الرغم من التغيرات البنيوية، التي تشهدها المفاهيم الجيوبوليتيكية (السياسية والاقتصادية والامنية) على الساحة الدولية، والثنائيات المصاحبة لنظام عالمي قديم منهار ولادة نظام جديد ما زال متناقضاً، يعيش في حالة الفوضى الظاهرية واللامبالاة الواسعة الانتشار، يصحبها الانتقال المثير من حضارة الموجة الثانية ومعايير المجتمع الصناعي، إلى حضارة الموجة الثالثة، التي تستند إلى التكنولوجيا والمعلوماتية، حيث ستؤسس طلباً جديداً من المعايير والمفاهيم، فان اعادة انتاج الهويات الجيوتاريخية-الثقافية، سيضع تباينات ثقافية على الخارطة السياسية للعالم المعاصر.


جاءت هذه الأطروحة لتناقش نظرية (صدام الحضارات) لهاننغتون، حيث ارتبطت بتزايد عودة الجغرافيا السياسية إلى حقل الثقافات، التي كانت منغمسة سابقاً في اطار الفضاء وصراعها الايديولوجي (الشرق-الغرب)، والسياسات الاقليمية، فضلاً عن احتواء العناصر الثقافية (الدينية-القومية)، في اطارها الاول الذي اصبح بعضها مجزءاً، أو فقدت سيادتها واصبح الكل امام فضاءات مفتوحة في عصر العولمة وآلياتها.


على نحوٍ يبرز مشكلة الدراسة في التساؤل عن دوافع الصراعات المعاصرة، نتيجة للتباينات الثقافية كما يدعي (هاننغتون)، ام بسبب سياسات الالغاء والاقصاء، فضلاً عن سياسات الدول الكبرى، التي تدفع إلى اثارة جغرافيات الجذور (الهوية-التاريخ) بشكل يتوافق ومصالحها.
ان الرؤيا الافتراضية للدراسة، المرتكزة على دليل نظري، ترى ان الالغاء الثقافي، هو الذي يدفع للمطالبة بحقوق الهوية أياً كان انتماؤها.
وامام التداخل النسقي لموضوع الدراسة ومشكلتها، إذ تمتد إلى فضاءات متعددة ما بين الثقافات والمدنيات والتاريخ والعلاقات الدولية، لكن ضمن النطاق الجغرافي (المكان) فان اطارها المكاني يأخذ صفة الشمولية (الكونية) احياناً، مع خصوصية لجدلية العلاقة بين الحضارة الغربية والاسلامية على نحو خاص كما حددها (هاننغتون)، جاعلاً من الرؤيا الصراعية (الهانتغنتونية) المعاصرة اطارها الزمني.


ان التشابك بين عناصر النظرية من جهة والاطر الجغرافية (المكانية والزمانية) للدراسة من جهة اخرى، استدعى اتباع اكثر من منهج لمعالجة مشكلة الدراسة، بغية الوصول إلى اهدافها. إذ اعتمد منهج النظم ذات الصفة الكونية في تحليل العناصر الجغرافية ، والمرتكزة على بنية اقتصادية، في رسم قطاعات لتاريخ التي تظهر العالم على انه يتألف من كيان واحد مفرد، وهذا الكيان وليس الدولة هو الهدف الاساسي لهذا المنهج. مما اعطى امكانية الربط بين الاقاليم الحضارية وطبيعة علاقاتها، وتحليل الانساق الجيوبوليتيكية لنظرية (هانتنغتون)، مستنداً إلى قراءة تاريخية للعديد من تلك العلاقات، من خلال توظيف المنهج التاريخي ، إلى جانب منهج تحليل القوة الذي اظهر بايجاز المكونات الجغرافية الطبيعية والبشرية للعالم الاسلامي وموقعه في الستراتيجيات العالمية.
تضمنت الاطروحة مقدمة واربعة فصول إلى جانب الاستنتاجات والتوصيات والمصادر.
مثل البناء الجغرافي لمفاهيم الحضارة والثقافة والمدنية ونشوء الحضارات وتباين عناصرها، فضلاً عن انعكاس هذا التنوع في الجغرافيا السياسية محور الفصل


الاول. في حين كُرِّسَ الفصل الثاني لتحليل مضمون نظرية (هاننغتون) واهدافها الجيوبوليتيكية
أما الفصل الثالث فخصص للاقليم الحضاري الاكثر رجحاناً للصراع مع الحضارة الغربية وفق رؤية (هاننغتون) والمتمثل باقليم الحضارة الاسلامية، لذا وضح الاهمية الجيوثقافية والجيوستراتيجية لهذا الاقليم على نحوٍ مركز، مع دراسة اهم الآليات الداعمة للستراتيجية الغربية لتأجيج صراع الحضارات مع العالم الاسلامي.
وامام هذا الزخم من الحضارات والصراعات (الهاننغتونية)، فقد حاولت الدراسة الانتقال إلى المنظور المغاير للصراع وهو (الحوار) وفق رؤية جيوبوليتيكية خلال الفصل الرابع، إذ لم يكن للدراسة ان تستنتج اسلوباً للحوار دون الخوض في ابراز الاراء النظرية والفكرية المطروحة، لذا تم التطرق إلى اراء (غارودي) و (خاتمي) وصولاً إلى بناء نموذج نظري بعد تحديد مفهوم الحوار، وافرد المبحث الاخير لاستشراف المستقبل الجيوبوليتيكي للعلاقة بين الحضارات.
ملخص الاطروحة
ثمة أدب سياسي جديد يطرح في أعقاب الحرب الباردة، من خلال مجموعة من المقولات والفرضيات والنظريات. وقد تناولت هذه الاطروحة احداها، وهي نظرية (صدام الحضارات) لهاننغتون، وتوصلت إلى مجموعة من النقاط:-


يمثل المحور الرئيس للصراع عند (هاننغتون) في تباين العامل الثقافي، على نحو يعيد ترتيب اولويات الصراع في العالم، إذ تمثل الحروب الاثنية المقام الاول الذي تدور فيه معظم الصراعات عند مناطق الاحتكاك بين الحضارات. والتي يحددها (هانتنغتون) على نحو خاص بالحضارة الغربية والاسلامية.
يشكل مفهوم الحضارة الوعاء الذي تنضوي تحت ظلاله مفاهيم (الثقافة) و (المدنية) إذ هي الحصيلة التراكمية لأي شعب أو أمة، وهي تشمل الجوانب الروحية والجذورية في الاطار الاول، في حين تضم الثانية المقومات المادية التي استغلها الانسان أو نسجها خدمة له.
يرتبط مشروع صدام الحضارات بخلق حالة الهيمنة وفق رؤية جديدة واهداف جديدة لمصلحة انموذج ثقافي محدد، وتعمل على استكمال تنميط العالم في اطار منظومة القيم الثقافية-الحضارية الغربية، وتشكيل بنية ثقافية جديدة هي (ثقافة العولمة) ووظيفتها (عولمة الثقافة). أي هي نفي للخصوصيات الدينية والقومية في الثقافة لمصلحة ثقافة الدول الرأسمالية المهيمنة من اجل تكريس الامبريالية الجديدة.
على الرغم من بعض التداخلات المكانية والسياسية، فان نظرية (صدام الحضارات) لهانتنغتون هي تجسيد لتقسيم العالم إلى شمال-جنوب، على نحو يضاعف من فقر الجنوب ويسعى لزيادة المحاصصة لعالم الشمال الذي يستأثر بـ (75%) من ثروات ودخل العالم تاركاً الربع الباقي (25%) لـ ثلاثة ارباع سكان العالم (75%) عالم الجنوب.


تؤكد الدراسة ان الحضارات بمفهومها الشمولي التركيبي لا تتصادم، بل تتفاعل وتتسابق. إذ ان المعنى الجمالي لها هو السمو والرقي، لكن إذا ما تم تهميش أي مجموعة سكانية صغيرة ام كبيرة فعندئذ تصبح الهوية الثقافية مصدراً للاحتجاج والصراع من اجل الاعتراف بحقوقهم الثقافية، لذا فان قاعدة (صراع الهويات والثقافات) هي التي تتطابق مع الواقع "الجيوبوليتيكي". إذ من غير الممكن ان نتصور الثقافة على انها كينونة محايدة ، بمعنى انها لا تعقل فعلها ولا تنتصر لذاتها.
يتسم مشروع الحوار الحضاري بنزعته المستقبلية من خلال توظيفه لبناء مستقبل افضل للإنسانية، إذ هو اكبر من كونه مشروعاً آنياً، بل هو رؤية لمستقبل انساني افضل، ومن هنا تبلورت فلسفة الحوار الحضاري، المتمثلة في ايجاد ارضية مشتركة للقاء والتفاهم والتكامل بين المجموعات السكانية ذات الهوية الثقافية المختلفة.
تفصيل قائمة المحتويات

المقدمة، الفصل الاول :المنظور الجغرافي للحضارات، تمهيد، المبحث الأول: مقاربة مفاهيمية للحضارة والثقافة، المبحث الثاني طبيعة مفاهيم الجغرافيا الحضارية، المبحث الثالث: أثر المكان في التنوع الحضاري، المبحث الرابع: المغزى الجغرافي السياسي للتنوع الحضاري.
الفصل الثاني: نظرية هانتغتون واهدافها الجيوبولتيكية، تمهيد، المبحث الاول: الاقاليم الحضارية- السياسية عند هانتغتون، المبحث الثاني: التحليل الجيوبولتيكي لعناصر الصدام عند هانتنغتون، المبحث الثالث: الأهداف الجيوبوليتيكية للنظرية.
الفصل الثالث: العالم الإسلامي وستراتيجية صدام الحضارات، تمهيد، المبحث الأول: أهمية العالم الاسلامي في صدام الحضارات، المبحث الثاني: مؤشرات الصدام مع اقليم الحضارة الإسلامية.
الفصل الرابع: مشروع الحوار الحضاري ومستقبله الجيوبولوتيكي، المبحث الاول: مفهوم الحوار الحضاري، المبحث الثاني: النماذج النظرية للحوار الحضاري، المبحث الثالث: المستقبل الجيوبوليتكي للحضارات.
الاستنتاجات، التوصيات، المصادر، خلاصة باللغة الإنكليزية


قائمة الجداول: اللغات التي ينطق بها اكثر من 40 مليون شخص، نظرة عامة على الاقليات في خطر سنة1990 بحسب المناطق، الدول الدائنة للولايات المتحدة الأمريكية بحسب احصاءات عام 2001، دول منظمة المؤتمر الإسلامي، الاحتياطي النفطي في اهم دول منظمة المؤتمر الإسلامي، اعداد السكان لمجموعة من دول منظمة الموتمر الإسلامي ومعدلات نموهم السنوي (1975-2015)، مجموع الناتج المحلي ونصيب الفرد لمجموعة من دول منطقة المؤتمر الاسلامي مقارنة بدول الحضارة الغربية.
الاستنتاجات
ثمة أدب سياسي جديد يطرح في أعقاب الحرب الباردة، من خلال مجموعة من المقولات والفرضيات والنظريات. وقد تناولت هذه الاطروحة احداها، وهي نظرية (صدام الحضارات) لهاننغتون، وتوصلت إلى مجموعة من الاستنتاجات:-

1. يمثل المحور الرئيس للصراع عند (هاننغتون) في تباين العامل الثقافي، على نحو يعيد ترتيب اولويات الصراع في العالم، إذ تمثل الحروب الاثنية المقام الاول الذي تدور فيه معظم الصراعات عند مناطق الاحتكاك بين الحضارات. والتي يحددها (هانتنغتون) على نحو خاص بالحضارة الغربية والاسلامية.
2. يشكل مفهوم الحضارة الوعاء الذي تنضوي تحت ظلاله مفاهيم (الثقافة) و (المدنية) إذ هي الحصيلة التراكمية لأي شعب أو أمة، وهي تشمل الجوانب الروحية والجذورية في الاطار الاول، في حين تضم الثانية المقومات المادية التي استغلها الانسان أو نسجها خدمة له.
3. تتصف كل حضارة بصفات خاصة بها من حيث اللغة والدين والعادات، إلى جانب القدرة على الابتكار والابداع، وهي لا تبقى أسيرة الاطار المكاني بل تمتد خارج اطارها، لطبيعة الحضارات الانسانية التي تتسم بالتفاعل والتناغم والتأثير. إذ ترتبط المفاهيم الثلاثة بالقدرات التي تمتلكها كل حضارة.
4. ترتبط المجموعات البشرية بالمكان ارتباطاً وثيقاً، على نحو ينعكس على شكل حياتهم ووظائفهم، مما صنع التباينات في الحيز المساحي بين الاقاليم، على نحو تشكلت فيه أنماط حضارية متعددة، مرتبطة في اطارها الزمني بالتطور البشري واستقراره، إذ كان الشرق المهد الاول للحضارات في وادي الرافدين والنيل وفارس والصين والهند. ومع ذلك شهدت الخارطة الحضارية انتقالات مكانية، بفعل التطور والقوة كما في الحضارة الغربية.
5. ان تنظير صدام الحضارات نزعة لمرحلة ما بعد الرأسمالية، اذ تحاول القوة العظمى اثارة وتحفيز العامل الديني بوصفه أداةٌ رئيسة في صناعة القرار السياسي مما يعمل على احلال رؤية التخوم والحواجز والارتطام بين الشعوب والامم عبر الكيان الجغرافي الصغير الدولة.
6. يرتبط مشروع صدام الحضارات بخلق حالة الهيمنة وفق رؤية جديدة واهداف جديدة لمصلحة انموذج ثقافي محدد، وتعمل على استكمال تنميط العالم في اطار منظومة القيم الثقافية-الحضارية الغربية، وتشكيل بنية ثقافية جديدة هي (ثقافة العولمة) ووظيفتها (عولمة الثقافة). أي هي نفي للخصوصيات الدينية والقومية في الثقافة لمصلحة ثقافة الدول الرأسمالية المهيمنة من اجل تكريس الامبريالية الجديدة.
7. تولد الهيمنة الثقافية، حالة الاغتراب وازمة الهوية التي تؤدي إلى التهميش والاقصاء واجراء تحويل جذري في الوظيفة التاريخية للهوية الثقافية للأمم والشعوب من وظيفة الاصل والابداع إلى وظيفة التغيب والاستلاب.
8. لا تتوافق نظرية (صدام الحضارات) مع كل نماذج الجيو التاريخية، حول فكرة قيادة دولة واحدة للعالم. إذ كانت على الدوام تنافساً بين الامبراطوريات والقوى الدولية المتعددة.
9. على الرغم من بعض التداخلات المكانية والسياسية، فان نظرية (صدام الحضارات) لهانتنغتون هي تجسيد لتقسيم العالم إلى شمال-جنوب، على نحو يضاعف من فقر الجنوب ويسعى لزيادة المحاصصة لعالم الشمال الذي يستأثر بـ (75%) من ثروات ودخل العالم تاركاً الربع الباقي (25%) لـ ثلاثة ارباع سكان العالم (75%) عالم الجنوب.
10. تؤكد الدراسة ان الحضارات بمفهومها الشمولي التركيبي لا تتصادم، بل تتفاعل وتتسابق. إذ ان المعنى الجمالي لها هو السمو والرقي، لكن إذا ما تم تهميش أي مجموعة سكانية صغيرة ام كبيرة فعندئذ تصبح الهوية الثقافية مصدراً للاحتجاج والصراع من اجل الاعتراف بحقوقهم الثقافية، لذا فان قاعدة (صراع الهويات والثقافات) هي التي تتطابق مع الواقع "الجيوبوليتيكي". إذ من غير الممكن ان نتصور الثقافة على انها كينونة محايدة ، بمعنى انها لا تعقل فعلها ولا تنتصر لذاتها.
11. تمثل الحضارة الاسلامية عالماً قائماً بذاته، ضمن الخصوصية الثقافية، المتجسدة في الرابطة العقائدية الدينية، وهو احد العوالم الحضارية الرئيسة من بين العوالم الحضارية الاخرى، اذ يمتلك قدرات كبيرة تؤهله ان يكون قوة ستراتيجية مستقبلية. فجغرافياً يمتد على ثلاث قارات ويبلغ رصيده السكاني اكثر من مليار ونصف، بحيث يتصف بتواجد اقلياته داخل اوربا والأمريكيتين فضلاً عن عطاء الموضع الذي يأتي النفط في مقدمته، إذ يستحوذ على اكثر من (70%) من احتياطي العالم، مما جعله اقليماً يتأثر باهمية خاصة في الستراتيجيات العالمية. ومن هنا تأخذ عملية تصاعد الضغط للسيطرة عليه من خلال تنظيرات مختلفة، شكل صدام الحضارات وآلياتها ابرزها على نحو اقحم وبشكل اوضح عما سبق المفهوم الثقافي-الديني في الصراع والسيطرة عليه.
12. يتسم مشروع الحوار الحضاري بنزعته المستقبلية من خلال توظيفه لبناء مستقبل افضل للإنسانية، إذ هو اكبر من كونه مشروعاً آنياً، بل هو رؤية لمستقبل انساني افضل، ومن هنا تبلورت فلسفة الحوار الحضاري، المتمثلة في ايجاد ارضية مشتركة للقاء والتفاهم والتكامل بين المجموعات السكانية ذات الهوية الثقافية المختلفة.
13. على الرغم من الدعوات المتعددة إلى حوار الحضارات، فما زالت الرؤية الفكرية الخاصة الممتلئة بالافكار السياسية هي التي تصنع مفاهيم الحوار، دون النظر إلى العقيدة الفكرية الجماعية للمجتمعات التي تمثلها هوياتها الثقافية الخاصة، فضلاً عن امكانيات القوة التي تلقي بضلالها على الحوار ومساراتها، ويبقى مع كل ما تقدم مستقبل حوار الحضارات مرتبطاً بتشكيلية النظام العالمي خلال المراحل القادمة التي سيكون لها تأثيرٌ بالغٌ في تحديد مسار الحوار من خلال منظومة العولمة وآلياتها. لذلك فان البشرية ستواجه خيارات مختلفة: إما اعادة انتاج نظام الهيمنة تحت شعار النظام العالمي الجديد، أو خلق نظام ما بعد الهيمنة وهو نظام يستمد مشروعيته من البحث عن ارضية مشتركة لتفاعل المدنيات واندماجها والمحافظة على الخصوصيات الثقافية.
التوصيات

1- على الفكر الغربي بمختلف اتجاهاته الفكرية، التخلص من النزعة الانفرادية، بخصوص العالمية وتشكيل هيكلية النظام العالمي بتلك المقاييس، إذ ان هناك رؤى متعددة وثقافات متنوعة، لكل واحدة منها خصوصيتها، مما يستدعي الاعتراف بها والمحافظة على هويتها.
2- ان الحوار المفروض بتفوق القوة، لا يفضي إلا إلى الاشكالية الثقافية، وتحرك جذري في الوظيفة التاريخية لثقافة واديان وقوميات الأمم والشعوب، مما ينعكس على الاستقرار في الخارطة السياسية للعالم، وهذا يتطلب اعادة تفكير القوة المهيمنة، في اصول ومجالات الحوار ودعمها التكافؤ.
3- توجيه الحوار نحو الجوانب المدنية-الانسانية، التي لا ترتبط بمعتقدات أي من الأمم والشعوب، لاعادة رسم الخارطة الانسانية للعالم، من خلال تقليل اللاتكافؤ بين المركز والاطراف.
4- ان المجال الفكري-الحواري هو القاعدة الرئيسة لخلق فرص الاستثمار، لاسيما في المجالات التنموية، التي تعاني من ضمور في عالم الجنوب، وعلى نحو خاص العالم الاسلامي، اذ سيحقق التنمية اقليماً حضارياً اكثر استقراراً، لاسيما ان القوى الغربية الكبرى لا تستطيع الانسحاب المطلق منه أو تغيره مطلقاً.
5- توحيد الجهود بين انحاء العالم الاسلامي، من اجل تحقيق مشروع (الحوار الحضاري)، إذ يؤدي تنسيق الجهود، إلى توحيد الخطاب الاسلامي. مما يتيح له الامكانات والوسائل والبدائل، بدلاً من تبني جهة أو دولة واحدة لتلك المشاريع.
6- يتطلب من دول العالم الاسلامي ومنظماتها، الاقرار بالهويات الثقافية وخصوصيات الشعوب والاقليات التي تعيش في العالم الاسلامي، واعطاءها الحق في تقرير المصير. ما دام العمل الآني والمستقبلي للعالم الاسلامي، سوف يكون وفق الكيانات السياسية، إذ ان هذا الاقرار سيحقق الاستقرار السياسي إلى حد كبير. فضلاً عن تهيئة الارضية الواقعية لدعوة العالم الاسلامي، الى تعايش الشعوب والأمم والتعاون المدني، وهو ما أقرته الشريعة الاسلامية لكل الطوائف والاقليات التي أسلمت أو لم تسلم في مرحلة تكوين الدولة الاسلامية آبان الخلافة الراشدة وما بعدها.
((وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم))

أطروحة دكتوراه ، ابراهيم قاسم درويش محمد البالاني

http://alsafeerint.blogspot.com/2010/08/blog-post_1908.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار