الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى باقية

محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)

2024 / 1 / 1
الادب والفن


تعمد أن يأتي مشيا من الفندق الذي خصصته له الشركة لينزل فيه قريبا من وسط المدينة ،ليكتشف المنطقة ، حتى إذا بلغ المركزتوقف ينتظر سيارة خاصة من الشركة ..
كانت ريهام نازلة من مول بعد ان اشترت قمصانا طلبها زوجها هدية لأبيه فاصطدم نظرها به،كادت المفاجأة أن تشل قدميها!!.. ظلت تراقبه وهو يتحرك فوق الطوار ،يشرئب بعنقه يمينا ويسارا وكانه يترقب أحدا عنه قد تأخر ، بحذر تحدق عن بعد في قامته الطويلة ، رأسها يتحرك كرقاص الساعة وهي تكسر حصار المارة الذين يكونون حاجزا بينها وبينه..
"أبدا لن يخذلني بصري " همست لنفسها ..
تقترب قليلا دون ان تثير انتباهه..
لم يخامرها أي شك انه هو . تساءلت :
ـ ما ذا يفعل هنا ؟ هل ينتظر أحدا قد تأخر؟ ربما موعد مع فتاة !!.من هذه المحظوظة التي ظفرت به؟ . قلبها يقفز الى حلقها ..
كلما التفت الى جهتها أدارت وجهها الى الجهة المعاكسة ، لا تريده أن يراها قبل ان تتعرف على من ينتظر ..
كان لا يلبث أن يتوقف كلما شده مشهد باثارة كانه يزور المدينة لأول مرة ..
هي لم تجالسه غير مرة واحدة وفي حضور أبيها، بينها وبينه خمار أسود ،هو حجابها ، غلالة تمنع عنها دقائق تقاطيعه لكن صوره لازالت حية في وجدانها و لم تُصيِّرها رمادا الابعد أن قمطها اليأس من أن تحظى به شريك عمر، أثارها بأدب ولباقة من أول نظرة..
ـ كيف يمكنني أن أخطئه وهو في السويداء مقيم ؟.
كان يرتدي بدلة ليلية فوق قميص أبيض ،وربطة عنق موزية ، هو نفس اللباس الذي يرتديه أصحاب الأعمال الأجانب في وطنها،فهم كانتماء لحضارة أوروبية غير متعودين على ارتداء القمصان الطويلة يتباهون بها كاصحاب البلد، لا غطاء على الرأس ولا كوفية..عبق عطره يخترق المارة ليصل اليها شميما لم تنسه أبدا ولن تنساه ..
سيارة فخمة تقف ؛ جفلت !! .. قلبها يطرق عظام صدرها بهدير المفاجأة أكبر منها !!.. لم يكن السائق الذي نزل من السيارة واستدار الى الشاب يحييه بانحناءة توحي باستقبال اول بينهما غير زوجها ، مهندس تقني في شركة حسابات اسبانية ، لها فروع في الخليج تهتم بالحسابات وتقويم المعاملات التجارية ،فكيف تعرف أحدهما على الآخر ؟..
الحيرة تركبها،تقمطها بلبوس من هواجس،قلق ، فضول وخوف
ما يتحرك في صدرها ، هل تتقدم ؟.. هل تتأخر ؟..
ـ سأغامر !! ..
تسرع الخطى الى زوجها الذي تفاجأ بوجودها ، تبادلا كلمات ، وهي تشير الى الأقمصة في يدها ، ثم تركها وبادرالى كرسي القيادة.
كنت تتمنى أن يراها ، أن تمسحها عيونه ، أن تغزو نفسه باثر،
هل يذكرها ؟ ..
يعود الزوج الى البيت عند الظهيرة، لهفتها كانت تسبق عودته.. لأول مرة لم يجد المائدة معدة قبل وصوله ،أحس ان زوجته تغلي من داخل نفسها بقلق وكأنها تريد شيئا وحده من يملك مفتاحه ..
تعمد أن يتجاهل حالتها ، قصد الحمام، غسل يديه ثم عاد..
انتبهت الى أنه يتابعها بنظراته وهي تعد المائدة . تصيح بقلق :
ـ ألا تساعدني؟.. التعب يأكلني وأنت لاتبالي ، أنا مرهقة .. !!
لم يتعود منها طلبا مثل هذا .. ربما أتعبتها أعمال البيت ثم التجوال في المول بحثا عن نوع من القمصان يفضلها أبوه عن غيرها ..
يداها ترتعشان وهي ترتب المائدة .يسائل نفسه :
ـ مابها ؟ لماذا هذه العصبية المتبدية في حركاتها ؟ يتذكر أيام زواجهما الأولى ،كانت كثيرا ما يلفها قلق مفاجئ ، وعصبية بلامبرر ، تثور لأتفه سبب ،لكن مع الأيام هدأت ،وحلت السكينة مكان القلق، فهو قد تزوجها بعد أن رآها في لقاء عائلي ، جميلة ، أنيقة تتقن الحديث..أحس بانجذاب اليها ، فخطبها مستغلا مسؤولا من أقربائه يدين له أبوها بالتقديروالاحترام، ثم تزوجا بعد شهرين ..
حين شرعا يأكلان قالت :
ــ من ذاك الذي حملته في سيارة الشركة ؟
دون ان يرفع راسه رد:
ـ مدير جديد على الفرع هنا ..وصل من يومين ..
كادت أن تسأله هل هو مغربي ؟ فزمت شفتيها.. عبارته قبضة تعتصر قلبها !! .. هو لا شك ، كانت تعرف انه يملك ثقافة واسعة وشواهد عالية، يملك تخصصا في الحسابات والتقييم الاقتصادي والتجاري ، يتقن اللغات الأجنبية وأن له قدرات تؤهلة لان يتبوأ ارقى المناصب ،لكن ما تعرفه عنه كذلك هو انه كان صاحب شركة يتاجر في الفواكه الجافة والزيوت بالجملة ، فكيف تحول الى مدير لشركات أجنبية؟. ربما حن لأيام الوظائف السامية التي مارسها ، قبل أن يتركها بعد موت زوجته عند اول وضع لها وإصابته بشلل نصفي خفيف شفي منه بعلاج مكثف في شهور ..
لا حظ الزوج ان زوجته لا تشاركه الأكل كما عهدها ، ولا تثرثر بما تحكيه عن يومها .. سالها:
ـ مابك ريهام ؟ أراك اليوم قلقة ؟ !!..
وضعت لقمة صغيرة في فمها ، وبدأت تلوكها على مهل؛ تمالكت نفسها ثم قالت :
ـ لا شيء ، ذكرني مديرك الجديد بمغربي كنا قد التقيناه حين كنت مع المرحوم ابي في زيارة أحد الأطباء الفرنسين ، لقد قدم الينا يومها مساعدة كبيرة لهذا ظلت صورته راسخة في ذهني..
رفع الزوج راسه اليها ، بلع مافي فمه ثم قال :
اية مساعدة ؟.. قالها بنبرة شك كنغصة تحذرها لما بعدها ..
ليس في الأمر شيء أن تخبره ، لكن عليها أن تزن كل كلمة قبل أن تتورط مع شكه المقيت ..
ـ كان أبي قد ضيع محفظة نقوده ، ووجد نفسه عند الأداء في ورطة أمام صاحب مطعم تعودنا الاكل عنده .. كان هذا الشاب قريبا منا يتابع حديثنا وقلقنا،ما ان اقبل النادل حتى ناداه ، كلمه بلغة فرنسية لم نعرف مضمونها الا حين اخبرنا النادل ان صاحب المائدة بالجوار قد دفع ثمن الفاتورة مسبقا ..
حين قصده والدي ليشكره قال له : لا تشكرني هو واجب قمت به قد ترده الي في يوم من الأيام ، ثم اصر على ان نشرب القهوة جميعا ، وبعدها صاحبنا الى مركز الشرطة ، هناك وجدنا محفظة ابي قد اتى بها صاحب سيارة الأجرة الذي حملنا من كاتدرائية نوتردام الى شارع لافونتين..
أراد ابي ان يرد اليه مبلغ الغذاء ،اعتذر عن اخذه ،وحيث كنا سنغادر فرنسا ليلا فلم نتمكن من استدعائه لرد الضيافة..كانت شهامة من الشاب تستحق الذكر الجميل ..
قال الزوج وهو يتابعها بنظرة تلميح كأنه يريد أن يبلغها شكا في صدره قد غلى :
ـ هل كان عمله شهامة أم رسالة خاصة لك ؟
سرقت نظرة الى وجه زوجها وقد تحولت قمحيته الى صفرة من غيرة نفثها في منديل ووقف كأنه قد أنهى أكله وفي مسمعه يرن صوتها ..
ـ لم أسأله حينذاك ،لكن هو الآن مديرك وتستطيع أن تتقرب اليه بالسؤال ..
حدجها بنظرة غيظ ثم دلف الى غرفة النوم ..
انشغلت بتنظيف المائدة اذ لم تكن لها خادمة ، فالزوج جديد عهد بعمله وهي بلاعمل ، تقتيره يمنعه من توفير خادمة تساعدها ، فلا اقل من ان تقتصد في النفقات مادامت هي من تتكلف بالتسوق لتوفير دريهمات قد تحتاج اليها يوما ؛ كانت تتحرك بين مكان الأكل والمطبخ وكانها غائبة لا تدري ماتفعل ..
الذكرى تتهادى في مخيلتها ، تعصرها عصرا أليما ،وضعت يدها على صدرها ، أتكأت على باب المطبخ، ثم تنهدت ، اغرورقت عيناها، حاولت ان تخفي انفعالها خوفا من أن يدعوها زوجها اليه فيفضحها انفعالها ..
تذكر كيف انشغل أبوها بتوقيع وصل كونه تسلم محفظته من مركز الشرطة ودس الشاب في شجاعة فاجأتها بطاقته معلوماته في يدها، بسمة من وراء خمارها تفضحها عيون كبيرة زادها الكحل فتنة وقد اضطربت من وجل خوفا من التفاتة مفاجئة من أبيها ..
بادرة منه هي نفسها قد خطرت في نفسها بأمنية :
"ليتني أعرف عنوانه" وكأنه قد قرأ افكارها..
بينها وبين نفسها شرعت تردد
آآآه ...لو تلملمي جسدي بالقبلات!!..
تلك كلماته مما كان يكتبه في رسائله اليها، لازالت تحفظها عن ظهر قلب ..
تذكرت اول رسالة منه اليها :
" ربما تجاوزت حدودي ، فتصرفت بطيش وتسرع ،لكن ما ان أيقنت أن الرجل الذي تصاحبين هو ابوك حتى سمحت لعيوني أن تخترق غلالة خمارك وترتاح نفسي على بسمات عينيك ،فهل أنال منك رضا وقبولا ؟.. "
رسالته لم تكن كالرسائل التي كثيرا ما وصلتها ممن يدعون الاعجاب ويطلبون الصداقات من شباب وطنها ،رسالته تختلف في أسلوبها وانتقاء كلماتها: صريحة واضحة بلا التواءات :
اليك اكتب كلماتي
انثرها عبر الأثير حلما من احلامي
هي مني رؤى
خرجت من أعباء سهري
الى وجهك المخبوء
في أستاري
تذكرت كيف ركبت الخطر وكتبت له ايميلها بمجرد عودتها الى وطنها ، وهي تدرك انها تجازف بالتعرف على رجل لم تخبره أو تتعرف عليه الا في لحظات.. ماكان يهمها هو ان تعانق فيه حضارة غير حضارتها وفكرا غير فكرها، ثم تحررعواطفها صارخة بلا تحفظ.. أو تمسك نفسها بمبادئ دينها و صرامة تقاليدها سمعت عن المغرب وعليه قرأت ..عن عقلها أبعدت كل ظن سيء يمكن أن يشوه صورته في ذهنها ..
ـ فما أكثر ما يثرثر الناس ، وبلا دليل يتقولون، من يكتب بهذه الطلاقة وهذا الصفاء والوضوح لايمكن ان يغرر بفتاة أويتلاعب بعواطفها..ويكفي أن يجبر عثرة فقدان محفظة أبي لأتوسم فيه خيرا، سخاء يد وقصدا شريفا ..
عليها تتداعى حياة بنت عمها ، كيف تعيش مرارة الأيام ، تحكمات سلطوية ، من زوج انسلخ عن مظهره الأول ليرتدي الفساد، والشح عليها وعلى أبنائها، وكثيرا ما مد يده بضرب ، ثم عاقبها بضرة ..
كان حديثها الليلي معه حديث أصدقاء ، قبل أن يبوح كل منهما بعواطفه ورغبته في الآخر ، كانا قلما يفترقان ، كلاهما من وطن يجمعهما النت هي في بيت ابويها وهو في شركته التجارية او في بيته..كانت تحس بصدقه وهو يحكي عن حقوق الانثى في وطنه ، عن القانون الذي يحمي المرأة من تعدد الزوجات ، " المرأة في وطني ابدأ لا تعيش حبيسة دائرة مفرغة اجتماعية وثقافية ودينية وسياسية وقانونية، المرأة في وطني حرية وعقل شريك في التنمية"
اعادها رنين هاتف زوجها الى نفسها ، قفزت من مكانها كمن لسعتها نحلة ، سرت رجة في نفسها ، هل يكون هو؟ تذكر رقم هاتفه ذكرها لايميله الذي لازال راسخا في ذهنها ،وقفت خلف باب غرفة النوم تسرق الصدى وتلتقط الكلمات..
كانت لا تسمع الا صوت زوجها بطيئا وقد أثقله الكرى :
"طيب سيدي ، مافيه مشكل ،ربع ساعة وأكون في باب الفندق".
اطلت على الزوج وقالت : خير ان شاء الله ..
رد وقد أعاد رأسه الى الوسادة :
ـ المدير الجديد يسألني ان كان ممكنا مصاحبته في جولة عبر المدينة . حتى يتعرف على الطرقات .قبل أن يتسلم سيارة خاصة له ستصل غدا ..
قام من سريره ، ارتدى قميصه ، ثم اتجه نحو الباب وهو يقول :
ـ اذا تأخرت مساء فلا تقلقي..
لم يترك لها فرصة لتنبيهه ، كان يلزم ان يأخذ دوشا او يمسح بعطر على الأقل ... اتقاء من رائحة العرق .. سيكون واجهتها مع حبيبها..قد يلتقيهما يوما..قد يستدعيه زوجها لغداء اوعشاء !!
ما أغباني !! ..وهل يجرؤ مرؤوس على استدعاء رئيسه ؟... لا غير ممكن ..وزوجها بعيد عن عادة العزومات وحتى لو استدعاه أحد فهو يمنع ان تصاحبه.. الحرمة لديه مكانها البيت ،أنثى ملونة في قارورة، وممنوع عليها الجلوس معه في حضور صديق اوقريب غير ابويه..تلك تقاليد البلد !! ..
في البيت بقيت وحدها ، تستحم في قلقها ، تقمطها عشرات الأسئلة..
لو يجود الزمن لزوجها بفرصة فتكون معه ولو مرة واحدة ، تجالس حبيبها ، تسمع جديده ، تتملاه ، تشرب عيونها من حضوركانت تتمناه في بيت أهلها فيطلقون زغاريد فرحها به ،هل تزوج؟ بمن؟ ألازال يكتب خواطروقصصا؟ لمن؟ وبمن استبدلني ؟
لا ابدا لم يستبدلني انا من تركته مكرهة ، انا من قطعت رسائلي عنه، انا من خضعت لأنانية السلطة العليا التي لايرد لها أمر والا وسمت الانثى بالعقوق والخروج عن الطوق والطاعة ؛كم توسل أن أعلن العصيان وأمزق طوق هيمنة الأبوية المتشددة !! .. بل تحمل مشاق السفر الي فرفضت مقابلته خوفا من عيون أطلقها أبي من خلفي بعد أن فرض علي رجلا من اقربائه :
"هو ابن بلدنا ونعرف أصله وفصله ، وغيره لن يكون " ..
تذكرت آخر كلماتها اليه بعد كلمات عشق منه اذابتها ، وتمنت لو كان اللحظة بقربها يعصرها كما كانت تعصرها كلماته ،فتحس البلل يكتسح ذاتها كله..
اتمناك حبيبي ...
أنُساً في ليلتي
انفلاتا من غربتي
الروح فيك عناق
والعيون توق رغبة..
بكت كأنها لم تبك من قبل ، صدمة لم تستوعبها هي ما أصابتها بحكم جائر ..أول حب في حياتها يئده أبوها بأمر صارم .. شتان ما بين حبيبها ، وسامة وجسما رياضيا مسبوكا واناقة مظهر ، وبين زوجها الذي لا تهمه غير المادة يلهث وراءها حتى أيام العطل وعلى حساب راحتها ومتعتها النفسية ، فهو قلما يفكر في عشاء على ضفة نهر،أو رحلة قصيرة ،او حتى جولة في شوارع المدينة ، تحس معه انها مع رجل يحاول أن يخفف عنها معاناة يومها المنزلية ،حتى حقه الشرعي يمارسه وكانه يقوم بمهمة رسمية ، لا يبالي بمعاناتها وكل ذرة تتحرك في جسمها ، لا يهمه انتفاضتها، والليل بعده تقضيه تتلوى في فراشها تفرك ساقا بساق..
هي فعلا صدمة ، لم تتصور ان يأتي يوم وتلفى حبيبها وجها لوجه أمامها.. أبدا ماكانت يوما مهيأة لاستقبال مثل هذه الصدمة..
لماذا رضخت لامر من ابيها وتنازلت عن حب كان من الممكن أن يثمر حياة افضل وأحسن .. ؟ تنهدت بعمق وهي تبتلع غصتها:
ـ البكاء بعد الميت خسارة ، لكن كيف أواجه مستقبلي بين زوج قد بوأه الشرع علي بحقوق وبين حبيب أحس أنفاسه حولي حارقة ..
أحست بضربات قلبها تعلو وبطنها ينتفخ من وجع .. تكومت في مكانها ..لا تدري كم مر من الوقت والوجع يعصرها ..
سمعت الباب يفتح فتظاهرت بالنوم .اقبل زوجها، ناداها فلم تجب،تركها ودخل غرفة النوم ليغير ثيابه .. كانت تعيش بين صراع ان تفيق لتعرف ما وقع او ان تظل متظاهرة بالنوم فتمنع نفسها عن زوجها ..
عاد الزوج ، يناديها من جديد ..أصدرت انينا يوحي بمرضها ،حاول ان يوقظها لترافقه الى سريرهما لكن كل محاولاته ذهبت سدى؛ تركها وهو يزفر من قلق .. لم يكلف نفسه حتى برمي غطاء عليها..
لم تنم ليلتها ، فصور الحبيب امامها تترى ومنها تشكل قصصا وأوضاعا ..
في الصباح كان الارق قد مسح على وجهها بشحوب فلم تستطع الوقوف لاعداد الفطور.. ظلت متكومة في مكانها..
سمعت الباب يقفل .. هو زوجها قد خرج .. حتى تحية الصباح لم يرمها عليها .. تعرفه حين يغضب لاي سبب ، يقاطعها الى أن تصالحه متوسلة نادمة . استحلى سلوكها هذا وتعوده ..
فتحت عينيها وهي تحدق في سقف الحجرة.. كانت صورة الحبيب هي ما يملأ عينيها ..اليوم أدركت انها تجني نتيجية خضوعها واستسلامها بسرعة؛لو كانت ممن يتمردن وممن يرفضن السيطرة ما وجد ابوها الطريق سهلة لتكبيل حياتها برجل غير الذي أحبته، ما جدوى الزمن واثره في عقول الناس ،؟ وما جدوى الدراسة والمعرفة والخبرات المتراكمة اذا كان هذا الزمن يعاود انتاج نفس السلوكات؟.. بنفس القسرتزوجت أمها وبنفس القسر تتزوج هي !. .
تذكرت ليلة دخلتها انها لم تحس بما وقع بها : لم تحس بالم ولا أخافها دم مما نزف منها ، فكل تفكيرها كان في حبيبها ، فعل الزوج كل ما اراد،ثم بدأ يتمطى بجانبها لا همسة ولا كلمة ..
حين سألها ما بك؟ كان الرد دموعا تسربلت من عيونها ، لم تزد عن القول :
"احس بتعب وأريد ان انام.." ولم تلبث ان سمعت شخيره وكأنه لم يتزوجها الا ليفض بكارتها ويتيقن من نزيفها حتى يثبت ذكورته وعفتها..
كان الحبيب بكلمات يجعلها تهتز ،وهذا بكل حضوره لم يحرك رعشة في ذاتها..
منذ اليوم عليها أن تتعود على طقوس جافة ، لا رسائل حب ، ولا كلمات تدغدغ احاسيسها ، عليها ان تتآلف مع حياة الامر والطاعة..
غصة مؤلمة تكاد تشطر حلقها .. عليها ان تأتلف مغارتها ورجل يدخل ويخرج عليها ، يكلمها كلمتين ثم يدعوها لسريره بلا مقدمات ولا لمس او همس ولا مداعبات ..تمنت لو كان لها عمل يشغلها ، يبعدها عن التفكير في حبيبها وفي زوج بملامح متجهمة يمنع عنها كل زائد تتمناه..
هتفت من اعماقها : "رب ماهذا الشقاء !! .."
وهي في المطبخ تعد فطورها سالت نفسها :
لو لم يظهر حبيبها هل كانت ستعيد تقييم حياتها ؟
الم تكن مرغمة قد تلبست عادات جديدة والفت سلوكات تدامجت معها وتآلفت ،وان كانت على حساب شخصيتها ومتعتها كفرض مقدر على وجودها ؟كل ما قرأته واستبطنته عن الحب والزواج وعشرة الدلال والدلع لم تكن غيرأكاذيب تملا الصفحات بلا صدق..
التقطت أنفاسها ثم عادت الى اريكتها التي قضت عليها الليل دون أن تلتفت لغرفة نومها ، جلست وهي تحاول كبح توترها ..
صداع داهمها يشطر راسها ، عادت الى المطبخ فربما فنجان من القهوة قد يريحها بعض الشيء..
رجعت الى أريكتها ، استرخت على الاريكة ،ثقل عاود أجفانها، لعله أرق الليل .. غمضة تسرقها .. تراه في منامها ..
كان يسير بخطوات سريعة وهي خلفه تريد اللحاق به ، يلتفت اليها، لم يعرها انتباها ،كانه ماعرفها يوما .. تناديه ، ثم تعاود النداء .. لا التفاتة منه ..في محاولة لاعادة اللحاق به تتعثر فتقفز في مكانها بقوة ، قفزة اسقطتها من فوق الاريكة ..
انتبهت وقد أحست بالم في خصرها من جراء السقطة ..
"ما اغباني !! .. كيف اشتت شملي بيدي ، كيف ابيع رجلا اشتراني رغم نقائصه بآخر ماعاد يلتفت الي ، لو كنت ذكرى باقية في باله لهاتفني أوراسلني حين وصل الى هنا ،حتما صرت في نفسه نكرة ، ماضيا منسيا ..
هو في قلبي راسخ الوجود ،لكن هل مازال يحتفظ لي بأثر في صدره ؟ لا اظن ... سأحيا به قصة حب كنت انا من دمرها وساتركه يعيش حياته كما اختارها ..
اتكأت بمرفقها على جانب الاريكة ، وقفت وبادرت الى المطبخ لتعد طعاما لها ولزوجها دون ان تغيب بداية مطرة من عيونها .. مطرة على كلمات لن تزيدها الا قهرا يجب ان ترددها مرغمة لتصالح زوجها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات