الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية تفضح طائفية عقلانية هابرماس

حنين الهندي
باحث وكاتب

(El Hindy Hanine)

2024 / 1 / 2
القضية الفلسطينية


بعد التواطؤ المكشوف لساسة الغرب مع آلة القتل الإسرائيلية، وبعدما خرجت شعوب هذه الدول في مسيرات رافضة لهذه الإبادة، بدأنا نبحث عن عقل الغرب الذي قدّمه لنا حداثيونا على أنه عين الإنسانية والحكمة والعدل؟ وبعد شهر من الصمت، رفع ضمير ألمانيا يورغن هابرماس قلمه (ومعه راينر فورست، وكلاوس غونتر، ونيكولرديتلهوف)، وسطّروا بيانا تحت عنوان "مبادئ التضامن. موقف"، قلنا أخيرا رجحت الحكمة وانتفضت الفلسفة على السياسة؛ وحَسِبْنا أن صاحب نظرية "الفضاء العام" استمع لفضاءات وشوارع ألمانيا وهي تندد بالمذابح الإسرائيلية، ولعله نظر إلى ساحتي "هيرمانبلاتز" و " تمبلهوف" وهي ترفع شعار "تخلصوا من الاستعمار ضد الاضطهاد العالمي"... لكن، شيئا من ذلك لم يكن!
لقد تفنن البيان في "عقلنة الإبادة" وتحميل المسؤولية كاملة لحركة حماس؛ ناعتا عملياتها بالوحشية، وفي نفس الوقت مبررا ومتفهما لهجمات إسرائيل قائلا " قد دُفعت إسرائيل إلى الانتقام بهجوم مضاد ... مبرر من حيث المبدأ". من المؤكّد أن لكل الناس حريتهم في اتخاذ مواقفهم مهما أمعنت في البلاهة، لكن المريب فعلا أن تضع أسسا عقلية لهذا موقف فترزعم أن تضامنك مع إسرائيل هو" تضامن مفكَّر فيه ومتعقَّل"!
لقد خلّف هذا الموقف حسرة لا تُخفي صدمة لدى ثلة من مفكرين وفلاسفة في المغرب، وقبل بسط مواقفهم، وبصفتي باحثا في المجال العمومي (الرديف المادي للفضاء العام الهابرماسي) أقول أن التحيز الفئوي لهابرماس وجُهده في عقلنة ذلك ليس وليد اللحظة، وهو ما انتقده فيه فلاسفة أوروبيون، وأستطيع اختصار الطائفية في فكر هابرماس في ملمحين اثنين:
- خلص هابرماس في دراسته للفضاء العام ضمن الاجتماع السياسي الأوربي خلال العصر
الحديث (القرنين 17 و18م)، إلى أن الطبقة البرجوازية وحدها من أسست هذا الفضاء. ليقصى فئات عريضة مساهمة؛ وفي ذلك ردّت عليه المؤرخة الفرنسية "أرلات فورج" «Arlette Farge» في كتابها « -dir-e et Mal -dir-e»، وهي تبرز دور الفئات العمالية في تشكيل الفضاء العام، "إنها لم تكن فقط بطونا تهضم ما يُلقى لها، بل كانت تسعى دوما إلى تشكيل هويتها من خلال التحرر عبر النقاش السياسي". وقد أسهب أوسكار نيغت في بيان دور البروليتاريا ومساهمتها في خلق الفضاء العام مستدلا على ذلك بثورة 1918 الألمانية والدور الذي لعبته حركة ماي 1968 الفرنسية في بلورة وتجديد معاني الفضاء السياسي العمومي الفرنسي. وانطلاقا من ذلك نحت مفهومه الجديد "الفضاء العمومي البروليتاري".
- يعتقد هابرماس أن الفضاء العام لا يوجد خارج المجتمعات الغربية الأوربية الحديثة،
والحال أن "غياب نظرية مكتملة حول الفضاء العام في الفكر العربي والإسلامي –مثلا - لا ينفي وجود الظاهرة وقدمها في مجتمعنا" (غانم، 2009). بل هناك من يعتبر أن " التغيير الأكثر تطرفًا الذي شهدته المدن المغاربية خلال الأربعين سنة الماضية يكمن في ظهور الأماكن العامة.." (Navez-Bouchanine, 2003).
لقد استغرب الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي (مفكر وأستاذ جامعي مغربي) موقف هابرماس وجهوده في شرعنة الحرب على فلسطين قائلا "لا يمكن لقارئ هذه "المبادئ" أن يتصور أنها صادرة عمن يعتبر فيلسوف "الفضاء العمومي"، وصاحب "نظرية التواصل"، وسليل "المدرسة النقدية"، الذي سبق له أن اتخذ موقفا مشرفا عندما أعلنت الحرب على العراق". وقد ردّ بنعبد العالي سقوط هابرماس إلى اتخاذه حادث السابع من أكتوبر هو بداية الصراع وليس ما قبله: "ما يثير الاستغراب، هو أن فيلسوفا في حجم هذا الرجل يُدخل كل ما جرى قبل السابع من أكتوبر ضمن "ما قبل التاريخ"، ليعتبر أن تلك هي البداية التي ينبغي أن يعلن بصددها "مبادئه"". ومن جهته نعت محمد الأشهب (أستاذ الفلسفة بجامعة ابن زهر) هذا الموقف الهابرماسي بالمتحيز: " ظل هابرماس صامتا لمدة أزيد من شهر على المذبحة الجماعية ليطلع علينا بهذا الموقف المتحيز"، مُرجعا تحيزه ذلك إلى الخوف من الاتهام بمعاداة السامية: «ومن المعروف عن هابرماس والعديد من الفلاسفة الألمان أنهم يتفادون الإدلاء بآراء في الموضوع خوفا من تهمة معاداة السامية". لكنه اللحظة أعطى لنفسه الحق في "تبرير صريح يشرعن العنف الهمجي الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني... حتى ولو أزهقت أرواح الآلاف من الأطفال" يضيف الاشهب. بينما اعتبر موليم العروسي (مفكر وكاتب مغربي) ما كتبه هابرماس (ومن معه) انخراط في الدعاية الصهيونية التي "على مدار الساعات والأيام والليالي تلوك نفس الخطاب الذي كان مهيئا حتى قبل عملية حماس"، ليخلص العروسي إلى أن "البيان كُتب للدفاع عن إسرائيل وليس للدفاع عن الحقيقة".
ختاما يبدو أن سياسة الكيل بمكيالين انتقل عداؤها من السياسيين إلى المفكرين في أوروبا (على حدّ تعبير الاشهب) وهو ما يجعلنا في ريبة مما وعدتنا به الحداثة، ويدفعنا إلى التساؤل عن قيادة الغرب إلى أين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |