الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيطنة المقاومة الفلسطينية ... لمصلحة من ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2024 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


بدأت في الآونة الأخيرة تتصاعد أصوات نشاز ورائحة كريه تزكم الأنوف , تنفس عن حقد دفين في أعماق نفوس مريضة حاقدة على المقاومة الفلسطينة التي تصطر اليوم أروع صفحات البطولة والفداء في ملحمة الدفاع عن غزة المجد, دون ناصر أو نصير من قريب أو بعيد , بوجه عدو صهيوني غاصب متغطرس لا يقيم وزنا لقانون دولي أو عرف إنساني أو واعز ديني أو أخلاقي , بل يقوده حقد أعمى ضد كل ما هو فلسطيني في إطار عقيدة صهيونية عنصرية, تقضي بإستئصال الفلسطينيين من أرضهم التي ولدوا وترعرعوا وعاشوا فيها منذ مئات السنيين, ليحل محلهم يهود صهاينة جاءوا بهم من شتى أرجاء العالم دون وجه حق , تحت حماية ورعاية القوى الإستعمارية الكبرى المتمثلة ببريطانيا سابقا التي إحتلت يومها مناطق ودول عديدة في جميع قارات العالم .
إنتهجت بريطانيا سياسة ممنهجة لتوطين رعاياها ورعايا مواليها في عدد من المناطق التي إستعمرتها, بأعداد كبيرة كما في كندا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزلندا وجنوب أفريقيا ,ليصبحوا أسياد تلك البلدان وجعل من تبقى من سكانها الأصليين بعد حروب دامية عبيدا لها , ومنها فلسطين حيث عمدت سلطة الإنتداب البريطاني إلى فتح باب الهجرة الواسعة لليهود الصهاينة من كل حدب وصوب , بخاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية متذرعة بما حل باليهود من فضائع وجرائم إرتكبها الألمان النازيون بحقهم وحق أقليات أخرى كثيرة , بدعوى الحفاظ على العنصر الجرماني نقيا ومتسيدا جميع الأعراق حسب عقيدتهم النازية العنصرية المقيتة , ولتكون فلسطين الصهيونية مخلب قط شرس تستخدمه ضد خصومها في المنطقة الغنية بثرواتها , وذات الموقع الستراتيجي المتميز في قلب العالم ,لاسيما أن بقاء هذا الكيان المصطنع في غير موطنه وبيئته , مرهون بالحماية الإستعمارية في محيط عربي لا تمت إليه بصلة , كما نجحت بذلك في البلدان الأخرى التي وطنت فيها أقوام مهاجرة من بلدان أخرى , ومحو هويتها الأصلية .
إلاّ أن الفرق هنا أن فلسطين يسكنها شعب ذو حضارة أصيلة تمتد مئات السنين وتربطه أواصر قوية بمحيطه العربي والإسلامي , وليس شعبا بدائيا كما هو حال السكان الأصليين في تلك البلدان , فضلا أن الصهاينة أنفسهم رفضوا منذ البداية وما زالوا يرفضون حتى يومنا هذا فكرة دولة فلسطين التي يتعايش فيها سكانها من جميع الأديان والأثنيات والطوائف , بل يصرون حتى يومنا هذا على فكرة دولة إسرائيل الخاصة باليهود , وهم وفقا لهذه العقيدة العنصرية يسعون بكل الطرق والوسائل إلى طرد سكان فلسطين من غير اليهود . لذا فأنه أمر طبيعي أن يتعثر مشروع الإستيطان الصهيوني , ما دام الصهاينة يصرون على إفراغ فلسطين من سكانها الشرعيين , وبالمقابل يصر الشعب الفلسطيني على حقه الطبيعي بالعيش في أرضه ووطنه وإقامة دولته الحرة المستقلة التي يمكن أن يعيش في كنفها جميع الفلسطينيين بصرف النظر عن أعراقهم ومعتقداتهم وأديانهم وطوائفهم في أمن وسلام .
وهذا هو لب الصراع الصهيوني الفلسطيني , بين مشروع حضاري إنساني فلسطيني قائم على مبادئ الحق والعدالة والقانون الذي يضمن حقوق الجميع , ومشروع صهيوني عنصري بغيض يسعى لآستئصال الآخر الأصيل المتجذر في أرض أبائه وأجداده . وللأسف نجحت آلة الإعلام الصهيونية الضخمة , يتضليل الرأي العام في بلدان كثيرة في أوربا وبلدان أمريكا الشمالية بشيطنة الفلسطينيين, وملائكية الصهاينة رغم أنهم يرتكبون أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين العزل ,من نساء وأطفال وعجزة أمام مرأى ومسمع العالم جهارا نهارا دون حياء , محملين ضحاياهم الفلسطينيين مسؤولية ما يحل بهم من دمار , أي تبرئة الجاني ومحاسبة الضحية بدعوى حق الجاني بالدفاع عن النفس كما يزعمون ,بينما يعلمون جيدا أن الفلسطينيين هم من يحاول بما يملكون من وسائل بسيطة الدفاع عن أنفسهم ومالهم وعرضهم , وهم يواجهون عدو متغطرس مدجج بأعتى الأسلحة وأكثرها فتكا .
والمؤسف حقا أن بعض صناع الرأي العام من مثقفين ومفكرين وإعلاميين , وبعضهم رجال دين ومنهم الدين براء ,جعلوا من أنفسهم مطية للإعلام الصهيوني المضلل ,بوعي أو بدونه , وراحوا أنفسهم يشيعون في بلدانهم هذه الفبركات الصهيونية المتضمنة شيطنة المقاومة الفلسطينية, وينحون باللائمة بما حل بفلسطين في قطاع غزة من خراب ودمارعلى أيدي القوات الصهيونية الغازية ,على المقاومة الفلسطينية الباسلة التي تصدت بشجاعة لبعض إعتداءات الصهاينة التي لا حدود لها , ولم تتوقف يوما سواء في غزة أو في الضفة الغربية الخاضعة للإحتلال الصهبوني المباشر . لم يسلم من هذه الإعتداءات حتى بعض رموز السلطة الفلسطينية المرتبطة معهم بإتفاقات أوسلو المتضمنة تصفية القضية الفلسطينية لصالح الصهاينة على حساب الحق الفلسطيني الذي لم يرى النور بعد , حيث طالت بعضهم يد الغدر الصهيوني وتصفيتهم في بلدان أخرى وبعضها بلدان عربية متواطئة معها .
تحاول بعض الأوساط الخبيثة خلط الأوراق بهدف صرف النظر عن جوهر الصراع الصهيوني الفلسطيني وما يرتكب من جرائم وفضائع بحق الفلسطينيين وبخاصة في قطاع غزة , بإثارة العنعنات الدينية والطائفية والأثنية في البلدان العربية . كما يلاحظ خفوت صوت وعاظ السلاطين العرب وعدم قيامهم بدعوة " المجاهدين " لنصرة الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة على أيدي القوات الصهيونية المحتلة , كما فعلوا ذلك مرارا وتكرارا بالنسبة للعراق وسورية واليمن حيث إرتكب " مجاهديهم " جرائم بشعة بحق شعوب تلك البلدان يندى لها الجبين .
نقول لمن يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وشرعيتها , أن الحق الفلسطيني لا تعيده أدعية الخطباء , ما لم تدعمها البندقية الشريفة المقاتلة , تجسيدا لقول الله سبحانه وتعالى واعدوا لهم ما إستطعتوا من قوة , وهذا ما أثبته نضالات الشعوب ضد مستعبديها في الماضي والحاضر في كل بقاع الأرض . لذا تبقى المقاومة الفلسطينية أمل الشعب الفلسطيني الذي يعول عليه تحرير الأرض الفلسطينية من براثن عدو صهيوني غاصب لا ذمة له ولا ضمير. تحية لكل مناضل فلسطيني شريف نذر نفسه وروحه لتحرير وطنه فلسطين التي تكالبت عليها كل قوى الشر الدولية, دون ناصر أو نصير بعد أن تخلى عنه من كان يتاجر بإسم قضيته العادلة حتى وقت قريب , بدعوى الواقعية ومراعاة الظروف الدولية الراهنة واللهاث وراء سراب وعود الولايات المتحدة الأمريكية بالتسوية العادلة , التي لم يجن منها العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة سوى المزيد من النكبات وسفك الدماء وخيبات الأمل وهدر الموارد وتعطيل الحياة والذل والهوان وفقدان الأوطان .
ونحن هنا لا ندعي الكمال والصواب لكائن من يكون , ولا تبرير الأخطاء والهفوات وعدم دقة الحسابات , وتعظيم الذات والمبالغة في القدرات والإستهانة بقوة الخصوم , فالبشر أيا كانت قدراتهم يصيبون ويخطأون ولا أحد خارج المساءلة مهما عظم قدره وشأنه . والمقاومة الفلسطينية ورجالها الشجعان ليسوا إستثناءا من ذلك , بل في المقدمة منها , نظرا لعظم المسؤولية التي تتحملها وبخاصة في الظروف الدولية المعقدة حيث تتشابك المصالح , وإنعكاساتها على مسارات القضية الفلسطينية المزمنة منذ عقود, وتتلاقفها الأطماع الدولية ومحاولات البعض إستخدامها كورقة مساومة لتمرير بعض مصالحها . أن ما أردنا قوله أنه لا يصح أبدا توجيه نقد أو لوم ولو بحسن نية , لرجال المقاومة وهم يذودون بأنفسهم في غمار حرب شرسة يشنها ضد شعبهم عدو غادر متغطرس لا ذمة له ولا ضمير , لاسيما من منتقدين بعيدين عن سوح المعارك وينعمون وعوئلهم بترف عيش كريم , ولو إننا ميالين للأعتقاد بنوايا خبيثة مبطنة للكثير من هؤلاء النقاد المزيفين ,بهدف بث روح اليأس وعدم جدوى المقاومة بتهويل قوة العدو التي لا تقهر , متجاهلين تجارب الكثير من الشعوب التي إستهانوا بقدراتها أمام جبروت قوات إستعمارية مدججة بالعتاد والسلاح , ولكنهم نجحوا بهزيمتها شر هزيمة , كان آخرها هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية ودول شمالي حلف الأطلسي من قبل قوات طالبان الأفغانية بقدراتها البسيطة المحددودة , مقارنة بالقدرات العسكرية الأمريكية والأطلسية يعد صراع إستمر أكثر من عقدين من الزمان , والقائمة تطول يكفي أن نشير إلى هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد فيتنام , وحرب التحرير الجزائرية التي توجت بتحرير الجزائر من إستعمار فرنسي إستيطاني بغيض دام أكثر من ( 130 ) عاما , وتحرير دولة جنوب أفريقيا من هيمنة المستوطنيين الأوربيين وقيام دولة جنوب أفريقيا الحرة المستقلة , وهناك تجارب أخرى كثيرة .
وليس غريبا أن يوصف قادة المقاومة الساعين لتحرير بلدانهم تارة بالعصاة وأخرى بالإرهابيين المتمردين الخارجين عن القانون , فقد وصفت بريطانيا المهاتما غاندي محرر الهند من النفوذ الإستعماري البريطاني , بالإرهابي الخارج عن القانون , بينما يعرف القاصي والداني أن غاندي رجل قانون معتبر قاد حملة سلمية لتحرير بلاده . كان ياسر عرفات قائد حركة المقاومة الفلسطينية فتح ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية , يوصف في وسائل الإعلام الصهيوني , بالإرهابي عندما كان يقود النضال الفلسطيني , أصبح بين عشية وضحاها داعية سلام وإستحق بذلك جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الإرهابي الصهيوني مناحيم بيغن زعيم منظمة أرغون الإرهابية الصهيونية ورئيس وزراء إسرائيل فيما بعد, بعد توقيعه إتفاقات أوسلوا المتضمنة تصفية القضية الفلسطينية وإقامة ما قيل أنه سيكون دولة فلسطينية لم ترى النور حتى يومنا هذا ,على الرغم من كل التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية .
وختاما نقول أن من لا يستطيع بالفعل ,دعم الحق ونصرة المظلومين في فلسطين البطولة والصمود , ولا يستطيع الدعم بالقول من باب أضعف الإيمان , فالأولى به أن يصمت دون الحاجة لثرثرة فارغة وتنظيرات عقيمة نأمل أن لا تكون مدفوعة الثمن والله أعلم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة