الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد الشكر اللبناني!

جوزيف بشارة

2006 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يحتفل البعض اليوم بمناسبة عيد الشكر الذي يرمز إلى انتهاء موسم الحصاد الزراعي في البلاد التي تحتفل به. لبنان لا يحتفل بهذا العيد. ربما لا يحتاج وطن الأرز للاحتفال بانتهاء موسم الحصاد الزراعي بقدر احتياجه الشديد والمُلِّح للاحتفال بانتهاء موسم حصاد الأرواح الذي انطلق في ربوعه قبل ما يزيد على الثلاثين عاماً حين اندلعت الحرب الأهلية الكريهة التي راح ضحيتها مئات الألوف من الأبرياء. الخميس، الثالث والعشرون من نوفمبر 2006 يوم مأساوي جديد يمر على لبنان يفرض عليه وعلى مواطنيه الاتشاح بالسواد وذرف الدموع والبكاء والعويل، رغم أنه يوم استقلاله، حيث يقوم اللبنانيون بتوديع شهيد جديد وهو بيار الجميل الذي كان يشغل منصب وزير الصناعة في الحكومة الشرعية حتى اللحظة التي حصد فيها الإرهاب الأعمى حياته قبل يومين.

إذا كان الاحتفال بانتهاء موسم الحصاد الزراعي يتم بشكل سنوي في عدد من دول العالم، فإنه يبدو أن موعد الاحتفال بانتهاء موسم حصاد الأرواح اللبناني الطويل لم يحن موعده بعد، على الرغم من انطلاقه قبل سنين طويلة دفع خلالها اللبنانيون أثماناً باهظةًً لصراعات وحروب إقليمية لم يكن لهم بها شأن. وإذا كان الاحتفال بانتهاء موسم الحصاد الزراعي يعني الخير الوفير للمحتفلين، فإن الاحتفال بانتهاء موسم حصاد الأرواح الذي غرست أشواكه وروتها ورعتها قوى إقليمية معروفة بكراهيتها للبنان وشعبه ووحدته واستقراره وسلامه، سيعني لكل لبناني الجراح التي يصعب أن تندمل والآلام التي ربما يستحيل أن تهدأ.

تناقلت وكالات الانباء بيانات إدانة الجريمة التي صدرت عن المجتمع الدولي، والقوى الإقليمية، وكافة الفصائل اللبنانية الموالي منها لقوى 14 آذار التي كان الوزير الشهيد ينتمي إليها والمعادي لها. لم تفرق وسائل الإعلام التي تناقلت الإدانات بين البيانات الصادرة عن مخلص أو عن خائن، أو بين هذا الذي يحب لبنان قولاً وفعلاً، وذاك الذي يدبر لتخريب لبنان، وذاك الذي يعمل لمصلحة الاستخبارات الأجنبية. من بين كافة أصوات التنديد التي انطلقت تنعي أو تعرب عن أسفها لاغتيال بيار الجميل لم تستطع الصحف والإذاعات وقنوات التلفاز التمييز بين من هو صديق ومن هو عدو، أو بين من بريء ومن هو مجرم ملطخة يداه بدماء الوزير الراحل وغيره من شهداء لبنان الذين راحوا ضحية غدر الأخوة الاعداء. فالكل شارك في نعي الجميل، ولكن القاتل مرتكب كان بين أولئك المدينين. لكن وطنياً شريفاً واحداً لن يصدق بيانات الإدانة الكاذبة أو دعاوى الشرف المضللة أو حتى دموع التماسيح التي يعلنها أو يطلقها أو يذرفها المجرم.

يظن القتلة أنهم سيهربون بجريمتهم، وأن أحداً لن يطولهم بعدما أوشكت الحكومة اللبنانية الشرعية على فقدان نصابها القانوني، ولكن هيهات. فالوطنيون من اللبنانيين لن يسكتوا ولن يهدأوا قبل أن يتم الكشف عمن وراء سلسلة الاغتيالات التي طالت عدداً من رموز السياسة والصحافة اللبنانيتين. نعم لقد هرب المجرمون الذين نفذوا جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل كغيرهم من المجرمين الذين نفذوا عمليات اغتيال سابقة ضد الرئيس رفيق الحريري وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وغيرهم، ولكن حتماً ستطالهم العدالة يوماً حتى وإن كان هذا اليوم بعيداً.

من المؤسف أن يبقى أولئك المجرمين الذين ارتكبوا فعلتهم المخزية أحراراً طلقاء يرتعون ببجاحة في ربوع لبنان مدعين ببلاهة براءتهم من حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها لبنان في السنتين الأخيرتين. و من المؤسف أن يبقى أولئك المجرمين، الذين يدمرون لبنان ويدفعونه دفعاً نحو الانزلاق إلى مستنقع الحرب الأهلية من جديد، أبطالاً في عيون فاقدي البصيرة وعديمي الضمير والمخدوعين والموهومين والمتلونين. ومن المؤسف أن يبقى من يسعى المتأمرون على حياة لبنان دون مساءلة قانونية دولية وعقاب رادع يحفظ للبنانيين حقوقهم.

لبنان في حاجة ماسة اليوم إلى المحكمة الدولية لملاحقة من يهددون مستقبل لبنان ووحدته. المطلوب الآن أن تتمسك الحكومة اللبنانية بمطلب تشكيل محكمة دولية للكشف عن القتلة الحقيقيين والمجرمين المتواطئين معهم في كل حوادث الاغتيال التي شهدها لبنان. ومن دون ذلك فيستمر موسم حصاد الأرواح في حصد سلام لبنان وأبنائه واقتصاده وأرزه وسهوله وتلاله وجماله. من دون ملاحقة المجرمين سيبقى موسم حصاد الأرواح دون نهاية وستبقى لغة أهل الغابة؛ لغة القوة والقتل والدماء تدير العلاقات السياسية والاجتماعية في لبنان.

لقد فرضت قوى خارجية وذيولها الداخلية لغة أهل الغابة على لبنان فرضاً بغرض الإبقاء على سطوة الأسد والذئب والثعلب في وطن الأرز المسالم. لقد طال شوق الوطنيين اللبنانيين الشرفاء وعيرهم من محبي لبنان ونهضته للاحتفال بعيد الشكر أو بانتهاء موسم حصاد الأرواح الطويل. فمتى ينتهي هذا الموسم الكئيب؟ ومتى يتوقف الأسد والذئب والثعلب عن العبث بلبنان؟ إذا كان المتآمرون يعبثون ويغتالون ويهددون ويغامرون، فإن لبنان اليوم في حاجة شديدة إلى التعقل والهدوء وضبط النفس. فليتمسك أبناؤه الوطنيون الحقيقيون بالهدوء وضبط النفس حتى تزول الغمة ويتم الاحتفال بعيد انتهاء موسم حصاد الأرواح أو عيد الشكر اللبناني. رغم الأحزان كل عام وأنت بخير يا وطن الأرز...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام لطلاب جامعة غنت غربي بلجيكا لمطالبة إدارة الجامعة بقط


.. كسيوس عن مصدرين: الجيش الإسرائيلي يعتزم السيطرة على معبر رفح




.. أهالي غزة ومسلسل النزوح المستمر


.. كاملا هاريس تتجاهل أسئلة الصحفيين حول قبول حماس لاتفاق وقف إ




.. قاض في نيويورك يحذر ترمب بحبسه إذا كرر انتقاداته العلنية للش