الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهب الأرض أيضا من سمات البرجوازية والبيروقراطية الاردنية

وليد حكمت

2006 / 11 / 24
الادارة و الاقتصاد


في حقبة زمنية فائتة امتدت من منتصف القرن التاسع عشر الى بدايات القرن العشرين نعمت مدينة معان الاردنية الواقعة في المنطقة الجنوبية الصحراوية بشئ من بحبوحة العيش على الرغم من قسوة المناخ والبعد الجغرافي للمدينة المنغرسة في جسد الصحراء والظروف السياسية التي سادت المنطقة والتي تمثلت بانحسار سلطة الدولة الى اكبر حد , فإذا ما دققنا النظر في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لتلك المدينة سابقا لوجدنا ان النظام الاداري الذاتي والاعراف الاقتصادية الصارمة والروح الجماعية في صنع القرار واتخاذه هي من اهم العوامل التي ساعدت المدينة على الصمود في وجه الفناء المحتم والمخاطر المحيطة بها من قسوة الظروف وصعوبة المناخ وشح الموارد والتعرض لهجمات القبائل البدوية التي ترتاد الصحراء.

لقد تعاقد السكان في تلك المنطقة على جملة من الاعراف الاقتصادية التشاركية التي تحقق العدالة في اقتسام الناتج الاجتماعي والحفاظ على مستوى معين يضمن الحد المعيشي المناسب لكل فرد في ذاك المجتمع , فالملكية الجماعية لينابيع المياه والبرك ونظام ملكية العشيرة للارض ونظام السكنى الجماعية في القلاع والمنازل الكبيرة والعمل الجماعي والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية القائمة على التعاون والتعاضد والتشارك , كل هذه العوامل ابرزت المدينة كقاعدة ثابتة ومتطورة في تلك الصحراء, الا ان تلك الفترة المزدهرة قد تحللت الى النقيض الآخر تدريجيا بعد الربع الاول من القرن العشرين والى يومنا هذا بعد ان فككت التشريعات الرأسمالية المجحفة ومطبقي سننها من اقطاب البيروقراطية الاردنية المزمنة كل هذه العلاقات الايجابية الانسانية , فاصبحت المدينة بعد عقود من التدجين والتهميش والتفكيك قاعا صفصفا فخلف هذا الانحطاط الاقتصادي والاجتماعي تجمعات معزولة مهمشة من الكادحين والمتعطلين وتولدت هجرات سكانية متتالية نزوحا عن المدينة فذابت بذلك التشكيلات الاجتماعية المتينة التي حافظت على ازدهار المدينة منذ ازمنة طويلة.
استمرت الهجرات المتتابعة لأبناء المدينة ابتداءا من الاربعينيات وذلك بعد انهيار النشاطات التجارية التي كانت تعتمد على التواصل مع فلسطين والتجارة الفلسطينية فتشكلت هجرات من السكان توجهت الى مدينة عمان في سكة الحديد واخرى هاجرت للعمل في مشاريع خطوط التابلاين واخرى هاجرت لتعمل لدى المشاريع الرأسمالية اليهودية حول البحر الميت واخرى توجهت الى شمال السعودية ومنطقة تبوك خاصة وبذلك اصبحت المدينة عبارة عن بقعة جغرافية معزولة اقتصاديا واجتماعيا في حين عزف السكان عن الالتحاق كمجندين في الجيش الاردني لأسباب اجتماعية وسيكولوجية ترجع الى بغض ونفور سكان المدينة للأحكام العرفية التي تحكم المؤسسة العسكرية الاردنية التي خرجت من مشروع عسكري انجليزي شديد المركزة والبيروقراطية فالطبيعة السيكولوجية لابن معان تحتم عليه النفور من الانظمة العسكرية التي تقيد الحرية الشخصية وتصادرها ففضلوا الهجرات ومآسيها على الدخول في المؤسسة العسكرية وامتيازاتها المادية.
عندما نطالع الحال في ايامنا هذه ونرى ما آلت اليه الاوضاع في المدينة ونرجع الذاكرة قليلا الى الوراء تنتابنا موجة عارمة من الاسى جراء هذه الفوضى العارمة التي تسود المدينة بمختلف مناحيها وكافة مجالاتها وتتمثل هذه الفوضى بالدرجة الاولى بالتشريعات والسياسات الجائرة التي تسنها دائرة الاراضي العامة والمتمثلة في اطلاق العنان للفئات البرجوازية للاستيلاء على المساحات الشاسعة من الاراضي المحيطة بالمدينة ووضع اليد عليها ونهبها وتفتيت ملكيتها ثم بيعها الى مختلف الجهات المعلومة والمجهولة فيما ينظر الكادحون والمهمشون الى تلك الاراضي التي ورثوها عن آبائهم واجدادهم تطالها ايدي المتنفذين والبرجوازية المدعومة من قبل الحكومات المتعاقبة بدون اي وجه حق شرعي او انساني.

لقد خطت البيروقراطية المزمنة في الاردن سياسات وقرارات بشان توزيع تلك الاراضي في فترة السبعينيات من القرن المنصرم وبالتحالف مع فئات برجوازية عتيقة , كان من شأن هذه الخطط والقرارات ان تخدم فئة معينة متنفذة الا وهي الفئة البرجوازية الصغيرة يرافقها مجموعات صغيرة من المهربين و شيوخ العشائر الذين يسعون باستمرار لتكديس ثرواتهم على حساب الغير وما فتئت هذه الفئات تراكم من رؤوس اموالها وعقاراتها في فترة زمنية قياسية فيما زادت الفجوة بين الفقراء والمهمشين وتلك الفئات بشكل ملفت للنظر.

ابتداءا من السبعينيات من القرن المنصرم وحتى يومنا هذا كان هناك مد وجزر وفتور ونشاط لدى البيروقراطية واعوانها وحلفائها من المتنفذين بشأن الاستيلاء على الاراضي ويرجع هذا التذبذب الى تململ الكادحين واعتراضهم في كثير من الاحيان على تلك السياسات التي اتت على ما تبقى من كيانهم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي وشعورهم بالغبن والظلم جراء صولات البرجوازية والبيروقراطية واحكام سيطرتها على مفاصل الامور في البلد .

لقد تعرض الكثير من المهمشين في معان الى كثير من الممارسات العرفية من قبل الدولة بشأن المطالبة بحقوقهم , غير ان الازمة قد ازدادت وتيرتها حينما كشرت البيروقراطية والبرجوازية المتنفذة عن انيابها علانية قبل بضع سنوات وضربت بالصالح العام الذي تدعيه وتضلل به الجماهير عرض الحائط فكان الاستيلاء المنظم على آلاف الدونمات وحرمان الكادحين من حقهم التاريخي والانساني في تملكها او الاستفادة منها.

لقد احدثت هذه الفوضى التي افرزتها دائرة الاراضي العامة المتمثلة بقوانينها التي تخدم وتراعي مصالح الطبقة البرجوازية التي تضخمت وتتضخم ثرواتها باطراد في احداث فجوة عميقة وتمايز طبقي حاد بين الفئات الاجتماعية في معان فما يقارب ال 70% من مجمل مساحات الاراضي المحيطة بالمدينة هي ملك لفئة برجوازية ثرية جدا وضئيلة العدد في حين ينعم كادحو المدينة ومهمشوها بشظف العيش والفقر المركب والقمع الذي تقدمه البرجوازية لهم بين الحين والآخر ولا ننسى التهميش الحكومي المزمن منذ عقود من قبل الحكومات المتعاقبة للمنطقة الجنوبية التي هي اساس ثروات الاردن الطبيعية والمعدنية والسياحية .

لقد ادت هذه التراكمات الكمية بالاضافة الى الظروف الاقتصادية والسياسية العامة في الاردن الى حدوث العديد من الانتفاضات الشعبية في المدينة ابرزها انتفاضة الجوع عام 1989 وانتفاضة الخبز عام 1996 واحداث اخرى متتالية اخذت اشكالا متنوعة في كل مرة.

ان الصراع بين الفئات المتناقضة في المدينة في قمة تأزمه وهذا ما يهدد بانفجار الوضع في اي لحظة ما لم تتراجع البرجوازية والبيروقراطية عن سياساتها التعسفية جراء مصادرة اراضي الجماهير لتصبح رهينة لها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة طارق الشناوي يتخلى عن النقد.. مش جاي عشان يجلد حد ب


.. بوتين يغير القيادات: استراتيجية جديدة لاقتصاد الحرب؟ | بتوق




.. رشا عبد العال رئيس مصلحة الضرائب: لا زيادة في شرائح الضرائب


.. مستقبل الطاقة | هل يمكن أن يشكل تحول الطاقة فرصة اقتصادية لم




.. ملفات اقتصادية على أجندة «قمة البحرين»