الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة بسيطة جدا لما يجري اليوم في المنطقة وخلفياته التاريخية

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لا أعتقد أن هناك عمَى بصَر وبصيرة لدى الولايات المتحدة وشركائها في حلف الناتو العدواني.. ولكن هناك حقدٌ واضحٌ جليٌّ للعيان على الأمة العربية نتيجة النفوذ الصهيوني الهائل في بلدانهم والسيطرة الصهيونية على الإقتصاد والمال والإعلام، والبنوك والشركات الكبرى، لاسيما في الولايات المتحدة..
هذه السيطرة، إضافة لشراسة العقل الصهيوني، وزعرنتهِ وبلطجتهِ، تخيف كل من يحاول أن يرفع الصوت ضد إجرام إسرائيل، على مدى تاريخها الإجرامي، وتتهمه بأنه داعم للإرهاب..
وقد شاهدنا كيف المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة يتهم كل الدول التي صوّتت لوقف إطلاق النار في غزة، أنها دول داعمة للإرهاب..
وكل الأصوات التي خرجت في بلدان الغرب تدعو لوقف المجزرة في غزّة تُتّهم من طرف اللوبي الصهيوني أنها داعمة للإرهاب.. حتى الأمين العام للأمم المتحدة اتهموه بأنه داعم للإرهاب لأنه نطق بكلمة حق..
حتى في الولايات المتحدة حينما وقفت عضوة في الكونغرس الأمريكي، منتخَبة من الشعب الأمريكي، كما رشيدة طليب، ذات الأصول الفلسطينية، تنتقد جرائم إسرائيل، اتّهموها بأنها داعمة للإرهاب، ويسعون بشتى السبُل لإسقاطها في الانتخابات القادمة في ولاية ميشيغان.
شخصيا كنتُ أيضا موضع تهديد لهذا الإرهاب الصهيوني حينما كنت عضوا في وفد بلادي لدى الأمم المتحدة في نيويورك أوائل الثمانينيات، وكنتُ أرفع الصوت عاليا وأتحدّث بنبرةٍ قوية جدا ضد إسرائيل، وكانت لي مواجهات حامية مع مندوبيها في اللجنة الثانية للجمعية العامة، فنشرت صحيفة نيويورك بوست مقالا ضدي بالإسم، وبعدها انهالت عليَّ رسائل التهديد إلى مقر الوفد..
إسرائيل التي قامت على الإرهاب، واستمرت بالإرهاب، كان آخر إرهابها خارج غزّة، الاغتيالات التي قامت بها في ريف دمشق، وفي ضاحية بيروت الجنوبية في اليوم الثاني من العام الجديد 2024، ولكنها لن تكون الأخيرة..
**
بريطانيا سابقا وأمريكا لاحقا هما المسؤولان عن كل ما جرى ويجري في المنطقة منذ أكثر من قرن من الزمن..
يستغبون عقول الناس ويرددون في كل تصريحاتهم وإعلام ِبلدانهم الواسع والمضلِّل أن حركات المقاومة في المنطقة تفعل كذا وكذا وكذا.. ويصفونها بشتّى الأوصاف..
وأن هذه أذرع إيران، وإيران هي من تدعمها وتمولها، وتسلحها.. الخ هذا الخطاب التضليلي..
لماذا تضليلي؟.
لأنه يأخذك مباشرة إلى النتائج دون الوقوف عند الأسباب، أو حتى المرور في الأسباب..
يعني كمن يُشعِل النار في حصيدةٍ من القمح، فتحملها الريحُ إلى القرى المجاورة وتتسبب بالحرائق فيها.. ثم يتمُّ تحميل المسؤولية للريح، وليس لمن أشعل النار بالأساس..
هذا هو حال بريطانيا وأمريكا أو (الأنكلو ساكسون)..في سياساتهم الجنونية والحمقاء في هذه المنطقة.. هم من أشعلوا النيران..
بريطانيا في القرن الماضي هي من صنعت وعد بلفور.. يعني هي من أشعلت النيران.. وبذلك هي من وضعت حجر الأساس لكل هذا الصراع الدائر اليوم في فلسطين وكل المنطقة، وهو ليس سوى امتداد لصراع دائم منذ وعد بلفور..
وبريطانيا هي من سمحت للمنظمات الصهيونية الإرهابية من قتل وتهجير الفلسطينيين من بلداتهم وقراهم منذ عام 1936 وحتى إعلان قيام إسرائيل عام 1948 .. فأصبح هناك فلسطينيون لاجئون ومشردون وممنوع أن يعودوا إلى بيوتهم وأراضيهم..
ثم كانت مع أمريكا أول الداعمين لقيام هذه الدولة...
وبعدها تولّت المهمة أمريكا، بعد أن أفلَ نجم بريطانيا وصعد نجم أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، لاسيما بعد تأسيس حلف الناتو عام 1949 ..
وأمريكا هي من كانت الداعم الأول لإسرائيل في كل حروبها واعتداءاتها لاسيما عدوان 1967 واحتلال الكثير من الأراضي العربية ومنها الجولان السوري، وأصبح هناك نازحون بعد اللاجئون، واستمر العدوان الإسرائيلي إلى أن وصلنا اليوم للعدوان على غزة..
كان لأمريكا موقف واحد معارض وهو العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 من طرف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.. ولكن معارضة أمريكا وقتها لم يكن انتصارا للحق والعدالة واحترام سيادة الدول، وإنما كان في سبيل وقف النفوذ الاستعماري لبريطانيا وفرنسا كي يحل مكانه النفوذ الأمريكي فقط، وتصبح القوتان الأوروبيتان الاستعماريتان تابعتان للولايات المتحدة.. وهذا ما حصل فعلا بعد العدوان الثلاثي..
إذا ذاك العدوان دشّن مرحلة انتقال النفوذ فعليا إلى الولايات المتحدة.. وتابعتْ مسيرة دعم إسرائيل على كافة الأصعدة العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، وحمايتها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.. وعدم إيجاد حل لقضية الشعب الفلسطيني وقضية اللاجئين والمشردين..وقضايا الاحتلال..
أمام ذلك كان لا بد من قيام كفاح فلسطيني مسلح.. فتأسست منظمة التحرير الفلسطينية في أيار عام 1964 ..
إذا المسؤول عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية هي الجهات التي رفضت منح الشعب الفلسطيني حقه في العودة وتأسيس دولة خاصة به..
ومِن ثمّ مارست إسرائيل كل أشكال العنصرية والبربرية بحق الشعب الفلسطيني، بدعمٍ كامل من أمريكا، فظهرت حماس كرد فعل على هذه البربرية والوحشية، وتأسست في كانون أول 1987 ..
إذا المسؤول عن ظهور حركة المقاومة الإسلامية هي إسرائيل، والداعم لها بلا حدود ولا شروط، الولايات المتحدة..
وإسرائيل هي من اعتدت على لبنان واحتلت الجنوب اللبناني في آذار عام 1978 فيما عُرف بعملية الليطاني.. وطردت أهالي الجنوب.. وخلقت جَيبا تابعا لها وصنعت فيه جيشا من العملاء يأتمر بأوامر إسرائيل..
أمام هذا الوضع كان لا بُدّ من ظهور مقاومة لبنانية لتحرير الجنوب، فكان تأسيس حزب الله، الذي خاض حرب غوريلا باسلة، وتمكن من طرد إسرائيل من الجنوب في أيار 2000 ، وتم تحرير الجنوب..
إذا المسؤول عن ظهور حزب الله والمقاومة اللبنانية، هي إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، وليس إيران..
نعم إيران وفّرت للحزب كل عوامل المقاومة والصمود، ولكن لولا وجود الاحتلال هل كانت هناك حاجة لوجود المقاومة؟.
المقاومة رد فعل طبيعي جدا في أي مكان بالعالم حينما يكون هناك احتلالا.. فوجود الاحتلال يعني حُكما وجود المقاومة.. والاحتلال تمارسه إسرائيل، فطبيعي أن تكون المقاومة ضد إسرائيل.
**
وأمام الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، والدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، واستمرار احتلالاتها للأراضي العربية والفلسطينية، كان لا بُدّ من قيام محور مقاومة على صعيد كل المنطقة..
نعم إيران هي الداعمة لهذا المحور، ولكن من هو المتسبب والدافع لقيام هذا المحور؟. ومن خلق المبرر لإيران؟.
أليست إسرائيل بتعنّتها وتطرفها وإجرامها، ورفضها تنفيذ أي قرار أممي يدعوها للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ومن خلفها أمريكا؟.
يقول المثل: الغريق يتعلق بقشّة..
وماذا نتوقع ممن احتُلّت أرضهُ وتشرّد من بيتهِ، ويُهان كل يوم؟. ألَن يمُدّ يده إلى كل من يمسك بها، أيٍّ كانَ كَي يدعمهُ ويساندهُ لاسترجاع حقوقه؟.
دعونا من المثاليات.. حينما ترى نفسك تغرق في نهر أو بحر، أو بحيرة، فسوف تمدّ يدك إلى كل من يمدّ لك طوق النجاة.. ولن تفكر حينها ما هي دوافعهُ، ولماذا، وما هي جنسيتهُ ودينهُ.. المهم أن يساعدك لتنجو من الغرق.. وحينما تتعرض لحادث على طريق عام، وتصاب بالكسور، ودمك ينزف، فلن تتوقف حينها عند هويةِ وشكلِ ودينِ، ودوافعِ من ينقذك.. المهم أن ينقذك.
هذا هو منطق الأشياء والتفكير.. ومن يده بالماء ليس كمن يده في النار..
**
اليوم تقوم إسرائيل بكل أشكال الإجرام في غزة، والضفة، وفي دول الجوار، وطبيعي جدا أن تكون لذلك انعكاساته على كل محور المقاومة، وأن يتحرك حزب الله، ويتحرك أنصار الله الحوثي، ويتحرك جماعة الحشد الشعبي في العراق، ولكن من المسؤول عن كل ذلك؟. أليست إسرائيل التي ترتكب أبشع جرائم التاريخ، وترفض قيام الدولة الفلسطينية والاعتراف بالحق الشرعي الفلسطيني، ومن خلفها الولايات المتحدة؟.
هل لو طبّقت إسرائيل قرارات الشرعية الدولية، بل هل لو طبّقت بنود اتفاق أوسلو، أو لو وافقت على مبادرة السلام العربية، كان وقع طوفان الأقصى؟.
**
يلومون جماعة أنصار الله في اليمن على تهديد حركة الملاحة في مضيق باب المندب، ويعملون لتشكيل تحالف دولي ضدها، ولكن لا يسألون أنفسهم عن الأسباب؟.
أليس السبب هو إجرام إسرائيل في غزّة؟.
يتهمونهم بانتهاك القانون الدولي، ولكن ماذا تفعل إسرائيل في غزة والضفة الغربية، والجولان وبعدوانها المتكرر على سورية؟. أليس كل ذلك انتهاكا للقانون الدولي؟. وهل الاحتلال شرعي بالقانون الدولي؟. أم هو عدوان ويجب مقاومته بموجب القانون الدولي؟.
هل الإحتلال الأمريكي في سورية وسرقة النفط السوري، هو مشروع في القانون الدولي، أم هو انتهاك صارخ للقانون الدولي؟.
القانون الدولي ليس علكة ليمضغونها كيفما شاؤوا.. فإما أن يُحترم ويطبّق في كل مكان، وإلا من الطبيعي أن يكون لكل دولة وكل تنظيم قانونه الخاص، كما تفعل إسرائيل والولايات المتحدة، التي حولت العالم إلى غابة تحكمها شريعة الغاب، نتيجة سياساتها المزدوجة هنا وهناك، ومعاييرها المتناقضة هنا وهناك، وحسبما تقتضي مصالحها وليس حسبما يقتضي القانون الدولي..
شنّت هي وحلفائها أعنف هجوم إعلامي على روسيا بسبب القصف الجوي الروسي الكثيف ليلة رأس السنة ضد أهداف في أوكرانيا، ولكنهم في ذات اللحظة يدعمون القصف الجوي الكثيف والمتوحش لإسرائيل في غزة..
ما هذا الحَوَل العقلي؟.
لقد جعلوا كل الشعوب العربية والإسلامية، بما فيها المختلفون مع أصحاب الآيديولوجيات الدينية، يبررون لأنصار الله كل ما يفعلونه في باب المندب، أمام هذه المعايير المتناقضة لدى دول الغرب، ودعم البربرية الإسرائيلية..
**
إذا عموما، تتحمل بريطانيا وأمريكا، وإسرائيل كل ما يحصل في هذه المنطقة من حروب بين العرب وإسرائيل، منذ وعد بلفور المشؤوم وحتى اليوم..
أزيلوا احتلال إسرائيل للأراضي العربية، في فلسطين، وفي الجولان وفي لبنان،
وامنحوا الشعب الفلسطيني حقه المشروع بإقامة دولته المستقلة، وحينها آليا وأتوماتيكيا، ستنتهي المقاومة المسلحة، وتتحول لأحزاب سياسية.. وإلا فأنتم من تمنحوها كل المبررات لحمل السلاح والمضي في هذا الدّرب..وهذا حقها في كل الشرائع السماوية والأرضية..
هذه قراءة بسيطة جدا لما يجري اليوم في المنطقة، وخلفياته التاريخية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون