الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران والحرب على غزة: الدولة بين واقعها وخيال حكامها

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2024 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


اعتبار الدولة كظاهرة اجتماعية اوجدتها متاعب البحث عن وهم الانتصار النهائي، لا ينفي مطلقا انها ظاهرة طبيعية في ميكانزمات بقاءها وإليات تطوير هذا البقاء، وأن حجم أخطاء وفشل السلطة يكون دائما في مساحة الالتباس التي يخلقها عقلها -اي السلطة- في فهم وابتكار وسائل التعايش المر بين كونها اجتماعية في مبررات استمرارها لتمتين ركائز السلم الاهلي وبين كونها طبيعية تسير وفق نمط تطور مطرد ومتواصل يمليه عليها دورها الاجتماعي الذي يعمل بصورة طبيعية رغم كل محاولات عقلنته.
ومحاولات العقلنة هذه او ما يسمى في علمي الاجتماع والسياسة، بصياغة سياسة الدولة وتحديد اختياراتها وتحالفاتها على المستويين الداخلي والخارجي هي المكون الحاسم الذي سيحدد مصير سلطة اي دولة من ناحية ومآلات استمرار حركتها في مداريها الإقليمي والدولي من ناحية ثانية، وهنا يتم التوقف طويلا أمام مكونات عقل السلطة في الدولة في بعديه البيروقراطي الملموس والسببية العميقة في فهم تمظهراته لتحديد طبيعته وتفحص وسائل ضبطه واجراءات تعديل طرق عمله وفهم حجم القيود المفروضة عليه لتقييد الخيالي فيه او الايديولوجي او العقيدي لمحاولة استشراف ما يسمى باستراتيجيات الدولة المستقبيلة التي تختزل مختلف المتغيرات او هكذا يجب ان تكون.
وحتى لا نسترسل كثيرا في النبش بعقل سلطة الدولة، سنكتفي بالقول إنه يجب الاعتراف المباشر بالدور الحاسم لموقع ايديولوجيا اي مجموعة سياسية حاكمة في صناعة قرارها وتقرير نوعية سياسات دولها حتى وان كانت على النقيض من احتياجات الدولة الطبيعية الحقيقية والواقعية.
نثير هذه الاشارة الثقيله في سياق اضطراري يطرحه النقاش المحتدم حول حدود الدور المرتقب لإيران او لاذرعها الإقليمية المؤثرة وخاصة حزب الله في الحرب الاجرامية التي تقودها مباشرة الولايات المتحدة بسلاحها وعدتها واستخباراتها المتنوعة عن طريق وبواسطة الجيش الإسرائيلي لحسابات إستراتيجية تتجاوز حدود المكان الإقليمي كما تتجاوز حدود الزمن الراهن لما هو مستقبلي بعيد.
فعلى ما يبدو أن مختلف التنظيرات التي اعقبت انهيار الإتحاد السوفييتي وبشرت بانهيار فروض نظرية ماكندر كانت تنظيرات متسرعة او أن استنتاجاتها جاءت تحت وهج انتصار الخيار الليبرالي المزعوم، التي لم تأخذ بنظر الاعتبار متغيرات فروض نظريات الجغرافيا السياسية التي تقوم بشكل أساسي على أكثر المفاهيم تغيرا في حياة الدول وهو مفهوم قوة الدولة.
والحقيقة ان الاستراتيجيين الامريكيين هم الذين كانوا ابكر وعيا بوهن هذه الاستنتاجات المتسرعة اثر التعافي الكبير والسريع الذي طرأ على قوة الدولة الروسية عقب إستراتيجية انتشال الدولة التي وضعها الكرملين وتنامي قوة الصين.
وعلى ما يبدو أن هذا الوعي صار أكثر عمقا في أعقاب عملية السابع من أكتوبر الماضي، حيث تجسد ذلك برد الفعل الأمريكي الخاطف على تلك العملية رغم الانشغال العميق بمجريات الحرب في اوكرانيا التي افتعلتها أمريكا لسببين اولهما وقف الاندفاع الألماني والاوروبي بصورة عامة للتوسع بعلاقاتها الأفقية مع روسيا وثانيهما إعادة تطويق تنامي القوة الروسية واغراقها بحرب استنزاف طويلة الأمد للتفرغ نهائيا لاحتواء تصاعد النفوذ الصيني.
ولا يخفى على دارسي العلاقات الدولية ان مرد هذا التفاعل الأمريكي العاجل هي الطبيعة اليمينية لاتباع الراتزلية في الإدارة الأمريكية التي صارت اكثر وضوحا مع إدارتي ترامب وبايدن من ناحية ولعودة الاعتبار لفروض ماكندر بعد كسر احتكار تملك التكنولوجيا الحديثة من قبل دول بعينها وانتشار السلاح النووي الذي حوله الى سلاح ردعي فقط غير قابل للاستعمال وعودة اهمية العوامل الجغرافية من ناحية ثانية.
وتأسيسا على ذلك فانه لم يعد امام الادارة الامريكية سوى خيارين، اما القبول باعادة تقاسم العالم الى مناطق نفوذ جديدة تعترف من خلالها، لغيرها من الدول الصاعدة بدور اكثر تقريرا في قيادة النظام الدولي، او الاستمرار في محاولة الانفراد بقيادته، ولكن الى اي مدى؟؟.
الحقيقة من الصعب جدا الجزم بترجيح احتمال على اخر، ولكن ذلك لا ينفي ان النهج الامريكي القائم من خلال الحرب على غزة الوضوح في عزمها على رفض قبول اي شريك لها بادارة الشأن الدولي، وتستخدم في سبيل ذلك تكتيكين متلازمين يقومان على تفويض مفتوح لاسرائيل في حربها الراهنة لتحقيق انتصار ساحق، لا يمكنها من تفكيك القوة العسكرية للتنظيمات المسلحة الفلسطينية وحسب، بل وتنصيب نفسها سيدا مطلق اليدين في المنطقة بعد إعادة تنشيط واستكمال عمليات التطبيع بما يضمن لواشنطن كافة مصالحها الاستراتيجية خاصة في بعدها الاوروبي من ناحية، والردع لمنع اي طرف اقليمي من التفكير بخلق فرصة له من خلال مجريات هذه الحرب.وفي هذا السياق يتركز الجهد الامريكي بصورة كبيرة على الدور الايراني بكل اذرعه، وخاصة ذراعها في لبنان.
صحيح اننا لا نمتلك المعلومات الكافية للتأكد من ان فصائل المقاومة الفلسطينة ان بشكل مباشر او ضمني تدير المعركة مع طهران ومن هم وراء طهران وفقا لتكتيك صارم يقوم على الاقتصاد والاستثمار المجدي والفعال في استخدام عناصر القوة لاحتمالات اطول زمن يمكن ان تمتد اليه هذه الحرب، حيث يلاحظ مثلا تفعيلا للساحات الاكثر اضرارا بالجبهة المعادية والاقل خسائر في صفوفها مثل الجبهتين اليمنية والعراقية وانه يجري استخدام موارد الجبهة الشمالية بسقف محدود، ولكن من غير المؤكد ان كان ذلك قابل للتطوير ام لا.
الحقيقة ان ذلك يتوقف على فهم سلطة الدولة في ايران لدور الدولة الاقليمي، وفيما اذا كانت تتعامل مع هذه الدولة وفقا لواقعها الذي خلقته قياداتها السياسية المتعاقبة منذ عام 1979، كدولة اقليمية تختلف التحليلات في تفسير دوافعها بين ما هو ديني - طائفي وقومي فارسي وجيوبوليتكي املته عليها حدود قوتها التي بنتها سلطتها.
لا شك أن التحليلات على هذه الصعيد كثيرة ومتعددة ولكل منها حججها وبراهينها، ولكن يبقى القول النهائي والحكم القاطع على صحة هذا التفسير او ذلك رهينا بنتيجة الصمود الفلسطيني. ففي حالة الانهيار لا قدر الله دون تدخل من إيران واذرعها في الحرب، فالمؤكد عندها ان عقل السلطة لا يكون قد اتسق وواقع الدولة بل ذهب وفق خيال حكامها وارهاصات عقائدها وان النتيجة ستكون طي الخيام والرحيل وانتهاء حقبة محور الممانعة والمقاومة، اما بفعل أمريكي-إسرائيل مباشر، أو بفعل تآكل المصداقية وشكلية الشعارات، وأن كان واقع العمليات العسكرية في غزة قد يعفي هذه الشعارات هذا الامتحان الصعب، إذ ان الصمود الفلسطيني وتآكل قوة الجيش الاسرائيلي يشيران لترجيح كفة الصمود والانتصار على الجيش الإسرائيلي الذي باتت مظاهر الانهاك عليه أكثر وضوحا وقوة.
هاني الروسان / استاذ الاعلام في جامعة منوبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال