الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلاق إشبيلية: النصوص الكلاسيكية لا تزال تبهر

ياسين سليماني

2024 / 1 / 3
الادب والفن


تبدو العودة إلى كلاسيكيات المسرح العالمي كما فعل مسرح عنابة الجهوي مع نص بومارشيه عودة غير حميدة عند الكثير من المتابعين، ففي اعتقادهم أنّ الساحة ملأى بالنصوص المحلية وخاصة من كتابات الشباب الذين ينتظرون فرصة لتأكيد موهبتهم في الكتابة، وهو رأي إن كانت له مشروعيته فإنه يجب ألا يلغي حقيقة ساطعة أنّ الرجوع إلى الريبارتوار العالمي وتقديم بعض نصوصه على خشبات المسرح الجزائري خطوة ذكية وجديرة بالاهتمام أيضا، ذلك أنّ الجمهور نفسه يحتاج أن يربط الصلة ويوشّج العلاقة مع النصوص الكبيرة التي أثّثت المسرح في العالم وأن تدخل في ثقافته مثل هذه العروض خاصة إذا تولّى إخراجها شخصيات لها وزن في الساحة الفنية مثل المخرج والسينوغراف حبال البوخاري.
لا تتميّز النصوص الكلاسيكية الكوميدية بعمق القضايا التي تطرحها ولا شبكة علاقات قوية بين شخصياتها ولا تصل إلى ذروات هائلة يصبح معها الصراع شديدا يحبس الأنفاس، كما يظهر في هذا النوع من نصوص شكسبير (سيدان من فيرونا، كوميديا الأخطاء وغيرها) أو نصوص ماريفو (لعبة الحب والحظ) أو مثل نص حلاق إشبيلية الذي نتحدث عنه هنا، وإنما هي في العادة حكايات بسيطة عن الحب ومغامرات العشاق ورغباتهم في نيل حبيباتهم أو هي بعامة مغامرات لطيفة تحكي هواجس الشباب في الغالب ويستخدم فيها المخرجون الموسيقى والرقص وتنتهي نهايات سعيدة.
إنّ السهولة التي تبدو في نص حلاق إشبيلية من جهة التيمة والشخصيات والعلاقات بينهم هي في ذاتها تنقلب إلى رهان في غاية الصعوبة عند المخرج، فهو أمام نص كلاسيكي تم تقديمه على الخشبات مئات المرات، ويمكن لسؤال: ما الجديد الذي سيقدمه الإخراج هذه المرة؟ أن يصبح حارقا. وربما كان المخرج بالذكاء المطلوب الذي جعله يفلت من هذه الورطة، فقدم النص الكلاسيكي برؤية كلاسيكية أيضا حافظت على العناصر الأساسية للعرض كما ذكرها النص، فاعتمدت الخشبة على توفير مفردات السينوغرافيا تماما كالتي اشتغل عليها مخرجو بومارشيه في أكثر من قرنين لكنه في هذه المساحة التي تبدو صغيرة والخيارات القليلة التي كانت أمام صنّاع العرض إخراجيا اشتغل على الكثير من النقاط المضيئة أولها إدارة الممثل والمستوى الممتاز الذي ظهر به عنصر التمثيل الذي كان المخرج يدرك حاجتهم لأن يكونوا قادرين على تجسيد الدور تمثيليا (تم استخدام لهجة جزائرية مبسطة وكانت ملائمة تماما للعرض تعويضا عن لغة فصحى ربما كانت ستبدو تلفيقية لو تم اختيارها) مع إجادة الغناء أيضا ما دام العرض يستدعي مقاطع غنائية تحتاج أصوات لا تؤدي فقط ولكن تطرب وهذا ما نجح فيه العرض باكتساح، كما نجح في استخدام موسيقى أندلسية في غاية الجمالية وكانت موفّقة في تلاؤهما مع الأحداث والحالة المسرحية التي يتم تجسيدها على الخشبة.
في العرض أيضا تم الاعتماد على الرقص، وبالتأكيد إذا ما توفّر عرض عن الحب ومغامراته وجنونه وجنائنه مع الموسيقى في قوتها وإبهارها فإنّ الرقص يصبح مفردة في غاية الأهمية تكمل تأثيث المشهد البصري الجميل وتوسّع من قاعة الإبهار التي اعتمدها المخرج، مع أزياء الراقصات (وأزياء الممثلين أنفسهم) وتنويع في الألوان وحركية دقيقة الانسجام شديدة الانضباط.
عرض "حلاق إشبيلية" يقول الحب ويطالب به ويشجع عليه، وينتهي بزواج الحبيب بحبيبته وبأغنية جميلة بينما الزوجان يلبسان الأبيض احتفالا بقرانهما، وهو يقول هذا الحب ليس في تيمته الخالدة وحسب ولكن في كل مفصل من مفاصله وفي كل مفردة من مفرداته، كان المخرج والممثلون وكل صنّاع هذا العرض يتربّصون بالجمهور ليعلنوا عليه الحب (على لغة غادة السمان). إنّ العرض الناجح هو العرض الذي يمكن أن توجه لنفسك دعوة متجددة لرؤيته مرة ثانية وثالثة وتدعو الأسرة والأصدقاء لرؤيته معك وهذا ما يخرج به ملتقي "حلاق إشبيلية" عند انتهاء العرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال