الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب، الغرب، الغرب! هل هو الرب؟!

رزاق عبود

2024 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الغرب، الغرب، الغرب! هل هو الرب؟!*
تعج الكتابات، وتزدحم صفحات التواصل الاجتماعي، وغيرها بمديح الغرب، والاشادة بالغرب ودول الغرب، ومجتمعات الغرب، وحضارة الغرب، ونسمع عن حكايات واساطير واوهام عن: السويد بلا سجون! بريطانيا بلا عطالة! فرنسا بلا تمييز عنصري! هولندا بلا شرطة مرور! و...و...! وهكذا ينطلق الخيال، والتصور اللاواقعي، عن الغرب، والحياة في الغرب، وقيم الغرب، واخلاق الغرب، ومجتمعات الغرب، ولا ادري عن اي غرب يتحدثون؟! الغرب في تصوراتهم: المرأة كاملة الحرية، والاطفال يعيشون في الجنان، والبطالة غير موجودة، والجريمة اختفت منذ قرون، وننخدع ان هناك حقوق وامتيازات وهي ليست سوى فتات رغيف! كل واحد يمتلك سيارته، والكل عنده بيت(فيلا) ويسافر سنويا الى البلدان السياحية، و...و ...!
نعم هناك اشياء كثيرة لا نتمتع بها في بلداننا، وموجودة في الغرب، لكنها ليست حقوق ثابتة، ولا امتيازات دائمة، فكلما تاتي حكومة اكثر يمينية من سابقتها تتقلص تلك الحقوق، وتتضاعف الواجبات، وتنكمش الامتيازات، وتختفي الانجازات. رغم انها جميعا في الواقع نتيجة نضالات دامت قرون وعقود، وثورات دامية، واضرابات قمعت بقسوة، ومظاهرات سلمية اطلق عليها النار، سقط فيها شهداء وجرحى ومعوقون، ولم يحاسب المسؤولين عن تلك الجرائم لحد الان!
تتذكرون مارجريت تاتشر وماذا فعلت بالنقابات والاضرابات العمالية وكيف تركت مناضلي ايرلندا يموتون في اضرابهم عن الطعام. الذي جاء بعدها لم يكن افضل، وليس بعيدا عندما قال رئيس وزرائهم الاسبق كاميرون: "لا تحدثني عن الحريات وحقوق الانسان والامن الوطني البريطاني مهدد"! موجها كل طاقات بريطانيا القمعية ضد شباب مدن الضواحي واغلبهم ابناء مهاجرين من الدول المستعمرة سابقا، التي افقرتها بريطانيا حتى اضطر ابنائها الى ترك بلادهم والهجرة الى بلد "الحريات!" والعيش على الكفاف معانين من البطالة والتهميش والعنصرية.
كل دول اوربا الغربية لها نفس التاريخ الاسود، "علماء ومشاهير" لهم تماثيل في السويد وغيرها كانوا يذهبون الى افريقيا في رحلات "لصيد" الافارقة السود. حتى بداية السبعينات كان ممنوعا على الغجر من دخول المدارس او السكن في المدن وكانوا يعيشمون كالحيوانات في عربات تنقلهم وضمن حدود لا يحق لهم تجاوزها. المرأة لا زالت تضرب وتغتصب والاطفال لا زالوا يخطفون ويضربون رغم منع القانون لذلك، ويعمل اطفال افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية في مناجم وشركات الدول الغربية رغم القوانين الدولية. وفي حالات كثيرة تشبه ظروف العمل هناك الاساليب العبودية. تجارة البشر، خاصة النساء، رائجة وتصح هنا مقولة كارل ماركس: "ان الرأسمالية جعلت كل شئ في المجتمع سلعة للبيع والشراء بما فيها الانسان". الاخبار والصحافة مليئة بفضائح التحرش بعضوات البرلمان والموظفات، بل حتى الوزيرات، فكيف حال العاملات والمستخدمات؟! هناك نقابات للعاهرات في هولندا والمانيا وغيرها ويدفعن ضرائب عن نشاطهن وممارسة مهنة بيع الجنس ويعرضن كسلعة في اقفاص زجاجية. في السويد لا زال للمرأة حق بيع جسدها لكن منع على الرجل شراء الجنس. نفاق واضح. لو توفرت للمرأة "كل" حقوقها ولو كانت الاعمال متوفرة والرفاهية تشمل "الجميع"، فلا اظن ان امرأة ما ستترك بيتها واطفالها لتبيع جسدها. اعلنت البنوك قبل ايام عن مليارات الارباح في حين باع الناس او رهن مقتنيات عزيزة عليهم من اجل شراء الطعام لاطفالهم بسب ارتفاع الاسعار الفاحش والمتصاعد دون ان تفعل الحكومة اليمينية شيئا. لايهمكم المظهر والشكل ففي المضمون والمحتوى لا يختلفون عن انظمتنا. فساد متفشي ورشاوي واختلاسات وسرقة امول المتقاعدين او صغار المدخرين! باعوا السلاح لايران والعراق اثناء الحرب بينهما! يناصرون اسرائيل حتى لو ابادت كل قلسطيني على الارض. باعوا السلاح للامارات العربية والسعودية في حربهما ضد الشعب اليمني. والان يرسلون مليارات الدولارات وكل الاعتدة والاسلحة، حتى المحرمة دوليا، لادامة حرب الناتو في اوكرانيا. هناك امور كثيرة وكثيرة جدا هم افضل من مجتمعاتنا وحكوماتنا ودولنا ولكنهم لا يختلفون عنهم في الجوهر. اقرأ احيانا واسمع ان الفنان والكاتب والمبدع في الغرب بشكل عام يعيشون من نتاجهم، وهذا وهم اخر. عدد محدود جدا يتمتع بهذه الوضعية وورائهم دائما ماكنة رأسمالية مستفيدة من نتاجهم واعمالهم وشهرتهم. اغلبية السكان مكبلة بقروض من البنوك لكي يشتروا بيتا، او سيارة، ومن يريد السفر عليه ان يدخر ويقتر على نفسه واطفاله ويقترض لكي يسافر. ليس كل غربي يملك بيته الخاص او طيارته الخاصة او يخته الخاص، او شقته الفاخرة، او مزرعته الخاصة كما ترون في الافلام. هؤلاء اناس يعدون على الاصابع كما هو في بلداننا واغلبيتهم ممن امتصوا دماء المنتجين الحقيقيين. نعم هناك ضمان اجتماعي وضمان صحي. ليضمنوا استمرارك في الحياة لتشغل ماكنة رأسمالهم ولكي لا يغريك المثل الاشتراكي. كل الدول الغربية التي كان سلطتها لفترات طويلة بيد الاشتراكيين الديمقراطيين تراجعت عن اغلب المكتسبات او قلصتها بشكل رهيب بعد سقوط التجربة السوفيتية. وكل الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية تحولت الى اليمين في سياساتها بعد ان كانت تحاول الحد من نفوذ الشيوعيين وليس توفير الرفاهية لشعوبها. عادوا وسرقوا كل مايسميه البعض منجزات وحقوق وامتياوات وغيرها. يتحدثون عن "الديمقراطية" وعندما فاز شيوعي في قبرص بانتخابات الرئاسة اشترطوا ان يتغير حتى تدخل قبرص الى الاتحاد الاوربي، وعندما كلف شيوعي سابق في ايطاليا لمنصب رئيس الوزراء بالتحالف مع قوى ديمقراطية اخرى اشترط الاتحاد الاوربي ان يتخلى عن منصبه ليقوم الاتحاد بمساعدة ايطاليا في حل مشاكلها الاقتصادية، وعندما فاز الاشتراكي والشيوعي السابق باغلبية كبيرة جدا في اليونان طالبته كل الدول وخاصة المانيا بتسديد الديون المؤجلة فورا، وتنفيذ الشروط المذلة التي فرضتها الدول الراسمالية، او يتهدد اليونان اعلان افلاس الدولة فوافق الرجل على مضض ولم يحقق وعوده الانتخابية فخسر شعبيته وسلطته وتحول حزبة الى حزب هامشي. هذه هي ديمقراطية الغرب. وانتم تشاهدون وتسمعون ما يجري في ما يطلقون عليها "قلعة الديمقراطية الغربية" او "اكبر الديمقراطيات الغربية" اي الولايات المتحدة الامريكية، وما يجري فيها من ترهات واشكالات واتهامات وتزوير ومهاترات ومغامرات ترامب وتصريحاته النارية وجولاته البهلوانية. رأيتم في الانتخابات الفرنسية الاخيرة كيف كانت المنافسة الثانية لرئاسة الجمهورية زعيمة حزب عنصري معادي للمهاجرين ولولا تصويت اليسار الى ماكرون لكانت الان هي الرئيس، الذي وعد بعدم المساس بعمر التقاعد واخل بوعده وانزل كل قواته المسلحة وخالف الدستور وفرض زيادة العمر التقاعدي. في ايطاليا فازت زعيمة اليمين العنصري! وفي انتخابات اسبانيا الاخيرة كان الامر على قاب قوسين او ادنى. فيا احبتي، يا اصدقائي نحن لا نعيش في الغرب في رفاه وعزة ومساواة كاملة. وبالمناسبة ما نتمتع به من كفاف هو نتاج نضال اجيال عديدة وليست هبة او منه من احزاب الرأسمالية الحاكمة. نحن لدينا كهرباء، وماء، ومواصلات لكن اسعارها خيالية واستغلالية والهدف الاساسي ليس خدمة عامة الناس بل تشغيل الماكنة الرأسمالية. عندما يتحدثون بانفسهم عن "الغرب" او "اوربا الغربية" فهم بذك يميزون انفسهم عن اوربا الشرقية او الجنوبية. ليس جغرافيا، لكنهم يعتقدون انهم الافضل! فاذا كانوا يترفعون على ابناء جلدتهم وقارتهم من الاوربيين الاخرين فتصوروا كيف يتعاملون مع بقية الدول والشعوب والقارات. ابدلوا استعمارهم العسكري المباشر بالاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي فلا زالت فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها تسرق خيرات مستعمراتها السابقة وتترك ابناءها يموتون في البحار على امل الوصول الى اوربا. لازالت امريكا تحاول ان تبقى القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والمالية الاكبر والوحيدة في العالم وسخرت حتى هيئة الامم المتحدة لخدمة سياساتها التسلطية، وصندوق النقد الدولي لنهب ثروات الشعوب وفرض سياسات اقتصادية مجحفة تمنعها من التطور والاستقلال الاقتصدي. لازال الدولار، رغم ان لا غطاء له من الذهب، وهو مجرد عملة ورقية تصدر وتصك دون رصيد وتتلاعب امريكا باسعاره هبوطا وارتفاعا حسب مدد ووقت تسديد الديون. فرضت العولمة وهو نظام سيطرة الاحتكارت الرأسملية المالية على العالم كله. هناك كثير من الامثلة لكن الموضوع سيتشظى اذا انهمرنا في تعداد مساوئ الغرب الرأسمالي. ولا تنسوا انهم من قالوا: "الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا"! والمقصود عمليا انهم لن يسمحوا لنا نحن "الشرقيين" سواء كنا اوربيين او عربا او فرسا اواتراكا، او.. او... ان نكون بمستوى قوتهم العسدرية والسياسية والاقتصادية وهي الاهم. لا تغركم المشاريع التي يسموها/ تسموها عملاقة في الخليج العربي او بعض دول اسيا فهي برامج ومشاريع استهلاكية تجعل الشرق اكثر تبعية للغرب بالتكنولجيا والافكار واساليب الادارة وغيرها. انها مجرد هياكل عملاقة ورموز للاستعمار الاقتصادي وتحويل العالم الى سوق غربي تقوده امريكا. لهذا يحاربون النمو الاقتصادي في الصين والهند وافريقيا، والبرازيل، وتُحارب روسيا ومحورها كي لا تتحول الى قوى عظمى تتافسهم على شكل الاستعمار المالي الجديد. لاتحدثوني عن اليابان، او تايوان، او كوريا الجنوبية فهي ربطت اقتصادها وسياستها بالكامل بعجلة العربة الغربية. انها شبه مستعمرات اقتصادية للغرب وزعيمته الامبريالية الامريكية!
لا يمكن نكران ان هناك ايجابيات كثيرة في اوربا وهم افضل مما في دولنا بكثير في امور عديدة كالحريات الشخصية وحقوق المرأة، والطفل، وحقوق الانسان، وحقوق الحيوان، والتنظيم، والادارة، والتطور العلمي، والدراسي، والعمراني، والنقل، والقضاء، والفن، والادب، وغيرها، لكن الوضع ليس مثاليا، ليس طوباويا، ليس جنة، ليس فردوسا كما يتصورة ويصوره ويتخيله الكثيرون. فلا زالت هناك نخبة تحكم وتتحكم ولا زال هناك تمييز ولا زال هناك تفاوت طبقي فظيع وفقر يتزايد باستمرار قد يؤدي الى ثورات اجتماعية مزلزلة. كلما اقرأ اواسمع مبالغة فيما يخص الوضع الحياتي والمعاشي والاجتماعي والثقافي في الغرب اتذكر مقولة: "انبهار الريفي بالمدينة"!

8/8/2023
*كتبت الموضوع قبل فترة وانا طريح الفراش وقد اثبتت مجازر غزة عمق الازمة الاخلاقية للغرب ونفاقهم السياسي والاجتماعي ومعاييرهم المزدوجة لاحداث العالم! لقد سقطت ورقة ادم والى الابد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألغرب لايدعي انه جنة
د. لبيب سلطان ( 2024 / 1 / 3 - 21:46 )
استاذنا الفاضل
هناك تعبيرا دقيقا للحضارة الغربية يقول انها حضارة عقلية، أي انها تقوم على مبادئ العلم والعقل وليس على فانتازيات كالتي نجدها في جميع الايديولوحيات السماوية او الوضعية مثل مفهوم الشيوعية او الجنة عند المؤمنين.
وتعبير دقيق اخر يقول ان حضارة الغرب هي حضارة عمل وانتاج وليست حضارة بناء مجتمع كسالى.. تجد في اميركا اناس ينامون في الشوارع بدون سكن..ليس الناس فيها اقل انسانية ومشاعرا ولا الحكومة فقيرة او انها غير مهتمة بامر مواطنيها الا ان هناك تقليد ومبدأ راسخ في الحضارة الغربية - من لايعمل لا يأكل - ويستثنى منه العجزة والمسنين فقط ..
تمجيد ومكافأة العقل والعمل هما أهم اسس الحضارة الغربية ومنه كافأت هذه الامم نفسها في واقع الحياة وليس بمكا فأة من الجنة الربانية او الجنة الموعودة من ماركس وعندما تحركوا لاقامتها وفق وصفته والجميع شغيلة سواء عمل او لايعمل كما في السوفياتي انتهى الى مجتمع كسالى وانهار الاقتصاد الغرب لايقول انه جنة بل يقول ان الجنة فيه متاحة لمن يعمل ويفكر والجحيم لمن لايعمل ويريد عالحاضر، يجب فهم الغرب من فلسفته وليس من الايديولوجيات التي تبشر بالجنات
مع التحية

اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل