الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قتل اسمهان؟ هل فعلتها المخابرات؟! ولا يهم بعد ذلك مخابرات آى دولة!

أشرف توفيق

2024 / 1 / 3
الادب والفن


أسمهان أسطورة ولغز(3ن3 ))

فى كتاب: عاشوا اسطورة وماتوا فزورة

وتبدأ القصة من البداية دولة للدروز، ودولة للشيعة، ودويلات للسنة وكانت البداية أن يتم تجميع عشائر الدروز في جبال لبنان وسوريا وفلسطين لإنشاء "دويلة" لهم، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأن يكون ذلك تمهيداً لتنفيذ "وعد بلفور" الصادر سنة 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكانت تلك الخطة بإنشاء دويلات في العالم العربي هي لاستقرار الوضع لليهود في فلسطين بقيام دولة إسرائيل، وحتى يمكن السيطرة على المنطقة. كانت الخطة التي وضعها الإنجليز بشأن الأقليات في العالم العربي تقضي بتقسيم العالم العربي إلى "دويلات" صغيرة.

وفي الدراسة التي كتبها البريطاني نيكولاس فاث بعنوان "أسمهان والمخابرات البريطانية" يقول: وطائفة الدروز تسكن الجبل في جنوب سوريا.. جبل الدروز، وعاصمة جيل الدروز هي السويداء، وعائلة الأطرش التي تنتسب إليها أسمهان هي التي تحكم جبل الدروز؛ فهم زعماء الدروز، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية، كانت أسمهان تعيش في القاهرة، وكانت قد أصبحت مطربة ونجمة مشهورة..

ويذكر نيكولاس أن القاهرة في ذلك الوقت وقت الحب، كانت واحة لحياة السلم، وكان المدهش أن الحرب لم تمسها!! لم يكن البريطانيون يثقون في المصريين الذين ابدوا تعاطفاً مع الألمان والإيطاليين، لكن القاهرة في ذلك الوقت، وقت الحرب، كانت كذلك مقراً للجنرال وايفل ورئيس أركان حرب القوات البريطانية في عموم الشرق الأوسط، وكانت تقع على عائقه أصعب المهام بالنسبة لأي قائد بريطاني خلال الحرب العالمية الثانية.كان يتعين عليه أن يحارب بقوات محدودة على خمس أو ست جبهات في نفس الوقت.. وكان معرضاً لضغط شديد من تشرشل لكي يكون أكثر هجومية.. وتسلطت الأضواء كثيراً على جبهة الحرب في الصحراء ضد روميل، وكانت سوريا ولبنان تحت سيطرة قوات حكومة فيشي الموالية للألمان، وكانت خطة بريطانيا هي دخول سوريا ولبنان وطرد تلك القوات الموالية للألمان منهما.

وكانت هذه الخطة تقتضي الاتفاق مع زعماء جبل الدروز على عدم التعرض للقوات البريطانية عند عبورها الجبل للدخول إلى سوريا والسماح لها بالتقدم دون مقاومة، ومن هنا جاء دور أسمهان، لجأت إليها المخابرات البريطانية للاستعانة بها باعتبارها أميرة درزية وزوجة أمير جيل الدروز حسن الأطرش.

كان دور أسمهان هو إقناع زعماء جيل الدروز لتهيئة الوسائل اللازمة لضمان نجاح تلك المغامرة، وكانت المخابرات البريطانية على علم تام بأحوال أسمهان وانغماسها في الترف والتبذير، ولذلك راحت ترقب كل تصرفاتها قبل الاتصال بها لتنفيذ تلك المهمة.

ويقول نيكولاس أن اتصال المخابرات البريطانية بأسمهان تم في البداية عن طريق "وسيطة" هي "أمينة البارودي" الصديقة الحميمة لأسمهان، وكانت أمينة البارودي معروفة للمخابرات البريطانية باسم "الأرنبة السوداء"، وحسب وصف السير ستيفن هاستنفز لها فهي امرأة نصف تركية نصف شركسية معروفة بحسها السياسي، وهي قصيرة سوداء العينين والشعر وكانت ترفع شعرها وتجعله وراء أذنيها.. وكانت بنيتها القصيرة والعضلية تمثل لها مشكلة كانت تتغلب عليها بارتداء حذاء ذي كعب عال مرتفع جداً! وكان مظهرها العام الشديد التأثير يزيد من شخصيتها المتفجرة. ويقرر التابعي أن أسمهان حلفته على مصحف ألا يفشي سرها وعرف منها في 23 مايو 1941 أنها اتفقت مع الإنجليز على القيام بعمل سيغير مجرى الحرب العالمية وأنهم كرماء معها وكانوا قد أعطوها (17000 جنيها)!!

في روايته عن كيفية اتصال المخابرات البريطانية بأسمهان يذكر شقيقها فؤاد الأطرش أن أسمهان كانت وقتها تعيش في شقة بعمارة الإيموبيليا، ولم يكن يراها إلا لماما إلى أن كان يوم التقى فيه بصديقة لأسمهان فقالت له أن أسمهان تريدك لأمر عاجل! فهز كتفيه استخفافاً وقال، وما عساه أن يكون هذا الأمر العاجل غير أزمة مالية أو حجز على أثاث البيت، أو عربون متعهد حفلات لم تذهب لحفلته، أو لعبت القمار خطورة!. وردت صديقتها تقول: لم تقل لي أسمهان السبب، ولكن صوتها كان ينبئ عن خطورة!

وفي المساء دق جرس التليفون في بيت الأسرة، وقالت صديقة أسمهان ثانية لفؤاد الأطرش أن أسمهان تريده فلم يهتم، وفي الصباح اتصلت صديقة أسمهان للمرة الثالثة بفؤاد تقول له إن أسمهان تريده.. ورد فؤاد بأن أسمهان إذا كانت تريده فإن عليها أن تأتي إليه، أو على الأقل أن تتصل هي به تليفونياً وتقول لماذا تريده.. وطلبته أسمهان بالتليفون.. وقالت في نبرات جديدة عليه:

- الأمر خطير يا فؤاد.. وأنا في موقف عصيب.. الأمر فيه مصلحة الأسرة كلها..

فقال مستهيناً: "أية أسرة؟"

قالت: "الشجرة الأصيلة يا فؤاد.. شجرة الدروز.. كل الدروز.."

وظن فؤاد إنها تمزح وتسخر، لكنها استطردت تقول:

- الأمر يتعلق بأرواح كل الناس في جبل الدروز.. لهذا أريدك، فإنني لا أستطيع أن أخطو خطوة قبل الرجوع إليك.. فأنت هنا أبي فكيف أتصرف وحدي؟

وأحس فؤاد أن الأمر جد؛ فوضع سماعة التليفون وأسرع إلى شقتها بعمارة الإيموبيليا وقابلته أسمهان بشوق حقيقي. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يدخل فيها فؤاد إلى هذه الشقة، وجلست أسمهان تحكي له.. قالت أسمهان:

- جاءني ضابط بريطاني يدعي "الجنرال كلينتون".. هل سمعت عنه يا فؤاد؟

وقبل أن يقول فؤاد شيئاً استطردت هي تقول:

- هو قائد المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط، وكان معه "السير والترسمات" مستشار شئون الشرق الأوسط في السفارة البريطانية!

وارتج فؤاد لسماع الاسمين، فهو يعرف مقدارهما وما يستطيعان، وتظاهر بالإنصات وهو في الحقيقة بتأمل وجه شقيقته.. وقالت أسمهان:

- لست أدرى ما الذي جاء بهم إلي، ولكنهما قالا لي إنهما اختاراني لمهمة كبيرة فهما يعرفان أنني أميرة جبل الدروز، وزوجة حسن الأطرش الذي يتمنى عودتي إليه وأنهما يريدان أن أحادث زعماء الجبل في أمر مهم، وهو ألا يتعرضوا لجيوش الحلفاء - بريطانيا وفرنسا الحرة - عند عبور هذه الجيوش لجبل الدروز وتقدمها لاحتلال سوريا وطرد قوات حكومة فيشي الموالية لألمانيا النازية منها!.

وكانت بريطانيا وفرنسا الحرة التي يقود مقاومتها الجنرال ديجول قد اتفقتا على بدء عملية واسعة للزحف على سوريا ولبنان، وكان البريطانيون والفرنسيون يعرفون أن جبل الدروز هو أحد الممرات المهمة إلى سوريا، ويريدون الاتفاق مع زعماء الدروز كي يضمنا عدم التعرض لقواتهم والسماح لها بالعبور دون مشاكل. وأجمعت تقارير المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط على أن أسمهان تستطيع القيام بهذه المهمة بنجاح. لما لها من مكانة في قلوب الدروز، وتطلع فؤاد طويلاً إلى وجه أسمهان في إشفاق.

قررت أسمهان أن تقوم بالمهمة، سافرت إلى عمان فوصلت إليها بعد الظهر وانقضى اليوم ولم يتقدم إليها أحد، ومضى صباح اليوم التالي ولم يتصل بها أحد، وبعد الظهر اتصل بها تليفونياً شخص مجهول وكلمها بلغة فرنسية رقيقة، وفهمت منه أنها يجب أن تكون مستعدة بحقائبها بعد نصف ساعة، وفي الموعد المحدد كانت جالسة في ردهة الفندق وحقائبها القليلة حولها، وأقبل خادم يقول لها أن سيارة تنتظرها أمام الفندق.

ومشيت إلى السيارة ووضع الخادم حقائبها فيها، وأخذت أسمهان مقعدها إلى جانب السائق، ولم يكن في السيارة أحد سواه. كان السائق ضابطاً إنجليزيا شابا، ومن صوته عرفت أسمهان إنه هو الذي حدثها بالتليفون، وانطلقت بهما السيارة إلى طريق الشام، وأثناء الطريق راح الضابط الشاب يذكر لها أسماء زعماء الدروز ويسألها بعد كل اسم هل تعرف صاحبه، وطبعاً كانت تعرفهم جيداً فهم أقاربها وأبناء عشيرتها، ثم أخذ يسأل عن الحالة المالية لكل واحد منهم والاجتماعية، هل هو رجل طموح أم قنوع؟.. هل هو ممن يمكن الركون إليهم وإلى كلمتهم؟

وانتقل الضابط بعدها إلى أفراد زعماء البادية ورؤساء القبائل الضاربة في صحراء سوريا، ولكن معرفتها بهؤلاء كانت قليلة جداً، فهي لم تكن تعرف منه سوى اثنين أو ثلاثة وكان هو ملماً بكل شيء عن كل واحد منهم. ودام الحديث بينهما في هذا الموضوع أكثر من ساعتين، واختارا تسعة من الأمراء والزعماء وهم الأكبر مقاماً وأوسع نفوذاً في الجبل وفي البادية كان على رأسهم زوج أسمهان الأمير حسن الأطرش.. وأخذ الضابط يذكر أسماءهم واحداً بعد واحد، وهو يسأل أسمهان: ما رأيك هل تظنين أنه يقنع بخمسمائة جنيها في الشهر؟ وكانت أسمهان تقول: "كلا.. مستحيل أعلى الأقل ألف جنيها".. ويتناول الضابط زعيماً آخر أو رئيس قبيلة وهو ويقول هل تكفيه ألف جنيها في الشهر؟ فتقول هي كلا! هذا رجل قوي وغني وألف جنيها لا تملأ عينه، فعلى الأقل ألفان!

وحينما بدأ زحف قوات الحلفاء من فلسطين على سوريا ولبنان، وكان جيش الحلفاء مكوناً من الأستراليين والهنود وقوات فرنسا الحرة التي هي قوات الجنرال ديجول، وتمكن الحلفاء من دخول سوريا ولبنان، وطردوا منها قوات حكومة فيشي الموالية للألمان، وقضوا على كل أثر فيهما لنفوذ دول "المحور".

وقد رافقت أسمهان قوات الحلفاء في زحفها على سوريا ولبنان، وتعاظمت منزلتها بعد أن بسط الحلفاء سلطانهم التام على البلدين، واختارت أسمهان دمشق لتكون مقراً لها بدلاً من السويداء، وغدا بيتها كعبة القصاد من الرجال الكبار، والجنرالات.. وأصحاب المصالح الذين يقصدونها لتوسيطها لدى رجال الحكم الجديد!

وبالطبع تعاظمت مكانة أسمهان، بعد انتصار الحلفاء وسيطرتهم على سوريا ولبنان، ومنح الحلفاء - وهم في حقيقة الأمر بريطانيا وفرنسا الحرة بزعامة الجنرال ديجول - منحوا أسمهان قصراً فخماً في بيروت! وخصصوا لها "الجناح الملكي" في فندق الملك داود بالقدس! وكان لها قصر زوجها في السويداء عاصمة جبل الدروز! وقد طلبت الأميرة أسمهان من الجنرال كاترو أن يكون لها حرسها الخاص! فوافق الجنرال، وذهبت أسمهان إلى جبل الدروز لتختار بنفسها الرجال الذين سيكونون حرسها الخاص، واختارت أربعين رجلاً من خيرة الرجال الأشداء، عادت بهم إلى بيروت، وصنعت لهم زياً خاصاً من الملابس: سترة موشاة بالقصب ذات أكمام واسعة، ولونها سماوي، وتحتها سراويل سوداء فضفاضة مما يرتديه الدروز، وحذاء أسود، وفي أيديهم سيوف، وإذا ما تجولوا حول القصر يكون ذلك على صهوات الجياد!

وكثيراً ما كانت تبعث بالبعض من حرسها هذا إلى الجنرال "كاترو" يمشون وراءه في الحفلات الرسمية! ويبهرون أنظار من يراهم بزيهم المزركش البديع، وإلى جانب الحرس الخاص، كان لأسمهان "تشريفاتي" يستقبل الضيوف! وقد أخذ الجنرال "كاترو" بعضاً من حراس أسمهان لحراسته بعد أن سمع ببراعتهم في إطلاق الرصاص وتفوقهم في القتال وجهاً لوجه، وكانوا ينقلون إلى أسمهان كل ما تريده من أنباء وأسرار!

تبقى مغامرة أسمهان المثيرة التي قامت بها للاتصال بالمخابرات الألمانية للعمل معها ضد الحلفاء، الذين سبق أن عملت معهم، ومهدت لهم غزو سوريا ولبنان، وجعلت من جبل الدروز معبراً لجيوشهم دون مقاومة.. تبقى هذه المغامرة لغزاً آخر في حياة أسمهان!

والمثير في هذا اللغز أن أسمهان قامت بهذه المغامرة دون علم زوجها الأمير حسن الأطرش الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في سوريا، مكافأة له على الخدمات التي قدمها هو وزوجته الأميرة أسمهان للحلفاء، وهما بريطانيا وفرنسا الحرة.

لماذا كان اتصال أسمهان بالمخبرات الألمانية؟.. هل لمزيد من المال؟ بعد أن قبض الإنجليز أيديهم، وأخذوا يضنون عليها بالمال الكثير، لتبذيرها وإسرافها في إقامة الحفلات والشراب؟

أم من أجل قضية بلادها، وعشيرتها، وإدراكها أنها قد جعلتهم يراهنون على جواد خاسر! خاصة أن الحلفاء قد نكثوا بعودهم في منحهم الاستقلال؟

ثم كيف أقنعها الصحفي الأمريكي فورد، عميل المخابرات الألمانية، بالعمل مع الألمان ضد الإنجليز؟ وحدد لها موعداً لمقابلة سفير هتلر في "أنقرة"؟

الروايات عديدة حول هذه المغامرة! وكلها تحاول حل هذا اللغز.. لغز اتصال أسمهان بالمخابرات الألمانية!..

ومما كتبه التابعي عن ذلك أن أسمهان قابلت صحفي أمريكي (فورد) في قطار يوم سفرها من مصر إلى فلسطين وأصبح بينهما علاقة صداقة ثم حدث أن كلمها تليفونياً في بيروت وطلب منها اللقاء وعند اللقاء قال لها:

لقد استطعت أن تقنعي زعماء الدروز وأمراء البادية بأن ينقلوا ولاءهم لحكومة فيشي إلى الحلفاء.. ولا شك عندي أنك فعلت هذا عن حسن نية واعتقاداً منك بأن النصر للحلفاء، وإنك إنما تخدمين بلادك بهذا العمل، ولكن أما وقد ثبت لديك الآن أن النصر هو حتماً لألمانيا فلا أقل من أن تحاولي إصلاح ما أفسدت، وأن تنقذي بلدك وعشيرتك قبل فوات الوقت، وذلك بأن تقنعيهم بأن يتخذوا - متى حانت الساعة - الموقف الوحيد الذي تفرضه عليهم مصلحتهم ومصلحة بلدهم.

ومضى يقول أن الإنجليز كما يدل تاريخهم قوم ناكرون للجميل! أما ألمانيا فإنها تعرف دائماً كيف تكافئ أصدقاءها بسخاء، وإنني سوف ألمس هذا السخاء إذا زرت أنقرة والتقيت بسفير هتلر هناك "فون باين"!

وقالت أسمهان:

- وهنا سألت الصحفي الأمريكي فورد: هل هو يقترح علي أن أسافر إلى أنقرة؟

فقال الصحفي الأمريكي: ولم لا؟ إن تركيا بلد محايد، ويمكنك أن تزوري أنقرة واستانبول بحجة إراحة أعصابك المرهقة أو تبديل الهواء، ونحن الآن في خير فصول السنة لزيارة أنقرة واستانبول، ومن السهل علي أن أدبر لك مقابلة مع "فون باين" سفير ألمانيا في أنقرة، بل أنا مستعد لأن أصحبك في هذه الزيارة إذا لزم الأمر.

وقالت أسمهان:

- وطلبت منه أن يمهلني يومين ريثما أفكر وأقلب الأمر على وجهه، وافترقنا على أن يعود بعد يومين ليعرف رأيي النهائي.

ويقول التابعي: وهنا سألت أسمهان:

- ألم يخش الصحفي الأمريكي هذا أن تشي به إلى سلطات الحلفاء في سوريا ولبنان؟

قالت: وأين الدليل على صحة هذا الاتهام.. وإذا كنت فعلت؟ أقصى ما كان يمكن اتخاذه ضده هو إخراجه من البلاد، ولا تنس أن أمريكا لا تزال على الحياد، أي أن عمله هذا لا يعد في نظره خيانة لبلده، ولا هو مما يعاقب عليه القانون في أمريكا.

ومضت أسمهان تقول:

- وعلى كل حال فإن فكرة التبليغ عنه لم تخطر ببالي وليس من خلقي أن أشي برجل وثق بي! كما أن كلامه أثر في كثيراً فقد كانت حجته قوية تؤيدها شواهد الحال، ولهذا لم يطل ترددي وقررت أن أسافر إلى أنقرة؟

ولكن الإنجليز قبضوا عليها وعلى الصحفي الأمريكي بأن فصلوا العربة الموجودان بها من القطار عند الحدود التركية- السورية وقبل الوصول إلى أنقرة؟!

واعتقدت ألمانيا أن أسمهان وشت بعميلهم الصحفي الأمريكي لأنه قبض عليه بتهمة التجسس لحساب الألمان ووضعت أسمهان على (قائمة الموت) أما الإنجليز فقد سحبوا نفوذ أسمهان وتعاملوا مع الأمير حسن الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في سوريا وطلبوا سحبها من القدس وسوريا وتحديد إقامتها في السويداء وبالطبع جندوا بعض الشيوخ للحديث عن أهمية البيت للزوجة وبخاصة إذا كانت زوجة الأمير!!

يذكر فؤاد الأطرش "أخوها" عن ذلك أن الصحفي الأمريكي فورد كان يتردد على أسمهان وفندقها أو قصرها أو حيثما تكون، ويغريها بالتعاون معه بعد أن صارحها أنه يعمل لحساب دول المحور، وقد عرض عليها أموالاً طائلة! وقال لها أن خطة العمل ستبدأ إذا ذهبت إلى سفير ألمانيا في أنقرة "فون بابن"..

لقد عقدت العزم عل الانضمام للمحور، وهو قرار اتخذته هي دون أن تستشير أحداً وفي هذه الآونة كان الأمير حسن الأطرش قد استبد به الغضب لأنه كان يرى زوجته أسمهان تعود سيرتها الأولى في السهر والشراب، وكلما حاول منعها أخفق واتفق مع الجنرال كاترو على تقييد تحركاتها فأحنق هذا أسمهان وزاد من غضبها على الإنجليز والفرنسيين، لكن السلطات الفرنسية.. سلطات فرنسا الحرة التي يتزعمها الجنرال ديجول لم تلبث أن مدت يدها لأسمهان!! فقد أدركت هذه السلطات - كما يقول التابعي - أن البريطانيين لم يطردوا قوات حكومة فيشي الموالية لألمانيا من سوريا ولبنان لكي يعيدهما إلى الحكم الفرنسي ويضعوهما تحت سلطات الجنرال ديجول! ومن هنا نشطت سلطات فرنسا الحرة بقيادة ديجول في حشد الأصدقاء والأنصار الذين قد ينفعونها ويخدمون مصالحها عند اللزوم. ومن هنا أيضاً مدت هذه السلطات يدها إلى أسمهان!

ووضع "الجنرال كاترو" المندوب السامي "للجنرال ديجول" ورجل المخابرات الفرنسية، وضع أسمهان تحت رعايته! واستأجرت لها بيتاً مفروشاً في حي من أرقى الأحياء ببيروت، وانطلقت أسمهان في حياتها الجديدة، لكنها لم تكن تلك الحياة التي تعشقها.. حياة الأبهة والترف والبذخ التي تعودتها.

ومدت أسمهان رأسها في "العراق"، ولكن يبدو أنها كانت تتعامل مع الجاسوسية بمفهومها الخاص فلم يعجب ذلك الفرنسيون، ومن الألغاز العديدة في حياة أسمهان "أنه أنعم عليها برتبة "ملازم ثان" في سلاح الطيران الملكي العراقي وقتها!! بل أن لها قصص غرام طويلة مع جنرالات فرنسا حتى أن أمرها وصل لديجول الذي كان يطلق عليها "جوهرة الجبل"

وبالفعل كان الفرنسيون يسخنون الملعب لامرأة أخرى هي مدام (ج) التي عن طريق الصحف التابعة لها بدأت تنشر كل ما يشين أسمهان، وبخاصة ما نشر عنها في الصحف المصرية: اللطائف المصورة والمقطم ومن ذلك أنها جعلت شقتها في مصر نادياً للقمار وداهمه البوليس؛ فما كان من أسمهان إلا أن اشترت 50% من جريدة الحدث لترد وتعيد الأضواء لها، وبالفعل بدأ الإنجليز يتصلوا بها ثانية ولكن؟! إن السلطات البريطانية أو بعبارة أدق "قلم المخابرات البريطاني" يطلب أو يفرض على الذين يعملون معه الكياسة والحذر في العمل والكتمان والولاء، وهو بعد هذا يجزل لهم في العطاء!

ولقد دلت أسمهان بتصرفاتها في الشهور الأخيرة على أن صفة واحدة أو شرطاً واحداً من هذه الشروط غير متوافر لها!.. لم يكن مثلاً من الكياسة ولا من مقتضيات الحذر هذا الإسراف الذي ما بعده إسراف، وهذه الولائم وهذه الحفلات! إذ كان طبيعياً أن يتساءل الناس من أين لها كل هذه الأموال التي تنفقها بغير حساب! ولم يكن سؤال الناس ليبقى طويلاً بدون جواب!

وإذن فإن أسمهان قد كشفت بهذا التصرف عن حقيقة علاقاتها بالبريطانيين أو بقلم مخابراتهم السرية، وعندما انكشفت حقيقة هذه العلاقات فقدت أسمهان كثيراً من "قيمتها" لدى البريطانيين لأنهم قدروا أنه سوف يستحيل عليها بعد ذلك أن تؤدي بنجاح أية مهمة يمكن أن يعهدوا بها إليها هذه واحدة.

والثانية إسرافها في الشراب، وما يجره!.. ولسان أسمهان لم يكن في يوم ما باللسان الحذر الكتوم، ولم يكن في مقدورها أن تبقى طويلاً أي سر مكتوم في صدرها! فإذا قدرنا تأثير الشراب في إطلاق عقدة اللسان أمكننا أن ندرك بغير عناء أن كافة أسرار قلم المخابرات البريطاني التي وقعت عليها أسمهان أصبحت معروفة تتداولها الألسنة في دمشق والقدس وبيروت!

ولذا كان يجب أن يقع الحادث هكذا وبنفس الطريقة بل أن صديقتهما (ماري قلادة) التي ماتت وهي ليست صديقة بعيدة، وإنما عاشت معها آخر ثلاث شهور لها في القدس في قمة الأحداث قبل أن تسافر مرة أخرى إلى مصر فهي عرفت الكثير أو سمعت الكثير، لقد عاشرتها وقامت بتمريضها هناك؟!!

وبعد كل هذا اختار أنت من القاتل؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدورة الـ 77 من مهرجان كان السينمائي.. ما أبرز ملامحها وأهم


.. الموسيقي المصري محمد أبوذكري يصدر ألبومه الخامس -روح الفؤاد




.. بين المسرح والسياسة: المخرج وجدي معوض في عشرين 30 ??بعد اتها


.. بعد جولة عروض عربية وعالمية، مسرحية أي ميديا في باريس




.. صباح العربية | الفنانة السعودية سارة صالح تبدع في غناء أغنية