الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(فحيح) رمزية القاص عبد الرزاق السويراوي - قراءة تأويلية -

داود السلمان

2024 / 1 / 4
الادب والفن


مقدمة لابد منها:
عليك بحِسن الاختيار للكتب التي تروم قراءتها، لتمتص رحيقها وتشرب من معينها العذب، قبل أن تشرع في الكتابة؛ ودخول هذا العالم الرحب، من أوسع أبوابه. إذا أردتَ أن تكون كاتبًا ناجحًا، يشار إليك بالبنان ( في المحافل الثقافية والادبية، وأن يقرأ لك كل من عرفك، وعرف أسلوبك بالكتابة، وطريقتك التي تميزت بها عن الآخرين؛ وابداعك أللامحدود، وتقنيتك العالية في اختيارك لموضوعاتك؟). إذا أردت كل هذا؛ وجب عليك أن تكون قراءاتك متنوعة، لا تختصر على لون بعينه، كأن تقرأ الكتب الادبية وتكتفي بذلك، الكاتب من شروطه أن يكون مثقفا، والثقافة يجب أن تكون عامة وشاملة.
وثمة نقطة أخرى تُعد مهمة ويجب الأخذ بها، هي أن لا تستعجل النشر، أولًا، وثانيًا، أن تعيد الكتابة التي تكتبها (قصة كانت أم رواية أم بحث فكري، وحتى مقال أدبي أم غير)، فتعيد قراءته لأكثر من خمس مرات على الأقل، وفيها تحاول استبدال بعض المفردات بأخرى، وأن تتجنب الأخطاء قدر المستطاع. أقول هذا، لأنه أجد الكثير، والكثير جدًا من كتابنا لاحظت في كتاباتهم أمور فضيعة، لا يجب السكوت عليها.
الابداع ليس بكثرة النشر، وبعدد الكتب التي يصدرها الكاتب؛ هل تدري أن الكتب التي ألفها الفيلسوف جان جاك روسو، طيلة حياته لا تتجاوز الاربع كتب؛ كذلك الفيلسوف الاماني آرثر شوبنهاور أيضًا ألف أربع أو خمس كتب في حياته التي تجاوزت اثنان وثمانون عامًا؛ كذلك أيضًا الروائي الكولومبي ماركيز، صاحب "مائة عام من العزلة"، ألف خمس روايات واصبح من أشهر الكتّاب العالميين في القرن الواحد والعشرين، وحصل على جائزة نوبل.
الكتابة ابداع، والابداع فن والفن ذوق وجمال، وخبرة في مجال الحياة: الثقافية والعملية والفلسفية، ولا تأتي هذه الخبرة إلّا عن طريق الممارسة المستمرة في القراء وفي الكتابة، وذلك للاستيعاب وترويض الفكر على التأمل، ومن ثمَّ اخراج الخزين الذي جاء من كثرة القراءات المتعددة؛ ولا يأتي ذلك بين ليلة وضحاها، ما لم يكن ثمّة معاناة، وقراءة مركّزة، واستحضار مسبق للموضوع.
قصة الفحيح:
في هذه القصة، حاول القاص عبد الرزاق السويراوي، ايقاظ ذهنه بجدح قبضة أضاءت عن فكرة بعينها (فحيح)، اختمرت في فكره الناضج لتصبح قصة قصيرة، قد تكون مميزة، كما أرى كذلك، في طرحها وفي موضوعها، وكذلك في سردها، إذ بدأ الكاتب بعبارته: " المصباح الوحيد، بالكاد يطرد الظلمة في فضاء غرفته التي خلتْ تقريباً من أيّ أثاث، باستثناء منضدة خشبية متواضعة مركونة الى جانب سريره". ومن وجهة نظري البسيطة، أعتبر هذه المقدمة، مقدمة ناجحة وكانت في محلها كذلك، حيث يجب أن تكون المقدمة تثير الانتباه، كونها مدخل الطرح، كما ذكرنا في دراسة سابقة، ولا نريد أن نكرر هنا ما ذكرناه هناك.
بطل القصة شخص تجاوز عمره الخمسين عاما، لاحت له التفاته بلحظة عابرة، وإذا به يشاهد أفعى ملونة تدخل الجدار، في منزله، رويدًا رويدًا، ثم تختفي داخل غرفة المنام المطلة على الغرفة التي امامه؛ في مشهد أشبه بالمشهد التراجيدي، (لأنه الأفاعي منظرها مخيفا)، والرجل بحالة ذهول، غير مصدّق ما يجري امام ناظريه.
القصة حين تقرأها، تحكم عليها من الوهلة الاولى، على أنها قصة مباشرة لا تفرق كثيرًا عن القصص التي نقرأها هنا وهناك. لكنّ في نهايتها (حيث القاص ترك النهاية مفتوحة لنا، لكي يضع القارئ النهاية المناسبة لها بحسب ما يرى هو، وهنا يكمن الابداع لدى القاص، على أنّ – القاص - أبدع في صياغة وعرض قصته هذه بالشكل المكلوب) أي عندما تنتهي القصة، سيرى أن القصة تتمتع بالطابع الرمزي، فضلا عن السّرد الممتع، والتنقل بين جملة وأخرى، مما لا يدع الكاتب، السأم يتسرب الى مزاج القارئ، حيث تجده يتمتع بهذا الاسلوب البنائي للقصة، وبالحبكة الدراماتيكية، وبانسياب الجمل متراصّة، خالية من الزوائد، بحيث إذا رفعنا جملة واحدة سينهار بناء القصة، ما خلّ بأسس البناء فيضيع جزء هام من المعنى السياج المحاط بالقصة؛ وهذا ما تلافاه القاص وعمل على الحفاظ عليه، الامر الذي دلّ على خبرة القاص في فن القصة، وأنه كان على دراية تامة، قبل أن يخوص بالتفاصيل.
الرمز:
قلنا قبل قليل أن القصة كانت رمزية، وليست مباشرة؛ والرمز الذي استعمله القاص القصة بـ "فحيح" وهو عنوان القصة، ولم يسمها أفعى أو الافعى. لأن "فحيح" تعطي معان كثيرة، ز "فحيح" هو صوت الافعى، فلو اطلق عليها "الافعى" لضاق الخناق على الطابع العام للقصة، أو أنه لم يعطها البعد الماورائي، أي ما وراه الحدث الذي عمل عليه الكتب نفسه، أو الغاية التي اراد بيانها فعمل عليها بهذا الطابع الرمزي، وهو الصحيح.
فـ "فحيح" قد يعني أشياء كثيرة، حيث رمز لها القاص مثل: الشّر، الغموض، مصيبة على وشك الحدوث، كارثة ستحل، طوفان مُرتقب، حادث مرعب...الخ.
الرمز والمباشرة:
قلنا إن القصة كانت رمزية بامتياز، وأنْ كان السّرد قد ينم عن مباشرة؛ لكن العنوان جعل على أننا نسير بطريق غير سالك، لا ندري إلى اين متجهين، ونحن نمشي بهذا الدرب (درب القراءة) بالتالي تبين لنا الامر وانجلى واضحًا، على أننا نسير بأحداث لم يوضحها الكاتب لنا بصورة مباشرة، وهذا هو سرّ الكاتب المتضلع المحنك، المتسلح بسلاح الخبرة والفن.
أما المباشرة، فأنها ضيقة الافق، كأنها مرسومة أحداثها رتيبة مسبقا، ليس فيها طابع المفاجئة وعامل الدهشة، وهما من اهم العوامل التي تشدّ القارئ، فيساعد في نجاح العمل، واهم من كل ذلك هو اعطاء الفسحة الكبيرة لإبداع الكاتب لينتج الوعي والذوق، ويظهر خبرته ومعرفته في هذا الفن؛ فن القصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل